الفتوحات الإسلامية والمنجِّمون
لقد عانى قادة المسلمين في جهادهم كثيراً من صنوف التثبيط الذي هو وسيلة من وسائل الهزيمة النفسية، لكنهم حين ارتفعوا بالإسلام، وامتلكوا إرادة الجهاد نجوا مما عانوا وكابدوا، وكان لهم النصر بفضل الله عز وجل.
ودور المنجمين في التاريخ الإسلامي -وهو دخيل على المجتمع المسلم غريب عن تصوره النقي- يمثل في حينه أسلوباً من أساليب الهزيمة النفسية التي يحاول دعاتها تثبيط همم المجاهدين. فمِن المعروف مثلاً أن المعتصم قبيل معركة عمورية حذره المنجمون من المعركة وأرادوا له أن يتأخر في قتاله العدو بحجة أن عمورية لا تفتح إلا بعد نضج التين والعنب!.. ولم يكن أوان ذلك قد حلّ يوم عزم المعتصم على الجهاد.
لكن المعتصم رفض أكاذيب المنجمين وضرب بدعاواهم عرض الحائط، وصمم على الجهاد، وكان له النصر المبين وفتح عمورية في الوقت الذي أخبره عنه المنجمون أنها لن تفتح فيه. وخلّد ذلك أبو تمّام تخليداً ساخراً حين وصف قتلى الروم فقال:
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جـــلودهم قبل نضج التين والعنب
ويروى أن بعض المنجمين حذر صلاح الدين الأيوبي بفقد إحدى عينيه إن هو حاول فتح القدس، فأجابهم بهذا الجواب الرائع: "إني لأوثر أن أفقد بصري كله إذا كان من وراء ذلك فتح بيت المقدس". وأتمّ الله نعمته على صلاح الدين، فكان الفتح ولم يصب بسوء، وكذب المنجمون ودعاة الهزيمة والتخاذل.
وفي عصرنا الحاضر نجد كثيراً من دعاة الهزيمة النفسية الذين يقومون بما كان يقوم به المنجمون من قبل، ولكن بأسلوب عصري. فدعاة الهزيمة النفسية اليوم يثبطون الهمم عن القتال، ويحاولون تصوير الأعداء بأنهم على جانب ضخم جداً من القوة والتماسك، وأنهم يستندون إلى أقوى دول الأرض، وأن الانتصار عليهم انتصاراً نهائياً ضرب من الجنون وما إلى ذلك من الأباطيل والخزعبلات.
وكما سخر المسلمون قديماً من المنجّمين وجاهدوا؛ علينا الآن أن نسخر من هؤلاء المثبطين ودعاة الهزيمة والاستسلام ونجاهد حق الجهاد، وسيكون لنا النصر إن شاء الله حين نرفع شعار: "وا إسلاماه!".. وننهض بجميع شروطه ولوازمه، ونعيد دعاة الهزيمة النفسية والمتخاذلين والمستسلمين للعدو إلى أمكنتهم في الجحور.
ومن أهم ما ينبغي علينا أن نصنعه للنجاة من الهزيمة النفسية وقطع الطريق على مضاعفاتها الخطيرة المتوقعة أن تكون قيادات المسلمين بمنأى عن الهزيمة النفسية تماماً، وألّا يتبوّأ أحد من الناس مكاناً في هذه القيادات إلا إذا كان مستعلياً بالإيمان، بريئاً من كل أنواع الجبن والخور، واثقاً أنّ المستقبل لهذا الدين، واثقاً أنّ النصر له مهما اشتدت الظلمات وكثرت الخطوب.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق