عميدان وفيان
هما طالبان وصديقان وفيان من دير الزور، درستهما عام «1386هـ/ 1966م»، وكانا طالبين في المرحلة الثانوية، في ثانوية أُمَيَّة، الأول منهما هو زهير، والثاني هو عزام.
ودار الزمان دورة طويلة جداً حتى لقيتهما بعد أكثر من أربعين عاماً، أما زهير التويجري فقد لقيته في الرياض في شهر ذي الحجة «1428هـ/ ديسمبر 2007م»، فقد جاء لزيارة ذويه فيها، ثم التوجه إلى الحج، كان قد دخل الجيش في سورية، وتقاعد عن رتبة عميد، وحين لقيته بعد هذا الزمن الطويل عرفته وعرفني، وقلت له مازحاً: لماذا شاب شعرك وأنت لم تغب عني سوى أربعين عاماً!؟ شكرت له وفاءه وكرم نفسه، والتقينا عدة مرات وتسامرنا، وتعاونّا على نبش الذكريات.
أما عزام دلّو، فقد دخل الجيش في سورية مثله مثل زهير، لكنه بعد عدة سنوات ضاق بتسلط النصيريين على الجيش وغير الجيش في سورية وظلمهم الآخرين عامة، ولأهل السنة وهم الأكثرية خاصة، فهرب إلى العراق الذي أكرمه، وأدخله الجيش، ومنحه الجنسية العراقية، حتى تقاعد عن رتبة عميد.
وأكرمه اللَّه تعالى بالحج عام 1428هـ، وحين وصل جدة طفق يتصل بي يريد رؤيتي، وكان مستعداً لزيارتي في الرياض لكن تأشيرته لا تسمح له بذلك، وحاولت أن أحج معه، وهو ما يتيح لي رؤيته فلم أحصل على التصريح المطلوب لأني تأخرت في طلبه.
وضاق صدره كثيراً، وأكثر من مهاتفتي، فوعدته أن أزور المدينة في فترة الحج، فإذا فرغ من نسكه التقينا فيها، وقد يسّر اللَّه تعالى ذلك، فتم اللقاء في الحرم النبوي الشريف على منوِّره أفضل الصلاة والسلام.
عرف كلٌّ منا الآخر؛ مع أن الزمن فعل بنا ما فعل، فقلت له كما قلت لزهير: لماذا شاب شعرك وأنا لم أغب عنك سوى أربعين عاماً؟ كان يضحك ويبكي من السرور، وقبَّل يدي وأنا كاره، وحين لمته قال لي: لقد كنت تعاملنا معاملة طيبة، شكرت له كرمه ووفاءه ونبله.
قلت له: سبق أن أرسلت لي علبة من المنِّ، فقال: وهذه علبة أخرى منه هدية لك أيضاً، تمنيت أن يكون اللقاء أربعين دقيقة، أي بمعدل دقيقة واحدة عن كل سنة!! لكنَّ العميد الوفي استأذن بعد دقائق، فلما استغربت أخبرني أن القافلة تكاد تنطلق عائدة إلى العراق، وفيها زوجته، فودعته، وأنا أعجب من تصاريف القدر، وسرعة الزمان، وخلوت بنفسي متأملاً معتبراً، ورأيت فيما رأيت أن السنوات الأربعين إغماضة عين، أو إغفاءة مجهود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق