عيوب وذنوب
فطر اللَّه تعالى الإنسان مجبولاً على الخطأ والنقص والنسيان، لكنه برحمته الواسعة التي وسعت كل شيء أعطاه الفرصة ليتوب ويتجدد، ووعده بالقبول.
ولي مثل خلق اللَّه أجمعين عيوب وذنوب، أقع فيها بين الحين والآخر، ونسأله تعالى أن يستر منا العيوب، ويغفر لنا الذنوب.
ومن فضل اللَّه عليّ أن ولائي للإسلام، وحبّي له، واقتناعي بأنه سبيل سعادتي في الدنيا والآخرة، وضع أمامي البوصلة التي تحميني من الخطأ قبل أن أقع فيه، وتعينني على تجاوزه إذا وقعت فيه، والمسلم خطّاء، لكنه رجّاع إلى الحق.
ومن فضله أيضاً عز وجل أنه عرَّفني بالفرق بين حقوقه وبين حقوق الناس، وحفظت الجملة المأثورة عند علمائنا وهي: «حقوق اللَّه مبنية على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحَّة»، وقد دعاني ذلك إلى أن أحرص حرصاً شديداً على النجاة من الإساءة لأحد من الناس، وإن أسأت سارعت إلى الاعتذار، وقلت لنفسي: إذا نجوت من حقوق العباد فأرجو أن تسعني رحمة اللَّه الواسعة إن فرَّطت في حقوقه.
ومن فضله أيضاً، تقدست ذاته، وجلت صفاته وأسماؤه، أن أتاح لي أن أعرف الفرق بين معاصي القلوب ومعاصي الجوارح، وأن معاصي القلوب أخطر، وأن التخلص منها أعسر، فحرصت حرصاً شديداً على أن أنجو منها، وعساي نجحت.
وقد عرفت مبكراً الفرق بين الكبائر والصغائر من الذنوب، فحرصت حرصاً شديداً على تحاشي الكبائر، ونجحت بفضل اللَّه تعالى وعونه في تحاشيها، لكنَّ كبيرة «الغيبة» لم أنجح في تحاشيها، وظللت بين الحين والآخر أقع فيها، ثم إني عزمت عزماً قوياً على التخلص منها، وجعلت ذلك نصب عيني، وجعلت أحاسب نفسي حساباً شديداً إذا وقعت فيها، وأرجو من اللَّه تعالى أن يعينني بالنية الصادقة والإرادة الحاسمة حتى أتخلص منها جملة وتفصيلاً.
من عيوبي أنَّ فِيَّ طيبةً زائدة، وحياء مبالغاً فيه، وحسن ظن يصل إلى درجة الغفلة، ومثالية مع من يستحق ومن لا يستحق، وقد آذتني هذه العيوب كثيراً، وأطمعت فيّ اللؤماء والسفهاء، وأضاعت علي الكثير من الفرص، وخسّرتني الكثير من المال، وأصابتني بكثير من الحزن والإحباط، وجعلتني ألوم نفسي لوماً شديداً، حتى إني قلت في حق نفسي ساخراً منها: «لست بالخِبِّ، ولكن الخِبَّ يخدعني»، وحتى وجدتني أصل إلى نتيجة مريرة ولكنها صادقة جداً، وهي أن مثالية الإنسان وفضائله وحياءه تصبح أعباء عليه تؤذيه أشد الأذى حين يتعامل بها مع من لا يستحقها.
ومن عيوبي أني عملت فيما لم أخلق له، وفيما لا أحسنه في قليل أو كثير، وحمّلت نفسي ما لا تطيقه، وما لا يأمرها به الدين ولا تطالبها به المروءة، ولو أني عرفت قدراتي بدقة، وحددت أهدافي بوضوح، وضبطت وسائلي بإتقان، لكان حظي من النجاح أكبر، وحظي من الإخفاق أقل.
ومن عيوبي أني بطيء في اتخاذ القرار، وهذا من أسباب الإخفاق لا النجاح، ولو أني كنت أكثر يقظة وحزماً لتخلصت مبكراً من كثير مما آذاني في حياتي من صلات واهتمامات وخسائر، كلفتني الكثير من الوقت والجهد والمال والأعصاب.
ومن عيوبي أن أحزاني على بعض ما أصابني من الأذى؛ تطول أكثر مما ينبغي، وهو ما يجعلني أحتاج إلى وقت أطول، ومكابدة أشد حتى أتخلص منها.
على أن مما أعانني وعزاني في ذلك كله؛ أني أمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ، وأشكر من يدلني عليه، وأرى فيه أمارة على صدق الأخوة، من أهل العقل والنبل، والوفاء والنقاء، والصدق والمصارحة، اتفقت وإياهم على تبادل النصح وإن قسا، وبذل المروءة حين تجب، فكانوا لي واحة من الدفء والود والكرم، جزاهم اللَّه خير الجزاء.
ومما أعانني على تجاوز الأحزان، ومحاولة التخلص من الذنوب والعيوب، ومحاولة الظفر باستقامة أعلى ونية أصفى، أني الآن في خريف العمر، أنظر إلى الموت القادم أكثر مما أنظر إلى الحياة المدبرة، وأحرص على الظفر برضوان اللَّه تعالى حين ألقاه، ولي في ذلك أمل عريض ورجاء واسع.
إن المستقبل الحقيقي للإنسان يبدأ بعد أن يموت، أما عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا فهو أقل من ذرة في ملكوت اللَّه، وأضأل من ثانية في زمانه الممتد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق