الأحد، 2 يناير 2022

في المجلس الأعلى للإعلام

في المجلس الأعلى للإعلام

     عملت في المجلس الأعلى للإعلام في الرياض مدة جميلة امتدت إلى أكثر من عشر سنوات، مرت وكأنها حلم بهيج في ليلة بهيجة، ومرد ذلك إلى عدة أمور.

     أولهاً: طبيعة عمل المجلس، ذلك أنه جهة استشارية تقدم رأيها في عدد من الموضوعات الإعلامية أو القريبة من الإعلام، لذلك لم تكن له صلة بالجمهور والمراجعين إلا فيما ندر، وهذا الأمر أضفى على المجلس قدراً حميداً من الهدوء والأناة والتأمل، والقراء وأصحاب الأقلام يحتاجون إلى ذلك كثيراً.

     ثانيها: أن عدد العاملين في المجلس كان قليلاً، فكانوا يعرف بعضهم بعضاً معرفة جيدة، ويتزاورون، وكانت روح الأخوة والزمالة هي السائدة بينهم، والمودة هي الشائعة، والبسمة هي الغالبة، وهذا فضل من اللَّه تعالى عظيم، لأن العادة أن يتنافس الزملاء وأن يتحاسدوا.

     ثالثها: شخصية الأمين العام للمجلس الذي كان المسؤول فيه، وهو الأستاذ الفاضل عبد الرحمن العبدان، وهو من أبناء القصيم، درس الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وتدرج في العمل الوظيفي، وانتزع إعجاب الناس وحبهم حيث كان.

     وهنا أذكر بالخير والثناء موقف أخي النبيل الوفي الأستاذ عبد الرحمن الأنصاري، الذي سبقني إلى العمل في المجلس حين جئته أستشيره، لقد نصحني أن ألتحق بالمجلس، وحدثني عن طبيعته حديثاً مشجعاً، ثم أكد لي أني سأجد في أمينه العام شخصاً نادراً جداً، من سعادة الإنسان أن يعمل بإمرته.

     والتحقت بالمجلس فوجدت أمينه العام كما سمعت وخيراً مما سمعت، إنه آية من آيات اللَّه في الحلم والنبل والأدب الجم، ولو أن سائلاً سألني عن النموذج الكريم الذي يجسّد حسن الخلق فيمن عرفت من الناس لقلت بلا تردد: إنه الأستاذ العبدان.

     وانعقدت المودة بيننا في سرعة، كان عزيزاً علي، وكنت مقرباً منه، وقد أعجبه سَمْتي الديني، وأعجب كثيراً بأفكاري ومقترحاتي التي كنت أطرحها عليه، وكان يرى أن بعضها خيالي غير قابل للتطبيق مع أنه جيد وصحيح.

     ولقد انعكس خلقه العالي على العاملين بإمرته، فتحول العمل - مع أنه واجب رسمي - إلى أداء محبب إلى النفس، ينشط إليه الإنسان برغبة وفاعلية، وصار المجلس بفضله واحة إخاء ومودة، كان محباً للإحسان بفطرته، وكنت واحداً ممن أحسن إليهم، ولذلك فهو في قلبي ما حييت، وأنا أدعو له كل يوم.

     وكان يجمع الإخوة المستشارين العاملين في المجلس ضحى كل ثلاثاء، ويدوم اللقاء قرابة ساعتين، ولو أن إنساناً ساذجاً رأى هذا اللقاء وسمع ما يدور فيه لظنّه إضاعة للوقت، لكن الأستاذ العبدان كان من خلال هذا اللقاء يجدد للمستشارين معلوماتهم، ويزيد من خبرتهم، ويعرف نقاط القوة والضعف فيهم.

     وكان المجلس ينتقل إلى جدة في الصيف، مع من ينتقل من أجهزة الدولة، وكان الانتقال يدوم أشهراً طويلة، وقد استفدت فائدة جليلة من هذا الانتقال حيث كنت أترك العائلة في الرياض، وأخلو بنفسي، فأقرأ كثيراً، وأكتب كثيراً، وأغتنم قربي من مكة المكرمة بين الحين والآخر فأسارع إلى الحرم الشريف معتمراً أو زائراً، وأذكر أني عكفت على ديواني المتنبي وبدوي الجبل، فقرأتهما مراتٍ لا أحصيها.

     وحين تقاعدت عن العمل قلت للأستاذ العبدان: لقد جنيتَ علي يا أستاذ، قال لي: كيف؟ قلت: حين أفكر في الالتحاق بعمل جديد الآن، أجزم أني لن أجد رئيساً بفضلك فأحجم، ولعل في هذا الإحجام خيراً كثيراً، ذلك أن لدي ما أشعر أنه مفيد شعراً ونثراً، فأنا الآن بفضل اللَّه تعالى أحاول كتابة هذا المفيد، والتفرغ عون كبير عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة