الخميس، 3 يونيو 2021

القدس في شعر د.حيدر الغدير - أ.صدقي البيك

القدس في شعر د.حيدر الغدير

أ. صدقي البيك
الرياض- الأحد
13/11/1430هـ - 
1/11/2009م

     للأمكنة والبلاد مكانة مرموقة لدى الشعراء، فهي تحدد لنا في شعرهم ارتباطهم بهذه المواقع، ارتباطًا قلبيًا وعقليًا وروحيًا ونفسيًا، هذا إذا كانت هذه المواقع ذات خصوصية في وجدانهم؛ وقد ينفرد كل شاعر بمواقع ومنازل لا يشاركه فيها غيره، يكون قد درج فيها، أو ارتبط فيها بروابط عاطفية مع آخرين.

     وأما إذا كانت هذه المواقع ذات ارتباط عام يشترك فيه مع آخرين، من شعبه أو أمته أو الإنسانية كلها فسيكون لها في شعره وجود ومكانة تتسع وتسمو وتتعمق مع عمق وسعة وسمو هذه الروابط التي تشده إليها. وأهم هذه الروابط الرابطة الدينية التي تضفي على بعض الأمكنة هالة من القداسة تنص عليها الكتب الدينية المعتمدة، وإذا كانت هذه الكتب مما أوحاه رب البشر إلى من اختارهم من عباده، فإن هذه الروابط تكون أقوى وأمتن، وإذا ضُمّت إلى هذه الروابط روابط التاريخ والأمجاد ازدادت رسوخًا وتجذرًا.

     وهذا هو شأن مدينة القدس، فقد حباها الله منزلة لا تطاولها فيها مدينة أو أرض أخرى، غير مكة المكرمة، فهي الأرض المباركة، والمبارك فيها، والأرض المقدسة، والمبارك حول مسجدها و...، وهذه القداسة والمباركة تمتد مع امتداد الإسلام، دين الله الذي اختاره لأنبيائه ورضيه لعباده.

     وإذا كانت هذه الرابطة الروحية تمتّن علاقات المسلمين بالقدس التي فيها أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، فمن الأولى أن تكون مهوى أفئدة الشعراء المسلمين، وأن تهفو إليها نفوسهم، وتلهج يذكرها ألسنتهم فتتردد في أشعارهم، ويزيدها تغلغلًا في طيات وجدانهم أنها، هي وما ترمز إليه، كانت وتكون وستكون ميدانًا لصراعات وحروب طويلة ومعارك حاسمة مع أعداء أقوياء وكثيرين، من فتحها على يدي الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وتحطيم القوى الصليبية في حطين، وكسر المد التتري المغولي في عين جالوت... إلى معارك علامات الساعة المرتقبة.

     إن القدس والأقصى وقبة الصخرة وبيت المقدس وفلسطين، وما تضمه من مدن ومواقع، وما تمتلكه من تاريخ مجيد وبطولات رائعة وانتصارات حددت مسارات التاريخ، كلها رموز تترادف في دلالتها العامة، وإن كان لكل منها دلالة خاصة.

     وإذا تخطينا ما حفلت به دواوين شعرائنا القدامى من حديث عن هذه المدينة وما حولها، فلن نجد نهاية للحديث عنها في دواوين شعرائنا المعاصرين، فما أكثرهم، وما أوسع تناولهم لها ولقداستها ولمعاركها الماثلة في حاضرنا وفي وجداننا، ولكننا نجتزئ من هذا الاهتمام بها ما قدمه لنا شاعرنا الدكتور حيدر الغدير.

     فقد اختار شاعرنا عنوان ديوانه الثاني (غدًا نأتيك يا أقصى) ليعبر به عن مدى تعلّقه بهذا المسجد المبارك والمدينة المقدسة وأرض المحشر والمنشر، وقد كان هذا هو عنوان قصيدته الأولى في هذا الديوان.

     فهو يحز في نفسه ما أصاب القدس من احتلال العدو الصهيوني لها، وإهاناته التي ألحقها بمسجدها ففجرت انتفاضتها الثانية، وتطاولُ الزمن على تقاعس العرب والمسلمين عن تحريرها يوقد فيه حمية الإيمان، فيجأر بمعاهدة الأقصى على عدم نسيانه، وعلى تحريره:

لعهدك أيها الأقصى ... وعهــدك جمرة فينا
وحـلـم في مآقينـــــا ... ينــــــادينا فلا ننسى
وكل خليـــة فينـــــا ... هي الأخرى تنادينا
إلى الأقصى إلى الأقصى

     وهو في تلبية هذا النداء، وفي الوفاء بهذا العهد لن يكتفي بالكلام، بل سيكون حربًا على العدو تقضي على علوّه وجبروته:

سنـــــأتي في غد نارًا
وبركــــانًا وإعصـارًا
لنصنـــع مرة أخــرى
وقد لاحت لنا البشرى
بعــون الله حطينا

     ويجمع بين رمز حطين التي كانت مفتاح تحرير القدس من الصليبين ورمز خيبر التي قضي فيها على الوجود اليهودي الكياني في الجزيرة العربية:

ونغضب غضبة كبرى
ونصنع خيبرًا أخرى
ونحمي الأرض والدينا

     وإذا كانت حطين تحطيمًا للقوى الصليبية قديمًا فستكون حطيننا الحديثة وخيبرنا الجديدة تحطيمًا للكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين:

نتبّر كل ما شدتم
وما قلتم وما خنتم
ونمحوكم ونجعلكم حديثًا مر كالهمس
وآلًا لاح بالأمس
طوته أشعة الشمس

     فهو متفائل بالنصر، ولم توئسه الهزائم التي ارتكبها المتخاذلون، فلا يطيل البكاء على ما فات ولا الندب على المصاب، ويحدد عوامل النصر التي نحملها قيمًا ومبادئ:

غدًا نأتيك يا أقصى
كتاب الله في يدنا ينادينا لموعدنا
وموعدنا صباح ظافر ضاحكْ
وموعدهم مساء خاسر حالك
وإن الصبح آتينا وآتيكم
ليرديكم ويبقينا
فنمضي نعمر الدنيا
ونمضي نحرس الدينا

     ولن تمنع هؤلاء الصهاينة حصونهم التي يختبئون وراءها، ولا دباباتهم التي يحبسون فيها أنفسهم، ولا جُدرهم الواقية التي يحيطون بها مستوطناتهم:

سنأتيكم مع الفجر
لنجعل صرحكم بددا، ولا نبقي به أحدا
ولن يحميْكمُ سور، ولا شجر ولا حجر، ولا نفق ولا حصن
ولا إنس ولا جن، ولا حقل من الغرقدْ
ظننتم فيه مخبأكم ومثواكم وملجأكم
فإن صباحكم أنكدْ
وإن مساءكم أربدْ
فموتوا حيثما كنتم، وموتوا في حمى الغرقدْ

     فوعود الله للمؤمنين بالنصر ووعيده لبني إسرائيل بالهزيمة وإساءة الوجوه والتتبير... في طريقها إلى التحقق:

لنا عهد سننجزه، ووعد سوف نحرزه
بأن النصر آتينا

     وهو واثق تمامًا بأن النصر قادم يتمثل بالمآذن التي تصدح بالشهادتين، وبكل المعالم والمدن الفلسطينية:

سنلقى نصرنا طلقا
يعانق حسنه الحقا
ويقفو رعده البرقا
على أهداب مئذنةٍ
وفي أوراق سوسنة
وفي أحلام رابية، وفي ماء وساقيةٍ
وفي يافا وفي عكا وفي صفد وفي الرملةْ
وفي النارنج والليمون والتفاح والفل
سقاها الطل في الليلِ
وفي الخيل التي تعدو
وفي الطير التي تشدو

     فكل هذه المعالم والمرابع تحتفل بالنصر الذي تتلاقى فيه رايات الفتوحات والانتصارات السابقة واللاحقة:

فنلقى الفاتح الأولْ
أبا حفص بهيبتهِ
ونلقى الفاتح الثاني
صلاحًا في وضاءتهِ
ونلقى الفاتح الثالثْ
فنعرفه بطلعته، وقامته التي شمختْ، وسطوته ورحمتهِ

     هذا الفاتح الثالث الذي ما زلنا ننتظره ونرقبه؛ لنسجد حينئذ شكرًا لله الذي يهب كتائبنا وزحوفنا نصره المؤزّر.

     وإذا كانت قصيدته هذه قد استوعبت كل ما في القدس وحاضرها، ومصابها، والآمال المعقودة على تحريرها وتطهيرها من دنس المحتلين، فإن قصائده الأخرى التي نظمها في مناسبات عربية وإسلامية، احتلت فيها القدس والأقصى وفلسطين أماكنها، فهي شغله الشاغل ومحركه الدائم وحافزه إلى التفاؤل الواثق الذي يظهر في كل قصائده.

     فهو في قصيدته (لن نخذلك) التي خاطب فيها شعب البوسنة والهرسك في أيام ثورته للتحرر من سيطرة الصرب واحتلالهم لبلاده، لا ينسى أن يبعث له بتحيات المسلمين والمجاهدين ومشاركتهم لهم بالآلام والآمال:

يا أيها الشعب الذي احتمل الخطوب وما استكان
حيّتك مكة والمدينة والمنابر والأذان
والمسجد الأقصى وفرسان لهم في المجد شان
قالوا وقد صدقوا، فزانوا قولهم والفعل زان
المجد للأبطال والخذلان توأمه الجبان

     وفي قصيدته (أمـل) يتحدث عن أحلامه السابقة، التي صارت واقعًا حيًا، وعن آماله وأمانيه التي يتفاءل ويستبشر بتحققها قريبًا:

أحلامـنا بالأمس واقـع يومنــا ... وغـدًا أماني يومنـــا تتــــحقّق
أملي الذي ملأ الجوانـح بهجة ... ومشى بما أرجو وأزهو يغدق

     وأمله هذا أن تثأر فيالق المجاهدين وقادتهم ذوو الهمم القعساء، فتقضي على الصهاينة حديثًا كما قضي على وجودهم السياسي في عهد الرسالة، فيقول:

إني سمعت الثـأر يدعــــــو أمتي
               فإذا صداه، وقد تهــــــادى الفيلق
يمضي به ويقوده ذو هـــــــــمـّة
               للنصر فيه أو الممــــــات تشوّق
يطوي اليهود كما طوتهم خيـــبر
               وطوى قريظةَ يوم خانوا الخندق

     وكل ذلك كائن في ميعاد قريب ومكان موعود محدّد، يتمثلّ فيه استكبار إسرائيل، ونشرها الفساد والظلم والطغيان والعلوّ على من حولها، ولا بد أن تكون الراية حينئذ ترفع كلمة التوحيد وتدعو إلى الأخذ بتعاليمه:

والموعد "الأقصى" وراية أحمد
               ستجوز آفـــــاق السماء وتَخفــق

     وهذا القائد ذو الهمة يحقّق الله على يديه النصر المبين، وتعنو وجوه الصهاينة لأمره وتخضع لحكمه فيهم، وهو متواضع بعيد عن التكبر، وبذلك ترتفع على مآذن الأقصى نداءات (الله أكبر) معلنة دخول المسلمين للمسجد كما دخلوه أول مرة:

ولسوف يعـــلو فوق منبره ضـحى
               للنــــــاس فيه تشـــوّف وتعلُّــــــق
والمسلمــــون بكل أرض سُـــــجّد
               والله يحفـــــظ أمرهم ويوفّـــــــــق
والفـــاتـح المنصــور بيـن جنـوده
               بالنصر زاه، بالوقــــــــار مـطوّق
عنتِ اليهـــــود لأمـــره، وجبينـه
               لله عـان مستــــكين مطــــــــــرق
وعلا على الأقصى الأذان مظفرًا
               فــإذا العيــون بدمعها تغـــرورق

     وتتراءى له القدس في كل ميدان، وفي كل مشهد يدل على القوة والفروسية، فها هو يرى في قصيدته (صباح مؤمن) فارسًا على صهوة جواده، فيشغله هذا المشهد من مشاهد القوة والفروسية، فيرى في هذا الفارسِ أحدَ قادة المسلمين الفاتحين، فينسى آلامه وأحزانه التي تلفه وتلف القدس والديار المحيطة بها، ويجري معه حوارًا عن هويته والآمال المعلقة عليه، فيقول:

أطرقت في أسف حزينًا مَوهنـــــــا
               والليــل يمضي مثل حــــالي مُوهَنا
والقدس أحزان تطــــــــول ثقــــيلة
               تغشى الديار وأهـــــلها والأعينـــــا
ولمحت في الظلماء صهوة فــارس
               يعدو فيسبق نفســــــــه حتى دنــــا
من أنت؟" قلت: أخالد أم طـــارق؟
               أم سعـــد أم عمرٌو؟ أجبني، إنــــنا
نهفو لمثلك، نحن حولك أمـــــــــة
               طالت مواجعها وطال بها الـــــعنا
والقدس ترقب مثل سيفك ظـــافرًا
               والناس، والتاريخ يرقب والدنـــــا
ماذا؟ ومن؟ ومتى؟ وأين الملتقى؟
               فأجــاب: حيث المسـلمون، وههنا

     وشاعرنا يرى أن القدس يحررها بالسيف شهم مثل هذا الفارس، يتحدى الخطوب فيثخنها جراحًا، ويجعلها مثل خيبر، ويستأصل جذور الفساد فيها والاغتصاب والعدوان:

القـدس للشهم الـذي يــــــأتي لها
               وبها كما يأتي من الليـل السنــــا
القدس للشهم الذي يـأتي لــــــها
               بطلًا يفـدّيـها بأنفس ما اقتـــــنى
قصدتْه غاشيــة الخطوب فردها
               مكلومة ترجو رضاه، وما انثنى
يزداد عزمًا كلما عصـف الأذى
               فإذا تـحــــداه تحـــــدى الممكنـا
والمستحيل وجاز صعب عقـابه
               وشعـــــــابه متبســــماً متكفنـــا
للقدس يوم مثل خـيبـر ظافـــــر
               يـأتي به شـهم شـجاع ما انحنى
إلا لمن برأ الوجـــود وصاغـه
               إن رام صمم فاستقــــــام فأتقنا
وعنا لوجـــه الله جـــل جلالــه
               أما الدعيّ فللأعـــــادي قد عنا
يا قدس، موعدنا صباح مؤمن
               يأتي به الأنجاد نضرًا مؤمنـــا

     وهو دائمًا يرى أن هذا الفتح والتحرير لن يتما إلا بالقوة التي تقضي على الاحتلال، وتعمل لإعلاء كلمة الله، وبالإيمان الذي يصنع العجائب في نفوس حملته فيكونون جديرين بنصر الله تعالى لهم، بعد أن يكونوا قد نصروا دينه، وأعلوا كلمته، فهم قد أتوا بهذا الصباح المؤمن:

صنعوه من نصــــر تـزيّن بالتّـقى
               وتزيّـنــــــــــــوا للقـــائه وتزيّنــا
هم مؤمنون ومحسنون، فهل ترى
               نصـــــرًا لهم إلا نبيلًا محســــنًا؟

     وهو هكذا دائمًا متفائل، لا تقنطه قوة عدو، ولا يوهنه ضعف حاكم مسلم، ولا تخاذل من يثبّط الهمم، فالمسلمون إلى خير، وإلى نصر، وإلى عودة إلى المجد، فيقول في قصيدته (وسل الزمان):

ما زلت رغم غــــوائل الظلمـــات
               والبغي، أُقســـم إن صبــــحي آتي
آت، وإن جار العداة وأســـــرفـت
               أنيابهم في الأهــــــــل والحرمات
المسلمون هم الخـــلود وسـل بهم
               مر الزمـــــان قـــــــديمه والآتـي
المسلمــــــــــــون كتيبـــة أبديـّــة
               ميمـونـة الغدوات والروحــــــات
وثـّابـة بعـد العثـــــــــار عنيــــدة
               مـحمية مـن هلكة وشتـــــــــــات
هم يضعفون عن المعالي مـــــرة
               أو يهزمون لدى الوغى مــــرات
يـتجــــــددون ويـولــــدون أعـزة
               بين الصعاب وفي لظى الغمرات

     ومن يقينه بتفاؤله يقسم الأيمان على طلوع فجر أمته:

فظللت أقسم إن صبحي قــادم
               وجذاه زيت الحق في المشكاة

     وفي قصيدته (إلى الثالث الميمون) التي تناهز مئة بيت يضع مقدمة نثرية يتحدث فيها عن "الذي سينقذ القدس من الاحتلال اليهودي"، ويكرر فيها اسم القدس ورموزها فلسطين والأقصى... ثلاث عشرة مرة، ويستعرض ما قدمه الفاتح الأول عمر، وما صنعه الفاتح الثاني صلاح الدين، ويبحث عن ثالثهما:

وثالثهم لم أبصر اليوم وجهــــــــه
               ولكنــــــــــه بـدر السمـاء إذا تمّــا
من الثـالث الميمون؟ اَلله وحـــــده
               سيأتي به نعمى ويأتي به رغمــــا
أناديه: أقدم، إن حولك أمــــــــــة
               رأتك الأب المقدام والخال والعمّا
فيــا أمّتي تيهي، ويا مجـــد كن له
               سوارًا، ويا أعراس كوني له يوما

     ولا يقتصر تناول شاعرنا لقضية القدس على ما ورد في ديوانه هذا، فهو في قصائد ديوانه الأول (من يطفئ الشمس؟) أيضًا لا يغفل الحديث عن فلسطين، على رغم غلبة الإخوانيات والروحانيات على قصائد هذا الديوان، فهو في قصيدته) أين المفر؟) يتحدث عن انسحاب الصهاينة من غزة عام 2005 م، تحت ضربات المقاومة، وتخريبهم بيوتهم بأيديهم قبل أن تصل إليها أيدي المؤمنين، وبكاء شارون والصهاينة على انسحابهم، فبقول:

يا من بكى دمعة خرساء حمراء
               غدًا ستبكي دمًا صبحًا وإمســاء
فأنت من جــاء للأقصى فدنَّـسه
               وأوسع النـاسَ تنكيـــــلاً وإيـذاء

     وهو يبدي تفاؤله واستبشاره بالتحرير القادم عاجلًا بدءًا من غزة، التي تحررت، وقد جاءت الأحداث في بداية عام 2009 تؤكد أن قوة الجيش الصهيوني تحطمت على صخرة صمود المقاومة والشعب في غزة، فيقول:

في غزة بدأ التحرير رحلتـــــــه
               مواكبـًا لا ترى فيهن إبطـــــــاء
حتى يحرر كل الأرض منطـلقًا
               كالرعد محتدمًا، والبرق وضّاء
فأين تهرب منه؟ إنـــــــــه قــدر
               والله مـرسـله للبغي إفنــــــــــاء
فاحمل لقومك نعشًا، إنهم خُشُب
               ظلّـت مسنّـدة عجفاء جـوفـــــاء

     وكذلك يتحدث طويلًا عن القدس في قصيدته (صلاح الدين) وهي من شعره الذي لم ينشر بعد، وهل يمكن أن يجري الحديث عن صلاح الدين وبطولته من غير أن يتطرّق إلى تاريخ فلسطين والاحتلال الصليبي للقدس الذي استمر تسعين عامًا، ولبعض أجزاء من فلسطين مئتي عام؟ وهل يمكن أن يمر الحديث عن صلاح الدين من غير أن يُربط بتحريره للقدس من أيدي الصليبين الأملُ في تحريرها حديثًا من أيدي الصهاينة بنفس الطريقة (القتال)، وبنفس الروح والعقيدة (الإسلام)، وبنفس الإعداد والاستعداد؟!

     وبعد أن يستعرض مجريات الأحداث في فترة الاحتلال الصليبي، ثم وصول الاستعمار البريطاني على يدي الجنرال أللنبي إلى القدس، يقول:

ومضت فترة وزدنا انتكاسًــا
               فإذا باليهود ملء الســـــــــاح
أخذوا القدس غدرة لا اقتدارًا
               في سعـــار من حقدهم لفّــاح

     ويلتفت إلى صلاح الدين يخاطبه:

سوف نقفـو خطاك مهما بذلنـــا
               واعتـدى ظالـم وخـــــذّل لاحي
لنـعيد الأقصى العزيز عزيـــزًا
               وهو ضاح ونصرنا فيه ضاحي
عـوّدتنـا رحابــــــــــه أن فيهــا
               مصـرع المستبــد والسـفـــــاح

     ويعود إلى أمله وحلمه وتفاؤله:

في غد ينطـوي اليهود، ونبقى
               إن حكم الأقــدار مـُبق وماحي

     وأخيرًا، إذا كان بعض أصحاب القرار وبعض حملة الأقلام يرون أن تحرير القدس بعيد أو لا يتم إلا بالتفاوض أو التنازل، فإن شاعرنا الدكتور حيدر الغدير لا يرى غير القتل للمحتلين الصهاينة حلًا لتحرير القدس، فيقول من قصيدة وجهها لشارون:

أيها الراكضون في القدس تيهًا
               أنتـــم الـواهمون والأغـبيــــاء
أيها المعتــدون، ما دام ظلــــم
               يولــــد الظلـم وهـو داء عيــاء
فاحـذروا إننا طلائـع زحــــف
               جنـده الأروعـون والأتقـيــــاء
وارحـلوا قبل موتكم أو فموتوا
               حيـث شئتـم فسيفـنـــــا المحّاء

       ***
-----------------
* نشر في موقع الألوكة الإلكتروني.
* ونشر كذلك في موقع رابطة الأدب الإسلامي العالمية، المجلة الإلكترونية، العدد الرابع، بتاريخ 5/2/2011م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة