الرمز الشعري
هيأت مجموعة الظروف المواتية لعمر أبو ريشة أن يجيد اللغة الإنجليزية وأن يقرأ فيها كثيراً منذ أن كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث تلقى هذه اللغة عناية خاصة، ومنذ سافر إلى مانشستر لمتابعة دراسته، ثم جاء عمله بعد ذلك سفيراً في العالم لمدة عشرين عاماً، كانت اللغة الإنجليزية إحدى وسائله المهمة في الثقافة والاطلاع والاتصال، خاصة حين كان سفيراً في الولايات المتحدة الأمريكية والهند، ولا ريب أن هذه اللغة قد وصلته بمذاهب فنية غربية شتى، منها المذهب الرمزي الذي يجد الدارس له بعض البصمات في شعره على قلة واستحياء.
لقد اطلع على شعر «بودلير» و«إدغار ألان بو» وأعجب بهما[1]، وهما شاعران رمزيان، وحين عاد من بريطانيا إلى سورية عام 1932م ليستقر فيها سبعة عشر عاماً قبل أن يبدأ رحلة اغترابه الطويلـــة مع العمل الدبلوماسي بدأت شهرته تذيع، وبدأ يشارك في المهرجانات والمحافل، وبدأ يتصل بالرمزية التي كانت بعض الأصوات المتحمسة تدعو لها مثل بشر فارس وأحمد زكي أبو شادي في مصر، وسعيد عقل وأديب مظهر وصلاح لبكي في لبنان، فكان طبيعياً أن نجد لهذا المذهب صداه في شعره.
❊❊❊
والدارس لشعر عمر أبو ريشة يجد الصحراء رمزاً غنياً عنده، فهي في حسه وفي شعره مهد لمجموعة المكارم الرائعة التي يعتز بها المسلم والعربي، فهي مهد الدين العظيم الذي تنزل في جزيرة العرب، وهي صحراء في معظمها، وهي مهد الفتوح التي خرجت من هذه الجزيرة تنشر رايات الدين الجديد، وهي مهد الإباء والكرم والشجاعة والعزة التي اتصف بها العربي.
لذلك احتلت الصحراء مساحة طيبة في شعره، لأنها رمز للدين والبطولة والكرم والمروءة والفتوح، ورمز للأصالة التي تأبى التبعية، ورمز للتراث الذي يأبى الذوبان، ورمز للأمل والفجر والمجد والتجديد، ورمز وطني يمثل النزوع إلى الحرية والتمرد على الطغاة والمستعمرين، ولأنها أيضاً منبت أسرته. لقد قال عمر أبو ريشة وكان صادقاً فيما قال: «إن الصحراء ارتبطت بذهني ارتباطاً وثيقاً، فوالدي من العرب الأقحاح، وقد رأيت هذه الأرض الجرداء خيراً من كل أرض في الدنيا»[2]. وإذن فإن محبة الشاعر للصحراء محبة متعددة المحاور يتداخل فيها الدين والأصالة والبطولة والحرية والأرومة واللغة والتقاليد.
في ديوان عمر أبو ريشة الأول الصادر في حلب عام 1936م باسم «شعر» نجد له قصيدة حذفها من دواوينه التالية يقول فيها:
أوقفي الركب يا رمـــــال البيـــــــــد
إنه تاه فـــــي مـــــــــداك البعيـــــــد
ظمئت نوقه وجف فـــــــــــــم الحــا
دي وغصـــــــت لهاتــــــــه بالنشيـد
والأشـــدَّاء يلهثـــــون كخيـــــــل الـ
ـغــــزو، عادت مــن يومها المشهود
عصفت في جفونهم ريحــــــــــك الـ
ـهوجاء والشمس عربدت في الخدود
والصبايا من الهـــــــــوادج ينظـــــرْ
ن؛ إلى الأفــــــق نظـــــرة المــفؤود
ليس يبصرن منك غـــــــير هضـاب
في هضــــــاب مبعــثرات الحــــدود
ونحن في هذه الأبيات نجد أنفسنا في جو الصحراء من ظمأ ونوق وحاد وقافلة ورمال وخيل، والشاعر يخاطب هذه الصحراء ويناجيها في نداء محزون يشي بقوة صلته بها لأنها رمز لمفاخر كثيرة.
وحين ينظر عمر أبو ريشة إلى بلاده فيرى ما فيها من خير عميم صارت به كالجنة، يتبادر إلى ذهنه أن نعيمها قد سبب لأهليها الترف الذي تضيع معه الرجولة والبطولة، لذلك يدعو الله عز وجل أن يردها قفراء مجدبة ورمالاً محرقة، لعلها بذلك تنجب البطولة والأبطال كما هو العهد بها من قديم، فيرفع إلى ربه تعالى «صلاة» حارة يقول فيها:
رب طوقـــــت مغانيــــــ ـنا؛ جمــــــــــالاً وجـلالا
ونثرت الخـــــــــير فيهنْ نَ، يمينـــــــــاً وشمـــــالا
وتجليـــــــت عليهــــــــنْ نَ، صليبــــاً وهــــــــلالا
رب هــــــــذي جنـة الدنـ ـيـــــا، عبيراً وظــــــلالا
كيف نمشي فـي رباها الـ ـخضر تيهاً واختيـــــــالا
وجراح الـــــــذل نخفــيــ ـهـــا، عن العــز احتيـالا
ردهـــــا قفراء إن شئـــــ ــت، وموِّجها رمــــــــالا
نحن نهواهــــا على الجـدْ ب، إذا أعطــــــت رجالا
ويلمس عمر أبو ريشة الأسى الذي يصيب مروءة العربي وخيله وسيفه وخيمته، حين يعبث بدوي مترف، منفقاً على عشيقته مبلغاً كبيراً من المال، مخالفاً دواعي الدين والوطنية والاستقامة، فيقول في قصيدته «هكذا»:
فإذا النخـــــــوة والكبر على ترف الأيام جــــرح موجــع
هانت الخيل على فرسانهـــا وانطوت تلك السيوف القطع
والخيام الشم مالـــت وهوت وعوت فيها الرياح الأربـــع
والأبيات تصور غضبة مجموعة من العناصر على صنيع المترف الفاجر، وهذه العناصر كلها مرتبطة بالصحراء، فكأن الصحراء لأنها رمز لفضائل كثيرة غضبت غضباً كبيراً إذ وجدت من أحد أبنائها ما يسوؤها. وفي قصيدته الطريفة «في طائرة» يلتقي بإسبانية حسناء من أصول عربية، تعتز بأجدادها العرب، وبالصحراء الزاخرة بالمروءات التي أنجبتهم، فيقول على لسانها:
بوركت صحراؤهم كم زخرت بالمروءات رياحــــــاً ورمـالا
بل إن لعمر أبو ريشة قصيدة وطنية دينية جيدة اسمها «يا رمل»، يهاجم فيها المستعمرين الظلمة ونكثهم للمواثيق، ويربط بين الدعوة الإسلامية وبين رمال الصحراء التي ظهرت فيها، ويشيد بهذه الدعوة ويمجد أبطالها وفتوحها وحضارتها، ثم يصور ما أصاب الأمة من ضعف جعل الأعداء يتحكمون بها ويتنكرون لعهودهم معها، وينتهي بإشاعة الأمل في أن الرمل سيعيد إلى الأمة مجداً جديداً كما فعل من قبل. والطريف أن القصيدة تبدأ بمناجاة الرمل:
يا رمل ما تعب الحادي وما سئـما
ولا شكا في غوايات السراب ظما
وتنتهي بمناجاته أيضاً:
يا رمل رجع حـــداء في مسامعنـا
هل حمل الركب بشــراه وما علما
قيثارة الوحي لم تجــرح لها وتـراً
أيدي الليالي ولــم تحبس لها نغمـا
أمن سنا أحمد حـــر ستطلعـــــــه
وتطلع المجد في برديه مضطرما
فيرجع الأرض ريا بعـد ما يبست
ويمتطي الدهر غضاً بعدما هرما
وقصيدة «محمد» مطولة ذات نفس ملحمي يبدؤها الشاعر بالنجوى التي ترددها الصحراء، وهي تترقب الفجر الجديد، فجر البعثة المحمدية الشريفة:
أي نجوى مخضلــــــة النعمــــــــاء
رددتها حناجـــــــر الصحـــــــــراء
وينهيها بمناداة الصحراء ومناجاتها، باعتبارها صانعة المجد الذي لا ينبت إلا في رمالها، لأنها معطاء ولود تقوم بين الحين والآخر عن مفاجآت جديدة في بعث الأمة ونهضتها وتجددها:
يا عروس الصحراء ما نبت المجـ
ـد، على غــير راحـــة الصحــراء
كـلما أغرقت ليـــــاليـــها في الصـ
صمت، قامت عـــــن نبـأة زهـراء
وروتها على الوجـــــــود كتابـــــاً
ذا مضـاء أو صــارماً ذا مضــــاء
فأعيدي مجد العــروبـــــة واسقــي
من سنــاه محاجـــــر الغــــــــبراء
قد تــرف الحيــــاة بعـــــد ذبــــول
ويليـن الزمــــــان بعـــــد جفـــــاء
فالصحراء هنا رمز للتجدد، والقدرة على البعث، ورمز للخصوبة والنماء، والقدرة على استئناف الحياة، وهذا الرمز مرتبط بما صنعته من قبل من أمجاد ومكرمات، لذلك يطالبها الشاعر أن تصنع اليوم ما صنعته بالأمس.
وحين يناجي عمر أبو ريشة راويات الزمان في مطلع مطولته «خالد» يخبرها بمكانة الصحراء في نفسه، فهو مفتون بها، وهي روضه وجدوله ودنانه، وما ذلك إلا لأنها الموطن الذي عهده الناس صانعاً للمجد ينبته قبل أن ينبت الورد:
راويات الزمان هل شعر الرمـــــــ
ـــل بنفض الغبــــار عـــن أردانـي
رعشات في أضلعي ماجت الصحـ
ـراء؛ فيها ومـــــاج فيهـا افـتتـــاني
صــدق الحب إن موطني الأجـــــــ
ـرد روضي وجـــــدولـي ودنـــاني
ينبت المجد قبل أن ينبـــــت الــــور
د؛ ويعطي الثمــــار قبــــــل الأوان
ولما شارك عمر أبو ريشة في حفلة تكريم الأخطل الصغير بقصيدته «حكاية سمار» لم يفته وهو يشيد بوطنية الأخطل الصغير وشعره ضد الطغاة والمستعمرين، أن يربط ذلك بجذور الأخطل العربية، متمثلة في الأجداد الأبطال الفاتحين، الذين سجل لهم التاريخ صحائف مجد وبطولة وشرف، حين أسرجوا للفتوح خيولهم الضامرة وهي من أكرم عطاء الصحراء ورموزهـا:
أولست من نسل الألى نسـلوا العلى
وكسوا دياجـــير الـــــــورى بمنائر
وتطلعوا صوب الشموس وأسرجوا
للفتح صهوة كل مهــــــــر ضامــر
ومضوا إلى غاياتهم ثم انثنـــــــــوا
وعلى خدود النجــــم وشـــم حوافر
وحين تشرق أنوار الإسلام في جزيرة العرب، يبدأ موكب الهدى مسيرته المباركة، يتقدمها الفتى العربي النبيل، ابن الصحراء، الذي ضاقت صحراؤه بعزيمته فانطلق لآفاق أوسع وهب للفتح وعدته إيمانه ومروءته وحصانه، ففرحت به الدنيا أيما فرح ورفت طرباً وهي تستقبل ابن الصحراء القادم بكل شريف ونبيل وواعد، يقول عمر أبو ريشة في قصيدته «عرس المجد»:
من هنا شــــق الهــدى أكمامـــه وتهادى موكبــــــاً في موكـــب
وأتى الدنيا فرفـــــــت طربـــــاً انتشت مــــن عبقــــه المنسكب
وتغنـــــت بالـــمــــروءات التي عرفتها في فتاهـــــا العـــــربي
أصيد ضاقـــــت بــه صحـراؤه فأعـــــدتــــه لأفـــــــق أرحـب
هب للفتـــــح فأدمــى تحتـــــــه حافر المهــر جبـــــين الكوكـب
وأمانيه انتفـــــاض الذل مـــــن غيهــــب الـذل وذل الغيهـــــب
وانطـــلاق النــور حتى يرتوي كل جفن بالــثرى مختضــــــب
حلــــم ولــى ولـــــم يجـرح بـه شرف المسعى ونبــــل المطلب
ومحبة عمر أبو ريشة للصحراء للدواعي الدينية والوطنية والتاريخية العامة التي سبقت الإشارة إليها يرفدها سبب آخر هو انتساب الشاعر إلى عائلة تعود جذورها إلى قبيلة بدوية كان شديد الاعتزاز بها، كما ترفدها صلته بالشعر العربي القديم والصحراء هي موطنه، من أجل ذلك تكثر في شعره ألفاظ تتصل بالصحراء مثل: الخيام، النخوة، السيوف، الصارم، القضب، الثأر، وهج القنا، صهيل الخيل، الفرسان، الحداء، الجراح، النجيع، الركب، النوق، الذئب، الرماح، الصعدة، حمحمات الخيل، الرمل، الفتح.
ولعل الشاعر حين قال عن أبي الطيب المتنبي في قصيدته «شاعر وشاعر»:
بدوي لين الحضارة في بُـرْ دَيْـه؛ نـاجى خشونة البيـداء
كان يعني نفسه أيضاً، ذلك أنه -وهو الشاعر والدبلوماسي والأنيق والرقيق والغني- ظل كل عمره محباً للصحراء التي سكنت أعماقه، مشدوداً إلى عالمها، معتزاً بانتمائه إليها ديناً وشعراً ولغة ومروءة وأمجاداً وأرومة. ولعل هذا هو ما حدا بالدكتور سامي الدهان إلى أن يؤكد لنا حب الشاعر للصحراء وإيمانه بما تنبت حباً عميقاً يرى بسببه أرضها الجرداء خيراً من كل أرض في الدنيا، ويرد ذلك إلى عروبة الشاعر وحنينه إلى الصحراء رمالاً وأمجاداً[3].
انظر كيف يقدم لنا البدوي -وهو ابن الصحراء وفارسها- في صورة رائعة نراه فيها بعباءته ومعوله وحصانه ومروءته وسمرته، يحطم الأوثان، ويهب الإسلام ولاءه وعزيمته وينطلق في الدنيا فاتحاً ظافراً، في قصيدته «هذه أمتي»:
يا لذكرى تلفت المجــــد ما بيــــ ــن يديها إلــــى ربيـع زمانــــــه
يوم هز البدوي معولــــه الـصَّـلـ ـد، وأهــــوى بـــه على أوثـانــه
والمروءات وهـج جبهتــه السـمـ ـراء والأمنيــــات فيـض بنانـــه
فتهـاوت علــــى عباءتــــه الـدنْـ ـيـا ورفـت على صهيـل حصانه
فـإذا الشـــرق للعروبــــة طـــود تتـشظى النجـــوم فـــوق رعانـه
كل صرح للحق في الأرض بـاق نحتـــته العليـــاء مـــن صوانــه
وانظر إليه كيف يتصور المجاهد في هذا المشهد المزدحم بشتى العناصر الصحراوية التي هي عدته في الجهاد ضد الاستعمار والطغيان:
ما أسرج المهر واستل الحسام لها
إلا وماجــــت شعـاب الجو عقبانا
تهوي على ما تهاوى من جوانبـه
والخيل تعــثر بالأرسـان قطعانــا
وحب الشاعر للصحراء لأنها رمز غني دال، يتصل بحبه لكل ما هو عربي وإسلامي، ويتصل بإكباره لهما ديناً وحضارة وفتوحاً وبطولات، لذلك نجده في نكبة فلسطين عام 1948م يبحث في التاريخ عن زعيم يتمنى وجوده زمن النكبة ليدحر العدو ويصنع النصر، فيقفز أمله إلى بطل كالمعتصم، وظفر كعمورية، وصرخة استنجاد مثل «وامعتصماه!»، لكنه لا يلبث أن يعود حزيناً حسيراً إذ يرى زعماء العرب يسمعون صرخات الاستنجاد من البنات المسكينات دون أن يستجيب لهن واحد منهم كما استجاب المعتصم من قبل لصريخ المرأة الهاشمية.
وقد وفق عمر أبو ريشة منتهى التوفيق في استدعاء الرمز التاريخي، وأحسن توظيفه في مفارقة مريرة ساخرة حين قال في قصيدته «بعد النكبة»:
رب وامعتصمـــاه انطلقـــــت ملء أفـــــــواه البنــات اليتـــم
لامست أسماعهـــــــــم لكنهــا لم تلامس نخـــــوة المعتصــم
الاستنجاد هو الاستنجاد، لكن الاستجابة مختلفة جداً فهي بالأمس حية إيجابية فاعلة بسبب وجود النخوة، وهي اليوم عاجزة واهنة سلبية لغيابها.
لقد لجأ الشاعر إلى رمز غني «في موقف المعتصم الذي هزته صيحة المرأة العربية الحرة، فجند الجند فكانت عمورية والأمثولة في نجدة لا تبطئ، ولا تبعد عن ضربة تحق الحق وترد الغدر والطغيان، وقد أحس عمر أبو ريشة في قصيدته المعاصرة بإشباع انفعالاته الغاضبة والباحثة عن نجـــدة عندما تذكر وقائـع من الماضي، ولم يكتف بكلمة واحدة، بل جاء بـ"وامعتصماه!"، ثم نخوة المعتصم، فثبت ما يشعر أنه أساس في الموقــف لا ينبغــي أن يغيب عن البال»[4].
ومن تناول عمر أبو ريشة الطريف في هذا المضمار أن يرمز فيما يشبه الصورة المسرحية للعصور الخوالي الزاهرة بجبل المجد، ولغفلة الأجيال بالسكرة، ولهدي النبوة المعطرة بالأنفاس، وللتاريخ الحضاري بالسفر العجيب الموشَّى[5]، يقول في رثائه للشهيد سعيد العاص:
نام في غيهب الزمان الماحــي جبل المجــــد والندى والسماح
أسكرته أجيال نعمتــــــه البكــ ـر، بفيـض الأعراس والأفراح
حين أنفاسه تموج على الكــــو ن، بعـطر النبـــــــــوة الفـواح
فتمشت عليــــه دهـــم الليالـي وكسـته من نسجهـــــا بوشــاح
وطوت سفره العجيب الموشى بأسـاطير عهـــــده الوضــــاح
وهي رموز فيها طرافة تأتي من جدتها، وفيها أصالة تأتي من توظيف الشاعر الخاص لها ومن تفرده بها، وفيها قرب من الذوق الإسلامي والعربي، مما يجعل تواصلنا معها أكبر، ومرد ذلك أن الاهتمام النفسي للإنسان يجعل رموزاً معينة تؤثر فيه أكثر من سواها[6].
❊❊❊
والنور عند عمر أبو ريشة رمز أثير لكل ما يحبه خاصاً كان هذا المحبوب أو عاماً، ولذلك يشيع كثيراً عنده كلما اتصل الحديث بدين أو عزة أو مجد أو وطنية أو حب أو جمال، أما الظلمة فهي الرمز المضاد لكل هذه الأشياء.
ولذلك يجعل جبل حراء الذي تنزَّل فيه الوحي على الرسول الكريم محمد ﷺ جبلاً موشحاً بالنور وهو ما نجده في قصيدته «محمد»:
وأتى طوده الموشح بالنــــــــو ر، وأغفـى في ظل غار حراء
فإذا جئنا إلى قصيدته «يا رمل» وجدناه يجعل دعوة محمد ﷺ صرخة زهراء تنطلق لهداية الناس:
فأرسل الصرخة الزهراء فانطلقت
كتــــائب الله ترعى البيت والحرما
كما يجعلها مروداً سنياً يكحل عيون قريش التي لا يزيدها النور إلا ضلالاً:
ويسحب المرود الأسنى على مقل
ما زادها النور إلا ضـــلة وعمـى
ويجعل رجال الفتوح الأوائل بناة زهراً:
فازينت بالبناة الزهر مملكــــــــــةٌ
العدل ما شادها والحــق ما دعمــا
كما يجعل دولة الإسلام الأولى نعمة عظيمة تضيء الدنيا، ويجعل الدنيا ظلاماً من بعدها:
نعمى أضاءت على الأيام وانطفأت
فيا ليالي ادفقـــــي من بعدها ظلمـا
ويجعل رسالة محمد ﷺ نوراً سيطلع بفجر الحرية والمجد، ويسائل الرمل عن موعد ذلك:
أمن سنــا أحمد حــر ستطلعــــــه
وتطلع المجد في برديه مضطرما
وفي قصيدة «عرس المجد» يجعل انطلاق النور أمنية من أماني الفاتح العربي:
وأمانيه انتفـــــاض الــــذل من غيهب الـــــــذل وذل الغيهــب
وانطلاق النـــور حتى يرتـوي كل جفـــــن بالثرى مختضــب
ويجعل روابي القدس المكان الذي يظهر فيه النور ويسطع:
يا روابي القدس يـا مجلى السنا
يا رؤى عيسى على جفن النبي
كما يجعل شعره هبة لبلاده ولكل طالبي النور ورواده:
لبـلادي ولـــرواد السنا كل ما ألهمتني من أدب
وحين يرثى ابن أخته في قصيدته «لوعة» الذي مات شاباً واعداً ينظر إليه بعين خياله فيراه قد اكتسى من خيوط الفجر أسنى حلله:
وتراءى لي عليٌّ كاسيــــــاً من خيوط الفجر أسنى حلل
وفي قصيدة «فراق» التي قالها في رثاء قريبه وصديقه جميل مراد يصور أيام الفقيد الراحل على أنها كانت سروراً ومتعاً فيجعلها بيضاء:
ومغاني أيامك الزهر مهد لوصال وملعب لأمــــاني
ويجعل النادي الذي كان مثابة للسمر واللهو في لبنان، نادياً حافلاً بكل ما يريده رواده، ويجعل أرجاءه من المتع البيض التي تدعوهم إلى نفسها:
أين ناد لنـــــــا سهرت عليـــــه
والليـــــــالي مطروة الأجفـــان
غمرتـه المنى فـليــــــس لنـا ما
نتـمنى في ظلــــــــه الجـــذلان
كل أرجـــــائه من المتـــع البيـ
ـض؛ ثغور تصيح يا من يراني
ولما رثى صديقه الموسيقار كميل شمبير في قصيدته «مصرع الفنان» جعل المرثي يضيق ذرعاً بحياته لأن مورد الفن مظلم، لم يوقد له الشرق مشعلاً فاستبد به ظلام اليأس الذي أطفأ فيه شموع الرجاء:
مل دنياه بعدما سئم الســـــــــيـ ـر؛ عليها وضـــاق في بلوائـه
مورد الفن مظلم لم يصـــــوب فوقه الشرق مشعلاً من ضيائه
سار فيه وظلمة اليـــأس تطفي تحت أنفاسهـــــا شموع رجائه
وتوهم المرثي ذات يوم أنه لقي ما يريد فوافته آماله البيضاء في شكل عذارى يحملن له على سواعدهن البيض أكاليل فوزه ونجاحه:
وأرته طيوف آماله الغـــــــــرْ رِ؛ عذارى يطفن حول وشاحه
حاملات على سواعدهـــا البيـ ـض أكاليل فــوزه ونجاحــــــه
وكان الشاعر مرة يسير وحده في الليل فتوهم أن أحداً يناديه فالتفت فلم ير إلا نجمة واحدة في الأفق، فجاءت قصيدته «نجمة». وفي هذه القصيدة يصور وحدته ووحشته، ويتوهم أنه صائر إلى الموت، وأنه بحاجة إلى قبس من نور هذه النجمة يكون له كفناً، لعله يخفف من قسوة القبر ووحشته:
نجمة ضاءت على البعـد فيــا ذيلها الوضـــــاء كن لي كفني
وفي قصيدته «قطرة الزيت» يلوم فتاة سارت في ليلها على أشعة سراجه حيناً من الدهر، فلما هجرته فيما بعد أخذت تضرب في التيه على غير هدى لأنها نسيت أن تأخذ مع السراج قطرة الزيت التي تضيئه:
لن تعثــــري عبر الدجـى إنه أسنى ســــراج كان في بيـتي
حملته في غفــــلتي بعـدمــــا أسرى بك التيه وأسـريـــــت
وما تـلفـــت به صــــــوب ما أضحكت من عمري وأبكيت
ليتك لما سرت في نـــــــوره ذكرت فيه قطـــــرة الزيـــت
وحين كرم عمر أبو ريشة الأخطل الصغير في قصيدته «حكاية سمار» أشاد بشعره في إثارة الحمية الوطنية التي كان من فضلها أن تمزق ليل العبودية بإشراق صبح الحرية:
فإذا العبوديات تخلـــــع ليلها مزقاً على قدم الصباح السافر
ودعاه ألا يحزن لما يرى من فلول الظلمة والمعتدين ومن آثامهم السوداء:
لا يحزنَنْك ما ترى لفلولهـــــــا في القدس من راع لها ومؤازر
أو مـا تصب على الخليج أكفها من ســــود آثام وحمـــر جرائر
❊❊❊
والحديث عن الرمز عند عمر أبو ريشة يستدعي وقفة متأنية عند قصيدته «نسر» وهي إحدى قصائده الشهيرة، وكان حفياً بها كثير الإنشاد لها. تقول القصيدة:
أصبح السفح ملعبـــــاً للنســـــور فاغضبي يا ذرى الجبـال وثوري
إن للجرح صيحة فابعثيهـــــــــــا في سماع الدنى فحيــــح سعـــير
واطرحي الكبرياء شلواً مدمــــى تحت أقدام دهــــــــرك السكــــير
لملمي يا ذرى الجبال بقــــايا النـ ـنسر وارمي بها صدور العصور
إنـه لم يعـــــــد يكحـل جفــن الـنـ ـنجــــــم تيهاً بريشــــــه المنثــور
هجر الوكر ذاهلاً وعلـــــى عيــ ــنيه شيء مــــن الوداع الأخـــير
تاركاً خلفــــه مواكـــــــب سحب تتهاوى مــــن أفقهـــا المسحـــور
كم أكبت عليه وهـــــــي تنـــــدي فوقه قبلــــــة الضحى المخمـــور
هبط السفح طاويـــــاً من جنـاحيـ ـه علـــى كل مطمـــح مقبــــــور
فتبارت عصائـــب الطــير ما بيـ ـن شرود مـــــن الأذى ونفـــــور
لا تطيري جوابة السفــح فالنســـ ـر إذا ما خبرتـــــه لــــم تطـيري
نســل الوهن مخلبيــــــه وأدمــت منكبيه عواصـــــــف المقـــــدور
والوقار الذي يشيــــــــــع عليـــه فضلة الإرث من سحيــق الدهور
وقـف النسر جائعـــــــــاً يتلـــوى فوق شلو علـــى الرمـــال نثــــير
وعجاف البغــــــاث تدفعــــه بالـ ـمخـلب الغض والجنــاح القصير
سرت فيه رعشـة مــن جنون الـ ـكـــــبر واهتـــز هزة المقـــرور
ومضى ساحبــاً على الأفق الأغـ ـبر أنقــــــــاض هيـــكل منخــور
وإذا ما أتى الغياهــــب واجتـــــا ز مدى الظن مـن ضمـير الأثــير
جلجلت منه زعقــــة نشــــت الآ فاق حرى من وهجهـا المستطـير
وهوى جثة على الــــذروة الشمـ ماء في حضـــن وكـره المهجـور
أيها النسر هل أعـــــود كما عــد ت أم السفح قد أمــات شعــــوري
تصور هذه القصيدة حكاية نسر كان يعيش في قمم الجبال مع أمثاله عزيزاً شامخاً، وحين اضطر بعد أن شاخ إلى الهبوط إلى السفح أدركه حزن مرير على نفسه حيث ترك كبرياءه وتحليقه ومنعته على القمة مع وكره المنيع. وزاد من حزنه أنه حين جاع اضطر إلى البحث عن طعامه مع عجاف الطيور وبغاثها، فدأبت على مضايقته ومحاصرته ومزاحمته، فاستيقظ فيه إباؤه وفضل أن يموت سيداً في وكره على أن يعيش ذليلاً في السفح، واستجمع ما بقي له من قوة، وانطلق إلى وكره المهجـور فوق القمة الشماء، فمات قرير العين لشعوره أنه استعاد كرامته وعزته.
تنتهي الحكاية بعد أن استغرقت عشرين بيتاً، وهي حديث موضوعي خالص، ليست فيه أثارة من ذاتية، حتى إذا جئنا إلى البيت الأخير وهو الواحد والعشرون، فاجأنا الشاعر بذاته، وهي تسائل النسر:
أيها النسر هــــل أعود كما عــــد
تَ؛ أم السفح قد أمات شعوري!؟
نظم عمر أبو ريشة هذه القصيدة عام 1938م، أي في فورة شبابه وأوج قوته، حيث لم يبلغ الثلاثين من عمره «إثر مشكلة وظيفية وقعت له، عندما كان مديراً لدار الكتب الوطنية في حلب، وأزيح عن منصبه ليتسنمه من هو أدنى منه، فثارت كبرياؤه، ووجد نفسه نسراً حقيقياً هوى من قنانه الشامخة إلى السفوح والأودية»[7].
وحين ألقى قصيدته هذه في الاحتفال الذي أقامته له «إثنينية» محمد عبد المقصود خوجه في جدة لتكريمه قدم لها بقوله: «شاهدت في قريتي على كومة من الصخور نسراً، وكان أحد الوكلاء إلى جانبي فقلت: عجيب هذا النسر! متى بدأت زياراته تتوالى إلى قريتي؟ قال: لم نشأ أن نصطاده بدون إذن منك. إنه هنا منذ بضعة أسابيع يعيش مع عجاف الطيـر، هل تريد أن نقتله؟ قلت لهم: دعوه، ولكن ذلك النسر اختفى، صورة عابرة، وصادف أن أخرجتني حكومتي إلى الخارج كسفير وبقيت ما يقرب من ربع قرن خارج سورية برتبة سفير، ولكن لا يجوز لي أن أعود إلى سورية»[8].
وقد سمعت بنفسي الدكتور حسن ظاظا، وهو عالم وأديب وشاعر، وهو أيضاً صديق قديم لعمر أبو ريشة يروي حكاية القصيدة، وهي أنهما كانا في البتراء يتجولان، ونظرا ذات مرة من علٍ فشاهدا نسراً ميتاً على الأرض، وقد أكل الدود صدره، وكان جناحاه ممتدين على الأرض كما لو كان يهم بالطيران، فحزن عمر أبو ريشة للنسر فكانت القصيدة[9].
وعلى كل حال لا تمنع رواية الدكتور حسن ظاظا الرواية التي ذكرها عمر أبو ريشة نفسه، حيث اختزن الشاعر المنظرين في نفسه، فرأى النسر وقد طار إلى الأعالي في قريته، ورآه وهو يحاول الطيران إليها وهو في البتراء.
والمؤكد أن عمر أبو ريشة وجد نفسه في النسر، فمن المعروف عنه أنه كان عزيز النفس، أبياً شديد الإباء، وكان فيه ميل إلى التمرد والطموح، مما يذكرنا بالمتنبي الذي التقى معه في هذا الجانب، فإذا أقصي ظلماً عن مكانه، وحل فيه من لا يستحق، وإذا اضطر إلى العمل طويلاً خارج الديار، فلا غرابة أن يثور غضبه وإباؤه، ولا غرابة أن يأبى المكانة الدنيا التي لا تليق به، ولا غرابة أن يحاول الصعود إلى مكانته السابقة التي تليق به كما فعل النسر، ولا غرابة أيضاً أن يخشى على نفسه من أن يكون السفح قد قتل طموحه وعنفوانه مما يجعله غير قادر على تسنم القمة لذلك ينهي القصيدة بهذا البيت المتسائل والدال والحزين:
أيها النسر هــــل أعود كما عــــد
تَ؛ أم السفح قد أمات شعوري!؟
إن الشاعر يأبى السفح وما يتصل به من هوان، ويظل مشدوداً إلى السماء وما يتصل بها من رفعة، وهو شديد الرغبة في رفض الهزيمة والعجز والاستسلام، والبيت الأخير في القصيدة يصور ذلك بغاية القوة والتركيز.
القصيدة كلها ــ باستثناء بيتها الأخير ــ تجري في إطار موضوعي، حيث صاغ الشاعر القصة خارج ذاته، لكنه في النهاية وظفها توظيفاً ذاتياً، فعلمنا أن الرمز ذاتي، وأن القصيدة جمعت بين الإطارين الموضوعي والذاتي. والذي يبدو أن صورة النسر في البتراء ميتاً وصورتَه في قريته حياً، استيقظتا في نفسه مع مشكلته الوظيفية، وتفاعلتا معها فكانت القصيدة، وكان النسر رمزاً لعمر أبو ريشة في متاعبه وفي مطامحه على السواء. لقد كان النسر «يرمز للشاعر لا في محنته فحسب، بل في آماله أيضاً، فإذا كان الشاعر يشكو علته كالنسر، فإنه كالنسر يأمل في افتداء ما خسر، وفي العودة للذرى، لذا فهو يصور نفسه وقد عادت له الرفعة فاهتز وجلجل، وصرخ صرخته الهائلة، وعاد إلى ذراه وهوى هناك»[10].
لقد رمز الشاعر «بالنسر في شيخوخته إلى العزة الذاوية التي تأبى أن تقضي في مهاوي الحضيض، فتنهض من شيخوختها نهضة أخيرة تحلق في سماواتها القديمة، ثم تهوي على ملاعبها الأولى فوق القمم بدل أن تمــوت في وهدة السفوح. والقصيدة تتضمن طرفين متناقضـــين: ضعف البدن، وعزة الهمة، فكان طبيعياً أن يستدعي كل طرف ما يتصل به من أخيلة وصور. لكن التداعي هنا ليس تداعي ألفاظ، بل تداعي معان يجلب بعضها بعضاً، ويرتبط بعضها ببعض. فالسفح يرتبط بالجراح والكبرياء الدامية وبغاث الطير، على حين تستدعي القمة صور الآفاق الرحبة والنجوم العالية والأجنحة الخفاقة. وما دامت الصورة مركبة على هذا النحو من جانبين متقابلين، فلا بد أن يجسم الشاعر كلّاً من هذين الجانبين حتى تكون المقابلة قادرة على إبراز تلك الانطلاقة الأخيرة للنسر بعد أن أدرك ما بين ماضيه وحاضره من خلاف رهيب»[11].
وهكذا يستبين لنا أن القصيدة ذاتية، مما يجعلنا نستبعد التأويلات الكثيرة المتصلة بها، ونراها تأويلات لا تقوم على دليل، كذلك الذي نجده عند الدكتور أحمد بسام ساعي حيث يرى أن عمر أبو ريشة قلد في هذه القصيدة كلّاً من «ألفرد دوفيني» في قصيدته «البجعة»، و«بودلير» في قصيدته « طائر الباتروس»[12]. وذلك الذي نجده عند الدكتور شوقي ضيف حيث يرى في النسر طموح الشعب السوري إلى التعبير عن رفضه للاحتلال الفرنسي الجاثم على صدره[13].
وفي سياق الحديث عن ذكرياته مع الشاعر عمر أبو ريشة، يروي الدكتـور عبد القدوس أبو صالح أنه حضر أمسية للشاعر في النادي العربي بدمشق ألقى فيها قصيدته «نسر» قائلاً: «وعندما كان عمر أبو ريشة ينشد قصيدته تبادر إلى ذهني ذلك الشبه الكبير بينه وبين النسر، فها هو ذا الشاعر يقف أمامنا بقامته الفارعة ومنكبيه اللذين يشبهان جناحي النسر، بل ها هو رأسه الصغير مع قزعات الشعر على قذاله وجانبي رأسه تذكرانك برأس النسر والريش القليل الذي يكسوه، ولعل الذي أثار ذلك التشابه في ذهني تلك المقدمــة التي بين فيها الشاعر مناسبة القصيدة، وما بين صاحبها وقصة النسر من علاقة رمزيــة، إذ قرر أن قيود الوظيفة كانت تنال من انطلاقه وجرأته، وتكاد تخرجه عن أن يكون صوت الأمة المعبر عن آمالها وآلامها ليرضى بالفتات الذي يتمثل في المرتب الشهري، وقد تمثلت مشاعره في هذه التجربة الشعرية التي كانت مأساة النسر تمثـــل المعـــادل الرمـــزي لها عن طريق القصة الشعرية الرائعــة»[14].
ولقد ظل النسر الذي يحلم بالقمـة الشماء وما يتصل بها من حلم شهي وشـموخ عزيز، وينفر من الأرض والسفح وما يرتبط بهما من هوان وذلة وتحاسد، رمزاً أثيراً عند عمر أبو ريشة، لذلك رأيناه في قصيدته «نسر» التي تعود إلى عام 1938م يطوف بهذه المعاني بشغف وإصرار، ويصور من خلالها نفسه، ولذلك رأيناه أيضاً بعد ذلك بتسعة أعوام، يطوف بهذه المعاني بشغف وإصرار ويصور فيها سعد الله الجابري، الذي رثاه عام 1947م في قصيدته «بلادي»، ويقدمه لنا نسراً يطبق جفونه على أحلى أحلامه إذ يصل القمة:
هكذا تصــمد النســـور وتــذري بالســـوافي على ذرى الأطــواد
وإذا ما انتهى إلى القــمة الشــمْـ ـمَاء مســتطلعاً جـلاء الأعــادي
شاء أن يطبــق الجفون على أكـ ـرم حــلم بها وأشهى مــــــــراد
وغفا تاركاً على الأرض ذكرى سلمت من تخــــــرص الحســاد
وقبل القصيدتين السابقتين نجد الشاعر في عام 1937م يعنى بهذه المعاني، ويفصل فيها حيث يقول في قصيدته «شهيــد»:
يا ظلام الأجيــال قُصَّ جناحيـــــ ــك، فهـذي طلائـــــع الإصبــاح
مرْود كحَّـل الجفـــــــون الكسالى فأفاقت علــى السنـــا اللمــــــــاح
فصحـا من عيــائه الجـبــــل الهـا جع، واهـــتز مفعـــــم الأتــــراح
وتعالى صياحـــــــــــــه يتوالـــى فاشرأبت نســـوره للصيـــــــــاح
تركت في الوكون أفراخها الزغـ ـب، وهبـــــت على أزيـز الرياح
وتبارت عصائباً فالفضـا الرحــــ ـب، بساط من مخــلب وجنـــــاح
غضب البغي فانبــرى يحشد الهو ل، ويرنـو إلى الأذى بارتيـــــاح
شقّ فكّـــــــي جهنــــــم فأسـالـت في الروابي لُعـــابها والبطـــــاح
فاقشعرت من وهجه القـلل الصمْ مُ، وأجّــت شوامـــــــــخُ الأدواح
وتدجى الدخـان يحجب عين الشـ ـشمس عن مأتـم الثرى المستبـاح
فتهــــــاوت تلك النسـور وأزرت بالمنايا على اللظـــــــى المجتـاح
تنشب المخلب المعقـف فـي البغـ ـي وتزجي المنقار في إلحــــــاح
ولسـان اللهيـــــب يلعـــب بالريــ ـش ويطوي الجراح فوق الجراح
غضبة للنســــور لا النصر فيهـا بمتاح ولا الونــــى بمبـــــــــــاح
لم تزحــــــــزح تلك المخالب إلا بعد ما جردت مـــــــــن الأرواح
فتـــلاشى الدخان عن وثبــات الـ ـبغــي في بركـــــة الــدم النضاح
وسرى الليل مالئاً جــــــــبل النــا ر سكوناً لولا نشيد الأضاحــــــي
يا دماء النسور تجـــــــرى سخاء بغــــرام البطولـــــــــة الفضـــاح
أنبتي العــــز سرحــــــــــة يتفيـا بأظاليلهــــا شتيـت النواحـــــــــي
أنت دمع الســمــاء إن لهث الحقـ ــل وجفـــــت سنابــل وأقاحـــــي
والأبيات من أروع الشعر الوطني الذي يتخذ من النسر رمزاً للنجدة التي تقتحم الأهوال وتقاتل في شراسة حتى لو بدا لهـــا أن النصر مستحيل، وتجود بدمائها التي تنبت المجد والخـــير.
لقد كان النسر في القصيدة الأولى هو الشاعر، وكان النسر في القصيدة الثانية هو الجابري، وكان النسر في القصيدة الثالثة هو الشهيد، وكان النسر في القصائد الثلاث هو الإباء والشموخ والعزة، وكان عمر يصـور فيها نفسه كما هي أو كما يريـدها أن تكون.
❊❊❊
وإذا كان عمر أبو ريشة يرى نفسه في النسر، فإنه يراها كذلك في الجبل، فالنسر رمز له والجبل كذلك، وكلاهما يمثل الإباء والشموخ والعنفوان والعزة، وهو ما أحبه الشاعر كثيراً، وحاول أن يتصف به.
لذلك يمكن القول: إن قصيدته «جبل» قصيدة رمزية يصور فيها نفسه:
معاذ خلال الكبــر ما كنت حاقــــداً
ولا غاضباً إن عاب مسراي عائب
فكم جبـــل يغفو على النجم خـــــده
وأذيالـــه للسائمــــــات ملاعـــــب
نظرت إلى الدنيــا فلم ألف عندهــا
كبيراً أداري أو صغــــيراً أعاتــب
وما هان لي في موقف العز موقف
ولا لان لي في جـانب الحـق جانب
فيا غربة الأحرار ما أطول السرى
وملء غيابـات الدروب غياهـــــب
إن الجبل في هذه القصيدة هو الشاعر نفسه، يرى فيه شخصيته وآماله ترفعاً وعزة وشموخاً وشجاعة، وإحساساً بالتفرد المتفوق، إذ يتفوق الجبل على ما حوله علواً مادياً ويتفوق الشاعر على من حوله تفوقاً معنوياً.
❊❊❊
ويمكن أن تعد قصيدة «بلبل» لعمر أبو ريشة قصيدة رمزية، حيث يرى الشاعر في البلبل نفسه من زاوية أخرى مخالفة للزاوية التي رأى نفسه فيها في النسر والجبل في القصيدتين السابقتين، وإن كانت الرؤيتان تلتقيان في دلالة واحدة:
حلم تخلى عنــــــه في رغـــــــده هل يقدر النــــــــــــوح على رده
لو يعلــــم الصيـــاد ما صيــــــده لم يجعل البلبـــــــــل فـــي صيده
ألفيتـــــــه ينـــــثر ألحانـــــــــــه كأنمـــــا ينـــــــــــثر من كــــبده
وإلفه المشفـــــق ظــــــل لـــــــه باق كما كان علـــى عهــــــــــده
مدله اللفتــــات مستوحـــــــــــش طاو جناحيـــه علـــــــى وجــــده
كم أطبقـــت منقــــاره غصــــــة فمده ينـــقر فــــي قيـــــــــــــــده
أسقمـــه العيـــش علـى وفــــــره لما رآه ليــــــــس مــــن كــــــده
وأين مخضـــل الجنى حولـــــــه من زنبـــــق الروض ومن ورده
طـــوى المنى نوحــــــاً ولكنمـــا لم يغنه النـــوح ولــــــــــم يجـده
فعاف دنيـــاه ولــــــم يتخـــــــــذ عشاً ولم يحمل ســــوى زهــــده
كأنـــــه من طـــول ما مضــــــه من عبث الدهـــــــر ومــن كيـده
أبى عليه الكبر أن يـــــورث الــ أفــــــــراخ ذل العيش من بعــده
نحن في هذه القصيدة مع بلبل محزون لأنه فقد حريته، ولا يخفف من حزنه قفصه الجميل ورزقه الوفير، لذلك تخرج ألحانه أحزاناً شجية كأنما ينثرها من كبده المقروحة. لم يستطع البلبل أن يفعل كما فعل النسر حين مات في وكره المهجور في القمة العالية، فأسوار القفص تمنع حركته، لكن هذه الأسوار إذا منعت حركته لم تستطع أن تمنع كبره وإباءه وتطلعه لحياة الحرية، لذلك أبى لأولاده أن يكون مصيرهم كمصيره، فامتنع عن الإنجاب. «وحين تنتهي القـصيدة نصبــح على شــبه يقين بأن الشـاعر بعد هذه الصورة التي يمكن اعتبارها قرينة تعين المقصود، لم يكن يتحدث عن بلبل حقيقي، بل كان يتحـدث عن نفسه، وقد قصرت به الأيام عن تحقيق كل مطامحه، فإذا به يزهد في الحياة وفي الناس»[15].
لقد عبر كل من النسر والجبل بطريقته التي تتسق معه عن الشاعر وطموحه، والبلبل عبر أيضاً بطريقته التي تتسق معه عن الشاعر وطموحه، ثمة فـــــرق بين القدرة هنا وبين القدرة هنـــاك، ولكنَّ ثمة توحداً بين إرادة الجميع يعبر كل منهم عنها حسب قدرته وطبيعته. النسر طار إلى وكره احتجاجاً على الذل وتوقاً إلى العزة، والجبل ظل في عليائه أبياً مترفعاً، والبلبل امتنع عن الإنجاب احتجاجاً على الأسر وتوقاً إلى الحرية.
والحقيقة أن الشاعر في القصائد الثلاث؛ هو النسر، وهو الجبل، وهو البلبل. قال الجاحظ: «البلبل لا ينـسل في قفص». هذه الجملة وضعها عمر أبو ريـشة مـقدمة نثرية لقصيدته، ومنها -وهي البداية- يبدأ خيط التوق إلى الحرية، وفي البيت الأخير يكتمل التوق إليها، وما بين الخيطين قطعة جميلة نسجها الشاعر بمهارة واقتدار لتكون رمزاً لما يريد، ولتعبر عن «فقد الحرية وضياع معنى الأشياء»[16].
❊❊❊
وفي قصيدته «حكاية سمار» يرمز عمر أبو ريشة للحياة بفتاة جميلة جداً غوية جداً يقول فيها:
وإذا عروس مـا استقـر رواؤهــا إلا على متبايــــــن متنافــــــــــر
بسمت إلي وما سمعـت للمتي الـ ـغبـراء همســـة وازع أو زاجــر
من أنـت؟ قلت لها، ففيك تقاتلـت شتى غوايات الفتــــــون الآســـر
أقبلت من صدر الربيع وقلت لي أتحبني أتحبني يا شاعــــــري!؟
أنا بدعة الدنيا وســـر خلودهــــا هتكت على عري الحياة ستائري
تتلمظ الشــهوات فوق محاجـري وتعــربد اللذات خلــــف مآزري
وتســلسل النعماء حمـر مراشفي وتلف جيــد النجم شقر ضفائري
لقد استعان الشاعر بملكته القادرة في التصوير ليقدم لنا الفتاة الجميلة رمزاً للحياة، وفيهما معاً الجمال والإغواء والإغراء، وكل دواعي الفتنة التي تحمل الإنسان على الإقبال عليهما دون وازع أو زاجر. رمز بديع وتصوير حي يتفوق فيه عمر أبو ريشة على ما يماثله عند شوقي في قصيدته «ذكرى المولد النبوي» حيث قال:
أخا الدنيـا أرى دنياك أفعى تبـــدل كل آونـــــــة إهابــا
وأن الرقط أيقـظ هاجعــات وأترع في ظلال السلم نابا
ومن عجب تشيب عاشقيها وتفنيهم وما برحـــت كعابا
فمن يغتر بالدنيـــــــــا فإني لبست بها فأبليــت الثيابـــا
فشوقي غلب عليه التقرير الجاف والحكمة المصنوعة، فجار على أبياته مع روعة لغتها وجمال موسيقاها، أما عمر أبو ريشة فقد غلب عليه التصوير الحي المتحرك والحوار الرشيق المتدفق فجاءت أبياته مثيرة باهرة.
❊❊❊
وقد أجرت الأستاذة نازك باسيلا مع عمر أبو ريشة مقابلات طويلة أعد لها بإتقان جيد من قبلها ومن قبله، ونشرت في مجلة الأسبوع العربي التي تصدر في بيروت في عشر حلقات متصلة بدأت بتاريخ 7/ 3/ 1983م، وانتهت في 9/ 5/ 1983م.
في الحلقة الثامنة يتحدث عمر أبو ريشة عن ذكرياته في مانشستر، وأهمها أنه أحب فتاة إنجليزية حسناء اسمها «نورا»، وأنها بادلته حباً بحب، وأن علاقتهما كانت طاهرة مبرأة، وكانت بهدف الزواج الذي وافقت عليه الأسرتان، لكن الموت اختطف الفتاة، فحزن عليها حزناً شديداً كاد يدفعه إلى الانتحار، لقد وقعت الوفاة عام 1932م، وقال الشاعر في فتاته قصيدته «خاتمة الحب» في السنة نفسها، لكن الطريف أنه ظل كما بدا من المقابلة التي أجريت عام 1983م أي بعد واحد وخمسين عاماً، يتذكر محبوبته الإنجليزية بشوق بالغ وحزن دفين كما لو كان الموت قبل قليل، يفعل هذا مع تطاول الزمن، ومع تجاوزه السبعين، ومع أنه تزوج عام 1939م من السيدة منيرة محمد مراد أم أولاده الثلاثة، وعام 1980م من السيدة سعاد مكربل، ومع أن السيدتين المذكورتين كانتا معاً في عصمته إبان المقابلة.
هذا كله يحملنا على الظن بأن الطيف الذي طالعه وهو يخاصر فتاة في حلبة الرقص إنما هو طيف نورا. يقوي هذا الظن أن القصيدة التي صور فيها ذلك وهي تحمل اسم «الطيف» تعود إلى عام 1962م، فإذا كان الشاعر حتى عام 1983م مع كل ما كان يحيط به مما سبقت الإشارة إليه لم ينس محبوبته الأثيرة، فلا ريب أنه قبل ذلك بواحد وعشرين عاماً كان أكثر ذكراً لها. ولذلك ربما يكـــون تقديرنا أن الطيف الذي طالعه رمز لنورا تقديراً صحيحاً. تقول القصيــدة:
على شفتينـا ثار طيـــفك وارتمـى فأبعـد وهج الشوق والعطر عنهما
وتسـألني ما بي فأخنق زفرتـــــي وأرنـو إليهــــا موجعــاً متبسمــــا
وأرجـع عنها حاملاً منـك وحشتي وفي خافقي جوع وفي مقلتي ظما
وأغرق في كـأسي عهودك كلهـــا فما أعرف الأشيـــــــاء إلا توهما
حنــــانكِ أبقـــي لي بقيـــة سلــوة ألوك بهـا الشهد الذي كان علقمـــا
فكــل جــمال صاح بي منه هاتـف إليــك تنـاهى أو إلى سحرك انتمى
ولي خطوات بعد في درب غربتي سأقطعها وثبــاً وأخضــبهــــا دمـا
وألقـــاك بالحــب الــذي تعرفينـــه ولن تسألــــي عنـــه ولـــن أتكلمـا
وفي الأبيات أكثر من إيماءة تزكي تقديرنا وتشد من عضده. فالطيف المحبوب يقتحم على الشاعر ساعة أنس ولهو فيفسدها عليه. وحين تسأله فتاته التي كان يراقصها عما به يجاملها وفي قلبه زفرة، ويرجع عنها وفيه وحشة وجوع وظمأ لأن طيف نورا الميتة غلب حقيقة الفتاة الحية.
والشاعر يطلب من نورا أن تعينه فتبقي له شيئاً من الصبر يستعين به، ويؤكد لها أن كل جمال شهده من بعدها هو دون جمالها، وأنه سيظل يشعر بالغربة حتى يلقاها وقد وفى بعهوده معها وصان حبها وذكراها.
❊❊❊
هذا والبحث في الرمز عند عمر أبو ريشة يدل على خلو شعره من رموز الوثنية اليونانية القديمة وأساطيرها التي شاعت كثيراً في العصر الحديث، حتى كاد يصبح استعمالها أمارة دالة على عصرية الشاعر وتجديــده يتجمل بها، لذلك لا نجد في شعره قط «بروميثيوس، سيزيف، أوليس، بنلوبي، أوديب، أنتجيونا، أورفيوس» وما إليها.
وكما خلا شعر عمر أبو ريشة من الرموز اليونانية خلا من الرموز المسيحية كالخلاص والفداء والخطيئة وما إليها، وكان رمز «الصلب» يطل على قلة، ومرد ذلك إلى قوة شخصيته التي تحميه من الانسياق الأعمى خلف أي موجة تجديد، وأصالته التي شدت أطنابه بالإسلام والعروبة وما يتصل بهما.
❊❊❊
يبقى أن نقول: إن الرمز عند عمر أبو ريشة قليل في شعره، ذلك أنه كان شاعراً متفرداً يصعب جداً تصنيفه في أسوار مدرسة من المدارس الفنية، وديوانه يدل على هذه الحقيقة التي كان مدركاً لها، فحين سئل عما إذا كان قد تأثر بشاعر معين وقبس عنه، قال: «إنهم في مجموعهم وعلى اختلاف وتباين أساليبهم ونزعاتهم، لم يكونوا مقلدين لأسلافهم، لقد كانوا مبدعين، كل في طاقته الوجدانية والفنية، لقد مهدوا لي السبيل لأن أخلق شيئاً جديداً، فأنا بنيت بيدي الكوخ الذي أحبه وأقيم فيه، وليس لأحد منهم حجر واحد بين أحجاره»[17].
يضاف إلى تفرده وبنائه لكوخه على النحو الذي يريد، أنه كان شاعر محافل وشاعر المحافل ليس له أن يغرق في الرموز ويكثر منها، وليس له أن يغرق في الرومانسية وذاتيتها المسرفة، لأنه يخاطب الجمهور، ويتلمس آلامه وآماله، وينتزع إعجابه وتصفيقه. ومن هنا قلَّ الرمز عنده كثيراً، ولذلك صح فيه ما قرره الدكتور أنطون غطاس كرم من أن فيه أثراً من الرمزية، لكن هذا الأثر الذي يقربه من الرمزيين لا يجعله ملازماً لهذا الأدب تمام الملازمة[18].
❊❊❊
-----------------
[1] سامي الدهان، الشعر الحديث في الإقليم السوري، ص275.
[2] من حوار أجرته معه نازك باسيلا، ونشرته مجلة الأسبوع العربي البيروتية في 9/ 5/ 1983م.
[3] الشعر الحديث في الإقليم السوري، ص291-292.
[4] فايز الداية، جماليات الأسلوب الصورة الفنية في الأدب العربي، ص176.
[5] محمد عادل الهاشمي، أثر الإسلام في الشعر الحديث في سورية، من 1920 إلى 1946م، ص266.
[6] Critical Approaches to Literature, David Daitehes Lingman, London, 1974, P.168.
[7] أحمد بسام ساعي، حركة الشعر الحديث في سورية من خلال أعلامه، ص372.
[8] الإثنينية، جدة، 1411هـ/1991م.
[9] في زيارة خاصة للدكتور حسن ظاظا في منزله في الرياض، عام 1412هـ/ 1992م.
[10] توفيق صايغ، مجلة الآداب، بيروت، أيلول 1955م.
[11] عبد القادر القط، الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، ص359.
[12] حركة الشعر الحديث في سورية من خلال أعلامه، ص359.
[13] دراسات في الشعر العربي المعاصر، ص192.
[14] مجلة أهلاً وسهلاً، جدة، ديسمبر 2000م.
[15] محمد فتوح أحمد، الرمز والرمزية في الشعر المعاصر، ص306.
[16] عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، ص252.
[17] المجلة العربية، الرياض، جمادى الثانية 1398هـ= مايو 1978م.
[18] الرمزية والأدب العربي الحديث، بيروت، دار الكشاف، 1949م، ص180-181م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق