بلال على ظهر الكعبة
لعلنا جميعاً نذكر أن رسول الله ﷺ اختار بلالاً الحبشي وأمره أن يصعد فوق الكعبة المشرفة ليؤذن ويعلي كلمة الحق. والكعبة هي الحرم المقدس عند العرب في الجاهلية، وهي القبلة المعظمة في الإسلام، ومع ذلك تم اختيار بلال ليكون أول من يرفع فوقها الأذان.
ترى أيمكن أن يحدث مثل هذا أو قريب منه في الغرب مثلاً؟ لا ريب أن الجواب بالنفي، كيف لا، والغرب الغني المتمدن لا يزال يظلم مواطنيه الزنوج لا لذنب سوى أنهم سود!؟ ألا إنها مبادئ الوحل والتخلف في الغرب الذي جاب الفضاء ورَكَز أعلامه على القمر، لكنه لم يستطع إنقاذ نفسه من ربقة فكر جاهل متخلف يحمله على اضطهاد السود.
أما حضارتنا، فإننا لا نخطئ أن نلمس فيها إذ يصعد بلال على ظهر الكعبة المشرفة قبل أربعة عشر قرناً، إعلاناً لكرامة الإنسان من حيث هو إنسان، له كرامته ومنزلته ومكانته وتقديره يستحق ذلك لعلمه وعقله، واختياره وإيمانه، لا لبشرته السوداء أو البيضاء، فما يقدم الإنسانَ في الإسلام بياضُه إذا قعد به عمله، ولا يؤخره سوادُه إذا قدّمه إخلاصُه وذكاؤه وجِدُّه واجتهاده. ولذلك لم يرضَ رسول الله ﷺ لأبي ذر -وهو من أكرم صحابته- أن يسب آخر فيقول له: يا ابن السوداء!.. لم يرضَ ذلك منه قط، بل قَرَّعه ولامَه وقال له: أعيّرته بسواد أمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية!.. وإنها لكلمة منه ﷺ، على إيجازها الشديد، غنية جداً، شديدة الخصوبة، حافلة بالدلالات واسعة الأمداء.
"إنك امرؤ فيك جاهلية!.." لكأن هذه العبارة إعلان ضخم للفارق بين الحضارتين، الحضارة التي تكرم الإنسان فهي ذات نزعة إنسانية، والأخرى التي تهدر كرامته فهي ذات نزعة جاهلية.
إن الحضارة التي لا يستعلي فيها عرق على عرق، ولا لون على لون هي الحضارة التي يصنعها الإنسان العاقل الكريم، وتسعد بها الإنسانية، وذلك ما فعلته حضارة الإسلام. أما الحضارة الأخرى التي يعلو فيها الأبيض ويُحتقر الأسود، ويَسعد بها البيض ويشقَى بها الملوّنون؛ فهي الحضارة الجاهلية الجائرة التي تنحدر وتتخلف، وذلك ما فعلته حضارات أخرى في القديم والحديث، وفي أيامنا المعاصرة حين نادت بالتمييز العنصري الذي هو جناية حمقاء حاربتها حضارتنا المشرقة في كل ميدان، في المسجد والمدرسة والشارع والمنصب والمحكمة والقيادة في السلم والحرب مع الأصدقاء ومع الأعداء.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق