الخميس، 7 يوليو 2022

عبد الوهاب عزام .. والممسوخون

عبد الوهاب عزام .. والممسوخون

     "الممسوخون" اسم يمكن لنا أن نجد مسماه عند كل من يتخلى عن تراثه وتميّزه، ويمضي وراء التقليد الغبي، والتبعية المرذولة، ليفقد كل استقلال وأصالة، وليكون في مرتبة التابع الذليل والقرد المقلد. ها هو ذا الدكتور عبد الوهاب عزام يقول تحت عنوان "المسخ":

قال لي صاحبي سمعت عجيـباً     من حديث عن الزمان القــــديمِ
أن نــاساً من الخنازيرِ صاروا     وقـــروداً تُرى بخُــــلْق دميـــم
ما رأينـــاه، ما رآه ثـقــــــــاتٌ     كيف ترضى العقول بالتسليم!؟
قــلت: فاسمع هُدِيتَ تأويل هذا     واســــألَنْ إن شككت كل حكيم
إن مســـخَ الطبـــاع تأويلُ هذا     لا تظنَّ المرادَ مسخَ الجســـوم
أيُّمــا أمـــة تحـــاكي ســــواها     لا تبـــالي صحيحها من سقيــم
فاحسَـــبَنْها من القرود قبــــيلاً     حاكيـــات الفعال دون حلـــوم
وإذا أمة سعـــت في الدنـــــايا     وارتضت في الفِعـال كلّ ذميم
فاحسَبَنْها من الخنـازير ترعى     في الخبيثات كل مرعى وخيم

     وبعد أن عرفتَ "الممسوخين" عند عبد الوهاب عزام، فهيا نتعرف إلى أضدادهم الكرام في نجوى شاعر مؤمن يصور فيها وقفة المؤمن بين يدي خالقه، حيث يعرف من هو حقاً، ويحتفظ بأصالته، وينأى عن كل ما يؤدي به إلى المسخ، هيا معاً إلى الشاعر يوسف العظم حيث يقول:

ربِّ قد أقبــــلت في ظل رحـــــابِكْ     خـــاشع الطرف لدى نور شهـــابِكْ
خـــاضع النفــــس ذليــــلاً صاغراً     وفــــؤادي ســــاجد يجثـــو ببـــابِكْ
كـــم بـــكى يـــا رب في سجــــدته     إذ يهـــاب الهول في يوم حســــابِكْ
يرقـــــب الغفـــران في يوم الظَّــما     وهو يرجو الورد من فيض شرابِكْ
كـلما وســــوس شيــــطان الهــوى     قــــلت يا شيــــطان سحقاً لسرابِـكْ
أو دعـــاني خــــاطر يعصـــف بي     قــــلت: يا شـــــاعر رفقاً بشبــابِكْ
كيـــف تشــــري ضلة بعد هـــــدى     وتمني الـنفــــس ظلماً بخـــرابِكْ!؟
أنت ما زلـــت فتى لا ترعـــــــوي     ضلت الحكمة في غضِّ إهابِــــــكْ
عــــد إلى الله، ورتــــــــل آيَـــــــهُ      فـلعــــــل الله يرضى بمتــــــــابِكْ
ربِّ لن يهــــــديَني في حيــــــرتي     غيـــــر نورٍ وسنـــاءٍ من كتــــابِكْ

*****

قوم بلا أسماء

قوم بلا أسماء

     نشرت مجلة "راديانس" الصادرة في دلهي بتاريخ 17 كانون الثاني 1971م، مقابلة تمت بين كاتب المقال وأحد الشبان الأوزبكيين؛ (أي مواطن من جمهورية أوزبكستان المسلمة؛ السوفييتية آنذاك)، وكان هذا الشاب عضواً في وفد رسمي سوفييتي يزور جمهورية الهند. يقول كاتب المقابلة:

     بدأ الأوزبكي الكلام بقوله: هل أستطيع أن أجلس معك؟

     أجبته: مرحباً بك. فسحب الأوزبكي كرسياً وجلس، وانزلق حديثنا بهذه البداية برقة، فسألني عن الحياة في الهند، وسألته عن أوزبكستان. واستفسرته: هل أنت مسلم؟

     قال: نعم، ولكن ليس عندنا الآن إلا النزر اليسير من الإسلام، فدولتنا علمانية بدون دين وليس مثل دولتكم.

     فسألته: ألا يوجد هناك مساجد الآن؟

     قال: نعم، ولكن أغلبها قد تحول إلى مدارس ومستشفيات، والكبار في السن فقط هم الذين يصلون الآن.

     ثم جلس هادئاً لفترة من الزمن، استأنف بعدها قائلاً: ولكن الهلال والنجمة (يقصد العلم التركي العثماني) سوف يرفرف يوماً على وسط آسيا...

     فقلت: هل هذا ممكن؟ وكيف تتوقون إلى الهلال والنجمة وأنتم تمثلون إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي المتمتعة بالحكم الذاتي، ولقد تقدمتم مادياً بوضوح!؟

     ونظر محدثي حوله فرأى كهلاً أوزبكياً يجلس إلى طاولة بعيدة ينظر إليه، فلبث محدثي لبضع دقائق صامتاً... ثم أجاب:

     هذا بالضبط ما أقوله يا رفيقي، وما يقوله من يتحدثون عن سبيل إلى التغيير. فأنا ضد هذا كله، وهناك من يعمل لذلك، ومركزهم الرئيسي راولبندي أو بغداد، وحلمهم هو جمهورية إسلامية لوسط آسيا، بهلال ونجمة يرفرفان على وسط آسيا في كل من الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، التي هي وطن الأتراك المسلمين، وبالرغم من أن هذا الحلم بعيد المنال إلا أنه يخبئ مشكلات للاتحاد السوفييتي والصين الشعبية على السواء.

وعندما قال هذا سألته: ما اسمك؟ قال بعد أن غمز لي وغادر: نحن قوم بلا أسماء!..

*****

المسلمون في سجون أمريكا

المسلمون في سجون أمريكا

     نشرت مجلة لايف الأمريكية، على صفحتين كاملتين تقريباً صورة لمجموعة من المسلمين السود في أمريكا، وهم يؤدون الصلاة في أحد السجون، وتحت عنوان: "إيمان صارم وراء القضبان"، كتبت عن هؤلاء تقول:

     "في الواحدة من بعد ظهر كل يوم جمعة، تنقل الكراسي من أماكنها، وتوضع بجوار الحائط في منتدى السجناء السود، وتبسط بقايا إحدى السجّادات الشرقية على الأرض، ثم تصطف حفنة من المسلمين السود المحكوم عليهم بالسجن، ويركعون باتجاه مكة المكرمة.

     وبعد ذلك يجلس المصلون لتناول الغداء الذي طبخوه بأنفسهم، والذي يطابق تعاليم القرآن الخاصة بالأطعمة. وهذه الحرية هي أمر شائع بالنسبة للمسلمين في السجون الأمريكية، وقد حققت نتيجة طيبة في سجن "والا والا" بولاية واشنطن.

     فهؤلاء المسلمون الأتقياء لا يتناولون المخدرات التي يمكن الحصول عليها بسهولة داخل السجن، والتي يستعملها حوالي نصف المساجين، وهم لا ينغمسون في شرب "البرونو"، وهو الشراب السائد في السجن، مصنوع من عصير الفواكه والسكر والخميرة. وشريعتهم تحرِّم الشذوذ الجنسي الذي هو من أسباب حوادث العنف والاضطرابات بين السجناء في أمريكا.

     أصبح السجناء المسلمون جماعة تحظى بالاحترام الكبير، وذات تأثير مضطرد على النزلاء السود الآخرين في سجن "والا والا" الذين يشكلون نسبة 23% من مجموع المسجونين.

*****

عبد الرحمن عزام.. ومشاكل العصر (2)

عبد الرحمن عزام.. ومشاكل العصر
(2)

     كان المرحوم الأستاذ عبد الرحمن عزام واحداً من الساسة العرب القلائل الذين تميزوا بالأصالة والاستقلالية، والحرص على مصالح الأمة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، سواءً أكان في عالم الفكر أم في عالم السياسة.

     ومواقفه معروفة مشهورة منذ فجر حياته، حين كان طالباً في كلية الطب، ونشبت الحرب في ليبيا بين الغزاة الإيطاليين وبين المجاهدين المسلمين من أبناء ليبيا، يساعدهم إخوتهم في العقيدة من شتى البلدان، لم يُؤْثِرِ الدراسة على واجبه، فترك كلية الطب غير آسف عليها وعبر الحدود الليبية المصرية ليقوم بواجبه في قتال المعتدين. وكان ذلك اليوم، بداية سلسلة من النشاط السياسي الواسع في خدمة الأمة على شتى المستويات وفي مختلف المراحل حتى وفاته عليه رحمة الله.

     وكان الرجل إلى جانب كونه سياسياً، يمتاز بعقلية جيدة، وقدرة فكرية طيبة، وكان في الفكر -تماماً كما كان في السياسة- يمثل خط الأمة الأصيل، وفكرها المستقل، ونزعة الحفاظ على تراثها وشخصيتها، يظهر ذلك في كتابه المعروف الذائع "الرسالة الخالدة" الذي يجد فيه المرء زاداً فكرياً أصيلاً جيداً.

· ترى كيف نستطيع أن نسمع رأي الرجل في مشاكل العصر، وثقافته، وروحه وآليّته، وقضاياه المعقدة المتزايدة!؟.

     "لقد صارت الأمم صنوفاً من الناس متقاطعة، وصار البشر مشتتين، في عالم متناكر تبلبلت فيه الأفكار، واختل العرف البشري، وتباعدت ألوان العيش المادي وتكاثرت صوره الذهنية، وتناكرت الطبقات والطوائف والأقوام. وكلما امتد دور الانتقال تعددت مظاهر الأفراد والجماعات، واستعصى الرجوع بها إلى أصول مقبولة، ومُسلّم بها من الجميع، أو مُسلّم بها على الأقل من كتل كبيرة كانت تجمعها صلات روحية قوية، في عقائد دينية مشتركة تشمل مئات الملايين من الخلق".

     لكن بعض الناس يصر على أنَّ تَدافُع الحياة المادية في طريق النمو والصعود سيؤدي باستمرار إلى مزيد تقارب وجهات النظر بين الشعوب، باعتبار أن وسائل الاتصال المادية والفكرية آخذة في النمو المطّرد، وباعتبار أن العالم صار يتخذ نماذج تكاد تكون مشتركة في قيم الذوق والجمال.

· فكيف تبدو هذه الفكرة؟

     "إن ما يُظَنُّ من أن الحياة المادية القائمة على السرعة وسيلة عاجلة لجمع البشر على نظرة موحدة للحياة المادية، وعلى أسس معنوية مقبولة من الجميع، أمر قد يكون في سبيل التحقيق، ولكنه لا يزال بعيداً جداً، وسيلقى العالم أهوال أدوار الانتقال والاستقرار، ولن يستطيع الناس أن يخلعوا التراث المعنوي والفكري كما يخلعون الثياب، ولذلك ها نحن أولاء نشهد تشعب الأفكار والآراء واضطراب الحياة.

     إن الذي اكتسبته البشرية من رقي مادي وفّر لها راحة بدنية كبرى، بحيث صار البون بين جيلها الحالي والأجيال السابقة شاسعاً جداً، فمن المستحيل أن نقنع البشرية بأن تتخلى عن هذا الكسب الكبير، فذلك يناقض طبائع الناس، ثم إن تلك المنجزات أمر يمكن أن يصير مفيداً جداً في كل الأصعدة إن أُحْسِنَ استعمالها".

· ترى كيف هو السبيل من أجل ذلك؟

     "لا بد لنا من التفكير العاجل، والعمل السريع للتوفيق بقدر المستطاع بين الحياة المعنوية الموروثة، وبين الحياة المادية المفاجئة، وتجنب أثر الصدمة التي تتولد منها هذه الانفجارات الهائلة بين الأمم، وبين الطبقات في الأمم.

     ولا بد لنا كي نتمتع بثمار المدنية الآلية، ونستكمل نعمتها من بعث الحياة الروحية بعثاً جديداً مناسباً للحياة المادية الجديدة، ففي هذه الحضارة نِعَمٌ لا حدّ لها، فقد تغلب الإنسان بالآلة والعلم على كثير من الصعاب والويلات، زاد إنتاجه، وسَهُلَ انتقاله، وقهر الأمراض الجائحة، واتقى القحط، وتعددت مصادر لهوه ومرحه، وتزيّنت له الأرض وأخذت زخرفها، ومشى في قرن واحد بالحضارة المادية ما لا يُقاس معه مَشْيُهُ في القرون الماضية، ولكنه في قرن واحد كذلك، قضى أو كاد يقضي، على تراثه المعنوي الذي كسبه في عشرات القرون.

· وماذا بعد، كيف صارت حياة الروح بالقياس إلى حياة المادة؟ وأين يقف فكر هذا العصر؟

     "نسي العصرُ اللهَ، فأنساه نفسَه، ففي جيل واحد هُزِمت حياة الروح هزيمة نكراء أمام حياة المادة، وأخذت الآلة الصماء -وقد سيطرت- تفتك على غير هدى، وبغير ضابط من دين أو خُلق أو عُرْف".

     وبعد..

     لقد ارتحلنا معاً نجوب فكر الأستاذ عبد الرحمن عزّام، ونحاول معرفة رأيه في مشكلة كبرى من مشاكل عالمنا الحديث.

     ومهما تشعبت بنا الآراء، وتعددت وجهات النظر، فأحسب أننا نلتقي حول قناعات ثلاث، تمنحها الشواهد المتكررة حكم الحقائق الراسخة:

     الأولى: هي أن عالمنا المعاصر، عالم قلق مضطرب، له خصائصه وسماته التي أبرزها الحيرة والتذمر، والجيشان الدائم، وفقدان الأمن النفسي.

     الثانية: أن تَقَدُّمَ علوم الآلة، وازدهار المنجزات المادية، يقابله انحسار روحي وأخلاقي باستمرار.

     الثالثة: أن الإسلام الذي استطاع أن يُحدِث الانسجام بين مكاسب المادة، وحياة الروح، استطاع أن يُحدِث ذلك في تصوره وفهمه للحياة، واستطاع أن يُحدِثَه كذلك في تجربته التاريخية تطبيقاً عملياً في حياة الناس.

*****

عبد الرحمن عزّام .. وهموم العصر (1)

عبد الرحمن عزّام .. وهموم العصر
(1)

     حين ينعمُ الإنسان النظر، ويطيل التفكير في أناة، حول القضايا الكبرى في العالم الحديث، والظواهر البارزة التي يمكن أن توصف بأنها طابع العصر وميسمه، وصفاته الصارخة العنيفة، يصل إلى نتيجة كبيرة، وهي أن الاضطراب والقلق، وروح التذمر، وفقدان الطمأنينة من صفات إنسان هذا العصر الذي نعيش فيه.

     الأمن النفسي العميق، الرضى الهادئ الفخور، البسمة الصافية العميقة، الطمأنينة الوادعة، السلام الداخلي الواثق، التناغم والانسجام بين ممتلكات الإنسان الخارجية وبين أعماقه الداخلية، ذلك كله بدأ ظله يتقلص باستمرار مع امتداد ثقافة العصر، وذيوع أخلاقه، وانتشار خصائصه في أصقاع المعمورة.

     إنه موجود بنسب مختلفة في بلاد العالم، لكن الملاحظ أن هناك علاقة عكسية بينه وبين خصائص العصر، فهو يتراجع حيث تتقدم هذه الخصائص وبنفس الشدة والمقدار، مما يجعل الإنسان يقرر دون تردد بأن العلاقة بين التراجع ها هنا، والتزايد ها هناك، هي علاقة السبب بالمسبب والعلة بالمعلول.

     وظاهرة كبيرة، وخطيرة جداً على مستقبل الإنسان كهذه الظاهرة، لا بد أن تشغل عقول عدد من الأذكياء ممن يُحَمِّلُونَ أنفسهم هموم العصر، وعناء التفكير في أسبابها.

     من هؤلاء الأستاذ عبد الرحمن عزام الذي يقول في كتابه "الرسالة الخالدة" تحت عنوان "هزيمة القوى المعنوية":

     "سبب آخر من أسباب الاضطراب العالمي، هو انهزام القوى المعنوية أمام القوى المادية، أو بعبارة أخرى تخلّف القوى المعنوية عن اللحاق بالتطور الفجائي للحياة المادية، واختلال التوازن بين الروح والمادة.

     وكان الناس وهم على الفطرة الأولى لا يسيطرون على المادة إلّا سيطرة محدودة، ولا يطمعون في التغلب على الطبيعة طمعهم بعد اكتشاف البخار والكهرباء، ونفاذهم إلى القوى الكمينة في الذرة، وإلى عناصر المادة، وتحويل تراكيب هذه العناصر، فلما افتنّوا في استخدام الكيمياء والميكانيكا، واستخرجوا من ذلك قوى جديدة، انصرفوا عمّا وراء الطبيعة، وعن عالم الروح إلى قهر الطبيعة والإيمان بالمادة وفعلها دون سواها.

     ففي أجيال معدودة تغيّر وجه الحياة، وانعكست وجهات النظر، فلو خرج أجدادنا من أجداثهم لاستنكروا حياة أهل الحضارة الجديدة، استنكار سكان الكهوف لسكان ناطحات السحاب، فقد تغيرت أسباب العيش، وتغيرت كيفياته، وتغيرت أغراضه، وانقلب الناس إلى السرعة يطلبونها، وإلى الحركة الدائمة يستطيبونها، فنفروا من الدعة والسكون بقدر ما كان أجدادهم ينفرون من الضوضاء والسرعة".

     ولكن أمَا كان بوسع إنسان العصر أن يُحدِثَ نوعاً من الانسجام والموازنة بين حياته المادية المتقدمة، وبين حياته الروحية العميقة، التي تتصل جذورها بفطرته من حيث هو إنسان؟

     من خلال ما جاء في كتاب "الرسالة الخالدة" يستطيع المرء أن يلمس حرص مؤلفه على نمو الإنسان الروحي، وتكامل سعادته، فكيف له أن يستمع إجابة المؤلف على السؤال الموجّه له قبل قليل عن الانسجام والتوازن المطلوبَين بين حياة الروح وحياة المادة؟

     "لقد تغيّر طرز الحياة فجأة ولمّا يستقر، بل هو في تغيّر مستمر، فالفرق بيني وبين أبي هو جيل واحد. ولكنه أعظم من الفرق بين أبي وبين آبائه قبل عشرات الأجيال".

     تلكم هي الإجابة المهمة للرجل، وهي إجابة تركز على التغير المادي بقوة، "هذا التغيّر المادي المستمر، وهذه السرعة لا تزال تتضاعف دون أن تبلغ حدها الأقصى قد جعلت الإنسان وهو يلاحق الحياة المادية الجديدة يغفل أو لا يستطيع أن يحتفظ بحياة معنوية مناسبة، فهو لا يستطيع أن يساير هذه السرعة المتفجرة تفجر المادة إلى أجزائها، مسايرة يحتفظ فيها بتراثه المعنوي".

     "وما الذي تَرَتَّبَ على ذلك؟ تخلّفت الحياة الروحية التي كسبها الناس في تجربة آلاف السنين، عن الحياة المادية الجديدة التي كسبوها في قرن واحد، وتطورت هذه الحياة تطوراً فجائياً، وبقي الإنسان مُثقلاً بتراث معنوي ضخم لا يتحرك معه فخلّفه وراءه".

     لقد عرف العالم خلال رحلته الطويلة عبر الأحقاب، مجموعة من الأُطُر والقواعد ظلّت تُشكِّلُ بين أبنائه قاسماً مشتركاً موحّداً، يجعل أمام الناس عدداً من المُثل والأهداف الكبيرة، التي لا يختلفون حول الإقرار بصلاحها. وكان من فائدة هذه المُثل والأهداف، أنها أسهمت في تقريب وجهات النظر بين الناس، وأنها كانت تهيئ الفرصة للاجتماع عليها إذا اشتدت الفتن والخلافات.

     فالصدق والوفاء، والرابطة الزوجية، والتعاون بين أبناء الأسرة الواحدة، وتضحية الأب من أجل أبنائه، وطاعة الابن لوالده، والفضيلة والعفاف، والعمل الشريف من أجل العيش الكريم، وتغليب الصالح العام على الصالح الخاص، والإقرار بقيمة الإنسان على أنه أثمن ما في الحياة؛ ذلك كله كان مجموعة من القناعات العقلية والوجدانية، تشكل –في الأعم الأغلب– القاسم المشترك الأعظم بين الناس الذي يلتقون عليه، ويؤمنون به، ويمكن أن يتخذ عندهم، بشكل أو بآخر، مادة للحوار والتفاهم.

     هذه القناعات التي هي بدون شك، من إرث البشرية الثمين الذي كسبته بعد تجاربها الطويلة التي لا يمكن إحصاؤها؛ أخذت في التراجع أمام ثقافة العصر. هذه القناعات التي تنحسر باستمرار في العصر الحديث، تمثّل جانباً خطيراً من جوانب مأساة الإنسان في ظلال الحضارة المعاصرة.

*****

نبيه فارس والمبشرون

نبيه فارس والمبشرون

     كتب الأستاذ نبيه أمين فارس أحد كبار أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت: في مجلة الأبحاث عام 1958م؛ كلاماً واعياً جريئاً يجدر بالمرء أن يتوقف عنده. قال هذا المؤرخ العربي:

     بينما كان الشرق الأدنى مطمحاً لأفكار بناة الإمبراطوريات، كان أيضاً مطمح أنظار جماعة أخرى من الناس تنشد أن تنجز عن طريق "الكلمة" ما عجز أجدادها الصليبيون عن تحقيقه عن طريق السيف، وبعبارة أخرى تَنشد احتلال مهد المسيحية وإخضاع العالم كله للمسيح.

     إن هذا الحلم المسيحي قديم قِدَمَ المسيحية ذاتها، وهو يستمد وحيه الدائم من الوصية العظمى كما سجلها أول المبشرين القدّيس لويس. ولعل سبب سيطرة هذه الوصية كرّةَ أخرى على عقول المسيحيين يعود إلى اليقظة الدينية التي عمّت في إنكلترا في أواخر القرن الثامن عشر، واليقظة الدينية المقابلة لها في الولايات المتحدة تمثلت فيما سمّي بروح إنكلترا الجديدة.

     وعلى ذلك فقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر والسنوات الأولى من القرن التاسع عشر ظهور كثير من الجمعيات التبشيرية التي كرّست نفسها لحمل الإنجيل إلى جميع البشر.

     ويمكن أن يُضافَ إلى هذين العاملين عامل آخر هو ازدياد المطامع السياسية والاقتصادية في ممتلكات رجل أوربا المريض [يقصد الدولة العثمانية]، ومن المحتمل أن يكون لهذا العامل الأخير علاقة باختيار الشرق الأدنى ميداناً مفضلاً للنشاط التبشيري.

     ومن أهم هذه الجمعيات التبشيرية التي ظهرت هذه الفترة "الجمعية التبشيرية الإنكليزية" التي أُسِّسَت في لندن عام 1799م، و"المجلس الأمريكي لمندوبي البعثات التبشيرية"، وقد أرسل المجلس الأمريكي بعد تسع سنين من تأسيسه أول مُبشريَّة إلى الشرق الأدنى.

     ويذكر الأستاذ نبيه أمين فارس أن المبشرين الذين اختاروا أن يجعلوا ميدان نشاطهم في مناطق بلاد الشام لكسب الكفار على زعمهم إلى دين المسيح عليه الصلاة والسلام، سرعان ما وجدوا أن الإسلام لم يكن قد فقد سيطرته على قلوب المؤمنين، وأن المبشرين صمّموا منذ البداية على استعمال الكلمة حيث فشل استعمال السيف.

     وفي سبيل هذه الغاية أسسوا المطبعة الأمريكية أولاً في مالطة عام 1822م، وفي بيروت عام 1834م، وأخذوا يفتحون مدارس للبنين والبنات بصورة منتظمة حتى بلغ عدد هذه المدارس ثلاثاً وثلاثين في أقل من هذا العدد من السنين، وعكفوا على إنجاز إعداد ترجمة عربية صالحة مقروءة للتوراة.

     وحين تضع كلام الأستاذ المؤرخ نبيه أمين فارس، في محله من التصوّر العام للخطة الصليبية لمحاربة الإسلام والمسلمين، تجد أنك تعود إلى وصية لويس التاسع الذي ترك معالم أساسية، ومقترحات جذرية، لخطة كبيرة شاملة تهدف إلى القضاء على الإسلام والمسلمين، بوسائل شتى، أهمها "الكلمة" لعلها تنجح حيث أخفق السيف.

     وما من ريب في أن المسلمين طُعِنوا من مصادر متعددة من بينها التعليم الذي بدأته الإرساليات التبشيرية بكل ما فيه من دس وسموم، وكيد خفي وظاهر، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الذي أنشئ في العالم الإسلامي على أيدي قادة الاستعمار، ذلك أن هذا التعليم كان يتلاقى في النهاية مع أهداف التعليم الذي أنشأه المبشرون، وقُل مثل ذلك عن التعليم الذي أنشأه المستغربون من أبناء المسلمين، أولئك الذين نشؤوا على قيم الغرب ومفاهيمه ومُثله وثقافته، وجعلوا وجهتهم الفكرية إليه، وإعجابهم الثقافي به.

     وهنا يتلاقى عمل المبشر مثل زويمر، والقائد الاستعماري مثل كرومر، والمخطِّط الأجنبي للتعليم مثل دنلوب، والمخطِّط والمنفِّذ المستغرِب مثل طه حسين ومَنْ إليه، على خدمة الهدف الأكبر لحركتي الاستشراق والتبشير، وحركة التغريب من بعدهما.

*****

فرنسا والجزائر والإسلام

فرنسا والجزائر والإسلام

     لقد كان الشيخ الإبراهيمي هو الإمام الذي أمَّ المصلين لصلاة الجمعة في مسجد کتشاوه في الجزائر عام 1382هـ= 1962م لدى استقلال الجزائر، وكانت تلك الصلاة، أول صلاة للمسلمين منذ أن غابت شمس الإسلام عن المسجد منذ مئة وثلاثين سنة. ومسجد كتشاوه هذا لم يحوله الغزاة إلى كنيسة إلا بقوة النار والحديد، وإلا بالبطش وإراقة الدماء في تاريخ دامٍ هذا بعضٌ منه.

     وقف الطاغية "دوفيقو" في ظهيرة 18 ديسمبر سنة 1832م، من يوم الجمعة وقال: يجب أن تُتّخذ أجمل المساجد في الجزائر معبداً للإله المسيح. وأومأ بيده الى جامع "كتشاوه"، وهجم الجيش على الجامع، وهو غاصٌّ بالمصلين، فدافعوا عنه دفاع العقيدة، حتى قُتِلوا عن آخرهم، وطليت جدران الجامع بدمائهم، وقام القساوسة يتلون أناشيد الغفران على أشلائهم الممزقة".

     وطاغية آخر هو القائد الفرنسي "بيجو" تبجح وقال: آخر أيام الإسلام قد دنت، وفي خلال عشرين عاماً لن يكون للجزائر إله غير المسيح، ونحن إذا أمكننا الشك في أن هذه الأرض تملكها فرنسا فلا يمكن لنا أن نشك بحال في أنها قد ضاعت من الإسلام إلى الأبد، أما العرب فلن يكونوا مُلكاً لفرنسا إلا إذا أصبحوا مسيحيين جميعاً".

     وآخر هو "سانت أرنو" القائد الفرنسي الذي يقول: "لا تسأل عن أشجار الزيتون الباسقة التي ستكون فريسة وحشيتي، واليوم في برنامجي إحراق جميع مزارع وقرى قبيلة بني سالم، وابن القاسم. لقد أحرقت أكثر من عشر قرى كانت كلها بهجة وغنى، وتركت ورائي حريقاً حافلاً لقد لعبت بالبساتين يد الخراب، كما لعبت يد المناشير بأشجار الزيتون".

     وآخر هو الكاردينال "لا فيجوري" القائل: "علينا أن نخلص هذا الشعب ونحرره من قرآنه، وعلينا أن نعنى على الأقل بالأطفال، لننشئهم على مبادئ غير التي شبَّ عليها أجدادهم، فإن واجب فرنسا تعليمهم الإنجيل أو طردهم إلى أقاصي الصحراء بعيدين عن العالم المتحضر".

     وآخر هو "مانتا نياك" أحد القواد الفرنسيين الذي قال في كتابه "رسائل جندي": "لا يمكن تصور الرعب الذي يستولي على العرب حين يرون قطع رأس بيد مسيحية. فإني أدركت ذلك منذ زمن بعيد، ولن يفلت أحد من أظفاري، حتى يناله من قطع رأسه ما ينال، وقد أنذرت بنفسي جميع الجنود الذين أتشرف بقيادتهم أنهم لو أتوا بعربي حي لانهلت عليهم ضرباً بنصل سيفي، وأما قطع الرؤوس فيكون على مرأى ومسمع جميع الناس.

     هكذا يا صديقي العزيز تكون معاملة العرب في الحرب:

     قتل جميع الذكور الذين تجاوزوا خمس عشرة سنة، وسبي جميع النساء، وخطف جميع الأطفال، وشحن الجميع في السفن، ثم إقصاؤهم إلى جزر مرکیز، أو إلى الثلث الخالي من الأرض. وخلاصة القول: يجب إبادة كل من لا يتمرغ تحت أرجلنا كالكلاب".

     ونعود الآن إلى ظروف خطبة الشيخ البشير الإبراهيمي في مسجد كتشاوه أول الاستقلال. لقد كانت صلاة الجمعة تلك أول صلاة للإسلام في جامع كتشاوه بعد أن رد الله غربته الطويلة، وقد عبثت يد التشويه بالمسجد عبثاً شديداً فقد حول المتعصبون الطغاة المحراب إلى الجهة المعاكسة، فقد كان محراب المسجد يقابل مكة فجعلوه مقابلاً لباريس، بالإضافة إلى الهياكل والتماثيل التي ملؤوا بها أرجاء المسجد وقد شوهدت وهي تنكس كما نكس صحابة محمد ﷺ "الأصنام" عند فتح مكة ليعود المسجد شامخاً كما كان في أيام مجده وعهود عزه.

*****

الإسلام والاشتراكية في الجزائر

الإسلام والاشتراكية في الجزائر

     في عام 1382هـ= 1962م تم استقلال الجزائر بعد حرب طاحنة ضروس وتضحيات جسيمة، وفرح الشعب الجزائري بالاستقلال، وخرج إلى الشوارع يحتفل به، ويردد أهازيج جميلة كثيرة يقول في بعضها: "يا محمد مبروك عليك، الجزائر رجعت إليك".

     وتولى أحمد بن بيلّا رئاسة الجمهورية، واختار الأسلوب الاشتراكي على أنه الحل الوحيد للنهوض بالبلاد، وبعد ثلاث سنوات حدث انقلاب أطاح به، وتولى الرئاسة هواري بومدين الذي استمر في اختيار الأسلوب الاشتراكي. ومنذ ذلك التاريخ أودِع أحمد بن بيلّا السجن، حتى أفرج عنه الرئيس الذي جاء بعد بومدين وهو الشاذلي بن جديد، بعد أن أمضى في السجن خمسة عشر عاماً.

     قال بن بيلّا لزواره الذين جاؤوا يهنئونه بالخروج من السجن:

     إن جميع التجارب الماركسية في العالم، سواءً في الاتحاد السوفياتي أو الدول الشرقية، أو الصين، عجزت عن تحقيق هدفها الأساسي وهو الإنسان، حيث لا يكفي أن نُشبِعه، بل يجب علينا أن نهيئ له فرصة المبادرة، فالمبدأ الشيوعي القائم على الشعار: أنت تعمل، أنت تأكل، يجعل الإنسان أشبه بالحيوان.

     ويشرح بن بيلّا لزائريه أنه وإنْ كان أول من دعا إلى تطبيق الاشتراكية في البلاد، إلا أنه خلال تأمله الطويل في السجن تأكد لديه أن محاربة الفساد في الجزائر لن يتم إلا عن طريق الإسلام.

     ويقول أحمد بن بيلّا: الإسلام قيمة حضارية، لقد استطاع الإسلام أن يعيش أربعة عشر قرناً، بينما لم تستطع الماركسية أن تعمّر سنوات في أي دولة، وكذلك الأمر بالنسبة للأنظمة العربية.

*****

أحمد بن بيلّا والمصحف

أحمد بن بيلّا والمصحف

     قال الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيلّا عن فترة اعتقاله الأولى: "كل ما كان لدي هو المصحف الشريف، وكان بالفعل نعم الرفيق!... سكنت إليه فأنزل على قلبي وأعصابي وعقلي برداً وسلاماً".

     "أغرقت نفسي في آياته. كانت لغتي العربية وقتذاك ضعيفة ولا تسعفني، لكني واصلت من دون كلل، وشيئاً فشيئاً، فتح الله عز وجل لي الأبواب المغلقة، ودخلتُ في رحاب الطهر والحكمة الإلهية، وانفتحتْ أمامي عوالم السماوات والأرض أنهل منها بغير حساب".

     "وأمدّني القرآن بقوة داخلية غير عادية لم يسبق أن أحسست بها من قبل: قوة عقلية ونفسية وحتى بدنية. وكلما أوغلتُ في القراءة وكررتُها تعرفتُ على أشياء جديدة، وانكشف لي العديد من مغاليق أسرار الكون والحياة.

     وإذا بنظرتي إلى نفسي والناس والحياة تصبح أكثر رحابة وصفاء، متطهرة من كل حقد، أو رغبة في انتقام صغير أو كبير... ألمسُ جيداً ما وقعتُ فيه من أخطاء، وأغفرُ من القلب أخطاء الآخرين في حقي، وأعيد النظر بقدرات عقلية ومعنوية أكثر عمقاً في كل ما تقدم وتأخر من حياتي وذنوبي وذنوب الآخرين؛ لأصلَ إلى درجة حقيقية ومخلصة على ما أعتقد في نقد الذات ونقد التجربة ونقد الآخرين، بمحبة وسعة صدر.

     ومنّ الله عليّ فمكّنني من حفظ القرآن الكريم بجميع أجزائه، وإذا بلساني العربي يصير فصيحاً. من باب القرآن الكريم، دخلتُ إلى السنّة وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم إلى كتب الفقه باتجاهاتها المختلفة، ثم إلى أمّهات المراجع الإسلامية".
*****

شكيب أرسلان والحضارة الغربية

شكيب أرسلان والحضارة الغربية

     يقول الأمير شكيب أرسلان في وصف الرجل الغربي، وهو الذي عاش طويلاً في الغرب، وعرف الناس هناك بدِقّة: "إنّ الإفرنجي هو الإفرنجي، ما تغيَّرَ في طبعه، فهو اليوم كما زحف إلينا قبل 800 عام بما فيه من الظمأ إلى الدماء، والقَرَم إلى اللحم، وإنّ المدنية التي يتذرع بدعواها إنْ هي إلا غطاء سطحي لِما هو كامنٌ في طبعه، متهيئ للظهور لأدنى حادث، فالمدنية العصرية لم تزد الفرنجيَّ إلا تفنّناً في آلات القتل، وفصاحةً في التمويه، وتسميةِ الأشياء بغير أسمائها".

     وقبل أن ندخلَ في دراسة هذه الشهادة الدقيقة، لا بد لنا من تقرير حقيقةٍ حضاريةٍ كبيرة، وهي أنّ الغربيَّ بالمعنى الحضاري، هو إنسانُ الحضارة الغربية الذي وضعَ ثقافتَها وتبنّاها أيّاً كانت انتماءاته السياسية التي يتوزّع الناسُ معها في دولة وأخرى. فالشرق الشيوعي كلّه جزء من الحضارة الغربية، وأمريكا كذلك جزء من الحضارة الغربية، وأيضاً أوربا بطبيعة الحال.

     ومعنى ذلك أنّ الدائرة الحضارية للغربي أوسع بكثير من دائرته الجغرافية، والمُعوّل ها هنا على الأصول الفكرية والعقائدية والأخلاقية، وموازين السلوك ومعايير الخير والشر، والقيم والمُثل، التي يشترك فيها أبناء الحضارة الغربية جميعاً، وإنْ فرّقتْ بينهم الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية.

     وكثيرةٌ هي الشواهد التي تكشف بدقة عن صحة رأي شكيب أرسلان في الرجل الغربي. لقد تمدّن هذا الرجل حقاً، وحقق إنجازات كثيرة، لكنه في أعماقه لا يزال شديد العنف والضراوة والبطش حين يتعامل مع خصومه، وما نبأ الحربين العالميتين الهائلتين عنا ببعيد، وقد كانتا تدور أساساً في بلاده وبين طوائف متقاتلة متصارعة من أبنائه.

     أمّا إذا وصل الأمر إلينا نحن -المسلمين- فإن الموقف يختلف، ذلك أن الضراوة تزداد، والعنف يكثر، والبطش يتضاعف أضعافاً هائلة. وحين وقعت ديار العالم الإسلامي في قبضة الرجل الغربي فعل بها الأفاعيل، حتى إن محاكم التفتيش في الأندلس التي أنشئت عقب سقوط الحكم الإسلامي فيها فعلت بالمسلمين من الأهوال، وصبّت عليهم من الكوارث ما جعلها تصبح أشنع ما جرى في تصفيات الخصوم، وأرهب مثل يُضرب في هذا المجال.

*****

الأكثر مشاهدة