الثلاثاء، 28 يونيو 2022

الخنساء بين فَقْدِ أخيها وأبنائها الأربعة

الخنساء بين فَقْدِ أخيها وأبنائها الأربعة

     كانت الخنساء رضي الله عنها أبرز شواعر العرب في الجاهلية، وكانت تحضر أسواق العرب الأدبية كسوق عكاظ، وتناطح الشعراء الفحول، وكانت ثقتها بنفسها كبيرة، واعتزازها بشعرها بالغاً، إلا أن وفاة أخيها صخر قتيلاً فجّرت فيها نهراً دفّاقاً من الأحزان جعلها تبكيه وترثيه دون أن تقدر على نسيانه، ومن رائع شعرها فيه قولها:

يذكّرني طلوعُ الشمسِ صخراً     وأذكـــرُه لكلِّ غروبِ شــمسِ
ولولا كثرةُ البـــــــاكينَ حولي     على إخوانهم لقتــــــلتُ نفسي
وما يبكين مثـــــل أخي، ولكنْ     أسلّي النفسَ عنــهُ بالتـــــأسّي

     وظلّت متشحةً بالسواد حتى بعد أن دخلت الإسلام، وظلّت مسحة الحزن العميق تلف حياتها، ولقيت الرسول الكريم ﷺ وأنشدته بعض شعرها فرَقَّ لها وقَدَّرَ عواطفها.

     وظلّت تتنقل بها السنون حتى ذهبت بشبابها، وجاءت معركة القادسية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان بنوها الأربعة قد دخلوا الإسلام وخرجوا إلى تلك المعركة الضروس، فجمعتهم وقالت لهم:

     "يا بَنِيَّ إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنتُ أباكم ولا فضحتُ خالكم، ولا هجنتُ حسبكم، ولا غيّرتُ نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية. يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]، فإذا أصبحتم غداً فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين".

     ولما جاء الصباح دارت المعركة، واستشهد أبناؤها الأربعة دفعة واحدة، فما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

     موقف ضخم رائع يكشف عن حجم النُقْلة العملاقة التي أحدثها الإسلام في هذه المرأة، وعُمق التغيير الذي أعاد صياغة حياتها كلها من جديد، صياغة قوية شامخة.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة