الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته
المسلم الحق في نظر إقبال
لم يكن الشاعر العظيم محمد إقبال ينشر شعره، ويعلن آراءه وكلماته، حتى رأى فيه قادة الفكر، وذوو الرأي، وأصحاب التطلع إلى التأمل والتعمّق والإصلاح، عبقرية فذة، ونفساً وثّابة، وعقلاً راجحاً، يُرجى من ورائه الخير الكثير، والعطاء الرائع.
وحين طفق يلقي محاضراته في إنكلترا بدأ الغربيون يهتمون بفكره وفلسفته، وخاصة حين كان يدرّس في جامعة لندن في أثناء غياب أستاذه "توماس آرنولد" عنها. ثم ازدادوا اهتماماً به حين نقل المستشرق الإنكليزي "نكلسون" منظومته "أسرار خودي" إلى اللغة الإنكليزية، وبدؤوا يعرضون لها بالنقد والتجريح آخذين على صاحبها أن فكره وفلسفته تخصّ المسلمين وحدهم.
والإنسان الكامل عند إقبال هو المسلم، ولكنه ليس المسلم على إطلاقه، بل هو المسلم الحق الذي يتخلق بأخلاق الإسلام، ويسير على هداه. يقول إقبال في نجوى له لهذا الإنسان الكامل:
"اقرأ مرة أخرى في سيرتك الأولى درس الصدق والعدل والشجاعة لأنك أنت المنشود لتسود العالم مرة ثانية.
إن السجدة التي هي جديرة بالاهتمام هي السجدة التي تحرم عليك كل سجدة لغير الله.
المسلم الصادق في عزمه ينازع الأقمار تاج الفلك.
إنك أيها المسلم في العالم وحدك، وما عداك سرابٌ خادع ووهمٌ زائف.
إن إيمان المسلم هو نقطة دائرة الحق، وكل ما عداه في هذا العالم المادي وهمٌ وطلسمٌ ومجاز".
وهو يدعو المسلم كثيراً إلى التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ويناشد المسلمين التعاون والتآزر، وأن يصبحوا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، فلا تنال منهم الحوادث، ولا تعدوا عليهم العوادي.
ولم يُغفل الشاعر العظيم سوء حالة المسلمين، فكان شديد الأسى لهم، عظيم الألم لما وقعوا فيه من فرقة وتشاحن وإخلاد إلى الأرض. يقول:
"لقد فقد المسلمون سَوْرَةَ الحب الصادق، ونزف منهم دم الحياة، فأصبحوا هيكلاً من عظام لا روح فيه ولا دم".
أما المسلم الكامل الذي يعي معنى (لا إله إلا الله) ويحاول النهوض بمسؤولياتها فيقول عنه:
المسلم الصادق في عزمه ينازع الأقمار تــاج الفلكْ
وأما عن شمول رسالة المسلم، وترفعه على الحدود والقيود، وأن جنسيته عقيدته، فيقول: "إن الإسلام لا تعرف أرضه الحدود، ولا يعرف أفقه الثغور، ليس وطني دهلي، ولا أصفهان، ولا سمرقند، إنما وطني العالم كله".
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق