عبد الكريم الخطابي
يوم اجتاح العدوان أرض الجزائر الأبية، وقف مجاهدوها الأبطال يقودهم البطل المؤمن الفارس الشجاع، الأمير الشاعر، عبد القادر الجزائري يقاتل قتالاً ضارياً لا هوادة فيه، سيظل دائماً موضع الفخار والإعجاب، والتقدير والإكبار، ذلك أنه موقف عملاق ثبت فيه ضد قوى كبيرة، تفوقه في العدد والعدة، والتدريب والتنظيم.
ويوم وقف عبد الكريم الخطابي بطل الجهاد الدائب الصبور في الريف المغربي المسلم، يقاتل الجيوش الباغية الضخمة، ويحقق انتصارات عجيبة مذهلة، بأسلحته المتخلفة البسيطة، وموارده المحدودة الضعيفة، وإمكاناته المادية الفقيرة، عجب الناس أشد العجب لما تستطيع هذه الأمة المسلمة أن تقوم به حتى في أيام ضعفها ومحنتها مما يدل على أصالة ذاتية متميزة وقدرة مكنونة جبارة، وقوى مذخورة بالغة الخطورة.
وموقف الخطابي –مثله كمثل موقف الأمير عبد القادر– موقف عملاق ينبغي للوفاء بحقه أن يُدرس بأناة وإحاطة، فهو مع الأسف مجهول من أكثر الناس بالرغم من ضخامته وعظمته.
وإن ما قيل عن الجزائري والخطابي، يقال عن جهاد المختار في ليبيا ضد الطليان، وجهاد عرابي في مصر ضد الإنكليز، والمهدي في السودان، وأحمد بن عرفان في الهند، ومحمد حتَّى وسوموتو في إندونيسيا والأفغان، والشام والعراق.
لقد كان جهاداً كبيراً جداً نهض به رجال عظام أوفياء، كرام شرفاء، مواقفهم في الشجاعة والصدق والبلاء شامخة باذخة، خالدة رائعة. لقد عوضوا عن نقص الموارد بعظمة الإيمان، وعن قلة العدد بالإقدام الجسور، وعن ضعف الإمكانات بالإقدام والجرأة.
وأمثال تلك المواقف الكبرى مواقف الشجاعة البدنية الخارقة، كانت تستمد من معين ثرٍّ دفاق، هو الموقف النفسي الذي كان يملكه أولئك الرجال المجاهدون، وهو موقف يمتاز بالثقة والاستعلاء، والأصالة والذاتية، والشموخ والترفع، والأنفة والإباء، واليقين الراسخ المكين، بأنهم وحدهم على الحق الذي لا شائبة فيه من باطل، مهما توالت عليهم الهزائم، وأن عدوهم على الباطل مهما استطاع أن يحقق من انتصارات.
أن يكون للمرء مثل هذا الموقف النفسي الشجاع وهو في حالة النصر أمر منطقي، وبدهي ومتوقع، لأنه ينسجم مع طبائع الأمور، وحقائق الأشياء، ونواميس الحياة، والفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها. ولكن أن يكون للمرء مثل هذا الموقف، وهو مهزومٌ جسداً، مقهورٌ أرضاً، مغلوبٌ جيشاً، مغلولٌ سلاحاً، مقتَحَمٌ داراً وموطناً؛ فهو أمر يستدعي الإكبار والإعجاب، ويستثير الدهشة والتقدير ويستأثر بالألباب والأبصار، وإنه لبعض عطايا الإسلام ومنحه لأبنائه.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق