مجاهدو التحرير
تعاني الأمة المسلمة اليوم من حروب كثيرة متنوعة، بعضها علني مكشوف.. وبعضها مستتر خفي. بعضها مباشر واضح، وبعضها مُلْتَوٍ ملفوف. قد تختلف ضراوة هذه الحرب، وقد تتباين صورها وأشكالها، وقد تتعدد دوافعها، لكن الدافع الأكبر لها، كراهية الأعداء لهذه الأمة، بسبب انتمائها إلى الإسلام، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج:8]. هذه الحقيقة يجب أن نعيها بغاية الوضوح والجلاء، ونحن ندرس مواقع أقدامنا وصراعنا مع أعدائنا.
ومن البشريات الخيّرة في حياة الأمة المسلمة اليوم، أنها على الرغم من كل الذي حلّ بها من كوارث لا تزال في جملتها صحيحة الولاء لإسلامها، ولا يزال دينها الخالد العظيم قادراً على تفجير طاقاتها حين تتوافر شروط ذلك.
إن الإسلام هو عقيدة هذه الأمة، ومحاولات إبعادها عنه ليست دليلاً على أن الأمة عامة قد غيّرت قِبلتها، وإنما هي محاولات قام بها الأعداء ووكلاؤهم في المنطقة. وضراوة المحاولة المعادية لفصل الأمة عن إسلامها تؤكد الانتماء ولا تنفيه، لأنها ما كانت ضارية إلا بسبب ولاء الأمة الوثيق لإسلامها.
إن الأمة قد استقر في أعماقها أن الإسلام ليس دينها الصحيح النقي فحسب، بل هو إلى جانب ذلك، يشكل لها العاصم والملجأ والملاذ في هذه الدنيا، حين تقسو عليها الظروف، وتكثر في مواجهتها التحديات.
وحين يقول المرء: إن الإسلام حَمى وجود الأمة وكيانها، فإنه يقرر بذلك حقيقة ضخمة كبيرة باتت في غاية الجلاء، وكثرت عليها الشواهد.
خذ ليبيا مثلاً.. إن ليبيا لا تاريخ لها إلا الإسلام، ويوم أن وجدت نفسها تحت وطأة المستعمرين، يذلّون كرامتها، ويضطهدون خصائصها، لم تجد سوى الإسلام تلوذ به ليحميها، ولقد حماها الإسلام حقاً وحفظ وجودها حين أشعل بعقيدته روح الجهاد في نفوس أبنائها.. فقاتلوا المستعمرين قتالاً موصول الأنفاس والدمار والشهداء.
وليست ليبيا وحدها هي التي حماها الإسلام، ووصل من خلالها، جهاده القديم في حركة الفتوح، بجهاده الحديث في حركات الاستقلال في العالم الإسلامي التي نشبت ضد الغزاة الطامعين.
إن حركات الاستقلال في العالم الإسلامي كله، فجّرها إسلاميون مجاهدون رأوا في الوجود الاستعماري ذلاً مفروضاً على الأمة، وأيقنوا بقوة أن السكوت على هذا الاستعمار والاحتلال طعن في إيمانهم، ونقص في دينهم، واتهام لشجاعتهم وكرامتهم.
حركة استقلال إندونيسيا قامت على أكتاف رجال مؤمنين كانوا يخططون للمعارك في المساجد، ويقاتلون باسم الإسلام وتحت رايته.
والحركة المهدية في السودان نسجها الإسلام، وجمع المجاهدين حولها، وهي حركة كانت لها أهداف واسعة، فلقد كانت تعتزم تحرير العالم الإسلامي كله من الاستعمار، ولم تجعل غايتها سودانية فحسب.
وفي مصر كانت أفواج المقاومة الشعبية وقودها الدين، فأيامَ الحملة الفرنسية كان الأزهر خليّة الجهاد، وأيامَ الإنكليز كانت الأفواج الشعبية المؤمنة تخرج من الأزهر الشريف ومن جامعة القاهرة التي ظهرت فيها هي الأخرى طلائع مؤمنة في غاية الشجاعة والرجولة، وكانت هذه الأفواج تقوم بنفسها بالجهاد وتحرّض الجماهير عليه.
وفي غينيا كان الشيخ توري ومَنْ سبقه من العلماء يَصِلون ليلهم بنهارهم ضد الاستعمار.
وفي الجزائر بدأت حركة الجهاد من الكهوف التي عكف فيها العلماء على تحفيظ الأجيال الجزائرية، القرآن الكريم، من خلال جمعية العلماء التي أسسها عبد الحميد بن باديس، وخلفه محمد البشير الإبراهيمي رحمهما الله. ولقد ظلّت حركات الجهاد الجزائرية من عبد القادر الجزائري إلى آخرها التي انتهت بالاستقلال، وقودها ودافعها الإسلام، ومن الريف الجزائري المسلم تَشَكّل الجيش الذي قدّم مليوناً من الشهداء.
في الريف المغربي كان الأمير عبد الكريم الخطّابي ورجاله الشجعان يخوضون حرباً دينية جهادية خاصة ضد الإسبان.
وفي الأفغان كانت قبائل الباتان تقاتل بروح جهادية مؤمنة، وفي الهند كان أحمد عرفان الشهيد وأضرابه من المجاهدين يقومون بالذي يقومون به من قتال ضد الإنكليز، ودوافعهم في ذلك إيمانية جهادية خالصة تشهد بذلك أقوالهم ومواقفهم وسيرهم المدوّنة المعروفة.
وفي فلسطين شعر الشيخ عز الدين القسام رحمه الله بالحياء لأنه يدرّس لطلابه في المسجد، الجهاد وأحكامه وآدابه، وهو عنه قاعد، فترك مداد العلماء وكتبهم، واختار دماء الشهداء وأسلحتهم، وقاتل بمن معه حتى استشهد رحمه الله.
وبعد دخول الإنكليز إلى العراق، كان العراقيون يقاتلون المستعمرين بدوافع دينية، وكانت فتاوى العلماء ومواقفهم خير مفجّر لحركة الجهاد، وثورة عام 1920م؛ في العراق خير دليل على ذلك.
وفي سوريا كان حسن الخرّاط وأمثاله، من عامة الناس يقاتلون بروح دينية جهادية، أما العلماء والمشايخ فإن أمرهم في ذلك أوضح وأبْيَن وأشهر.
وحين اقتحم الغزاة من يونانيين وغيرهم تركيا بعد الحرب العالمية الأولى كان الشعب التركي، بجنده وعلمائه وعامته يخوض حرباً دينية جهادية في غاية الصراحة والوضوح، كانت الحرب عنده، حرباً بين الهلال والصليب، بين المسلمين والكفار. فالإسلام، هو دين هذه الأمة، وطريقها إلى الهداية والفلاح والفوز في الآخرة.
وهو كذلك سبيل سعادتها الدنيوية، إنه حصنها وملاذها وملجؤها أيام الصعاب، ووقود الجهاد والتحرير فيها. وقوتها الدافعة الضخمة الجبارة إلى النجاة من الغزاة والمعتدين فحسب، وإلى اقتحام مواقع المجد والعزة، وتسنُّم ذرى الكرامة والغلبة.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق