أبو بصير.. مِسْعَر حرب!
يحرص الإسلام على أن يكون أبناؤه ممن يحفظون العهود ويرعون المواثيق، ويجتنبون الغدر، ويحرصون على الوفاء حرصاً كبيراً. والمواقف التي تشهد بصحة ذلك كثيرة جداً.
بعد أن عقد رسول الله ﷺ صلح الحديبية مع مشركي مكة المكرمة نشأ إشكال كبير يعترض طريق هذا الصلح، ذلك أنه كان من مواد الصلح: من جاء إلى المشركين من قِبَلِ المسلمين مرتداً عنهم يقبله المشركون، ومن جاء إلى المسلمين من قِبَلِ المشركين مؤمناً معتنقاً للإسلام يُرَد. وقد اعترض بعض المسلمين على هذا بشدة، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكن رسول الله ﷺ أصرَّ على إمضاء الصلح.
ذات يوم وفَدَ أبو بصير عتبة بن أسيد من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مسلماً، فبعثت قريش إثر ذلك كتاباً إلى الرسول الكريم ﷺ تطلب ردَّه، وحمل الكتاب رجلان أرسلَتْهُما قريش لإيصال الخطاب واستعادة أبي بصير.
قال الرسول ﷺ لأبي بصير: "يا أبا بصير!.. إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصحُّ في ديننا الغدر، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، فانطلق إلى قومك". قال أبو بصير: "يا رسول الله أتردّني إلى المشركين يفتنوني في ديني؟"، فكرر عليه الرسول الكريم ﷺ قوله الأول.
وانطلق أبو بصير مع الرجلين حتى إذا كان بذي الحُليفة سأل أحدهما أن يُريَهُ سيفه، وما أن استقر في يده حتى علا به الرجلَ فقتله، فعاد الثاني هارباً مسرعاً نحو المدينة حتى أتى النبي ﷺ فقال: "قتل صاحبي"، ثم طلع أبو بصير فقال: "يا رسول الله وَفَتْ ذمّتك وأدّى الله عنك. أسلمْتني للقوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعبث بي". ولم يُخْفِ الرسول الكريم ﷺ إعجابه به وتمنّيه لو يكون مثله معه، فقال: " وَيْلُ أمِّه، مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كان له أحد!.."، [رواه البخاري].
وأدرك أبو بصير ألّا مُقام له في المدينة المنورة، ولا مأمنَ له في مكة فانطلق إلى ساحل البحر الأحمر، وأخذ يهاجم قوافل قريش التجارية. وسمع المسلمون المحبوسون بمكة المكرمة خبره وسمعوا قول الرسول الكريم ﷺ "ويلَ أمِّه مِسْعَرَ حرب لو كان معه أحد!.."، فهرعوا إليه وما زالوا يتكاثرون حتى صاروا سبعين رجلاً أعجزوا قريشاً ودوّخوها حتى بعثت إلى الرسول الكريم ﷺ تناشده وترجوه أن يقبل هؤلاء، وأسقطت شرطها الذي توهّمته نصراً لها بنفسها، ففعل.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق