الأحد، 7 أغسطس 2022

طريق خلاص العالم وسعادته في نظر إقبال

الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته

طريق خلاص العالم وسعادته في نظر إقبال

     لم يألُ محمد إقبال جهداً في بيان أن النظريات المعاصرة والفلسفات المادية الجديدة لا تشفي غلة الإنسان، ولا تروي ظمأه، ولا تقوى على انتشاله مما يعانيه من صعاب ومتاعب وتحديات لسبب بسيط وعميق، وربما اجتمعت البساطة والعمق معاً، وهو أنها هي المسؤولة عما آل إليه أمر الإنسان المعاصر من دمار، ذلك أن جميع العلل والأمراض والكوارث والنكبات والقلق والحيرة والتخبط والضياع؛ إنما هي وليدة هذه النظريات والفلسفات.

     لذلك يتناول إقبال الشيوعية والرأسمالية، وهما أشهر المبادئ المادية التي تتقاسم الإنسانية اليوم بالنقد الذكي الشجاع والتفنيد القوي الساخر. لقد قال في آخر حديث قدمه من الإذاعة قبل وفاته بشهور: "إن المصائب التي تكابدها الإنسانية والهاوية التي تتقدم نحوها كل ذلك من أجل النظريات الباطلة".

     ولقد أثبتت الأيام صدق نظره ونفاذ بصيرته؛ إذ ما كاد يمضي على كلامه هذا سنتان فقط حتى واجه العالم تلك الهاوية المدمرة المخيفة هاوية الحرب العالمية الثانية.

     ولقد أكد الشاعر الكبير أن مصدر شقاء الإنسان ليس إلا تلك الفلسفات التي وضعها الإنسان بنفسه، فهي التي أصابت العالم كله بالكوارث والويلات، ومهدت له الطريق نحو الهلاك، كما أنه تناول الشيوعية والرأسمالية والدكتاتورية والنازية وجميع المذاهب والدعوات الجاهلية بالذم والنقد الساخرين اللاذعين، وأثبت أنها سُمٌّ ناقع في جسد الإنسانية وعقلها وقلبها وسلوكها وأعصابها.

     لقد ثبَّت شاعرنا الكبير في المسلمين فكرة الحفاظ على الإسلام، وأن الغاية الأولى والكبرى لهم ينبغي أن تكون هي الثبات على عقيدته النقية العظيمة.

     أما الحرية السياسية، وأما الرفاهية الاقتصادية، وأما القوة العسكرية، وأما العدالة الاجتماعية، وأما التقدم العلمي والصناعي والثقافي والتكنولوجي، أما ذلك كله؛ فهو وإن كان مما يحرص الإسلام على تحقيقه لأبنائه، ويطالبهم أن يكونوا فيه مجلّين سابقين، فإنه في نهاية أمره ليس غايةً قط، إنما هو وسيلة المسلمين لأداء رسالتهم الإسلامية.

     ومن غير شك قط يستطيع الباحث أن يؤكد أن إقبالاً من عظام رجال الأمة الإسلامية في عصرها الأخير.

     لقد ارتفع صوته مدوياً بثقة قوية جداً، وجسارة لا حد، لها واستعلاء بعيد الأمداء بعظمة الإسلام وخلوده وصحته وقوامته على الناس في وقت كان فيه كثير من المسلمين مبهورين إزاء حضارة الغرب، مأخوذين بثقافته لا يملكون أن يتخذوا الموقف المتوازن السليم فكان له دور عملي شجاع أدى إلى نتائج إيجابية مباركة في واقع المسلمين، وخاصة في شبه القارة الهندية فأسهم فيه مع غيره من الأذكياء المخلصين في تحرير المسلمين من عقدة النقص والإحساس بالضعة والصغار إزاء الغرب الحضاري الذي كان في شرخ فتوته وشبابه.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة