التسامي على الجنس
في مجلة الاعتصام القاهرية كتب الأستاذ الكبير الدكتور عيسى عبده يقول:
حدّثني أحد علماء النفس الذين تعتز بهم مصر والعالم العربي، وهو الأستاذ الدكتور أحمد عزت راجح فقال:
إن فرويد المعروف بتركيزه على دراسة الجنس، قد عَدَلَ في أواخر حياته عن كثير مما كان يظنه صواباً، ومن ذلك ما انتهى إليه من استحالة التسامي في دافع طبيعي واحد هو رابطة الجنس بالجنس، وما عدا هذا الدافع يجوز عليه التسامي.
وبعبارة أخرى نقول: إن ما انتهى إليه فرويد، يتلخص في أن الضعف البشري يخضع للتهذيب والإعلاء والتسامي إلا الجنس؛ فإنه أقوى من كل أساليب الردع والضبط والكبح. وإلى هنا يتوقف فرويد.
ونزيد من عندنا -والحديث للدكتور عيسى عبده- أنه من أجل ذلك شَرع لنا الحكيمُ العليم منهجاً قويماً يبدأ بالحياء والأدب، وينتهي في قمته بالحدود، فالقول إذن بأن اختلاط الجنسين يطفئ من الجذوة المتقدة هو قول سخيف بمعايير العلوم التي يؤمن بها دعاة التغيير من أجل التغيير.
بعد هذا البيان المشكور من الدكتور عيسى عبده، نحب أن نؤكد أن فرويد نفسَه يذكر في بعض كتبه المتأخرة بأن ممارسة الجنس مع الشعور باستقذار الفعل، وولوغه في الإثم لا يُنجي من عقدة الكبت الذي أكثر فرويد من الحديث عنه وتوسّع فيه.
ومعنى هذا أن الغارقين في الجنس الحرام سيظلّون غارقين في الكَبت حتى عند فرويد نفسه لأن الاستقذار والإحساس بالإثم أمران متلازمان للممارسة الجنسيّة المحرّمة، ومعنى ذلك أيضاً أن تصريف الطاقة الجنسية من خلال ضوابط الحلال النظيف هو السبيل للنجاة من الكبت، وهذا يقود في النهاية إلى التأكيد بأن الأحوالَ السويّةَ للإنسان في كل شيء وحتى الجنس إنما تكون في الحلال، بينما العقد والكبت والشذوذ حلفاءُ الحرام ونتاجُه المرُّ الكريه.
من هذا يبدو لنا أن فرويد عدل عن بعض آرائه، وانتهى أحياناً إلى شيء من الصواب، لكن الذين يريدون إشاعة الفاحشة والفساد وإعطاءهما لبوساً علمياً زائفاً من فرويد أو غيره يتجاهلون هذه الحقيقة تماماً، ويكتفون بالتركيز على آراء فرويد الخاطئة المتطرفة مما يُثبت أنهم ليسوا طلابَ علم وحقيقة، بل أصحابُ ضلالٍ ودعاةُ انحراف.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق