شباب متجدد
حين كنت طالباً في الجامعة، كان الشباب يبدو لي جميلاً واعداً ممتداً من ناحية، وكان يبدو لي وكأنه ملك يدي من ناحية، ولذلك كنت أمارس نوعاً من التسويف الخاطئ يصرفني عن الجد اللازم الذي ينبغي لي أن أبذله في شؤون ديني ودنياي، وكنت أقول لنفسي: سيظل الشباب بين يدي حتى الأربعين.
وحين اقتربت من الأربعين وجدت الشباب قد تفلّت مني، فقلت لنفسي: بل الشباب يمتد حتى الخمسين، فلما اقتربت من الخمسين رفعت سقف الشباب إلى الستين، فلما جاءت الستون رفعت سقف الشباب فجعلته مفتوحاً، وقلت لنفسي: الشباب هو شباب القلب، فالإنسان يبقى شاباً مهما امتد به العمر إذا كان قلبه عامراً بالأمل، وروحه ملأى بالعزيمة، وإرادته تحفل بالعطاء.
أما التسويف الذي وقع مني ولا يزال يقع، فهو خطأ فادح، والتسويف من ألد أعداء الإنسان، حتى إن أحد المربين الصالحين من سلفنا الصالح وصفه بأنه من جند الشيطان.
أما محاولتي تجديد الشباب، أو بالأحرى تجديد الإحساس به، فما هو بخطأ، لأنه لون من مخادعة النفس لتستمر في إحساسها بالحياة، وبإحساسها أنها لا تزال فاعلة نافعة.
ولإحساس المرء إزاء نفسه، وإزاء الآخرين، وإزاء الحياة أثر مهم في شبابه وشيخوخته، ولرُبَّ شابٍّ في ميعة العمر يحمل نفسية شيخ واهن، ولرُبَّ شيخٍ واهن جاوز السبعين يحمل نفسية شاب متدفق.
هذا الإحساس بالشباب المتجدد يحتاج إليه الناس جميعاً، وبخاصة من جاوز سن الستين، وتقاعد عن العمل إذا كان موظفاً، ذلك أنه يمنحه شعوراً بالحياة والأمل، ويمنحه عزيمة تنأى به عن العجز والخمول، ويمنحه رغبة في العطاء والنفع، إنه لأمر جميل جداً أن يشعر الإنسان إذا كبر أنه لا يزال نافعاً، وأن له رسالة في الحياة يؤديها، ويزداد هذا الأمر جمالاً حين يكون الإنسان مكفي المؤونة غير محتاج إلى السعي في طلب الرزق، ذلك أنه يشعر في هذه الحالة بنعمة اللَّه تعالى عليه، الذي جعل يده عليا، والذي مد له في عمره، ففرغه للصالحات الباقيات، من الصلوات، والتلاوات، ومجالسة الصالحين، وبذل المعروف، وقضاء الحوائج، وما إلى ذلك من أبواب الخير الكثيرة التي فتحها لنا ديننا العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق