الأحد، 7 أغسطس 2022

إقبال وذكرى أمجاد المسلمين في جامع قرطبة

الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته

إقبال وذكرى أمجاد المسلمين في جامع قرطبة

     وقف محمد إقبال رحمه الله عام (۱۹۳۲م) إبّان زيارته لإسبانيا، في جامع قرطبة العظيم وقفة مؤمن شاعر، يتذكر أمجاد المسلمين في الأندلس، وسيرتهم الشائقة المؤسية، وحكمهم الحافل بشتى جوانب الإبداع والتفوق في ميادين الحضارة، ودورهم التاريخي الرائد الذي يشهد به كثير من منصفي الغرب أنفسهم، في تحضير أوربا، ونقلها من حال الجهل والتخلف والانحطاط إلى صحوة ممتازة أسهمت أيما إسهام في بناء حضارتها فيما بعد.

     وتذكر بطولة طارق بن زياد ومن معه، ومغامرتهم الجريئة في اقتحام الأندلس، إذ ألقوا بأنفسهم فيها وهي نائية بعيدة عن مركز قوتهم وتجمعهم، والعدو في أرضه يعرفها جيداً، وعدده كبير، وزاده وفير، وسلاحه كثير، والنجدة قريبة إليه حين يطلبها، ولم يكن طارق يجهل موقفه هذا، لكنه لم يرهبه قط، بل استنجد بقوة الإيمان في أعماقه وأعماق جنوده، وألهب حماستهم، فكان له النصر المؤزر، والظفر العظيم، وكان قراره بالعبور والقتال مَوْلِدَ أمجادٍ كبيرة وامتدادٍ عظيم وانتشارٍ للإسلام رائعٍ معجب، وصفحة في تاريخ الحضارة الإنسانية عمرت ثمانية قرون .

     وشابت الأندلس الشوائب، وعصفت بها الفتن والمشكلات، فكانت بأمس الحاجة إلى عبقري آخر من طراز طارق، شجاع جسور، يقتحم الصعاب، ولا يرهب الشدائد، هو بالصقر أشبه منه بشيء آخر. وفعلاً ظهر هذا الرجل المأمول، وعبر إلى الأندلس كما عبر طارق وموسى من قبل، إنه صقر قريش عبد الرحمن الداخل الذي وصل هناك مع ثلة قليلة من الرجال الأشداء، والفتن كثيرة، والأهواء عارمة، والناس مزق شتى، وأقسام متناحرة، فصابر وثابر، وجد واجتهد، وقاتل وانتصر حتى دانت له الأندلس، وشاد في عاصمتها قرطبة الأثر الخالد الباقي إلى اليوم، جامع قرطبة.

      وقف محمد إقبال في جامع قرطبة، وقفة مؤمن خاشع، أمام الإيمان الذي حمل العرب على الخروج من جزيرتهم التي كانوا فيها ضائعين منسيين، لا يحفل بهم أحد، ولا يتوقف عندهم التاريخ، إلى الشرق والغرب، يحررون الناس من الفساد والضلال، ويرفعون كلمة الله تعالى عالية مدوية، ويزلزلون أركان الطواغيت والجبابرة، وما زال الإيمان يدفعهم حتى وصلوا الصين شرقاً، والأندلس غرباً.

     إنه الإيمان، والإيمان وحده، هو الذي أخضع الأندلس، المنيعة النائية الجميلة القوية. فانقادت لعزائم الفاتحين الذين صدقوا الله تعالى ما وعدوه، فمَنّ عليهم بالنصر والغلبة والظهور، حتى إذا خبت منهم العزائم، واستنامت فيهم البطولة، وضعف لديهم الإيمان هانوا على أنفسهم، وهانوا على أعدائهم، وبدأ في حياتهم دور الاضمحلال والأفول حتى لم يبق منهم أحد في الأندلس التي زال عنها الإسلام والمسلمون زوالاً نهائياً.

     رحم الله إقبالاً وجزاه عن شِعره الرائع خير الجزاء.. وأعادك أنت أیها المسجد الأسير إلى أحبابك وأهلك وذويك. 

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة