الخميس، 7 سبتمبر 2023

أيتها القدس! (1)

أيتها القدس! (1)

     أيتها القدس الغالية!..

     أود أن أهمس في أذنك ألا تيأسي، فاليأس في الإسلام حرام، ثم إني أود أن أبشركِ أن الأمة المسلمة اليوم على الرغم من كل عيوبها وعجزها وتقصيرها، لا يزال فيها خير كثير، وستكون بإذن الله خير خلف لخير سلف، وها هي اليوم تصحو بعد نوم، تنهض بعد غفلة، تستقيم بعد اعوجاج، تمتد بعد انحسار لتكون قدراً من قدر الله، يُعْلي في الأرض كلمة الإيمان.

     أبشري يا قدس، فلن نخشى اشتداد الظلام، ولن تزل بنا الأقدام إلى وهدة الانحدار وهاوية الضياع. لن يخيفنا اجتماع قوى الشر من هنا وهناك، فلقد عزمنا أن نكون صادقين، أن نضع أيدينا في يد خالقنا، أن نستمسك بحبله المتين، وإذا جاءنا من يخوفنا بجموع الأعداء قلنا له: حسبنا الله ونعم الوكيل.

     مواكب فتية مؤمنة، آمنت بربها فزادها هدى، ستنطلق بإذن الله ملء السهل والجبل، تقتحم الصعاب وتجتاح العقبات، مواكب فتية لن يجد اليأس منفذاً إلى عزائمهم. أخذوا بالحزم وتواصوا بالعزم، واستعانوا بالله، واستهانوا بالحياة. موصولٌ كلال ليلهم بكلال نهارهم، أنضاء عبادة وأطلاح سهر، فرسان في النهار، عبّاد في الليل:

الله يعـــــرفــهم عُبَّـــــــــاد مسجده     والحرب تعرفهم في الروع فرسانا

     تواصوا بالحق، وتعاهدوا على الموت، وأقسموا على الجهاد، وحنّوا إلى الجنة. هم بسمة الأمل، موئل الخير، ومضة الرجاء، بارقة النصر، بشرى الإنقاذ. على أيدي هؤلاء سيكون الخلاص يا قدس، إذ يمضي أحدهم وهو يردد قول خبيب بن عدي حين صلبه أعداء الله من مشركي مكة في التنعيم:

ولسـتُ أبــــالي حينَ أُقتَـــلُ مســلماً     على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذاتِ الإلــــــه وإنْ يشـــــأْ     يباركْ على أوصـــــالِ شلوٍ مُمـزعِ

     لست أدري يا قدس!.. إنْ كان الواحد من جيلنا سيشهد فيك الصلاة والأقصى حر طليق، لكنني أدري أن النصر قادم وإن تأخر، قادم وإن غلت التضحيات، قادم وإن حاول بعض الانهزاميين الاستسلاميين بيعك للعدو، وصلُّوا في أقصاك وهم يعلمون أنه أسير، لكنهم يتوهمون أنهم أحرار، وغاب عنهم أنهم في ذل نفسي أشد من الأسر المادي، وهزيمة نفسية أشد من الهزيمة العسكرية.

     النصر قام بإذن الله يا قدس!.. بالرغم من كل الصعاب، وبالرغم من كل أشباه الرجال الذين تخلوا عنك للعدو. فذلك هو أمر الله، وأمر الله أصدق من كل الجبناء والمرجفين.. أصدق من اليهود، ومن تلامذة اليهود.
*****

التحدي في فلسطين وسلاح الإسلام

التحدي في فلسطين وسلاح الإسلام

     حين فشلت على الصعيدين العملي والنظري على السواء؛ كلُّ الحلول التي خُدِع بها العرب والمسلمون دهراً من الزمن، فيما يتصل بالتحدي الأكبر الذي يواجههم اليوم في فلسطين مع اليهودية العالمية المجرمة، وحين تحطمت على مطارق الهزائم المتكررة السهلة كل الشعارات المستوردة الكذوب، وبدا زيفها واضحاً مفضوحاً، وحين استبان للأمة المسلمة أن الأقزام التافهين الذين رفعوا شعارات ضخمة، هم أعداء لها يستغلون ظروفها، ويضللون مسيرتها، ويكذبون عليها، ويقودونها نحو الدمار، وحين اتضح أن البعد عن الإسلام كان سبب هزيمة "حزيران" العار بالذات، وأن القرب الجزئي منه كان سبب النصر في "رمضان" المجد والبركة والفوز بعد ست عجاف من يوم حزيران، حين اتضح هذا كله واستبان؛ أيقنت الأمة المسلمة أن الإسلام.. والإسلام وحده، ملاذها الوحيد، وحصنها الأمين، ودليلها الصادق، ورائدها الذي لا يكذب، وأنه سبيلها للسعادتين سعادة الدنيا وسعادة الدين، ومن سعادة الدنيا أن تحظى بالفوز والنصر، والغلبة والظهور. 

     اكتشفت الأمة المسلمة ذلك، وأيقنت به أعمق اليقين، واستقر في أعماقها أن الإسلام طريقها للوحدة والتعاون والتضامن، بعد تشتت الشعارات، وطريقها للقوة والعزة بعد ضعف القيادات، وطريقها للنصر بعد هزائم المجرمين، أعداء الإسلام ممن قادوها إلى العار والهزيمة والدمار. واكتشاف الأمة لهذه الحقيقة الكبرى، واستقرار هذه الحقيقة في أعمق أعماقها، جعلها تسارع إلى العودة للإيمان، فتمثَّل هذا في مظاهر شتى من سلوكها، ومواقف كثيرة من حياتها، ومبادرات حميدة سعت إليها، وفي طليعة ذلك المسارعة إلى الحج، والحج مرة بعد أخرى، ولعل هذا ينهض تفسيراً صادقاً للزيادة الضخمة في عدد الحجيج هذا العام التي فاقت كل التوقعات والتقديرات.

     والملاحظ أن نسبةَ القادمين للحج من بعض البلدان الإسلامية التي خضعت لظروف شاقة حورب فيها الحق، واعتُدِيَ على الإيمان، واضطُهِد حمَلة الإسلام، ومُنِعت فرص الدعوة الإسلامية فيه أو ضُيِّقت، وتُرِك المجال مفتوحاً لدعوة الكفر والجاهلية، وسُمِحَ للردة أن تحتل عدداً من المواقع الهامة، لصرف الأمة عن دينها وإلهائها بالسراب الكذوب من زيف الشعارات المستوردة، هذه النسبة تتزايدُ وتنمو، بل إنها لَتفوقُ نسبةَ الزيادة للبلدان الإسلامية الأخرى التي لم تتعرض عقيدتها لما تعرضت له أخواتها من اضطهاد وفي هذا أكثر من معنى وأكثر من عبرة.

     فيه أن اضطهاد العقيدة والحجر عليها أوقد في قلوب المسلمين الخوف عليها، والتعلق بها، فإذا بهم يتشبثون بها أكثر، وإذا بهم يزدادون حرصاً عليها واستمساكاً بها.

     وفيه أيضاً أن العقيدة الإسلامية محفوظة بحفظ الله تعالى لها، فهي بذلك مصونة باقية عصية على البلى والفناء، وأنها أقوى من قضبان السجون، وسياط الظالمين، وأخلد من الطغاة المتجبرين، والفراعنة المتألهين، وأبقى من كل ظالم غشوم، وطاغية أحمق، ومتسلط فاجر.

وفيه أيضاً أن المحن في كثير من الأحيان تستخرج من الأمة طاقة مذخورة، وقدرة على الجِلاد والجهاد، والتحدي والإصرار، والبطولة والكفاح.

     وفيه أيضاً أن الهزائم ربما كانت باباً نافعاً لمحاسبة النفس، واكتشاف العيوب والثغرات، والنقائص والسلبيات، والإقرار بالخطأ، والعودة إلى النهج الراشد الصحيح.

     نعم.. هناك مبشرون يسهرون الليل ووراءهم قوى التعصب الصليبي تحاول تحطيم الصلة بين المسلمين والقرآن، وما قول "غلادستون" عنا ببعيد، وهناك يهودية عالمية تكيل لنا الضربات العسكرية والعقائدية والاقتصادية وغير ذلك، وما نبأ بروتوكولاتهم المعروفة، وظلمهم الفاجر في فلسطيننا المحتلة عنا ببعيد.

     وهناك شيوعية وإلحاد، ووثنية وفساد، واستعمار ورأسمالية، وكلها تعادينا مُرَّ العداء، وهناك تصورات مغلوطة تعشعش في أفكار بعض المسلمين، وتجد نصراءها في عدد من المجالات، ذلك كله وأكثر منه صحيح وموجود، لكن الأصح من ذلك كله أن الله تعالى غالب على أمره، وأن هذا الدين قد انتصر في ظروف أشد وأفتك، وتحديات أقسى وأعنف، وأن المسلمين اليوم فيهم بشائر صحوة كريمة، وبوادر يقظة جديدة، وأوبة صادقة إلى الله عز وجل، وهم يأملون بذلك أن يحققوا البعث الإسلامي المرتقب إن شاء الله. وكثيرة هي الشواهد التي تدل على هذه الحقيقة، لا تخطئ أن تلمسها هنا وهناك، ولا تخطئ أن تلمسها كذلك في زيادة عدد الحجيج زيادة فاقت كل التوقعات والحسابات.
*****

الإيمان في صراعنا مع اليهود

الإيمان في صراعنا مع اليهود

     حين نمضي في البحث عن الإيمان وآثاره النافعة؛ سنلتقي بالطيب المبارك من هذه الآثار حيث نمضي ونتوجه، فلا نخطئ أن نلمس عطاياها الهادية الكريمة تقدم لنا النفع حيث نكون، وعلى جميع الأصعدة والمستويات. ومما يحسن بالمرء أن يتوقف عنده، ويحاول استجلاء دور الإيمان فيه، قضية صراعنا المصيري مع اليهود في فلسطين، فما يليق بقلم شريف، ولا عمل جاد، أن تغيب عنه حقائق هذا الصراع وأبعاده، وأن يبين موقع الإيمان من هذا كله، ودوره المأمول أن يصنعه، والأماني الكبيرة التي تنعقد عليه.

     إن الأمة المسلمة اليوم، تحارب عدواً شريراً، مَرَدَ على الخسة والغدر، ونَقْض العهود، والظلم والبطش والعدوان، وهو الآن يجثم على صدرها، ويحتل قطعة عزيزة من ديارها، ويهدد وجودها بالتفتيت والتمزيق، ذلك هو كيان العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة حيث العصبة الغادرة تتلقى العون من أعدائنا في شرق العالم وغربه، وتأسر المسجد الأقصى منذ سنين شداد، وتمارس شتى أنواع القتل والإبادة، والتصفية الجسدية والمعنوية لإخواننا الذين يحيون تحت حكمها الظالم الغشوم.

     والحقيقة أن الصراع بيننا وبين اليهود هو أوسعُ مما يظن أكثر الناس، إنه صراعُ وجودٍ ومصيرٍ وحضارة، ولن ينتهيَ إلا بالقضاء على أحد الفريقين، ومن المعروف أن اليهود يمتلكون مرونةً واسعة في نشاطاتهم، وخططاً مرحليةً في توسُّعِهم، وهم لذلك يمارسون الإقدام والإحجام، حسبَ قوتهم، وحسبَ قوتنا، وحسبَ موازين السياسة العالمية، وقوةِ الدعم الذي يتلقونه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى.. فإن لليهود طمعاً لا يشبع، وطموحاً لا يتوقف، ومخطئٌ خطأً شديداً كلُّ مَنْ يظن أنهم سيقفون عن أطماعهم، ويكتفون بالموقع الذي هم فيه، بسبب مفاوضات أو معاهدات، أو صلح دائم أو غير دائم. إن أطماعهم لا تتوقف قط، بل هي تنمو وتزداد، كلما حققوا منها شيئاً، تماماً كالنار التي تزداد اتقاداً كلما ألقيت فيه الحطب؛ وكأنها تقول: هل من مزيد!؟

     وإذن فالأمر خطير، وخطير جداً، إنه صراع لا يتوقف إلا بنهاية أحد الفريقين، ولذلك فمن الجدير بنا، أن نجمعَ له كلَّ أسلحتنا، ونُعِدَّ له كلَّ قوةٍ يمكنُ لنا أن نتوصل إليها، وفي مقدمة هذه الأسلحة والقوى يقف "الإيمان"، ذلك أننا لن نجد في حربنا مع هذا العدو سلاحاً قط أمضى من الإيمان الذي يحتلُّ فيما نُعِدُّ المرتبةَ الأولى، فمن الجدير بنا أن نستعمل هذا السلاح، ونستفيد من طاقاتِه الجبارة، وإمكاناتِه العظيمة.

     على أنه من الجدير بنا أن نقرر بأن علينا أن نحرصَ على الإيمان حرصاً دينياً ربانياً، بمعنى أن نتمسكَ به لأنه حقٌّ في مَحْضِ ذاته بقطعِ النظرِ عن كل اعتبار آخر، ليكونَ إيمانُنا الراسخ بذلك نقياً وصادقاً وخالصاً، نريد به وجهَ الله تعالى وحدَه، دون أن تشوبَ صفاءَ نيتِنا أيُّ شائبة قط، ولا علينا بعد ذلك أن نستفيد من الإيمان في شيء.

     هذه ملاحظة وددتُ أن أقدمَها، لنكسبَ الصدقَ مع الله تعالى ابتداءً، ولننجوَ من أن نقع ضحايا الغفلةِ عندَ ذوي الإيمانِ النفعي إذا صحَّت العبارة، أولئك الذي لا تهمهم قضايا الإيمان إلا بمقدار ما تحقق أهدافهم، ولقد شهدنا كثيراً فيما عُرِف بحركات التحرر الوطني ومكافحة المستعمرين؛ مَنْ يظهر مِنْ بين الزعماء الوطنيين رافعاً شعارَ الإيمان، ليستنفر بذلك طاقات الأمة ضد العدو، حتى إذا تم النصر، ترك الإيمان والدعوة له، بل ربما انقلب على أهله بالقتل والتعذيب.

     وقد رأيت صورة لقائد عسكري في أعقاب الحرب العالمية الأولى؛ يتظاهر فيها بالصلاح، ويمسك بيده المسبحة، والعلماء عن يمينه وشماله، مما جعل الناس تقاتل معه بصدق وإخلاص، حتى إذا جلا العدو، وكان النصر، انقلب على المؤمنين قتلاً وإبادة، وأجبر النسوة على السفور، وجعل الكتابة بالحرف اللاتيني بدل العربي، وما إلى ذلك، وأفسد البلاد والعباد، مما جعل كثيراً من العلماء المخلصين يشكُّون فيه، ويبحثون عن أصله فإذا به واحد من يهود "الدونمة"؛ الذين هاجروا من إسبانيا عقب سقوط الحكم الإسلامي فيها.

     فعلينا إذْ نشحذُ سلاحَ الإيمان، ونستعمله ضد عدونا اليهودي الغادر أن نكون صادقين وأذكياء معاً، وأن نحرص الحرص العميق على الإيمان بادئ ذي بدء، وقبل كل شيء، باعتباره الحقَّ النقي الصُّراح، الذي تكمن قيمته فيه لهذا السبب دون غيره، ونريد بهذا الحرص وجه الله الكريم وحده، ثم فَلْنَسْتَعْمِلْهُ ضد اليهود وغير اليهود، ليكون لنا النصرُ المظفَّر بإذن الله.
*****

العنصر اليهودي في المجتمع المسلم

العنصر اليهودي في المجتمع المسلم

     حين ظهر الإسلام كان العنصر اليهودي مرفوضاً من المجتمع الدولي، كان محكوماً عليه بالذل في ظل المجتمع الكنسي البيزنطي، والمجتمع الكنسي الأوربي، والمجتمع الوثني الفارسي. وكان اليهودي يُعامل باحتقار في كل أنحاء أوربا. كان هذا اليهودي التائه لا يجد من يعطيه لقمة إلا بصفعة، ولا يتعامل معه، حتى لو كان محتاجاً إلى قروشه وأمواله إلا على أساس أنه ناقص الإنسانية، إنسان من الدرجة الثانية أو الثالثة. فلما جاء الإسلام عامل اليهودَ معاملته للنصارى، وسمّاهم أهل كتاب، وتزوج الرسول الكريم ﷺ يهودية أسلمت، فصارت أمّاً للمؤمنين هي السيدة صفية رضي الله عنها، وهذا من شأنه أن يرفع من منزلة اليهود والخزي العالمي المحيط بهم.

     وفي المدينة المنورة، عاهد النبي ﷺ اليهود، وقدّمت إليهم الدولة المسلمة الملجأ والحماية، وتركتهم أحراراً آمنين في عقائدهم وبيوتهم وأموالهم، وهيّأت لهم فرص العيش الكريم. ولكنْ في كل موقف كان اليهود يردُّون بالغدر، ويقابلون الإحسان بالإساءة. فقد كذبوا على المسلمين، وحرضوا عليهم المشركين، وتحالفوا مع الوثنية ضدهم، وحاولوا قتل الرسول الكريم ﷺ، ولجّوا في الخصومة والعداوة حتى أخزاهم الله عز وجل، ونصر الإسلام والمسلمين عليهم نصراً مؤزّراً.

     ما عبرة ذلك!؟ عبرته أن الذين يحلمون بمجتمع سلام يضم اليهود ويضمهم واهمون، فاليهود لا يعرفون السلام، وهم دائماً مشعلو الحروب والفتن، لا يحفظون لأحد جميلاً، ولا يرعون عهداً، ولا يقيمون أي اعتبار وتقدير لوازع خُلقي، أو عرف دولي، وإذن فالصراع بيننا وبينهم صراع وجود وحضارة ومصير، لا ينتهي إلا بتصفية أحد الفريقين، ونحن الغالبون في النهاية بإذن الله. هكذا علّمنا ديننا، وتلكم عبرة تاريخنا.

*****

يقظة إسلامية في عرب فلسطين المحتلة 1948م

يقظة إسلامية في عرب فلسطين المحتلة 1948م

     تشهد هذه الفترة التي يمر بها الإسلام هذه الأيام، حركة يقظة إسلامية، تتمثل في صحوة متزايدة، لدى قطاعات واسعة من الأمة، تدعو إلى العودة إلى الدين وتحكيم الشريعة، والبحث عن الأصالة والجذور، والابتعاد عن التيارات الوافدة والمبادئ الدخيلة التي قادت البلاد والعباد إلى الدمار. وقد شملت هذه الصحوة فيمن شملت عرب فلسطين الذين يعيشون تحت حكم القسر اليهودي الظلوم، مما جعل سلطات الاحتلال تراقب هذا التحرك وتتخوّف من نتائجه.

     وفي ملحق صحيفة هاآرتس اليهودية الصادر في 13/ 7/ 1979م؛ الذي خصصته كاملاً للحديث عن اليقظة الإسلامية بين شباب قرى المثلث في فلسطين، يتساءل كاتب المقال قائلاً:

     "طوال الثلاثين عاماً المنصرمة كانت الأقلية العربية في إسرائيل تمارس نشاطاً سياسياً متحفظاً، أما الآن فإن الأقلية العربية بدأت تتجه اتجاهاً مختلفاً، نحو جذورها وأصولها الدينية، ولقد أصبحت ظاهرة تزايد اليقظة الإسلامية بين صفوف الأقلية العربية موضع اهتمام السلطات الرسمية التي تنظر بريبة وخوف إلى هذه الظاهرة:.

     إن ظاهرة تزايد اليقظة الإسلامية بين عرب إسرائيل (حسب تعبير المقال) أصبحت مصدر قلق أكيد لكل يهودي. فقد أصبح كل يهودي يتساءل بقلق وخوف هذه التساؤلات:

- ما هي أهداف هؤلاء الشبّان الذين يعودون إلى الإسلام من جديد؟

- ومن يقف وراء هذه الظاهرة؟

- وهل حركتهم هذه حركة عفوية لن تلبث أن تزول أم أنها ستتحوّل إلى حركة إسلامية ثورية كما حدث في مناطق أخرى في الشرق الأوسط؟

     وقبل أن يبدأ المقال في محاولة الإجابة على هذه التساؤلات يشير إلى أن الخطر الحقيقي الذي تمثله ظاهرة العودة إلى الإسلام بين عرب إسرائيل (كما يعبّر صاحب المقال) هو أن الآلاف من الشباب الذين يعودون إلى الإسلام من جديد هم من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية ومعاهد المعلّمين، أي أنهم من الجيل المثقف، وجيل المستقبل.

     ويورد كاتب المقال عدة أسباب لظاهرة الصحوة الإسلامية من أهمها: خيبةُ أمل الشباب بالشعارات الكثيرة التي طُرِحت لتحرير فلسطين، فقد وجد هؤلاء الشباب أن إيمانهم بهذه الشعارات لم يحقق لهم ما كانوا يصبون إليه من استعادة وطنهم.
*****

اليقظة الإسلامية وفلسطين

اليقظة الإسلامية وفلسطين

     في ملحق صحيفة "هآرتس" اليهودية الصادرة في الأرض المحتلة بتاريخ 13/ 7/ 1979م، والذي خصصته كاملاً للحديث عن اليقظة الإسلامية بين شباب قرى المثلث العربي في فلسطين المحتلة منذ عام 1948م؛ نجد الكاتب يسوق عدة نقاط مهمة ذات تسلسل تاريخي حول تلك اليقظة، يرتبها على النحو التالي:

- في البداية أخذ عرب تلك المنطقة يطلبون من "إسرائيل" الاعتراف بهم كمواطنين إسرائيليين.

- بعد حرب حزيران 1967م؛ بدأ الوعاظ والعلماء من الضفة الغربية يتوافدون على قرى المثلث المحتلة منذ عام 1948م، وكان لذلك أثر كبير في تذكير أهالي تلك القرى بدينهم، وعودتهم إليه من جديد.

- وبعد حرب حزيران 1967م؛ أصبح من السهل انتقال الكتب الإسلامية من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عرب إسرائيل (على حد تعبير الكاتب اليهودي) مما ساعد على انتشار الأفكار الإسلامية بينهم.

- الجهود الكبيرة التي بذلها رجال الدين المتعصبون (على حد تعبير الكاتب اليهودي أيضاً) الذين لم يتركوا قراهم عام 1948م، فهؤلاء كانوا طوال "الثلاثين عاماً" الماضية يبذلون جهودهم لتذكير الناس بدينهم من دون ملل.

- خيبة أمل عرب إسرائيل (حسب تعبير الكاتب) في المبادئ الغربية كالرأسمالية والديمقراطية وغيرهما، وخيبة أملهم بمبادئ اليسار العالمي، واقتناعهم بأن كل تلك المبادئ لا تتفق مع الإسلام، وأن الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي يحقق آمالهم.

     ويشير المقال إلى دور النشاط الإسلامي النسائي في حركة اليقظة، فيقول: إن الواعظات المسلمات لهن دور كبير في تزايد اليقظة الإسلامية بين عرب إسرائيل (على حد تعبيره)، ففي قرية باقة الغربية مثلاً تأتي واعظة شابة من نابلس وتلقي دروساً دينية أمام نساء القرية، وقد كان لهذه الدروس أثر كبير في عودة الكثيرات إلى الإسلام، وامتلاء المساجد بهن.

     ويقول كاتب المقال: إنه سأل كثيراً من الشباب العائد إلى الإسلام عما إذا كانت لديهم نوايا سياسية، فكانوا يقولون: إنهم عرب مسلمون، ولا يهمهم غير تنفيذ تعاليم الإسلام، وإن تيار العودة إلى الإسلام لن يتوقف، وسيتحول إلى قوة ذات قواعد واسعة من الشبان والفتيات.
*****

     ونقلت صحيفة القبس الكويتية عن صحيفة "فورتشن" مقالاً تحت عنوان: الصحوة الإسلامية تُقلِق أمريكا... وإسرائيل تتوقع جهاداً إسلامياً مقدساً لتحرير الأقصى، ومما جاء في مقال "فورتشن":

     إن صحوة الإسلام الجديدة تزعج الإسرائيليين كثيراً، فإسرائيل تعرف تماماً أنه إذا فشلت محادثات السلام مع الفلسطينيين والعرب؛ فإنها ستكون هدفاً لحرب "الجهاد المقدس" التي ستشنّها الصحوة الإسلامية المتزايدة يوماً ما.

     إنه حتى في الجامعات العبرية في إسرائيل بدأ الطلاب العرب المسلمون يُبدون اهتماماً متزايداً بالعودة إلى دينهم، وبدؤوا يمارسون ضغوطاً على السلطات اليهودية للسماح بفتح كليات للثقافة الإسلامية في الجامعات اليهودية، كما بدأ العديد منهم يطلقون لحاهم، ويؤدون العبادات الإسلامية، في حين بدأت الفتيات بارتداء الزي الإسلامي الشرعي.

     إن استفتاءً جرى مؤخراً بين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة؛ أظهر أن سكانها -وخاصة المثقفين منهم- يطالبون بالعودة إلى الإسلام بعد أن يئسوا من جميع الأنظمة والأيديولوجيات التي تنازعت أفكارهم سنوات طويلة.

     إن الإسرائيليين يشعرون أنهم يعيشون في بحر متلاطم يسيطر عليه الإسلام، وأن إسرائيل مهددة بالغرق والاندثار من دون موعد بين أمواج هذا البحر الإسلامي.
*****

تجاربنا مع العدو الصهيوني

تجاربنا مع العدو الصهيوني

     وإذا كان المرء حريصاً على الانتفاع من تجارب الواقع العملي التطبيقي، فإن النتيجة من وراء ذلك كله، تخدم الفكرة التي يحاول هذا الحديث الخروج بها.

     انظُرْ إلى تجارب الواقع تَجِدْ أن هذه الأمة ما تركت دينها إلّا شقيَتْ وضلَّتْ ودفعت ثمناً باهظاً لذلك، وما عادت إليه إلّا بدأتْ عهداً من الانتصار والغلبة والفوز. ودعك من تجارب الواقع في الماضي، وانظُرْ إلى تجارب الواقع المعاصر الآن.

     وسنحاول أن نركّز استخلاص العبر والدروس، من تجارب إحدى أخطر قضايانا المعاصرة، هي القضية الفلسطينية.

     لقد نشبت بيننا وبين عدونا اليهودي في فلسطين سلسلة من الحروب يحسن بنا أن نتأملها:

- في حرب عام 1948م هزمنا الكيانُ اليهودي علماً أنه كان ناشئاً متواضع الإمكانات، ويمكن أن تعد هذه الهزيمة، هزيمةً للأنظمة الرأسمالية والفكر الديمقراطي الغربي الذي كان سائداً في بلادنا يومذاك.

- وفي حرب عام 1956م كان النصر حليف اليهود كذلك، وهزيمتنا هذه يمكن أن تعد هزيمة للفكرة القومية الجاهلية التي سادت يومذاك.

- وفي حرب عام 1967م كان النصر حليف اليهود أيضاً، وهزيمتنا هذه، يمكن أن تعد هزيمة لليسار والشيوعية والاشتراكية، وأفكارها وأنظمتها.

- وفي عام 1973م فُزْنا بنصر جزئي على اليهود، لكنَّ هذا النصر الجزئي كاد يزلزلهم ويقتلعهم من جذورهم. وهذا النصر الجزئي الذي فزنا به إذ ذاك؛ يساوي بالضبط حجم عودتنا الجزئية إلى الدّين إبّانَ تلك الحرب.

     أحسب أن العبرة واضحة، لقد جرّبنا الرأسمالية والاشتراكية، والشيوعية والديمقراطية، واليمين واليسار، والقومية العصبية الجاهلية، فما حصدنا إلّا الشوك والهزيمة والعار خلال ثلاث حروب، ثم جرّبنا العودة المتواضعة إلى الدين ففزنا بنصر متواضع. وهكذا يبدو أن سرَّ سعادتنا وفوزنا يكمن في موقفنا من الدين.

     إنّه –كما دلّت تجربتنا المعاصرة الدامية– ما نأينا عنه إلّا خسرنا وهُنّا وتمزقنا، وما تمسّكنا به إلا ظفرنا وتوحدنا وعززنا.
*****

مسلم في فلسطين

مسلم في فلسطين

     مسلم مجاهد في فلسطين طوى صدره على عزم خطير نبيل، أقسم أن يقتل سارقي أرضنا وأرضه في فلسطين. جعل ذلك عهداً في عنقه لا فكاك له منه إلا بإنفاذه، أو يحظى بالشهادة. وأكد الصادقون المجاهدون ممن عاشوا معه أنه في جهاده عجب من العجب.

     كان لا يكلف أحداً أي مؤونة لا في غذاء ولا في سلاح، لا في حماية ولا في ستر. كانت عنده بندقية قناصة ذات ناظور مقرب، وكان يقترب مع الفجر زاحفاً زحفاً بطيئاً من خط المواجهة، وكان يبحث عن مكان مناسب يزرع فيه نفسه زرعاً حتى ليبدو كأنه جزء من الأرض التي هو فيها. ويظل كذلك، قلبه موصول بالله، وعيناه على البغاة المجرمين. حتى إذا ظهر له من أحدهم مقتل، سارع يصوب ويطلق النار، وإصابته قلما تخطئ.. فإذا وقع اليهودي قتيلاً عاد الرجل فانسحب من موقعه، ومضى يستريح، ويُعِد نفسه لصيد جديد في يوم جديد.

     وهكذا ظهر هذا المسلم يقوم بجهاده الكبير المبارك في صمت وإصرار، وثبات وعناد، ويضبط حسابه من عدد القتلى. ذلك أنه عزم على أن يقوم بالحج إلى بيت الله الحرام بعد الفراغ من مهمته التي كلف نفسه بها.

     وسألت من حدثوني بأمره العجيب عن العدد الذي كان قد وصل إليه!.. فقالوا: كان الرجل قد قتل ستين من مغتصبي أرضه حين تركناه، وهو هادئ صامت ينتظر اليوم الذي يصبح فيه مجموع من قتلهم مئة صهيوني غاصب.

     أيها المجاهد القادم من ديار بعيدة نائية تجاهد في الله بصدق وإخلاص!.. بارك الله في غدوك ورواحك، ورزقك الظفر بالذي أملت. أنت -والله- مثال المسلم المجاهد الصادق، وأنت مثال للفداء العظيم المؤمن، وأنت سوط نكال يلهب ظهورنا نحن القاعدين. لك أجمل تحية، ولك أكرم سلام.. ولك اليوم كرائم البشريات. فلا بد أنك تسمع اليوم بطولات المجاهدين، حفظك الله ورعاك، وأكرمك وسدد خطاك، وأكثر في المسلمين من أمثالك، فإنهم إن كثروا كان لنا الفوز المبين بإذن الله.

     وأنت أيها المسلم حيث أنت!.. فليكن لك في هذا الذي فعله هذا المجاهد أسوة وحافز، وامضِ في سبيل الله عز وجل تجاهد، ولا تجعل للقنوط والتردد سبيلاً عليك.

     وتذكروا أيها المجاهدون الأباة!.. أنكم أنتم القادرون -بإذن الله- على أن تحملوا اللواء من جديد، وتعيدوا الراية عالية خفاقة، وترفعوا المنار فوق الربى والآكام، إن فيكم جمرة الأمة المسلمة، وهي جمرة قادرة على الاشتعال كل حين، أبعدوا عنها الرماد، أزيحوا عنها التراب، دعوها للرياح لتهيج ما فيها من عزيمة، عندها سوف ترون البطولات، وتلمسون عجائب التضحيات، وتعودون أساتذة للدنيا، ولم لا!؟.. ومواقفكم أنبل المواقف، وأنتم خير الرجال..

     أيها المسلم المجاهد!..

أعِد من مشـــرق التوحيد نوراً     يتــــم به اتحــاد العــــــــالمينا
وأنت العطر في روض الليالي     فكيف تعيش محتسبـــاً دفينـــا
وأنت نســــيمه فاحمل شــــذاهُ     ولا تحـــمل غبــــار الخاملينـا
وأرسل شعــلة الإيمـان شمساً     وصُغْ من ذرّه جبــلاً حصيــنا
وكن في قمة الطوفــان موجـاً     ومزناً يمطر الغيــث الهتـــونا

     تذكر أن ديار الإسلام تعرضت من قبل لهجمات ضارية عنيفة من التتار والصليبيين، امتحاناً لشخصية المسلم وإيمانه، فما جبن ولا ارتاع، بل ثبت وجاهد حتى كان له الفوز المبين، وبقي الإسلام عالياً أبيّاً، بينما ذهب الغزاة المعتدون أدراج الرياح:

سألوني عن الغـزاة فجاوبت     رمالٌ تسفي ونحن الصخور
سألوني عن الغـزاة فجاوبت     ليـــالٍ تمضي ونحن الدهور
سألوني عن الغـزاة فجاوبت     ريــــاحٌ هبّت ونحن ثبيــــر

     أنت أبقى من الغزاة وإن ركبوا كل صعب، فلا تخف من عالي أصواتهم، فإنما هو دجل يخفون به حقيقة كذبهم وانهيارهم، وبداية العقوبة الربانية تحل بهم جزاءً وفاقاً لعتوّهم وفسادهم.

     إن حديقة الجهاد الإسلامية بحاجة إلى دمك الطهور لتنبت أطيب الثمار، ولتبسم أجمل الأزهار، ولتورق أنضر الأغصان، ليبدأ ربيع الحياة، وموكب الخصب والنماء. هيا للجهاد أيها المسلم تغسِلْك دماؤك، وتكفِّنْك ثيابك، وتصلِّ عليك الملائكة الأطهار.
*****

حربنا مع اليهود

حربنا مع اليهود

     جيش البغي والعدوان يسيطر على القدس، ليل الإثم والعار يغطي سماءها الطاهرة الصافية، عصابة الإجرام من يهود تحكمها وتعيث فيها فساداً وظلماً. هذه العصابة العاتية الباغية، من قتلة الأنبياء، وتجار الفجور، ومحترفي الربا، تلتقي في القدس لتحارب المسلمين، وتبطش بهم، وتهدم أقصاهم، ليبني مكانه هيكلها. تكره كل من يذكر الله في خشوع، ويقرأ القرآن في إخبات، ومن يمتلئ قلبه باليقين، ذلك أنها تعلم أن هؤلاء هم أشد خصومها، لذلك تكرههم، تحقد عليهم، تسعى لاستئصالهم والقضاء عليهم.

     لقد تعلمَتْ من وعيها للتاريخ الإسلامي أن المسلمين رجال ذوو جراءة وإقدام، وأنهم يعون حقيقة إيمانهم، ويستشعرون عظمة إسلامهم، يفعلون العجائب، يُقدِمون، يهجمون، يستبسلون، كالصقر يشتدون، كالأسد ينقضون، تسري في دمائهم أمجاد بدر واليرموك، حطين والزلَّاقة، القادسية وعين جالوت، فإذا بهم قوة تنضاف إلى قوة، وبأس ينضاف إلى بأس، وعزيمة تنضاف إلى عزيمة، وإذا بهم رجال لا كالرجال، يصوغون مواقف لا كالمواقف.

     يا مسلم اليوم، يا من يجاهد عدوان يهود!..

     تذكر أنك سليل الصيد الفاتحين، والغزاة المجاهدين، تذكر أنك تنتمي إلى خير أمة أخرجت للناس، وأكرم حضارة عرفها البشر.. إن حادي الإيمان يهيب بك أن أقدم.. إن نداء الجهاد يدوي في أذنيك أن هلمّ إلى جنة عرضها السماوات والأرض.. إن عطراً من أنفاس النبوة يضوع ويعبق، فاتصِلْ به يملَأْ قلبك بالسكينة واليقين، والقوة والثبات، والأمل الكبير بنصر الله القريب.

     إن الحنان في أذان بلال ما زال يتدفق ليرفع المسلم فوق الصغائر ليستشرف آفاق البطولة، وليكون موصول الأسباب بقوة الله تعالى التي لا تقهر.

     دع عنك القلق والجزع، دع عنك الهلع والخوف.. إن الآجال لا تطول ولا تقصر، وإن الموت خاتمة لحياة كل إنسان، شجاع أو جبان.

     تذكر -وأنت تجاهد يهود- أنك على حق، وعدوَّك على باطل، وأن شجرةَ الحق أثبت من شجرة الباطل، وجندَ الحق أقوى من جند الباطل. تذكر أنك من حملة القرآن، وأن ثوراتهم المزيفة لا يمكن أن تهزم قرآنك العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو تنزيل من حكيم حميد.

     إن الحضارة التي صاغها أسلافك العظام خير حضارة عرفها العالم على الإطلاق، وإن نظام الحياة الذي منحوه للبشرية أفضل وأعلى من أي نظام آخر، لقد عرفت الدنيا خلال عمرها المديد كثيراً من الحروب، لكنها لم تعرف حروباً كالتي قام بها المسلمون لأنها حروب ذات مبادئ نبيلة، وأهداف سامية، وغايات شريفة جليلة، تستهدف في نهايتها إسعاد الإنسان بإخراجه من منهج الشيطان إلى منهج القرآن.

     أيها المسلم المجاهد!..

     إنك تقاتل قتال من هو جدير بالانتماء إلى الإسلام الذي سيكون له بإذن الله العز والتمكين، والنصر والفوز المبين، وسيكون لك القبول في الناس، والرضا عند ربك ورب الناس. إنك حين تفعل ذلك ستكون غايتك بعيدة كريمة، تحرر الأرض من يهود، تحكم بشرع الله، تعلي كلمة القرآن، تنطلق في الدنيا كلها حاملاً دعوة الحق ونداء الإيمان.

     أيها المسلم!.. أظهر حقيقتك للأقوام والشعوب، فمحافل الكون في حاجة إليك، ترنو إلى حرارة أنفاسك، وصدق دعوتك، ومضاء عزيمتك. خلافة الأرض لك فكن بها جديراً خليقاً، وانهض لتثبت وجودك، ويتمَّ بك نور التوحيد. أنت العطر وإن حبستك عن العالم الحواجز، فقم واحمل الأمانة في عنقك، وانشر أريجك الطيب حتى تعطر أفناء الحياة التي امتلأت بالكريهة من روائح يهود.

     لا تكن مثل الأمواج حبيسة بين البحر والشاطئ، ولكن كن جدولاً دفاقاً بالعطاء والمكرمات، وأنر الدهر بنور وجهك النبيل.

     لولا البحر ما كانت اللآلئ، ولولا الأنهار ما كانت المزارع، ولولا النحل ما كان العسل، ولولا البستان ما غنت العنادل والبلابل على الأغصان، ولولا الإسلام ما كان نور ولا عدل ولا إيمان، فكُنْ مسلماً حقاً يكُنْ لك النصر والفخار والخلود.
*****

اليهود والإفساد في الأرض

اليهود والإفساد في الأرض

     ثمة أمر على درجة كبيرة من الأهمية؛ ينبغي أن يظل في ساحة وعينا واهتمامنا، وألا يغيب عن أنظارنا، خلال دراستنا للأجيال الرافضة المتمردة، نظراً لقوته وخطورته، وكثرة الشواهد التي تؤيّده وتدعمه، وهو أن هناك أيادي خفيّة أحياناً، ظاهرة حيناً، تشجّع هذه الأجيال على المزيد من التمرد والعنف، والرفض والخروج، وتدفع مسيرتهم في طرق الفساد، وتقودهم باستمرار إلى مستنقع عفن من الشرور، وتسارع إلى سد أي ثغرة خيّرة يمكن أن ينفذ منها شعاع من النور والهداية إلى هذه الأجيال البائسة المرهقة، المحزونة المكدودة، الحائرة التائهة، المتحولة من تيه إلى آخر، ومن ضلال إلى ضلال.

     هذه الأيادي الآثمة هي اليهود، اليهود مفسدو العالم وجلّادوه، ومثيرو الفتن والمشكلات فيه -كما يقول أحدهم الدكتور أوسكار ليفي-، وإذا كان قَصْر الفساد والإفساد في العالم على اليهود وحدهم خطأً كبيراً، فإنه خطأ كبيرٌ آخر أن تُبَرَّأَ ساحتهم من قيادة الفساد في العالم، والترويج له، وتحسين ممارسته، والريادة فيه، وابتكار صنوف منه ذات إغراء كبير.

     إن اليهودية العالمية تسعى بكل سبلها لتدمير المجتمعات البشرية جميعها، دينياً، وأخلاقياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، بوسائل شتى، كإشاعة الفاحشة، وتقوية النزعة الفردية، وتغليب الجانب المادي النفعي، والقضاء على الأديان، وتمزيق الروابط العصبية، والقضاء على الولاء للوطن أو العشيرة، وتدمير الروابط العائلية في الأسرة الواحدة، وامتصاص خيرات العالم بالاحتكار والربا، ودفع الناس في دوّامة لا تنتهي من المُسْكِرات والمُخَدِّرات، والسُّعار الجنسي، والقلق والضياع، ومتاهات الإحساس بالغربة والوحشة، والسأم والقرف، والحيرة والشجى، وإفقاد الناس أية موازين يحتكمون إليها، ويقيسون الأمور عليها، وإضاعة الفوارق ما بين حق وباطل، وخير وشر، ومحمود ومذموم، ومعروف ومنكر، وغير ذلك.

     إن اليهودية العالمية تلجأ إلى هذه الوسائل وأمثالها لتدمير العالم، لأنها تأمل أن تكون ذات يوم، المجموعةَ الوحيدة، المترابطة المتماسكة، التي تعرف لها هدفاً محدداً بالضبط، وتعرف أساليب الوصول إليه، في عالم تائه، ضائع حائر، مضطرب مفكك، لتسود فيه وتحكمه، وتسيّره حسب أهوائها، ويومها تحقق هدفها في أن ترى غير اليهود، ممن تطلق عليهم "لفظ (غُوييم) جَمْع، مُفْرده (غُوي)، استعمل أصلاً في اللغات الساميَّة –ومنها العبرية– للدِّلالة على الحيوانات المتجمّعة في قطيع، أو الطيور والحشرات والهوامّ التي تتحرك في أسراب. ثم انتقل للدِّلالة على الكثير المختلط من الناس، ثم إلى سَفِلتهم وأشرارهم. ومن هنا خصّصتها العنصرية اليهودية منذ القدم للدِّلالة على جميع الناس من غير اليهود، ثم توسَّع أحبار اليهود في مدلول "الغوييم"، فأضافوا إلى الكلمة معنى القذارة المادية والروحية والكفر، فأصبحت كلمة (غُوي) عندهم سُبَّة"[1]، فهم ينظرون إلى غيرهم نظرتهم إلى البهائم وقد صاروا في مكانهم الذي خلقوا له، وهو على زعمهم مجرد خدمة اليهود فحسب وذلك كما في بروتوكولاتهم وتلمودهم.

     ولَمّا كان الشبان أكثر الناس تقبّلاً للجديد، ولَمّا كانوا أكثرهم وقوعاً في شَرَكِ الشرور ومهاوي الآثام، نظراً لقلة خبرتهم، وعنف أهوائهم، وزهادة المحصول الفكري عندهم، كان تركيز اليهود عليهم شديداً لأن عجلة القيادة في المجتمعات ستؤول إليهم ذات يوم. وقد أدّى هذا التركيز إلى استفحال جيل الرفض العشوائي المدمر، كظاهرة من أخطر ظواهر عصرنا اليوم.

     وإذا كان ينبغي ألا يغيب عنا قط؛ أن أحد أسباب استفحال ظاهرة هذا الجيل المتمرد الرافض، يرجع إلى أشواق الفطرة الحبيسة، فينبغي ألا يغيب عنا كذلك أن اليهود ونشاطهم المدمر سبب آخر، بل هو أخطر الأسباب وأولها وأفتكها، وما من ريبٍ أن هناك أسباباً أخرى، كثيرة منوعة، ذلك أن الظواهر الخطيرة، والحضارية منها بشكل خاص، يصعب تعليلها من خلال اللجوء إلى سبب وحيد، لكن النشاط اليهودي التدميري يبقى أهم هذه الأسباب جميعاً.

     ويستطيع دارس البروتوكولات اليهودية، وقد طبعت باللغة العربية بعد أن ترجمت إليها، كما ترجمت وطبعت بشتى اللغات العالمية؛ أن يجد فيها خطة متكاملة، تتناول شتى النواحي السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والدينية، والأخلاقية والثقافية، وغير ذلك من النواحي، وكيفية إفساد المجتمعات الأخرى من خلال التسلل إلى هذه النواحي ومراكز التأثير فيها، ومن خلال إحداث الفتن والاضطرابات في العالم، ومن خلال وسائل شتى مماثلة لذلك.

     هذه الخطة المتكاملة، ذات الأهداف المحددة، وذات الوسائل الدقيقة المحددة للوصول إلى تلك الأهداف، هي المنهج الأساسي لليهود في عصرنا اليوم للسيطرة على العالم، وحكمه حكماً تاماً.

     وإذا كان عدد من الناس يشك في صحة البروتوكولات، وإذا كان اليهود يكذّبون نسبتها إليهم، فإن أكبر رد عليهم هو أن الأصول التي قامت عليها هذه البروتوكولات لا تزيد شيئاً عمّا جاء في التلمود، إضافةً إلى أن تاريخ اليهود وأخلاقهم ومواقفهم وأعمالهم القديمة والمعاصرة، هي بشكل أو بآخر تطبيق عملي لما جاء في خطة البروتوكولات المشهورة.

*****

--------------
[1] https://islamsyria.com/site/show_articles/442
موقع رابطة علماء سورية، محمد علي دولة، اليهود والغوييم.

الأكثر مشاهدة