الأحد، 2 يناير 2022

مناقشة الدكتوراه

مناقشة الدكتوراه

     ظلَلْتُ زمناً طويلاً أحلم بالدكتوراه، وذلك منذ حسمت اختياري وأنا لا أزال طالباً في نهاية المرحلة الثانوية في دير الزور، وهو أني سوف أدرس الأدب العربي في مصر، بدءاً بالبكالوريوس، وانتهاء بالدكتوراه والماجستير بينهما، وكانت نيتي أن أستمر فوراً في متابعة الدراسة العليا ودون انقطاع، وحين حصلت على البكالوريوس من قسم اللغة العربية في كلية الآداب، جامعة القاهرة عام  «1383هـ/ 1963م»، سجّلت على الفور مع سواي من الطلبة المتقدمين للحصول على الماجستير، وكان ذلك يستدعي منهم اجتياز سنة دراسية تسمى «السنة التمهيدية»، فاجتزتها في العام التالي «1384هـ/ 1964م»، وسجلت موضوعاً للماجستير، ثم إني تأخرت عن ذلك وقتاً طويلاً لظروف متنوعة، بعضها أنا مسؤول عنه، وبعضها لا قبل لي به.

     لكنني بعد الماجستير أخذت العبرة مما مرَّ بي، فتقدمت فوراً للدكتوراه، وبذلت جهدي أن أحصل عليها في أقصر وقت ممكن، وكأنني أحذر نفسي من تكرار خطئي السابق، وهذا ما تم بفضل اللَّه.

     كان الموضوع هو «عمر أبو ريشة، دراسة فنية» وبذلت جهدي في إعداد الرسالة، وحاولت أن أجعل شعر الشاعر هو مرجعي الأول، لتكون الدراسة أكثر أصالة، ولتكون «دراسة نصيّة» بالدرجة الأولى، وقد أعانني على ذلك معرفتي القديمة بالشاعر وشعره، وإدماني النظر فيه، ولا أزال أذكر كيف كنت أقرأ في ديوان الشاعر، هذا النص أو ذاك مرة بعد مرة، وأدوِّن الملاحظات التي أستخرجها منه، ثم أصنِّفها وأنسِّقها، وأجعلها العمدة فيما أكتب، وهو ما جعل للرسالة صفة الأصالة والتميز.

     وفي مساء يوم الأربعاء «7/ 12/ 1414هـ، 18/ 5/ 1994م» نوقشت الرسالة في قسم اللغة العربية، في كلية الآداب، جامعة عين شمس، وكانت لجنة المناقشة مكونة من الدكاترة يحيى عبد الدائم، وهو مَنْ أشرف على الرسالة، وإبراهيم عبد الرحمن، وأحمد مرسي، وقد منحتني اللجنة درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الثانية، وللَّه الحمد والشكر.

     كان الدكتور يحيى متعاطفاً معي لأنه عرف البحث وتابعه خطوة خطوة، وكان الدكتور أحمد متعاطفاً أيضاً لأنه كان زميلي في مرحلة الليسانس فعرفني بذلك معرفة وثقى، أما الدكتور إبراهيم فكان قاسياً عنيفاً، وقد قابلت قسوته وعنفه بالصبر والأناة، وكنت أحياناً أستأذنه في الرد على نقده لي فيسمح بذلك، ولكنه في أحيان أخرى لم يكن يسمح لي بالرد، لذلك كنت ألوذ بالصمت خوفاً من غضبه، ومع ذلك وجدت أن من واجبي أن أشكره بعد انتهاء المناقشة ومنحي الدكتوراه، فشكرته شكراً جزيلاً ووعدته أن أستفيد من ملاحظاته، كما شكرت الدكتورين الآخرين.

     لقد أكرمني اللَّه تعالى بالحصول على الدكتوراه مع أني تأخرت في ذلك كثيراً، لكنّ فرحي بها كان غامراً، وأن تصل إلى مطلوبك متأخراً خير من أنْ لا تصل، ثم إن عكوفي على إعداد الماجستير والدكتوراه، أيقظ فيَّ همة الشباب على البحث الذي انقطعت عنه بعذر، أو دون عذر.

     بعد انتهاء المناقشة، وإعلان النتيجة، شكرت اللجنة المناقشة على كرمها، وفرحت إذ وجدت حولي عدداً من الفقراء العاملين في الكلية من حرس وفراشين، يهنئونني ويطالبون بحقهم في «الإكرامية» المعتادة، فشكرتهم وفعلت.

     عدت إلى الفندق الذي سكنته، في مصر الجديدة، وشكرت اللَّه تعالى شكراً عميقاً، ثم أسرعت بتدوين أخبار هذا اليوم السعيد في أوراقي الخاصة خوفاً عليها من النسيان.

     جاءتني عدة تهنئات من مصر وغيرها، أما التهنئة المميزة فقد جاءتني من الشيخ علي الطنطاوي، فقد اتصل بي من بيته في جدة إلى بيتي في الرياض، يوم السبت «18/ 12/ 1414هـ، 28/ 5/ 1994م» بالهاتف، ليقول لي: «أنا لا أهنئك بالدكتوراه، ولكني أهنئ الدكتوراه بك»، إنها تهنئة الأب لابنه، والأستاذ لتلميذه، وقد زاد من قدرها أنه قالها لي وهو في خريف العمر، قد اعتزل الدنيا كلها، وعاش يرتقب نهايته، حريصاً على رضوان اللَّه عز وجل، وغير حريص على رضا هذا أو خائف من غضب ذاك، وقد وفقني اللَّه عز وجل يومها بإجابة مسددة إذ قلت له: إن كلامك هذا عندي أهم من قرار اللجنة التي منحتني الدكتوراه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة