الاثنين، 8 أغسطس 2022

زيارة إقبال إلى جامع قرطبة خلدت درة قصائده

الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته

زيارة إقبال إلى جامع قرطبة خـلّدت درّة قصائده

     كانت زيارة الشاعر الكبير الدكتور محمد إقبال لإسبانيا عام (۱۹۳۲م)، ووقوفه خلال تلك الزيارة في جامع قرطبة وقفة حب ووفاء وحنان وإيمان مناسبة حميدة ليكتب لنا الشاعر واحدة من درر قصائده، وهي "في جامع قرطبة"، ومن أجمل ما طفق الشاعر يقف عليه في قصيدته هو تلك الإشادة الحارة الجميلة بالصلة الروحية بين الجامع العظيم وبين المسلم الغيور الصادق في ولائه للإسلام، وذلك حين اتجه إليه بهذه النجوى المحببة الرائعة، حيث يقول في عقيدة مؤمن ودلال شاعر مُحِب:

     "إن بيني وبينك أيها المسجد العظيم نسباً في الإيمان والحنان، وتحريك العاطفة وإثارة الأحزان. إن الإنسان في تكوينه وخلقه قبضة من طين لا تخرج من هذا العالم، ولكن له صدراً لا يقل سمواً وكرامة عن أعظم الأشياء. فقد أشرق بنور ربه وحمل أمانة الله. إن الملائكة تمتاز بالسجود الدائم لكن في سجود الإنسان لوعة ولذة، ليس لهما نظير".

     ومن الطريف الجميل حقاً أن إقبالاً يتذكر جنسيته ووطنه، ويتذكر أنه هندي النجار، وأنه من إحدى بيوتات البراهمة، أسلم جده الأعلى قبل قرنين من الزمن. ويتذكر أنه أمام أثر إسلامي عربي قديم فيقول: "انظر أیها المسجد إلى هذا الهندي الذي نشأ بعيداً عن مركز الإسلام ومهد العروبة، نشأ بين الكفار وعُبّاد الأصنام؛ كيف غمر قلبه الحب والحنان!؟ وكيف فاض قلبه ولسانه بالصلاة على نبي الرحمة الذي يرجع إليه الفضل في وجودك!؟ وكيف ملكه الشوق!؟ وكيف سرى في جسمه ومشاعره التوحيد والإيمان!؟".

     ويذكره هذا المسجد العظيم بالمسلم العظيم الذي رفعه وشاده، وبالأمة المسلمة العظيمة التي تعبد الله تعالى في أمثال هذا البيت، فيرى أنه صورة صادقة للمسلم، فكلاهما يجمع بين الجلال والجمال، وكلاهما محكم البنيان، كثير الفروع والأغصان.

     ويلتفت إلى المسجد فيراه قائماً على أعمدة كثيرة تشبه في كثرتها وعلوها نخلاً في بادية العرب، ويرى شرفاته مشرقة بنور ربها ومنارته العالية الذاهبة في السماء منزلاً للملائكة، ومهبطاً للرحمة الإلهية.

     ذلك هو المسجد الطهور الذي أقفر من الصلاة والأذان والقرآن منذ قرون؛ منذ أن سقطت قرطبة بيد الإسبان حين عجز أهلها عن الوفاء بمستلزمات القوة والتفوق والبطولة التي يوجبها عليهم دينهم العظيم، وأخلدوا إلى الأرض فحلّ بهم الدمار.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة