الخميس، 29 ديسمبر 2022

إسلام الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (1)

إسلام الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (1)

     عجيبةٌ قدرة هذا الإسلام العظيم على التقدم واكتساب مواقع جديدة له، إنْ في عالم الجغرافيا والأرض، وإنْ في عالم البشر والناس. هي قدرة عجيبة وعميقة معاً، والسبب الأكبر في ذلك أنها قدرة ذاتية، نابعة من تركيبه الربّاني المعجِز، لذلك تظل قادرةً على أداء دورها، حتى في تلك الظروف التي يقصّر فيها المسلمون عن القيام بواجبهم في نشر أنوار هذا الدين لينقذوا به الضالين والحائرين. ولعله لا شيء يدل على ذلك، ويؤكده ويصدّقه، كتلك الحالات التي نظل نسمع عنها بين الحين والآخر، والتي يكتسب الإسلام فيها، له أنصاراً متفوقين.

     وإنه لَمِنَ الإنصاف الحق، أنْ نذكر بخير أخاً كريماً من هؤلاء المهتدين المتفوقين طَوَتْهُ يد المنون، واعترف بفضله ونبوغه العدو قبل الصديق. إنه أخٌ إيطالي عزيز نبغ في الشعر وتفوق، حتى عُدَّ واحداً من مجددي الشعر في بلده، وفاز بجائزة ذات قيمة كبيرة وأهمية بالغة في عالم الشعر في إيطاليا، إنه الأخ فنسينزو ماريا ريبو، أو محمد رباح كما سمّى نفسه بعد أن أسلم.

     ولد محمد رباح في نابولي عام 1947م، ودرس المرحلة الابتدائية في المدينة نفسها، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة بوتنسا بيجينو حيث عمل والده مفتشاً في وزارة التربية، ودرس هناك المرحلة المتوسطة. ثم انتقل مرة أخرى إلى مدينة سبوليتو فأنهى المرحلة الثانوية بتفوق، ودخل جامعة بيروجيا التي تبعد عن بلده مسافة تبلغ حوالي 70 كم. وفي بيروجيا حيث يكثر الطلبة العرب بدأ احتكاكه بالوسط الأجنبي عنه، وفي 12 نيسان 1970م حيثُ بَقِيَ له بضعةُ شهورٍ على التخرج انتقل إلى رحمة الله عز وجل.

     وقد بدأ رحمه الله بكتابة الشعر صغيراً، وهذا دليل على رهافة حسّه، وكان رحمه الله شاعراً مرموقاً احتل بشهادة الجميع منزلة هامة في الجيل الجديد للشعراء الشبان بإيطاليا. كما بدأت دواوين شعره تتجمع وعمره ستة عشر عاماً، وحين توفي كانت قد بلغت ألف صفحة لم تُطبع حتى الآن.

     وقد تقلّب في حياة النعمة، واتصل بالطبقات الراقية في المجتمع الإيطالي، خاصة فئة الأدباء، حيث كان والده مفتشاً في وزارة التربية، وهو وحيدُ أهله، وهذا أتاح له فرصة الوعي المتقدم من ناحية، كما حمله على اختيار الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية ودراسة الأدب في الجامعة من ناحية ثانية.

     وكان يعرف اللاتينية ويتكلمها، وله ترجمات شعرية من اللاتينية إلى الإيطالية، وكل هذه العوامل والمؤثرات، إلى جانب دراسته المقارنة للأديان، على ما يوجد في مصادر هذه الدراسة المقارنة من دسٍّ على الإسلام وتشويهٍ له، أوجدت عند المرحوم، الحافز للتعرف على الإسلام لأنه وجد فيه الشيء الوحيد الذي يركن إليه، وخاصة وقت الشدة كما نرى في كثير من قصائده.

     وأُعجِبَ محمد رباح بالإسلام، على الرغم من أنه لم يتعرف إليه نقياً من الشوائب، صحيحاً بعيداً عن الكذب والتشويه فأسلم، وأخفى إسلامه فترة من الزمن، ثم طفق يدعو قومه للإسلام مما أثار عليه حقداً مريراً.

     وقد أثبت الفحص الطبي أنه حُقِنَ بمستحضرٍ لتسييل الدم فأصابه نزيف شديد، وكانَ ساعةَ نَقلِه إلى المستشفى يقرأ القرآن الكريم ودمه ينزف، ودموعه تسيل، حتى فارق الحياة، مما جعل بعض المسلمين في إيطاليا يسمونه بالشهيد.

     أسلم رحمه الله في عام 1388هـ=1968م، وأتقن الصلاة والصيام، وحَسَّنَ إسلامَه وعقيدتَه وعبادتَه، وقام بزيارة مع والده إلى سوريا في العام التالي، وكانت رحلته تلك، رحلة الوداع، لينام بعدها قرير العين في العالم الآخر، وكان في استقباله نفر من خيار الناس وخاصة في مدينة حلب، حيث رأى هناك ما يسرُّ نفسه ويُرضي ضميره، ويزرع في وجدانه آثاراً وانطباعات عميقة ظهرت في شعره.

     إنه بمقدار ما يبتهج الإنسان حين يتوقف أمام أمر كهذا، يعتصر الألم قلبه حين يرى ما يرى من تقصير وعقوق. أمّا أنَّ الإنسان يبتهج فلأنه يشهد عملية هداية وتحول وانتقال من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى الإسلام، حيث ينطلق امرؤ متفوق ذو موهبة كبيرة ليسير في مواكب الإيمان والهداية، وليجنِّد نفسه بعد ذلك للتعريف بالإسلام والدعوة إليه بين ذويه، حتى ينتقل إلى رحمة الله عز وجل في ميتة غامضة يحسبها بعض الناس شهادة في سبيل الله، والله أعلم.

     أمّا ما يتردد في الوجدان من ألم وأسف؛ فهو بسبب ما لدى أكثر المسلمين اليوم من تقصير وعقوق، تقصيرٍ يحملهم على القعود فلا يُبشّرون بدين الله، ولا يسعون لنشره وإنقاذ الناس به، وعقوقٍ يجعل أكثر الأدباء والمتأدّبين، يهتمون بشتى أدباء العالم، وفيهم من يستحق ومن لا يستحق، وفيهم الفاجر والفاسد والحائر، وفيهم مَنْ يقف جهاراً نهاراً معادياً لنا، ويسكتون عن الاهتمام بشاعرنا فنسينزو ماريا ريبو على الرغم من إسلامه ونبوغه.
*****

الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

الدكتور غرينيه المسلم

الدكتور غرينيه المسلم

     هو رجل مصري من أهل الخير والاستقامة، ومن ذوي الغيرة الإسلامية، ومتابعةِ شؤون المسلمين، وأخبار الدعوة إلى الله، ومَنْ يفوزُ بنورها، ويَنْهَلُ من عطائها، فيتحوّلُ إليها، ويؤمنُ بالإسلام، ويمنحُه ولاءه الصادق المكين. وطوّحت الأيام بهذا الرجل إلى فرنسا، فظلّ فيها على حسن خلقه، وجميل استقامته، وحسن اهتمامه، وظلّ فيها طاهر النفس عفيف الذيل، معنيّاً كعادته بشؤون الإسلام والمسلمين.

     تحدث الرجل عن نفسه فقال: كنتُ أسمع وأنا نزيل فرنسا بطبيب عظيم له شهرة واسعة بين بني قومه في حب الخير ونشر الفضيلة. هذا الطبيب هو الدكتور "غرينيه" الذي كان في بعض أيامه عضواً في مجلس النواب الفرنسي، فرأى الأمور التي تجري في ذلك المجلس، غير ملائمة لكثير من مبادئه الإنسانية، فانسحب منه على كثرة المتزاحمين على الظفر بكرسي فيه، وآثر الإقامة في بلدة صغيرة هادئة من بلاد فرنسا يداوي فيها أمراض الناس الجسمية والروحية. وقد اعتنق الإسلام عن بيّنة واقتناع.

     أردتُ أن أعرفَ هذا الرجل الفاضل، وأن أسمع من لسانه سبب خروجه من النصرانية ودخوله في الإسلام، فتوجهتُ إلى البلدة التي انزوى فيها مبتعداً عن ضجيج الحضارة وموبقات باريس، فلما دخلتُها جعلتُ أسألُ عنه، فكان كل من سألتُه عنه يجيبني بلهفة وابتهاج فعلمتُ من ذلك، أنّ جميع أهل ذلك البلد مغمورون بفضل الرجل، وليس منهم أحد إلا وقد سبق له شيء من الخير، فهو يطبّب الفقراء وأشباه الفقراء بلا مقابل، ويعطيهم العلاج من عنده، وإذا جاء معهم أطفال، يُدخِلُ على قلوبهم الصغيرة، البهجة والسرور بما يمنحهم من الملابس والحلويات وغيرها. وهو لجميعهم بمقام الوالد بمشورته ونصائحه وإرشاداته.

     ولما اجتمعتُ بالدكتور "غرينيه" في منزله عرّفتُه بنفسي، وذكرتُ له سبب زيارتي فرحّب بي كثيراً، ولقيتُ منه فوق ما كنتُ أتوقع، وسألتُه عن سبب إسلامه فقال:

     لقد كنتُ في أيام شبابي طبيباً بحرياً، ألازمُ السفن الشراعية، وأعيشُ فيها بين السماء والماء. واطّلعتُ مرةً على نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الفرنسية بقلم المسيو ساڤاري. فقرأتُ فيها آية من سورة النور، تتضمن صفة الجاحد، وتخبّطه في جحوده كما يتخبّط الغريق بين ظلمات الأمواج في يومٍ شاتٍ كثير السحاب، وهي قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَاۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [النور:40].

     وكنتُ لما قرأتُ هذه الآية، لم أتشرف بعدُ بهداية الإسلام، ولا أعلم شيئاً عن المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فخُيِّلَ إليّ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، رجل عاش في البحار طوال حياته. ومع ذلك كنتُ أعجبُ كيف يتسنّى لرجل أن يصف تخبّط الضالين بمثل هذا الوصف الموجز الذي جمع بكلمات قلائل، أحوالَ البحار، وحالتها الطبيعية، حتى يكاد الإنسان يشهدُ الحقيقةَ بحواسه كلها.

     فلما علمتُ بعد ذلك أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، لم يركب البحر قط، وأنه فوق ذلك كان أمّياً رجعتُ إلى القرآن الكريم، فأطلتُ النظر في سورة النور، وفي سائر آياتِ هذا الكتاب الحكيم، فأيقنتُ أنّه ليس من كلام البشر، وإنما هو من وحي الله عز وجل، فأسلمت. ولا أزال مغتبطاً بإسلامي الذي أراهُ دين الفطرة المعقولة، البعيد عن كل ما في الديانات الأخرى من بقايا الوثنية.

     ومما قاله الطبيب الفرنسي المهتدي للرحّالة المصري الذي زارهُ مُحاوراً مستفسراً:

     إني تتبّعتُ كل الآيات القرآنية الكريمة، التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية التي درستُها من صغري، وأعلمُها جيداً، فوجدتُ هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمتُ، لأني تيقّنتُ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، أتى بالحق الصُراح من قبل ألف سنة، من قبل أن يكون معلّمٌ أو مدرّسٌ من البشر. ولو أنّ كل صاحب فن من الفنون، أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلَّمَ جيداً كما قارنتُ أنا، لَأَسلمَ بلا شك، إن كان عاقلاً خالياً من الأغراض.

     إنها قصة عَطِرَةٌ مشوّقة، تلك التي يرويها الطبيب الفرنسي وهو يتحدث عن إسلامه. ولعلّ أطرف وأجمل ما فيها، أنّ الرجل لم يتلقّ الإسلام دراسةً على أحد من البشر، بل كان أستاذه الأول الذي قاده إلى الهداية، هو هذا الكون الواسع، وذلك حين شهد من البحر ما شهد من الظلام المطبق والموج الذي يعلوه موج، والسحاب الذي يكتنف ذلك ويعلوه، حتى إنه ظنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم قد عاش في البحار طيلة عمره، وذلك حين وجد الآية الكريمة المعجزة التي تصف ذلك وصفاً دقيقاً، فلما تبين له أنّ الأمرَ خلاف ذلك، وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر قط، وأنه كان أمِّياً؛ استيقن أنّ القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل، فكان أنْ أسلم.
*****

مواقف دعوية مع عبد الله كوليام

مواقف دعوية مع عبد الله كوليام

     إنّ على دعاة الإسلام، والمبشّرين بدعوته، والعاملين لإعلاء مجده، وذيوع كلمته وسطوع أنواره أن يصبروا على ما يجدون في طريقهم من صعاب ومشاق، ذلك أنّ أعداء الحق والهداية لا يطيقون رؤية الحق يعلو وهم ينظرون، لهذا ينصرفون إلى حربه بشتى الطرق والوسائل. والصراع بين الحق والباطل سنّة من سنن الله في هذه الحياة وناموس من نواميسه.

     وحين ينظر الإنسان إلى ما يلقاه بعض المبشّرين بالإسلام والعاملين له في عصرنا هذا أو في غيره من العصور، تقفز إلى ذاكرته ألوان الاضطهاد التي ذاقها المسلمون الأوائل في مكة المكرمة، فيجد الأمر واحداً وإن تعددت مشاهده، ويجد التاريخ يعيد نفسه كما يقولون.

     يتذكر المرء هذا حين يقرأ عن المهتدي الإنكليزي عبد الله كوليام وما وجده من صعاب بعد أن أسلم وبعد أن طفق يدعو للإسلام بين ذويه. تحدث الرجل عن بعض ما لقيه حين كان يدعو للإسلام في ليڤربول، كانت الأقذار تُلقى على المصلين في أثناء الصلاة أو بعد خروجهم من المسجد، وقد حدث أن رُجِمَ المؤذن بالحجارة، وألقِيَ الزجاج المكسور على سجادات الصلاة إيذاءً للمصلين.

     يقول كوليام عما فعله بعض الأشرار: وذات مساء انتهزوا فرصة وجودنا في مسجدنا فوضعوا على الدرج أسلاكاً لنعثر بها عند خروجنا في الليل، واتفق أنّ أحد الإخوة أهدى إليَّ عصا، ولم يكن من عادتي أن أحمل العصا، ولكني يومذاك حملتُ العصا المُهداة، وبينما أنا خارج من مسجدنا أمام بقية الإخوة، أحرك العصا بيدي، صدمت عصاي السلك فانتبهتُ له وللأسلاك الأخرى ووقانا الله شرها وشر أصحابها.

     ثم يروي عبد الله كوليام هذه الحادثة الرائعة، التي جاء فيها بعض الناس إلى المسجد بُغية الأذى، فإذا بهم يفوزون بالهدى. يقول كوليام: دخلتُ المسجد مرة أنا وإخواني لألقي عليهم محاضرة في تفسير آية من القرآن الشريف. فرأيتُ جماعة قد سبقتنا إلى المسجد قرأتُ في وجوه أصحابها أنها وجوه غريبة، فلمْ أبالِ بها، وتلوتُ آية القرآن الشريف، وشرعتُ أفسِّرُها وأستنتج منها العظات والعبر، فلما انتهيتُ من المحاضرة قام أحد أولئك المريبين، وأخرج من جيبه حجارة ألقاها على الأرض وتوجّه إلى أصحابه قائلاً: مَنْ كان منكم يريد أن يرجم المسلمين بالحجارة التي معه فأنا قد صرتُ مسلماً الآن فارجموني بها، فألقى الآخرون حجارتهم كذلك وأسلموا. وهذا الرجل الذي كان رئيساً لهم ما لبث أن صار عضدي الأيمن، وسمّى نفسه جمال الدين علي ولازمني في كل رحلاتي التي قمتُ بها للدعوة إلى الإسلام.

     وذهبنا مرة إلى بلدة بيركنهيد لإلقاء محاضرة في جمعية منع المُسْكِرات، وأتيتُ في هذه المحاضرة على ذكر النبي صلى الله عيه وسلم، وتحدثتُ بعض الشيء عن الإسلام. واهتمّت سكرتيرة الجمعية بمحاضرتي وطلبتْ مني أن أشفي غليلها بمعلومات أخرى عن الإسلام، لكنها قالت: ولكنْ أليس نبي المسلمين هو القائل: إنّ النساء ليست لهنّ أرواح فلا يدخلن الجنة؟ فأخبرتها بأنّ هذا من اختلاقات أعداء الإسلام، وأعطيتها المعلومات الصحيحة عن الإسلام فأسلمتْ وتسمّتْ فاطمة، وأسلم على يدها زوجُها وشقيقتاها.

     وفي إحدى المرات كنتُ ألقي محاضرة في ليڤربول، وفي النهاية تقدّمَ إليَّ رجل وطلب أن يرافقني إلى البيت ليحادثني في الطريق، وصرنا نتحدث عن الإسلام، وكانت الأسئلة والأجوبة من دواعي سرورنا. فلما بلغتُ باب المنزل دعوتُه لشرب الشاي عندي. وبقينا إلى نصف الليل في حديث عن الإسلام وشرف منزلته، ومبادئه العلمية الصالحة لكل زمان ومكان، وأخيراً قال لي: وإذا كان ما تقوله عن الإسلام حقاً فماذا يمنعك أن تكون مسلماً؟ فأجبتُه: إني أفتخر بأني مسلم، فأسلم هو أيضاً وتسمّى جمال الدين بخاري.

     ويتحدث الرجل عن أول لورد إنكليزي دخل الإسلام فيقول: إن البعض يعتقدون أن اللورد هيدلي هو أول لورد إنكليزي دخل الإسلام، وليس هذا صحيحاً، فقد دخل الإسلامَ قبلَه اللورد ستانلي أولدرلي الذي كان يحب أن يُدعى بين إخوته المسلمين باسم عبد الرحمن أفندي، وكان يأتي مسجدنا فيصلي مع إخواننا رغم ما بينهم وبينه من التفاوت العظيم في المنزلة الاجتماعية، وبلغ عدد الإنكليز الذين أسلموا بضع مئات. وهذا الرقم الذي يذكره كوليام يمثل عدد المسلمين الإنكليز يوم حديثه عن ذلك قبل حوالي نصف قرن.

     وبعد .. فمن الواضح أنّ هذا الرجل قد لاقى عناءً ومشقة وهو يسعى لخدمة دين الله ونشره بين الناس، ومن الواضح أنه كان واعياً لمسؤوليته في نشر الإسلام حريصاً على الوفاء بها، فكان نموذجاً كريماً من نماذج الهداية الربانية الكريمة. ولقد أكرم الله تعالى هذا الرجل مرتين: مرة حين اهتدى هو للإسلام، ومرة حين اهتدى بدعوته كثير من الضالين.
*****

الإنكليزي عبد الله كوليام الداعية الصبور

الإنكليزي عبد الله كوليام الداعية الصبور

     بعد أن أسلم المهتدي الإنكليزي عبد الله كوليام، طفق يتخذ الموقف الصحيح الذي يمليه الإسلام على معتنقيه عامة، وعلى العلماء والدعاة والمثقفين منهم خاصة، وهو التبشير بالإسلام ودعوة الناس إليه، فمن المعروف المقرر أنّ هذه وظيفة كل مسلم وإن تفاوتت درجة المسؤولية ما بين رجل وآخر.

     طفق عبد الله كوليام يتخذ الموقف الصحيح حين جعل من نفسه واحداً من دعاة هذا الدين والعاملين على نشر أنواره، عارضاً لحسناته ومزاياه مفنّداً أكاذيب المفترين عليه.

     شعر الرجل حين أسلم وعاد إلى بلاده أن جمهور الإنكليز العام، غير مستعد للإصغاء للدعوة إلى الإسلام، وأنّ ثمة عقبات كثيرة تنتظره، لكن ذلك لم يقعد به عن الدعوة والعمل، وأخذ يفتش عن الوسائل المناسبة الكفيلة بتحقيق أهدافه النبيلة. ومما فعله الرجل أن التحق بجمعية النهي عن المسكرات، وكانت تُلقى فيها محاضرات دورية، وألقى هو نفسه فيها محاضرة موضوعها "المتعصبون والتعصب"، حاول من خلال مقدمات عَرَض لها ومقارنات ذكرها أن يعرض الإسلام بحكمة ولباقة وذكاء.

     استهل الرجل محاضرته بذكر بعض الشخصيات البارزة في عالم الاختراع والإصلاح الاجتماعي مثل "ستيفنسون" مكتشف القوة البخارية، و"ويلبر فورس" المكافح في سبيل تحرير الرقيق، وأتى على مجمل ما لاقاه هؤلاء من المقاومة والسخرية والاضطهاد، لكنّ الإنسانية استفادت من جهودهم فوائد عظيمة، وأقرّت لهم الأمم بالعلم والفضل والعظمة، وطوى الزمان ما لحقهم من سوء وأذى وبلاء، وبقيت خدماتهم النافعة وذكرهم الحسن.

     وبعد هذا التمهيد الحميد، طفق الرجل يتحدث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء البشرية جميعاً بالرسالة الأخيرة، ودعا الناس إلى الخير، فكان أن ناله من الأذى والظلم والاضطهاد، ما نال سواه من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، وما نال كثيرين من الرجال في التاريخ من مكتشفين ومخترعين، ومن روّاد الإصلاح الاجتماعي والسياسي.

     ولكن الأمر توقف في النهاية، ومضى عهد الأذى والظلم، وتبيّن الناس فضل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وانكشف لهم صِدْقُه، فإذا بهم يدخلون في دين الله أفواجاً وما يزالون يفعلون ذلك منذ ذلك التاريخ، حتى يومنا الحالي، على الرغم من بُعد الزمان وتطاوله بعد عهد النبوّة الأول، وعلى الرغم من نأي الدار عن مرابعها الأولى.

     وبعد ذلك طفق الرجل يتحدث عن بعض آداب الإسلام ومبادئه وتعاليمه التي دعا إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الموضوع على ما يقوله هو نفسه طريفاً جداً، في نظر الصحفيين الذي كانوا موجودين يستمعون إلى المحاضرة.

     وفي النهاية استأذنوه في أن يأخذوا خلاصة محاضرتهم في صحفهم فاشترط عليهم أن تُؤخذ كاملةً وإلا فإنه لا يسمح لهم بنشرها فوافق الصحفيون على الشرط وأخذوا نصّها.

     لكن القساوسة لمّا علموا بالأمر أسرعوا إلى مديري الصحف وقالوا لهم: إنّ المحاضرة فيها دسائس، وإنها تتضمن الدعوة إلى دين وثني، وفيها تحريض للمسيحيين أن يصبؤوا عن دينهم فوافق مديرو الصحف على حذف ما في المحاضرة خاصاً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ونشروا الباقي.

     عندها أنذرهم عبد الله كوليام بأن ينشروا المحاضرة كاملةً من جديد وإلا فإنه سوف يلجأ للقضاء. فاضطروا أن يستجيبوا لعبد الله كوليام ونشروا المحاضرة كاملة فكان لذلك تأثير نافع ملموس، وتداولت الأيدي تلك الصحف بكثرة، وبدا أنّ ما قاله القساوسة عن الإسلام مخالف للحقيقة.

     يقول الرجل: ولما بلغت هذا النجاح فكّرتُ في أن يكون لنا في بلدي "ليڤربول" مكان نقيم فيه الشعائر الإسلامية، ونلقي فيه المحاضرات. وبالفعل اخترنا مكاناً جعلْنا نصفه للعبادة ونصفه للدرس والوعظ وإلقاء الخطب، وما كدنا نفتح أبواب هذا البيت الإسلامي حتى صار القسس يدسّون لنا الأشرار والمتحمّسين من صغار العقول.

     ولقد أفادنا هؤلاء القسس بما كانوا يكذبون علينا ويصِموننا به من الأمور الباطلة، فإذا جاءت إلينا جماعة انخدعت بأقوالهم، وقابلتنا وسمعت منا، ولم تجد شيئاً من الأكاذيب التي حُشِيَتْ بها يكون لذلك رَدُّ فعلٍ حَسَنٌ جداً.

     ومما أوذينا به أنّ أولئك الأشرار كانوا يلقون الأقذار على المصلّين أثناء الصلاة، أو وقت خروجهم من بيت الله، وكانوا يرجمون المؤذن بالحجارة، وينثرون الزجاج المكسور على سجّادات الصلاة ليجرحوا جباهنا وأيدينا وأرجلنا.

     وهكذا مضى عبد الله كوليام يدعو إلى الإسلام بين ذويه، ويحقق نجاحاً لا بأس به، ويحتمل الأذى في سبيل الله بنفس صابرة راضية. لقد استوعب الرجل الدور الذي على المسلم أن يقوم به في التبشير بهذا الدين، وإنقاذ الناس به، فأخذ يؤدّيه أداءً محموداً مشكوراً بالرغم مما كان يواجهه من صعاب وعراقيل.
*****

إسلام الإنكليزي عبد الله كوليام

إسلام الإنكليزي عبد الله كوليام

     حين أسلم الرجل الإنكليزي عبد الله كوليام، بسبب بعض المشاهد التي رآها في سلوك بعض الحجاج المغاربة، وبسبب حوار دار بينه وبين مسلم من طنجة، واعٍ غيور، وبسبب بعض القراءات عن الإسلام والقرآن الكريم، وحين عاد الرجل إلى إنكلترا، كان شغله الشاغل هو التفكير في الأسلوب الذي يجب أن يتبعه من أجل أن يدعو الناس للإسلام، ويقنعهم به، ويحملهم على الإيمان بدعوته.

     وهنا لا بد من وقفة قصيرة. إنّ الرجل بمجرد أن آمن بالإسلام عن وعي وبصيرة، ومنَحَهُ ولاءه وإخلاصه، تحوّل إلى واحد من دعاته العاملين على نشره والتبشير به. وموقفه هذا هو الموقف الإسلامي الصحيح، ذلك أن العناية بأمر الإسلام وحمْلِ كلمته وأنواره، ودعوة الآخرين إلى اعتناقه، وبيان جماله وكماله ومزاياه، وأنه هو الحق الوحيد وما سواه باطل، وأنه الطريق الوحيد للسعادة في الدنيا والآخرة، إنّ هذا كله، وما يشبهه أو يمتُّ إليه، هو وظيفة كل مسلم، حسب إمكاناته وطاقاته، ومن خلال الموقع الذي يكون فيه.

     وهذه الوظيفة هي وظيفة طوعية إلزامية معاً، طوعية لأن المسلم الواعي الغيور يقوم بها بمحض اختياره ودون أن يكلفه ذلك أحد من الناس، وإلزامية لأن إسلامه الذي يدين به يأمره بذلك. ومن هنا نفهم سر ظاهرة خطيرة كريمة، من أجلّ وأعطر الظواهر في تاريخ انتشار الإسلام، وهي أنّ الإسلام لم يشهد مبلِّغين رسميين لرسالته، وحين كانت الفتوح الإسلامية تجتاح العالم، لم يكن هناك مبشِّرون رسميون، محدَّدون بذواتهم وأعيانهم يختص نشر الإسلام بهم وحدهم، بل كان الجيش المسلم كله يمارس عملية النشر والتبشير، من خلال الحوار والاستقامة، ومن خلال القدوة الحسنة في الدرجة الأولى.

     لذلك لم يكن غريباً أن تَحَوَّلَ أهل البلاد المفتوحة إلى الإسلام بمحض اختيارهم، فقد شهدوا نموذجاً كاملاً للحياة الإسلامية، يقوم به حشد هائل من الناس، وليس مجرد دعوة إلى الإسلام يقوم بها نفر من الناس فحسب، ثم لا شيء بعد ذلك.

     على أنه من الضروري أن يقرر المرء بأن ذلك لا يعني إعفاء العلماء والدعاة من مسؤوليتهم اليوم وكل يوم في الدعوة إلى الإسلام بحجة أنّ ذلك وظيفة كل مسلم يقوم بها طوعياً، فلا حاجة إذن إلى دعاة محددين متفرغين. لا، إنّ ذلك فهم خاطئ، فالدعوة إلى الإسلام وظيفة كل مسلم، ولكِنْ بحسب حجمه وعلمه تكون هذه الوظيفة، وما مِنْ ريب في أنّ وظيفة العلماء أكبر من وظيفة سواهم، ومن المعروف أنّ الإسلام يصف العلماء بأنهم ورثة الأنبياء. ومن ناحية أخرى فإن وجود دعاة متفرغين ينشرون الإسلام لا يناقض ما سبق بيانه، بل إنه، خاصة في عصرنا الحاضر، ضرورة بالغة الخطر، يجب أن ينفذها المسلمون ويولوها عنايتهم التامة.

     فقد كان موقف عبد الله كوليام، الإنكليزي المسلم، حين جعل من نشر الإسلام شغله الشاغل كما قال عن نفسه، بعد عودته إلى بلده، هو الموقف الصحيح السليم الذي يعبّر عن حس إسلامي صادق ومشكور. ولم يكن ليغيب عن الرجل، وهو ابن بيئة صليبية متعصّبة، كانت يومذاك قوية متسلطة على الدنيا إلى حد بعيد، وكان الغرور يملأ خياشيمها، وكانت بالفعل يومذاك إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، أنه سوف يجد طريق الهداية الإسلامية التي يدعو الناس إليها، مملوءة بالصعاب والعراقيل.

     يقول الرجل عن نفسه: وكنتُ أعلم أن ما شحنه أعداء هذه الأمة في رؤوس الأوروبيين عن الإسلام، سيحول بيني وبين التفاهم مع الجمهور، بطريق المحاضرات أو النشر، لأن جمهور الإنكليز، إذا حدّثتَهم عن الإسلام، يظنّون أنك تحدّثهم عن دين وثني، والنشر نفسه تحُولُ بيننا وبينه عقبات، لأن الصحف لا تفتح صدرها لمثل هذه الدعوة.

     لكن الرجل لم ييأس، وحاول بشتى الطرق أن يمارس نشر الدعوة الإسلامية، ومرة ألقى محاضرة في إحدى المدن عن الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فاهتمّت إحدى الحاضرات بما قال، وطلبت منه معلومات أخرى عن الإسلام. وكان مما قالت له: ولكنْ أليس نبي المسلمين هو القائل: إنّ النساء ليست لهن أرواح فلا يدخلن الجنة؟

     فأخبرها عبد الله كوليام أنّ هذا من اختلاقات أعداء الإسلام، وأعطاها المعلومات الصحيحة عن الدين الإسلامي، فأسلمت هذه السيدة وسُمِّيَت "فاطمة"، وأسلم على يدها زوجها وشقيقتاها، وأثبت هؤلاء المهتدون أنّ الإسلام يظل يجد مَنْ يمنحه ولاءه باستمرار، ويؤمن به بإخلاص، ويدعو إليه بحماسة، كلما وجد دعاةً مخلصين غيورين يحملون راية هذا الدين الخالد.
*****

عبد الله كوليام تأثر بوضوء الحجاج وصلاتهم

عبد الله كوليام تأثر بوضوء الحجاج وصلاتهم

     أشار عليه الأطباء براحة يقضيها في جبل طارق، فلما سارَ إلى هناك، ركب سفينة إلى طنجة لمشاهدة بعض بلاد مراكش. واتفق أنه حين صعد إلى السفينة رأى فيها بعض الحجاج من أهل المغرب، يغترفون الماء من البحر بالدلاء، ويتطهرون مبالغين في النظافة، فاستوقفه الأمر وجعل ينظر إليه بشيء قليل من الاهتمام والإعجاب، ثم أقلعت السفينة وما كادت تغادر الميناء حتى شاهد أولئك القومَ الذين تطهروا قبل قليل، قد اصطفوا للصلاة صفوفاً جميلة.

     وطفق القوم يصلّون معاً بخشوع وطمأنينة خلف إمام واحد يبدو بمثابة قائدهم حيث يتابعونه فيما يفعل، والسكينة تغمر ملامحهم، والهدوءان الجسدي والنفسي ظاهران عليهم أوضح ما يكون الظهور.

     ولا غرابة فالقوم خارجون من بلدانهم ليؤدوا الحج طاعة للرحمن جل شأنه، في رحلة بعيدة شاقة مكلّفة، لعلها الأمل الذي ظلّ يداعب الواحد منهم سنوات طويلة، وإذا كانت الرحلة كلها في سبيل الله، فها هم في بعض أثمن أوقاتها، إنه وقت الصلة الذي يتصل فيه العبد الفاني المحدود، بالرب الخالق الباقي، ذي القوة الطليقة والإرادة التي لا تعرف الحدود والقيود.

     لا غرابة إذن أنْ قرأ الرجل -وهو مسيحي إنكليزي- ما على وجوه الحجاج المصلين من خشوع وطمأنينة، ولا غرابة أنْ رآهم غير مكترثين بتمايل السفينة واضطرابها بسبب الرياح التي كانت تعصف بها، ولا غرابة أيضاً أنْ تأثَّر أيضاً بما شاهده من صدق الإيمان تنطق به نفوس وجسوم أولئك المغاربة، فأثارت حالتهم هذه، الاهتمام الزائد عنده في أنْ يستزيد من المعلومات عن الدين الذي يدينون به.

     ولم يلبث الرجل أن تعرّف إلى مسلم يجيد اللغة الإنكليزية، وكان يلازمه دائماً، طوال إقامته في طنجة، خاصة بعد أن شعر منه بالرغبة في معرفة المبادئ، التي يقوم عليها الإسلام ويدعو إليها، والروابط التي تربط المسلمين وتشدّهم إلى بعضهم. ويبدو أن المسلم كان على درجة من الوعي جيدة، وكانت فيه غيرة وحماسة وصدق، وشعور بضرورة عرض الإسلام خالصاً نقياً على هذا الرجل الإنكليزي.

     وذات يوم جلس الرجل الإنكليزي في أحد مقاهي طنجة مع صديقه المغربي، وكان معهما رجل ثالث اسمه موسى يدين باليهودية وبينه وبين المغربي معرفة وصِلة. هنا قال المسلم: أريد أن أضرب مثلاً يوضح حقيقة الديانات الثلاث السماوية السائدة في الأرض وهي الديانات التي نمثلها أنا وأنت وهذا الرجل اليهودي.

     إن الأنبياء هم مبعوثو الله تعالى إلى الناس، لهذا جاء آدم ونوح وإبراهيم وجميع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.

     ومن قبل كان الناس أمة واحدة، وجاء موسى عليه الصلاة والسلام فاتبعه فريق من الناس فكان اليهود، ثم جاء عيسى عليه الصلاة والسلام بهداية جديدة أدرك صدقها ونفْعها أولئك الذين اتبعوه وآمنوا بدعوته، فانفصلوا عن اليهود، وكانوا على حق في انفصالهم هذا، لأن المسيحية جاءت مصدِّقةً لما تقدَّمها، ومرشدة إلى الطريق الأقوم ولأنها موصولة بوحي سماوي أحدث من الوحي الأسبق، ومن هنا وُجِدَ المسيحيون.

     ثم جاء محمد صلى الله عليه وسلم مصدِّقاً لجميع الأنبياء قبله، ومرشداً إلى الطريق المستقيم، إلى صراط الحق، صراط الذين أنعم الله عليهم بالهداية والإرشاد، فآمن به أقوام من الناس، حملوا اسم المسلمين، وانفصلوا عمّن سواهم. وكانوا على حق في انفصالهم هذا، كما كان المسيحيون على حق يوم انفصلوا عن اليهود. فكما أنّ المسحية أفضل من اليهودية لأنها وحيٌ أقرب عهداً من الوحي الأول، كذلك الإسلام أفضل من المسيحية واليهودية معاً، لأنه آخر الوحي، وآخر الديانات وأبقاها.

     يقول الرجل الإنكليزي عن نفسه: كنتُ أسمع حديث صديقي وأطيلُ التفكير فيه ولا أشعر في نفسي بمعارضة له، لأنه كان معقولاً ومنطقياً، فعوّلتُ منذ ذلك الحين على أن أقرأ الإسلام في كتبه، وأن أقرأ ما كتبه عنه العلماء المنصفون، فقرأتُ ترجمة "سل" لمعاني القرآن الكريم، وقرأتُ كتاب الأبطال لكارليل، وقرأتُ غيرهما وما خرجتُ من طنجة إلا وأنا مستسلم للإسلام مذعن لقوته، مقرٌّ بأنه حق، وأنه خير الأديان.

     تلكم كانت البداية الأولى التي مثّلت تحوّل هذا الرجل الإنكليزي إلى الإسلام، من خلال مواقف صغيرة ربما يهتم بها المسلمون أنفسهم، لكنها بما فيها من صدق وإخلاص استأثرت باهتمام الرجل الأوروبي، وقادت أولى خطواته نحو الحقيقة، وما لبث الحوار أن أكمل بقية الخطى، فإذا بالإيمان يغمر الرجل، وإذا به يشهد شهادة الحق، وإذا به أخونا المسلم عبد الله كوليام.
*****

رحلة شليفر من اليهودية والشيوعية إلى الإسلام

رحلة شليفر من اليهودية والشيوعية إلى الإسلام

     سليمان عبد الله شليفر، اسم لا يخلو من شيء من الغرابة، ولعله يستوقفك ويستأثر بقدر من اهتمامك وتساؤلك، ذلك أن الجزء الأول منه إسلامي واضح، والأخير يهودي صرف، وسليمان عبد الله شليفر يهودي أمريكي، اعتنق الإسلام مع زوجته وطفلته، وهو ينتمي إلى عائلة معروفة في بلده، وله تاريخ غني حافل يدل على شخصية حية فاعلة.

     تمرّد الرجل على مجتمعه الأمريكي، وكوّن مع أصدقائه الشعراء حركة عُرِفت باسم "حركة البيت"، وكانوا النواة الأولى للحركة الهيبية، ثم سافر إلى كوبا عقب انتصار كاسترو فيها وسيطرته عليها واعتنق الشيوعية، ونظم الشعر في تمجيدها، حتى إن الشاعر الروسي المعروف "إيفتشنكو" كان يترجم قصائده إلى اللغة الروسية، على أساس أنهما ينتميان إلى مذهب سياسي واحد.

     كثيرة هي الأمور التي تستوقف الإنسان خلال إمعانه في هذه الكلمات الوجيزة عن صاحبنا "سليمان عبد الله شليفر".

     إنه يبدو لنا من خلالها رجلاً فيه ذكاء ونشاط وفاعلية. فيه حركة عقلية نشيطة، وجَيَشان نفسي موّار، ثم هو، كما تدل مواقف حياته المتوالية يمتلك حداً من الشجاعة الأدبية يجعله يعلن ما هو مقتنع به، وقدراً من الفكر الحي المتحرك والوجدان الدفّاق، يجعله يتفحص مواقع قدميه ليرى الخلل والقصور ونقاط الضعف، ثم يستشرف آفاقاً جديدة يؤمّل أن يلقى فيها الصحة والسلامة والنجاة، حتى إذا جاءها ولم يجد عندها ما كان يرجو سارع يتحوّل عنها من جديد حتى انتهى الأمر به إلى الإسلام، فطاب له المقام، ووجد الراحة والسعادة، وهدأ وجدانه الدفّاق، واستراح عقله الجوّاب، وهدأت منه الجوارح، وركن إلى قناعة عميقة، وسكينة هانئة، وأيقن بعد قلق، وسعد بعد مشقة ولأي، وآمن بعد ضلال، واهتدى بعد حيرة، وألقى عصا الترحال في رحاب الإسلام العظيم:

فألقت عصاها واستقر بها النوى     كما قرّ عيـــناً بالإيـــاب المسافرُ

     وعلى الرغم من أنّ سليمان عبد الله شليفر رجل أمريكي، وأمريكا اليوم هي قمة التفوّق المادي، غنى وصناعة وإدارة وكثرة في الأشياء وتنوّعاً فيها، فإنّ ذلك كله لم يخدعه، لم يخلب عينيه البريق الذي في بلاده، ولم يغفل عن الضلال الذي يغرق القوم فيه هناك، بل أبصر جوانب الضعف في حضارة ذويه، فإذا بعناصر الرفض فيه تتحرك وتنشط، وإذا به يسعى مع عدد من أصدقائه الشعراء إلى تكوين حركة عرفت باسم "حركة البيت"، لا ندري عنها شيئاً، لكننا نرى في مبادرته إليها دليلاً على حيوية وفاعلية، ورغبة في التماس أبواب النجاة، وسعي حثيث نحو منافذ الأمل.

     وربما كان في تسمية الحركة باسم "حركة البيت"، شيء من البحث الواعي أو الباطن عن العلاقات الإنسانية الدافئة، والمودة والسكينة والحنان مما يكون البيت في العادة مثابةً له ومأوى ومحضناً، وهي وشائج نفيسة رائعة افتقدتها الحياة الغربية إلى حد كبير. ولعل شليفر إبّان اضطرابه وتخبّطه وتحوّله كان يسعى للحصول عليها والتشبث بها.

     وحين أخفق صاحبنا في الوصول إلى ما يهدأ به ويقنع ويستريح في "حركة البيت" التي أسهم في إنشائها، خاصة بعد أن تدافعت فيها عوامل الرفض الهستيري الأهوج الذي يعجز عن تقديم أي بديل مقترح، ويكتفي بمجرّد الرفض العشوائي الأرعن، وذلك بتحوّلها إلى الحركة الهيبية، شعر أنه بحاجة إلى تحول جديد، لأنه لم يجد في الهيبية ما كان يَنشده من هدى وسلام، وسكينة نفسيّة، وقناعة فكرية يحس المرء بها أنه على صواب تام، وأنّى له أن يجد في الهيبية شيئاً من ذلك، وهي مجرد تشنّجات يائسة بائسة يقوم بها قوم حيارى ضائعون غارقون في مستنقع الحضارة الغربية.

     اقتنع شليفر أنه بحاجة إلى تحوّل جديد حين يئس من الهيبية، فولى وجهه صوب الشيوعية يتوهم فيها الأمل ويحسبها طوق النجاة.

     وفي مرحلة الشيوعية من حياته المثيرة نرى صاحبنا شليفر يسافر إلى كوبا حين ينتصر فيها كاسترو، ويأخذ في كتابة القصائد التي تمجّد الشيوعية. إننا نلحظ لديه في هذه المرحلة رحلتين: رحلة مادية جسدية يرتحل فيها شليفر إلى بلد تسيطر عليه الشيوعية، ظناً منه أنه سيشهد فيه نموذج الحياة الشيوعية التي اقتنع بها، ورحلة فكرية معنوية، يودع فيها شليفر الهيبية وحركة البيت ليقتنع بفكرة جديدة.

     ويبدو أن شليفر في هذه الفترة كان يتدفق بالحماسة للشيوعية، وكانت أعماقه وخلاياه وكل شيء فيه، فرِحاً طروباً شديد الاقتناع بها، لذلك أخذ ينظم الشعر في تمجيد الشيوعية، ويبدو أن شعره هذا لقي إعجاب رفاقه الآخرين، فأخذوا يتناقلونه حتى وصل إلى شاعر روسي معروف هو "إيفتشنكو" فترجم له قصائده إلى اللغة الروسية.

     لكن شليفر أخذ بالتدريج يكتشف قصور الشيوعية وأخطاءها، وجهالتها وضلالها، وما لبث أن بدت له على حقيقتها، فإذا بها مجموعة من الدعاوى الضخمة العريضة، لكنها أكذب ما تكون الدعاوى وأكثرها تبجّحاً وادعاءً وانتفاخاً وخديعة، والناس فيها بائسون مظلومون مسحوقون.

     وماتت الشيوعية في نفس شليفر، فأخذت روحه ترتحل من جديد بحثاً عن قناعة تملؤه باليقين العقلي والسكينة النفسيّة، وظلت هذه الروح جوّابة جوّالة حتى قُدِّر له أن يعيش في بعض ديار المسلمين، فإذا به يتعرف إلى عالم جديد من الأفكار والمشاعر السلوك، وإذا بهذا العالم يستأثر باهتمامه، ويستحوذ على انتباهه، وإذا بصِلته بهذا العالم تنمو وتزداد وإذا به آخر المطاف يُسلِم، ويفوز بالهداية والحق، وترسو سفينته، من بعد ظروف متمردة عاصفة، في شاطئ الأمان والسلام، شاطئ الإسلام الخالد العظيم.

فألقت عصاها واستقر بها النوى     كما قرّ عيـــناً بالإيـــاب المسافرُ

     سليمان عبد الله شليفر، الرجل اليهودي الذي أسلم بعد معاناة طويلة وتجوال وارتحال، هو نموذج حي من نماذج الروح الإيجابية المتقدة، التي ظلت تشعر بالفراغ والحيرة، وتكابد الإحساس المرّ بأنها على غير الحق، وأن ثمّة مجهولاً عليها أن تصل إليه، فأخذت تحرّك صاحبها، وتسعى به، وتخرجه من حال إلى حال، بحثاً عن الهداية والسكينة والحق والسلام واليقين، فجرّبت الرفض الهيبي، وجرّبت الرفض الماركسي، لكنها لم تجد عندهما شيئاً مما كانت ترجو، حتى أدركتها رحمة الله عز وجل فإذا بها تسعد بالإسلام وتلقي في رحابه عصا الترحال.

     إنّ ما مرّ بالرجل، يمثل صورة من صور الحياة العنيفة العاصفة، وذلك بما فيها من تقلب مستمر، وتنقل مفاجئ، ورحيل مثير غريب، وهي حياة تدل على إفلاس قوم الرجل، وإخفاق الحضارة الغربية بشقّيها، الغرب الرأسمالي، والشرق الشيوعي في هداية الإنسان، حيث جرّب شليفر الحياة في عالمَي الرأسمالية والشيوعية فلم يجد في أي منهما سعادته المفقودة.

     يقول شليفر عن نفسه:

     في عام 1963م (أي 1383هـ) قررتُ زيارة شمال أفريقيا، كنت قد نفذت من القاع خارجاً من الحضارة الغربية بكل قيمها، جرّبتها كمواطنٍ مُنتَمٍ فلم أقبض إلا الضياع، جرّبتها كرافض معتنق للماركسية فلم أقبض إلا الصراع الطبقي، إنها لا تحقق الأخوّة بين البشر، ولا تقدم حلاً لمشكلة الإنسان المعاصر.

     إن شليفر ها هنا يدين الحضارة الغربية بشقيها، الشق الرأسمالي والشق الشيوعي، لقد جرّب الشقّ الأول فما قبض سوى الضياع كما يقول هو، ويعبّر بالضبط على الرغم من أنه جربها مواطناً منتمياً إليها مشاركاً في حياة مجتمعها، وحين جرّب الشقّ الثاني لم يقبض إلا الصراع الطبقي؛ كما يعبّر ويقول. ذلك العداء المحموم الأهوج الذي تثيره الشيوعية وتُذكيه، ومتى كان الحقد الحضاري، والكراهية العنيفة، والبغض المدمر، والسخائم والعداوات وسيلة لتحقيق الأخوّة بين الناس!؟

     لقد آمن شليفر –بعد أن جرّب الشيوعية– أنّ الأخوّة الإنسانية لا يمكن أن تتحقق في ظلالها قط، بل يتحقق في ظلالها العداء والاقتتال، والصراع والأحقاد. وآمن شليفر كذلك أن الشيوعية لا يمكن أن تقدم حلاً إنسانياً لمشكلة الإنسان المعاصر، وهكذا يئس الرجل من الحضارة الغربية بشقيها، وكفر بقيمها جميعاً، وسافر إلى أفريقيا عام 1383هـ= 1963م، غير مُنتَمٍ إلى شيء قط.

     وفي شمال أفريقيا عاش الرجل في القسم القديم من مدينة مراكش، حيث لا يزال كثير من مظاهر الحياة الإسلامية، يظهر بشكل واضح جلي، تاركاً سماته وطابعه وملامحه وخصائصه، في تقاليد كريمة محفوظة، وأنماط حيوية جميلة، تتجلى فيها جوانب أصيلة وضيئة من قيم الإسلام العظيم وعقائده وآدابه وأخلاقه.

     يقول شليفر: لقد بدت لي قيم الإسلام واضحة التألق، ففي العائلة الواحدة تجد الأشقاء مختلفي اللون بين الأشقر والأسمر والأسود، لماذا لم يحدث ذلك في أمريكا؟ إن المعركة فيها تدور حول منع الطلبة البيض والسود، من ركوب حافلة واحدة.

     إن شليفر قد استأثر باهتمامه واحد من معالم الإسلام الأساسية تبدّى له في مراكش، هو احتقار الإسلام لكل ما يفرّق الناس ويمزّقهم بسبب ألوانهم، وإصراره على أنهم إخوة متساوون، وأن الاختلاف الظاهري بسبب اللون أو اللغة أو الجنس أو الأرض، أو ما شكل ذلك، لا يجوز قط أن يكون سبباً للعداوة والتمايز والصراعات والأحقاد.

     وهذا أمر قد يبدو لنا عادياً جداً بحيث لا يستحق أن يتوقف عنده شليفر، ولكن ذلك بسبب إلْفِنا له، ومعايشتنا إياه، أما شليفر اليهودي الأمريكي فقد توقف عنده وأُعجِبَ به، لأنه يرى ما يسببه اختلاف اللون في بلده من مآسٍ ومتاعب كأنْ ينشب سُعار مجنون من الغضب، ربما يؤدي إلى عراك وقتال، حتى لا يركب السود والبيض في حافلة واحدة.

     ومما استوقف شليفر وأُعجِبَ به روح التضامن والتعاون الإسلاميين بين الناس مما لا مثيل له في الغرب. فإذا توقفت سيّارة لعطلٍ ما، بادر الناس إلى دفعها، وإذا سقط رجل في الطريق تسابقوا يعاونونه على النهوض. والأمر قد يبدو هيّناً، فما قيمة دفع سيارة تعطلت أو معاونة رجل سقط على النهوض؟

     لكنّ الحقيقة هي أكبر من ذلك وأعظم، إنها تكمن في قيمة الروح الكريمة المتعاونة، التي تدفع إلى مثل هذين العملين، لأن جانب الخير فيها سيجعلها تقوم بهذين العملين وتقوم بسواهما كذلك، إذ إنّ فيها دافعاً أصيلاً ثابتاً من النبل والأريحية هو الحافز إلى مثل هذه التصرفات. وهذا عكس ما يجري في الغرب، فمن يقع لا يكاد يهتم به أحد، والناس غرباء بعضهم عن بعض، والشبان مسحوقون في وطأة الحياة القاسية، أما الكبار فهم مسحوقون من الإهمال، وهم بين منتحر، وآخر يُمضي أيامه في الملجأ.

     يقول شليفر: وهذا لا يحدث في الغرب، فإن من يسقط يُسحق تحت الأقدام. إن المجتمع الغربي هو مجتمع الغرباء، لا مكان فيه إلا للشباب الذين ما زال فيهم شيء، لتعتصره الحياة الجهنمية التي لا ترتوي أبداً، أما الكبار، فَيُلْقَوْنَ إلى الخلف أو إلى الملاجئ أو إلى الانتحار.

     وبعد؛.. فنحن إذ نرحب بالأخ المهتدي سليمان عبد الله شليفر، أخاً كريماً، في أسرة الإسلام العالمية، لا يفوتنا أن نقول:

     إنّ كلماته وثيقة اتهام وإدانة للحضارة الغربية بقسميها، الرأسمالي والشيوعي على السواء، كما لا يفوتنا أن نهيب بالمسلمين أن ينشطوا في تبليغ دعوة الإسلام وإيصالها للحيارى والضائعين ممن يزدحم بهم العالم اليوم، وفيهم من يحسن الاستماع إلى كلمة الحق، ويؤمن بها مثل سليمان عبد الله شليفر.
*****

ركس إنجرام الإنكليزي يحكي إسلامه

ركس إنجرام الإنكليزي يحكي إسلامه

     ولدتُ في أسكتلندا لأب وأم إنكليزيين، ولم أرَ أبي الذي قُتِلَ في حرب البوير عام 1900م، وأنا ما أزال طفلاً. ومرت الأيام ونحن نعيش عيشاً رغيداً حتى قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، فتطوعتُ في الجيش، وركبتُ البحر إلى فرنسا، وانضممتُ إلى فرقة الفرسان.

     وتقاذفتني ميادين القتال كأنها ديار الجحيم، وقضيتُ فترة في الميدان الغربي، ورأيتُ فيها من أهوال الحرب وفظائعها ما لا طاقة لي بوصفه.

     وفي أواخر عام 1918م، وبعد أن أمضيتُ أربع سنوات في هذا الجحيم عدتُ فوجدتُ أمي قد ماتت وإخوتي الثلاثة قد قُتِلوا في الحرب، فهمتُ على وجهي، ورحتُ أطوف الدنيا. فجستُ خلال الهند والصين واليابان، ولم أَجِدْ ما أقطع به الوقت سوى دراسة اللغات والأديان.

     وفي سوريا تعلمتُ اللغة العربية، ودرستُ مختلف الأديان، فلم أجد مثل ما وجدتُ من العزاء والطمأنينة في مطالعة القرآن الكريم. طالعتُه مراراً وتمعّنتُ في معانيه التي أُشْرِبَتْها روحي، ورأيتُ فيه عذوبة وروعة، ولم يكن يومٌ يمر بي دون أن أتلو آياته.

     وهِمتُ على وجهي مغادراً الإسكندرية التي وصلتها في الثلاثينات من هذا القرن، وما زلت كذلك حتى وصلت إلى دمنهور. وهناك رقدتُ على شاطئ ترعة، وفي نومي رأيتُ دخاناً يتصاعد من الأرض حتى يتكاثف في السماء، وينعقد وقد أضاء نوراً عجيباً، ثم تكونت منه كلمة "الإسلام"، وصحوت وكلمة "الإسلام" لا تزال ملء ناظري وحواسّي، وشعرتُ للمرة الأولى براحة وطمأنينة علماً أني لم أكن فكرت من قبل باعتناق الإسلام.

     وفي الطريق ما مررتُ بقروي إلا أقرأني السلام ودعاني للطعام وبذل جهده في إكرامي وإضافتي في منزله.

     أنا غربي وهم شرقيّون فما بالهم يسارعون إلى إكرامي!؟ أنا الذي رأيتُ كيف يرتاب الناس من بعضهم!؟ لو أنك مررتَ على فلاح في أوروبا وأقرأته السلام؛ فهل يكرمك مثل هذا الإكرام!؟ وإذا وجدتَ رجلاً يأكل ووقفت إلى جانبه فهل هو يشركك طعامه عن طيب خاطر!؟ وهل إذا قرعتَ باباً يُفْتَحُ لك على مصراعيه فتنزل ضيفاً كريماً!؟

     تواردت هذه الخواطر على نفسي وحاولت الإجابة عليها. وعند ذلك علمتُ أن الإسلام هو الذي جعل تلك النفوس سامية كريمة.

     ومرةً أخرى رأيتُ عمود الدخان في نومي ينقلب حروفاً من نور تتجمّع فتكوِّن كلمة "الإسلام"، فأفقتُ وقد أيقنت أن الله عز وجل اختار لي الإسلام ديناً، وشعرتُ براحة عجيبة في أن أعتنق هذا الدين، دين الشفقة والحنوّ والإيثار.

     ولكنْ لماذا أسلمت!؟ لماذا اتخذتُ الإسلام ديناً!؟

     لقد فعلتُ ذلك لأني أعتقد أن الإسلام هو الدين الذي يُدخِل السلام والسكينة إلى النفس، ويُلهم الإنسان العزاء وراحة البال والسلوى في هذه الحياة. ولقد تسرّب روح الإسلام إلى نفسي فشعرتُ بنعمة الإيمان بالقضاء الإلهي وعدم المبالاة بالمؤثرات المادية من لذة وألم.

     إنني لم أُقْدِمْ على هذا التغيير لمجرد خاطر وقتي طرأ على فكري، بل إني قد درست الإسلام مدة سنين، ولم أتخذه ديناً إلا بعد بحث قلبي عميق وتحليل نفسي طويل. لم أغيّر ديني إلا كي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، ولأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء، والتأمل بعيداً عن متاعب الهموم والمحن التي يسببها التكالب على الكسب والتهالك على المال، ولأخلص نفسي من براثن الإغراء وخدع الحياة الباطلة والشراب والمخدرات وجنون فرقة الجاز. أسلمتُ لأنقذ ذهني وعقلي وحياتي من الهدم والتدمير!..

     أذكر أنني ذات مرة وأنا أعمل مصوراً سينمائياً كان عليّ أن ألتقط شريطاً سينمائياً لرجل عربي طويل مهيب يقف في رأس مئذنة ويؤذن للصلاة، وبينما كان يفعل ذلك وأنا أقف جانباً أرقب ما يفعل، كان صوته في ارتفاعه وانخفاضه ينفذ إلى قلبي، ولما انتهينا من التصوير دعوتُ هذا العربي إلى مكتبي، وأخذت أسأله عن دقائق الديانة الإسلامية، واعتنقتُ الإسلام بعد ذلك، وأخذتُ أصلِّي معه، وشعرتُ بقناعة النفس تغمرني رويداً رويداً، وبدأتُ أشعر بالسعادة، وأكره كل الرغائب التي كانت تأسر نفسي.

     وجاء بعد ذلك اليوم الذي اعتقدتُ فيه أنني لا أستطيع أن أوفق بين عملي السينمائي وبين الإسلام الذي آمنتُ به، ولا بد أن يذهب أحدهما، وكان ثمة عراك نفسي شديد، هل أضحّي بعملي من أجل ديني؟ أم بديني من أجل عملي!؟

     وسهرت الليلة بعد الليلة، وأنا على الفراش وعيناي مفتوحتان حتى الصباح أفكر في حل هذه المشكلة.

     وجاء الحل: يجب أن أترك عملي السينمائي وأبتعد عن أخاديع هوليود ومغرياتها. كنت أقوم بعمل شريط سينمائي حين قمتُ في إحدى الليالي أصلي مدة طويلة. وزادت قوتي واشتدت عزيمتي، وفي اليوم التالي أدرتُ ظهري لعملي، وأعطيتُ جسمي ونفسي وحياتي للإسلام.

     وأنا اليوم ابن الإسلام، وإني سعيد أكثر مما كنت في أي يوم من أيام حياتي، ومع مدنيتي الغربية، ومع ثيابي الغربية، سعيدٌ كمؤمن يدين بالإسلام الخالد الذي هو أكملُ دين سماوي ارتضاه الله للبشرية.
***

     وبعد؛.. فهذا في إيجاز قصة المهتدي الإنكليزي ركس إنجرام، وهي على إيجازها ملأى بالعبر والدلالات.
*****

محمد أسد وسر تقدم المسلمين

محمد أسد وسر تقدم المسلمين

     كثيرة هي النماذج الغربية التي تمثل حالة الحيرة والقلق والضياع والتخبط. هي نماذج كثيرة، تمثل شتى قطاعات الحياة ومستوياتها وجوانبها المختلفة، وهذه العناصر الضالة تعاني من موقف صعب هي فيه.

     لقد رفضتْ دِين ذويها وقِيَمه ومُثله وأهدافه، لكنها لم توفَّق إلى العثور على بديل أحسن تهنأ فيه وتسعد، وتنجو مما كانت تعانيه وتكابده.

     وأياً كان تقويمنا لهذه العناصر؛ فإن الذي لا ريب فيه أنها مناخ صالح جداً للدعاة المسلمين، أن يمارسوا فيه، دعوة هؤلاء إلى أنوار هذا الدين الخالد المحفوظ.

     وكثيراً ما يجد الإنسان بعض مَنْ عاشوا تجربة الضلال والرفض في الغرب، قد انتهوا إلى الإسلام، فآمنوا به حقاً خالصاً واعتنقوه هدايةً محضة، ومنحوه ولاءهم وقيادهم. بل إنّ منهم من يتحول إلى مفكر عميق النظر، صادق الفهم، يقدّم دراسات وملاحظات نفيسة، يُنْصَحُ المرء بدراستها والتأمل فيها.

     من هذا النوع الأستاذ المشهور، محمد أسد "ليوبولد فايس" سابقاً؛ الذي تحدث عن قصة إسلامه وظروفها في كتاب شيق جميل مترجم إلى العربية بعنوان: الطريق إلى الإسلام.

× انظر إليه كيف يتحدث عن موقف الإسلام من المعرفة:

- إنّ الإسلام الحق هو الذي حمل المسلمين إلى أعلى درجات الثقافة بتوجيه طاقاتهم كلها نحو التفكير الواعي كوسيلة وحيدة لفهم فطرة الخلق، خلق الله وفهم إرادته من الخلق نفسه.

     إن الإسلام لم يطلب من المسلمين قط أن يؤمنوا بعقائد يعسُر أو يتعذر فهمها. والحق أنه ما من عقيدة ملكت رغبة في الثقافة كالإسلام. إنّ التعطّش إلى المعرفة الذي تميّز به تاريخ المسلمين الأوائل، لم يحمل كما حمل في سائر أنحاء العالم على أن يؤكد ذاته في صراع مؤلم ضد الإيمان، بالعكس، فقد انبثق من الإيمان وحده.
***

     إنها ملاحظة ذكية من ذلك الرجل، تلك التي يقرر فيها حرص الإسلام على العلم، حرصاً بالغاً جعل عند أبنائه تعطّشاً واسعاً للحصول على شتى المعارف، وحمى أبناءه من أن يقعوا فريسة لفِصام نكد بين أمور يقولها الدين وأخرى يقولها العلم، وإذا كان العلم في تاريخ الحضارة الغربية، قد خاض صراعاً مؤلماً حتى يؤكد نفسه ويبني مركزه، ويحقق ذاته، فإن ذلك لم يحدث أبداً في التاريخ الإسلامي، بل عكس ذلك تماماً هو الذي حدث إذ انبثق العلم من الإيمان.

× ولكن كيف كان ذلك؟

- لقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ طلب العلم فريضة على كل مسلم، وهكذا جعل أتباعه يفهمون أنهم باكتسابهم المعرفة فقط، يتسنّى لهم أنْ يعبدوا الله عبادةً تامة، وعندما تدبَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلق الله داءً إلا وخلق له دواء)، أدركوا أنَّهم بالبحث عن الأدوية المجهولة يُسهمون في تحقيق إرادة الله على الأرض، وهكذا اكتسى البحث ثوب القداسة لكونه فرضاً دينياً.

     لقد قرأ المسلمون الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾ [الأنبياء:30]، وفي محاولتهم للنفاذ إلى معنى هذه الكلمات بدؤوا يدرسون الكائنات الحية وقوانين نموها وهكذا أنشؤوا علم البيولوجيا.

     لقد أشار القرآن الكريم إلى انسجام النجوم وحركاتها كشواهد على عظمة خالقها، ومن أجل ذلك اشتغل المسلمون بالعلوم الفلكية والرياضية بحميّة واندفاع، احتفِظ بهما في الأديان الأخرى للصلاة وحدها.

     إذن فحرارة الإيمان الديني في الإسلام لا تقتصر على الصلاة وحدها، بل تمتد لتشمل جميع النشاطات البشرية عندما يُقصد بها وجه الله عز وجل، فالعالِم في المختبر كالمصلّي في المسجد، كلاهما يعبد الله تعالى.

هذه المقدمة الصحيحة بلا ريب، هل أدّت نتائجها في دنيا العلوم الواقعية العملية أم ظلّت في المجال النظري فقط؟ ترى كيف سيجيب المثقف الغربي الكبير، المهتدي على هذا السؤال؟

× ها هو يقرر:

- إن نظام كوبرنيكوس أثبت دوران الأرض حول محورها، وانتشر في مطلع القرن السادس عشر في أوروبا، حيث وجد معارضة عنيفة باعتباره مخالفاً للكتب المقدّسة كما فهموها، ولكن أسس هذا النظام كانت قد وُضِعت في الحقيقة قبل ذلك بستمئة سنة في البلدان الإسلامية، ذلك أن علماء الفلك المسلمين، كانوا قد توصّلوا إلى الاستنتاج أن الأرض كروية، كما قاموا بحسابات دقيقة لخطوط الطول وخطوط العرض، وبالطريقة نفسها عكفوا على الكيمياء والفيزياء والفزيولوجيا وعلى سائر العلوم التي قُدِّرَ للعبقرية الإسلامية أن تجد فيها أخلد آثارها.

     والمسلمون في ذلك لم يفعلوا أكثر من اتباع عظمة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه كقوله: (العلماء ورثة الأنبياء)، وقوله: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وقوله: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب).

     وخلال المدة الإنشائية في التاريخ الإسلامي كلّها، أي إبّانَ القرون الخمسة الأولى التي تلت عصر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يكن للعلم والتعليم بطل أعظم من المدنية الإسلامية، ولا وطن آمن من الأراضي التي كانت تعلو فيها كلمة الإسلام.
*****

محمد أسد من قلق الكفر إلى سكينة الإيمان

محمد أسد من قلق الكفر إلى سكينة الإيمان

     من أثمن ما يقع عليه المرء في حياته، أن يُوَفَّقَ للصلة بعقول ذكية مؤمنة سواءً عن طريق الصلة الشخصية المباشرة، أو عن طريق الكتب والمؤلفات.

     إنّ مثل هذه الصلة حين تكون جادة إيجابية، مصحوبة بنشاط عقلي، وهدف نبيل، تُثري العمر، وتضاعف الخبرة، وتخصب الحياة، وتجعل خطوات الإنسان أعمق وأغنى وأرسخ، ومسيرته على جادة الهداية أقوى وأصح وأصدق.

     وفي تقديري، ودون أن أزكي على الله أحداً، أنّ الأستاذ المعروف، محمد أسد (ليوبولد فايس سابقاً) الذي أسلم بعد معاناة غنية ثرية، من العقول المؤمنة الذكية التي يجد الإنسان عندها كثيراً مما يمتع ويفيد، ولعلنا إذا طفقنا نجوب ذهنه الحي، وعقله النشيط وخياله المحلّق نجد مصداق ذلك.
***

× انظر إليه كيف يتحدث عما كان يعانيه من قلق وسخط، وشعور غامض بأن يكون له انتماء يحدد وجهته في الحياة:

- كنتُ في أعماقي ساخطاً غير راض، لا أعرف هدفي الحقيقي، وفي الوقت نفسه مقتنعاً بكبرياء الشباب الباطلة بأني سأعرفه يوماً من الأيام. وهكذا كنتُ أتأرجح على رقّاص رضاء قلبي وسخطه، شأن كثير من الشباب في تلك السنوات الغريبة، ذلك أنه في حين أنّ أحداً منا لم يكن غير سعيد حقاً، فإن قليلاً جداً بَدَوْا وكأنهم سعداء وشاعرون بسعادتهم.

     لم أكن غير سعيد، ولكن عدم قدرتي على مشاركتي أولئك الذين كانوا من حولي، أيّ فريق منهم، مختلفَ آمالهم الاقتصادية والسياسية نما مع الزمن إلى شعور غامض بأني لستُ واحداً منهم. هذا الشعور الغامض كان مصحوباً أيضاً برغبة في أن أكون واحداً، ممّن؟ أن أكون جزءاً من شيء، ولكنْ ممَّ ذلك الشيء؟

× وإذن؛.. فالرجل ساخط مضطرب، وهو يتلمس درباً ينتسب به إلى شيء يجهله وينتمي به إلى قبيل لم يعرفه بعد. كان غريباً بين قومه، وفي أعماقه شوق مجهول، وحنين لا يدري وجهته، ولكنْ ألم يكن لديه أي علم عن الإسلام؟ إنه رجل مثقف فكيف يرضى لنفسه أن يتخذ من الحياة عموماً موقفاً رافضاً دون أن يعرف وجهة نظر الإسلام في كبريات أمور الحياة؟

- يقول: لو أنّ أحداً قال لي في ذلك الحين: إن معرفتي بالإسلام ستذهب إلى أبعد جداً من حدود عطلة اختيارية، نويتُ القيام بها إلى العالم الإسلامي، وإنها ستصبح في الحق نقطة تحول في حياتي، لو أن أحداً قال لي ذلك إذن لضحكتُ من الفكرة، واعتبرتُها بعيدة عن الصواب بالكلية. لم يكن ذلك لأنني لم أكن من ذلك النوع الذي لا يتأثر بإغراءات البلاد التي كان تفكيري فيها مصحوباً بالجو الرومانتيكي لألف ليلة وليلة، شأن معظم الأوروبيين، لا، فقد كنتُ أحب التغيير والتقاليد الغريبة والمقابلات البهيجة، ولكنْ لم يخطر في بالي قط أن أتوقع هناك في ديار المسلمين مغامرات في عالم الروح أيضاً.

× من الواضح من خلال ما يقرره الرجل، أنّ الإسلام غريب في ثقافة الرجل الغربي الذي تجد عنده اهتماماً بفلسفة الهنادك أو البوذيين. يدل على غربة الإسلام الثقافية عند القوم أنّ صاحبنا سمّى رحلته إلى ديار المسلمين مغامرات، مغامرات في عالم الروح. ترى أليس ذلك أمراً جديراً بالتنبّه؟ أليس استغراق الثقافة الغربية في نفسها وازدراؤها لما عند الآخرين أمراً غريباً حقاً؟ على هذا النحو يجيب الرجل على ذلك:

- إنّ كل الأفكار والانطباعات التي صادفتني سابقاً نسَبْتُها غريزياً إلى النظرة العالمية الغربية، آملاً أن أتحقق بمدى أوسع من الشعور والإدراك ضمن المحيط الثقافي الوحيد الذي كان معروفاً لدي. لقد كنتُ شاباً أوروبياً ناشئاً على الاعتقاد بأن الإسلام وكل تعاليمه لم يكن أكثر من طريق فرعي لتاريخ الإنسان غير جدير بالاحترام من الناحيتين الروحية والأخلاقية، وأنه لذلك لم يكن ليوضع في المنزلة نفسها، بل لم يكن ليُقارنَ بالدينين اللذَيْنِ يعتبرهما الغرب جديرين بالنظر إليهما نظرة جدية: المسيحية واليهودية.

     انحراف أوروبي غامض ضد الأمور الإسلامية، كان يشكل خلفيتي الثقافية. لقد بدأت رحلتي الأولى في صيف عام 1922م، وإذ كنتُ لا أستطيع، إنصافاً لنفسي أن أقول: إنني كنتُ مستغرقاً في أموري الخاصة فحسب، فإنني أستطيع أن أقول مع ذلك: إنني كنت فريسة لتلك العقلية الغربية المستغرقة في ذاتها، التي طالما تميّز بها الغرب في جميع الأزمنة.

× لكنّ الرجل الذكي المنصف أخذ يتحرر من تعصّب العقلية الغربية، وأخذ يكتشف ما في الإسلام من عظَمة وصحّة وتفوّق، وأخذ إعجابُه بهذا الدين ينمو ويزداد، حتى انتهى به الأمر في خاتمة المطاف إلى أن يسلم، بل إلى أن يتحول إلى مفكر مسلم جاد قدّم لنا مجموعة من الكتب النافعة، يقع المرء فيها على ملاحظات ذكية عميقة، وفهم نفّاذ بصير.

     تأمل قوله عن الحياة الاجتماعية وكيف جدّد الروح القرآني صياغتها:

- لقد تأثرت الحياة الاجتماعية بتعاليم القرآن، ففي الزمن الذي كان الوباء يُعتبر فيه في أوروبا المسيحية، قصاصاً من الله لم يكن للإنسان إلا أن يخضع له بأناة وصبر في ذلك الزمن، وقبله بوقت طويل اتبع المسلمون وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم التي أمرتهم بمحاربة الأوبئة عن طريق عزل البلدان والمناطق المصابة، وفي الزمن الذي كان الاستحمام يُعتبر حتى في نظر حكام أوروبا وأشرافها نعيماً ورفاهاً يكاد يكون شائناً معيباً كان في بيوت المسلمين، حتى أفقرهم، غرفة استحمام واحدة على الأقل. أما الحمامات العامة المتقنة فقد كانت شيئاً عادياً في كل مدينة إسلامية. وذلك كله استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "النظافة من الإيمان". ولم يجد المسلم تعارضاً قط بين مطالب الحياة الروحية ومطالب الحياة الجسدية.
*****

الأكثر مشاهدة