الأربعاء، 3 أغسطس 2022

مهمة المسلم في الحياة في نظر إقبال

الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته

مهمة المسلم في الحياة في نظر إقبال

     تلقى إقبال، الشاعر العظيم الفيلسوف دراسته في مدارس الهند، وهي يومئذٍ ينوء كاهلها تحت الاحتلال الإنكليزي الذي استشرى داؤه في كل مظاهر الحياة الهندية، ذلك أنه عمل على بسط نفوذه الثقافي على شتى مناحي الحياة الفكرية في الهند، وبخاصة على التعليم النظامي.

     ثم أكمل إقبال دراسته العليا في إنكلترا، ولكن اتصاله هذا، الوثيق جداً، بالثقافة الغربية في الهند أولاً، وفي إنكلترا ثانياً؛ لم يؤثر أقل تأثير في قوة إيمانه بالإسلام، وثقته الهائلة بصحته وخلوده، بل ربما كان ذلك من الأسباب التي شحذت هذا الإيمان وزادته تمكيناً ورسوخاً وقوة، خاصة حين اكتشف زيف الحضارة الغربية وضلالها وانحرافها.

     قال ذات مرة: "يا ساكناً ديار الغرب، ليس أرض الله حانوتاً، إن الذي توهمتموه ذهباً خالصاً سترونه زائفاً، وإن حضارتكم ستنحر نفسها بخنجرها". وحين قال ذلك كان لا يزال يعيش بين ظهراني أهل هذه الحضارة، غير غافل عن نقاط ضعفها وسلبياتها الكبيرة.

     وقد ظل الرجل على قناعته هذه إزاء الحضارة الغربية، وظل يكررها في شعره ناعياً عليها إهدارها للروح والفضائل، وتعويلها على العقل بشكل مبالغ فيه. يقول عن الرجل الغربي: "إنه عاجز عن إخضاع عقله للحدس، ذلك الذي يكشف عن مجرى الأفلاك، لم يستطع أن ينفذ إلى العالم الداخلي، عالم أفكاره، ضلَّ في متاهات عقله فلم يستطع أن يفصل في أمر الخير والشر.

     وقد أتاحت له الفترة التي قضاها في أوربا، وكان دارساً جاداً جداً، وقارئاً شغوفاً، أن يكتشف زيف الحضارة الغربية، وكان يكثر من الحديث عن تلك الفترة، وكيف استطاع أن يخرج منها وهو أكثر إيماناً وأشدّ صلابة. يقول في ذلك: مكثت في أتون التعليم الغربي، وخرجت منه كما خرج إبراهيم من نار النمرود.

     لقد خرج من أتون الحضارة الغربية قوي الإيمان بالإسلام، عظيم الولاء له، يحبه حباً جماً، ولا يمل أبداً الحديث عن عظمته والتغني بأمجاده ورجاله.

     وخرج من هذا الأتون وهو راسخ الاعتقاد بأن "حكمة الغرب" هي التي جرَّت الشرور والويلات على الشعوب الإسلامية عامة والعربية خاصة. يقول مناجياً رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: "إن حكمة الغرب قد أسرت الأمم، وتركتها سليبة حزينة لا تملك شيئاً، إنها مزقت وحدة العرب، واقتسمت تراثهم".

     ويخاطب الشاعر العبقري الكبير محمد إقبال، كل فرد في الأمة المسلمة فيقول له: إنك مسلم، فاجعل قلبك معموراً بالأماني والآمال. اذكر دائماً وعد الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (آل عمران:9)؛ عشية الألم والضجر تسفر عن صبح العيد. ها هو ذا فجر الأمل قد تبلج من بين دياجير الظلام. هلم ننشر الزهور والرياحين على قبر الشهيد الذي فعل دمه المسفوح بأمتنا ما يفعل الغيث بالشجرة الثابتة... وفرعها في السماء.

     وإذا كانت ثقة إقبال بدور المسلم تبلغ هذا الحد العظيم، انطلاقاً من شعوره بأهمية الرسالة الملقاة على عاتقه، وخطورة المهمة التي انتُدِب إليها، فما من ريب أن هذه الثقة التي جعلته يهتف بهذا الحداء الحار، والنشيد الحي الدافق، تعود من بين ما تعود إليه، إلى يقينه الضخم بصحة الإسلام وخلوده واستمراره، وقدرته على حل كل مشكلات العصر، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعود تلكم الثقة إلى إحساسه بخطر الحضارة الغربية، وإدراكه نقاط الضعف فيها.

     يقول محمد إقبال بعد أن توغل في دراسة ثقافة الغرب وحضارته دراسة عميقة مستقصية: تعجبكم هذه الحضارة الحديثة، ويبهر عيونكم جمالها. ما هي سوى فصوص موَّهتها يد الصانع فخطف الأبصار بريقها الكاذب. إن الحكمة التي يتفاخر بها حكماء الغرب قد تحوَّلت في أيديهم سيوفاً تقطر دماً. لعمر الحق إن كل حضارة تقام على التنافس في الأموال والتكالب على الشهوات لا بد أن تنهار، وقد بدأت.

     ثم اتجه إلى جنيف حيث مقر عصبة الأمم التي كانت تمثل الهيئة الدولية يومذاك، والتي كان يسيطر عليها، ويحرك خيوطها، ويرسم سياستها؛ دهاة السياسة الغربية، فقال: لقد عمَّت في هذا العصر مجالس الأمم، لكن وحدة الإنسانية بقيت مختفية عن الأنظار. الهدف الذي ترمي إليه حكمة الإفرنج هو تمزيق الأمم، وغاية الإسلام إنما هي الوحدة الإنسانية، فقد بعثت مكة إلى جنيف بهذه الرسالة: ماذا تريدين؟ عصبة أمم أم عصبية بني آدم!؟

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة