العقاد وسرُّ بقاء العربية
قال الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله وهو يتحدث عن سر بقاء اللغة العربية بينما بادت لغات كثيرة ساد ذووها حيناً من الدهر:
لقد قيل كثيراً: إن اللغة العربية بقيت لأنها لغة القرآن الكريم، وهو قول صحيح لا ريب فيه، ولكن القرآن الكريم إنما أبقى اللغة، لأن الإسلام دين الإنسانية قاطبة، وليس بالدين المقصور على شعب أو قبيل، وقد ماتت العبرية وهي لغة دينية، أو لغة كتاب يدين به قومه، ويحسبون أنهم وحدهم المخصوصون بالخطاب من عند الله، ولم تمت العبرية إلا لأنها فقدت المرونة التي تجعلها لغة إنسانية، وتخرجها من حظيرة العصبية الضيقة، حيث وضعها أبناؤها منذ قرون.
إن هذه الفضيلة الإنسانية التي لا تفرق بين العربي والأعجمي، ولا بين القرشي والحبشي، لهي التي أنهضت لخدمة اللغة أناساً من الأعاجم غاروا عليها من حَيْف الأعجمية، أي غاروا عليها من لغة أمهاتهم وآبائهم، لأنها "أي العربية" لغتهم على المساواة بينهم وبين جميع المؤمنين بالقرآن الكريم، كتاب الإسلام، ولو كان هذا الكتاب عصبياً لا يشرك في تراث الدين أحداً غير أبناء لغة من اللغات، لما جاءت الغيرة عليه من الأعاجم كما جاءت من أبناء قحطان وعدنان.
ونحن معاشر المتكلمين بالعربية في عصرنا، نسير على نهج الأقدمين في خدمتها كلما حرصنا على قواعدها، وحرصنا إلى جانب القواعد على مرونتها، وعلى مزيتها الكبرى من قبول التجديد والموافقة لمطالب بني الإنسان في جميع العهود.
وستبقى اللغة العربية ما دام لها أنصار يريدون لها البقاء، ولم ينقطع أنصارها في عصرنا الحاضر، بل نراهم بحمد الله يزدادون ويتعاونون، ويتلاقى أبناء البلاد المختلفة على خدمتها ودعمها، لأنهم مختلفون بمواقع البلاد، متفقون بمقاصد الضمائر والألسنة.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق