شعــره الوطـني
كان له في كل ميـدان قنبلة ..
وفي كل معركة غنيمة وانتصار.
يحتلُّ الشعر الوطني في ديوان عمر حيزاً كبيراً، ويحتل عمر في سجل الشعر الوطني العربي الحديث مكاناً كبيراً، ولا غرابة في ذلك بل الغرابة في العكس.
كان عمر ــ كما تكرر غير مرة ــ شاعراً جريئاً فيه إعجاب بدينه وأمته ووطنه وتاريخه، وفيه غيرة كبيرة على كل ما يمس ذلك، وكان معجباً بشخصية الفارس العربي مروءة ونجدة وبطولة، وكان يحاول أن يتمثل هذه الشخصية.
كان فيه نزوع حاد إلى التمرد والحرية وكراهية للأغلال والقيود، وكانت جراح أمته جراحاً شخصية له، وشاعر من هذا النوع لا يمكن بحال أن يعيش لنفسه في ذاتية ضيقة مغلقة لا يعدوها بحال.
فإذا أضفنا إلى ذلك أنه نشأ ووطنه الصغير سورية ووطنه العربي الكبير أيضاً تحت حكم الاستعمار وسيطرته، كان لابد لنا أن نظفر به شاعراً وطنياً ذائع الصيت عالي النبرة، وهذا الذي كان. والصفحة الوطنية في شعر عمر تقدمه لنا بحق شاعراً ذا رسالة وطنية أداها أحسن الأداء.
يقول عمر: إن كلمة «وطنية» عنت دائماً بالنسبة لي أكثر من شعور، إنها مواقف سامية وأعمال كبيرة، حزنت لأحزان قومي وفرحت لأفراحهم إلى كل بلد من البلدان العربية انتموا، ولطالما رأيت في كلمة «وطنية» اللغة العربية وأعلامها، والأدباء الذين أحيوا هذه اللغة وجعلوها حية تخفق في القلوب والضمائر.
ويقول أيضاً: يربطني بوطني حبي للأرض ورغبة جامحة في مبادلتها عطاء بعطاء، لم أشعر يوماً بأن أرض بلادي مجرد تراب وحجارة، بل طالما أحسست بأنها كائن حي ينبض بالحيــاة.
وهذه الوطنية ذات الأبعاد العميقة تجعل عمر يقرر أن على الشعر أن يتحمل مسؤوليته فيقول: ليس ثمة ما يمنع الشعر من أن يتحمل المسؤوليات أو أن يحمل أنبل التصورات والعواطف، ولا حرج في أن يستغل تأثيره لبناء الإنسان، لبنــاء الوطن أو العائلة فيا لقدرته مندفعاً في هذه العطاءات والسبل!.
فالوطنية عنده واسعة تشمل الأمة كلها، وتتجاوز الإقليميات الضيقة، وقد عمق فيه هذا الشعور إحساسه الحاد أنه صاحب رسالة لابد أن يؤديها. كيف لا..!؟ وهــو القائل: إن الأديب لا يمكنه أن يقف متفرجاً أو مكتوف اليدين حيال قضايا مصيرية تشهدها بلاده أو تضج بها الإنسانية جمعاء، فجراح بلدي هي أكبر ما حملت في نفسي من جراح، ولطالما خيل إلي أنني مسؤول في طليعة المسؤولين عن كل فساد، عن كل ظلم أو طغيان، عن أقل أذى يلحق بأصغر إنسان في آخر بقعة من الأرض.
وازداد هذا الشعور حدة بسبب ما اطلع عليه عمر وهو السفير السياسي صاحب العلاقات الواسعة والمعرفة الكبيرة بخفايا السياسة من عنف الهجمة الصهيونية على العرب والمسلمين، وسعة مطامعها، وبعد تخطيطها وقسوتها ووحشيتها. قال عن الصهيونية: لقد تسللت إلى النخاع الشوكي والجملة العصبية في جسم البشرية، وهي تعمل فيها فتكاً وتخريباً خدمة لأهدافها البعيدة.
وحين سئل ذات مرة عما يقلقه قال: يقلقني الخطر الصهيوني الحاقد، ولست أذكر أنني اعتليت منبراً بعد عودتي من بريطانيا عام ٢٣٩١م إلا وأشرت في كلامي إلى خطر الصهيونية وما تعده لأبناء الأمة العربية من دسائس ومؤامرات. ثم ازداد هذا الشعور حدة على حدة في أخريات عمره حين نظر فوجد الاستعمار قد زال، ولكنه وجد طغياناً أكبر يشيع ويذيع، وهو من القسوة بحيث لا يسمح له أن يقول بعض الذي كان يقوله بالأمس، فهتف بهذه الجملة الحزينة الرائعة التي تفيض حـــزناً ووطنية: كنا في الماضي البعيد نجرؤ على البوح حاملين الكلمة الحق إلى جانب الحديد والنار وفي مواجهتهما، أما اليوم فلا أجد مكاناً للكلمة بعد أن احتل الحديد والنار مساحة الوطن ومساحة الزمن.
وأياً كان الأمر؛ فإن الشعر الوطني عند عمر شعر غزير الكمية، متنوع الجهات، متعدد الملامح، عالي النبرة، وهو يعبر عنه في قصائد خاصة تقال بمناسبة وطنية كما هو الشأن في نكبة فلسطين وعيد الجلاء، وربما عبر عنها من خلال إشادته بفدائي، أو رثائه لصديق، أو تمجيده لبطل، أو لومه لشعب أساء اختيار حكامه، أو حواره مع حسناء إسبانية تعتز بأصولها الأندلسية، أو سخريته من مترف سفيه يبعثر أمواله في الحرام، بل إن شعره الإسلامي لا يخلو من شعوره الوطني الذي يظل يلح عليه وهو ما نجده في قصائده الشهيرة «محمد» و«خالد» و«من ناداني» و«أنا في مكة» وأمثالها. ولا غرابة!.. فالدين والوطنية والعروبة عند عمر تتداخل وتتواصل، كيف لا..!؟ وهو القائل:
أي فلسطين ما العروبة لـولا قبــس من سنـا النبــــوة هـاد
وتتضافر شهادات الدارسين في الإشادة بوطنية عمر، فالدكتور سامي الدهان يقرر أنه بعد عودته من بريطانيا عام 1932م مال كل الميل إلى الشعر وحده ينظم لكل مفاجأة توحي إليه أو تهز كيانه، وكان أكثر ما يهزه موت الزعماء من قومه في السياسة والأدب، فيقف لرثائهم واحداً بعد واحد.
وأما الأستاذ عبدالله يوركي حلاق فيقول: كانت سورية في ذلك الحين، تقارع الانتداب وتكافح المنتدبين ودعـــاة الاستعمار، وكان للشعر صوته المدوي، وتأثيره العظيم في إيقاظ الهمـم، وإلهاب المشاعر، ودفع الناس إلى المطالبة بالسيادة والاستقلال، وكان شعر عمر يعلو في كل مناسبة قومية، وفي كل حفلة وطنية، فتتلقفه الأسماع، وتحفظه الصدور، وتنشره الجماهير، وتتنافس في نشره كبرياتُ الصحفِ العربيةِ الروحُ والهدفُ.
ويروي الأستاذ عبدالله بلخير وهو صديق قديم للشاعر أيضاً كيف التقى بعمر عام 1935م في منتديات جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية في بيروت، فوجده شاباً أنيقاً في بداية تألقه وغشيانه المحافل يتجمع الشباب والشابات حوله، ويشارك في الشعر الوطني مع مجموعة من الشعراء تتأجج وطنية وعروبة وحداء للوحدة العربية، ويروي أيضاً أن الليالي التي كان يدعى فيها عمر لإلقاء شعره كان الزحام عليها منقطع النظير حيث يلهب الأكف بالتصفيق، والعواطف بالجيشان، والقلوب بالارتياح.
ثم يصف الأستاذ عبدالله بلخير قصائد عمر الوطنية بأنها أهازيج وصواعق ورعود وبروق تدفقت كالبراكين على الشعوب العربية الجافة اليائسة، فألهبت عواطف أبنائها وهم يتلوَّوْن تحت نيران الاستعمار والصهيونية.
كما يصفها بأنها هزت حالة الموات في الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، وأشعلت نار الغضب فيها. ويصف صوت صاحبها بأنه «زئير شاعر جريح» يختلط بزئير سواه من الشعراء الذين شكلوا «سرب الصقور» من شعراء الوطنية، وأنه ظل على مدى خمسين عاماً وهو يهــز الأمة بشعره ويبارز شعراءها الأكفـاء وهم قـلة.
ويتحدث الدكتور شاكر الفحام عن عمر فيقول عنه: شاعر عبقري من شعراء العرب الكبار أوتي موهبة الشعر، وتمكن من ناصية البيان، فغنى أجمل الأناشيد وأروع القصائد، أحب وطنه كل الحب، فكان يعبر في أشعاره عن عواطف أمته ويشدو بأفراحها، ويهتف بمطامحها، ويناصر مطالبها، ويندد بظالميها، ويأسى لجراحها، كل ذلك في اعتداد المعتز بأرضه المؤمن بغدها الواعــد.
ويصف الأستاذ الشاعر فاروق شوشة قصائد عمر الوطنية بأنها بمثابة طلقات الرصاص التي تطلق على المستعمر وعلى التخلف العربي.
ويشيد الأستاذ عرفان نظام الدين كثيراً بوطنية عمر في شعره ومواقفه، فـيرى أنـه: لم يكن مجرد شاعر يقرض الشعر، بل كان يمثل ضمير الأمة ووجدان الناس، ولهذا اعتبره من أعظم الشعراء العرب في العصر الحديث، ولم يكن الشعر سوى وسيلة من وسائل دفاعه عن الحق وتعبيره عن رأي الجماهير. ومن يستعرض قصائد عمر أبو ريشة يشعر وكأنه يقرأ تاريخ العرب الحديث، ويعيش همومهم ومآسيهم يوماً بيوم. وللوطنيات في شعر عمر أبو ريشة الصدارة والأولوية، فهو في شعره صاحب رسالة تجمع بين التوجيه والتوعية، وانتقاد الأوضاع السيئة، وإثارة الحماسة والدعوة إلى الجهاد والنفير والتحذير من الخنوع والتواكل وتأكيد دور الإيمان. كما أنه كان شجاعاً في الانتقــاد.
أما الشاعر المهجري الكبير زكي قنصل، وكان صديقاً حميماً لعمر فيقـــول عنه: كان عمر شديد الإيمان بوحدة الوطن العربي سريع الانفعال لما يقع فيه أو يطرأ عليه من أحداث، وقد بدا ذلك جلياً في آثاره الشعرية.
ونستطيع أن نقول بدون مغالاة: إن شعره يكاد يكون تاريخاً لحركة التحرير العربية منذ أوائل هذا القرن، وبخاصة لأحداث القطر السوري، ولايزال الكثيرون حتى الآن يرددون شعره في مقارعة الانتداب الفرنسي، وفي الدعوة إلى خلع نير الاستعمار واستعادة المجد العربي الداثر.
ويتحدث الأستاذ أحمد الجندي عن صديقه عمر ليخبرنا أنه كان رجل صراع خاض لجة السياسة، فعادى وعودي من أجل مواقفة الجريئة وقصائده التي كانت تذيع بين الناس بسرعة، ويؤكد لنا أنه كان له في كل ميدان قنبلة، وفي كل معركة غنيمة وانتصار.
وينظر الدكتور شوقي ضيف في ديوان عمر فيعجب أيما إعجاب بشعره الوطني الذي يثير العزائم ويحارب الاستعمار ويقارع الطغيان، فيبدو له وكأنه مجداف أهدي إلى سورية ليحرك سفينتها ويقودها في محنتها حين كانت تغوص أقدامها في ذل الاستعمار الفرنسي.
أما الدكتور جميل علوش فله شهادة ثمينة في وطنيات عمر أبو ريشة يقول فيها: عرف عمر بشعره الوطني والقومي، ولعله بذ الشعراء المعاصرين في هذا الجانب، وبخاصة ما نظمه في القضية العربية عامة، وفي نضال سورية من أجل الاستقلال وفي قضية فلسطين خاصة.
❊❊❊
كان حب الشاعر لوطنه حباً عميقاً ولا غرابة، فهو مهد الرسالة، وهو منطلق الفتح، وهو مثابة العز، وهو موئل الجود، وهو منبع البيان، لذلك ينظر إليه فيرى صحراءه منتهى حبه وغاية فتنته، ويراها بستانه وأنهاره:
نفحـــات النبي والفتــــــح والعــــلـ ـيـــــاء، والعز والنــــدى والبيـــان
رعشات في أضلعي ماجت الصحـ ــراء؛ فيهـــا ومــاج فيهــــا افتتاني
صــدق الحــب إن موطني الأجــــ ــرد، روضـــي وجـدولي ودنــاني
ينبت المجــــد قبـــل أن ينبت الـوَرْ دُ، ويعــطي الثمـــار قبــــل الأوان
وينظر مرة أخرى فيرى في بلاده الجمال والجلال والنعمة والخضرة، فيخشى أن يكون خيرها سبباً في ضياع الرجولة، والأوطان تبنى بالرجال، لذلك يفضلها قفراء مجدبة إذا أعطت الرجال فيناجي الله عز وجل في هذه القطعة الطريفة:
ربِّ طـوقـــت مغانينـــا جـــمالاً وجـــــلالا
ونثـــرت الخيـــر فيـــهنَّ يمينـــــاً وشمــالا
رب هذي جنـــة الدنيــــا عبيــــراً وظــلالا
كيف نمشي في رباها الخضر تيهاً واختيالا
وجراح الذل نخفـيها عـن العـــــز احتيــالا
ردهـا قفـراء إن شئــت وموِّجْهــــــا رمـالا
نحن نهواها على الجَدْبِ، إذا أعطت رجالا
❊❊❊
والحديث عن وطنية عمر لا بد أن يقف عند قصيدته الشهيرة «بعد النكبة» التي مطلعها:
أمتي هــــل لــــك بــــين الأمم منــــــبر للسيــــــف أو للقلـــم
فهي قمة في الشعر الوطني، وهي من أذيعه وأسيره، وكانت لها حكاية مدوية اتصلت بها مبالغات وتزيدات، وقد سبق الحديث عنها مفصلاً في أثناء الحديث عن مواقفه الجريئة، وهي تجمع بين الجرح الفلسطيني بقيام إسرائيل، والجرح السوري بتفريط الحكام، والجرح الديني بسيطرة الصهاينة على أرض إسلامية.
وحرقة عمر تجعله يقسو على أمته في هذه القصيدة ويوبخها ويسخر منها لأنها رضيت الذل والهوان وتخلت عن الثأر:
كيف أغضيت على الـــذل ولــم تنفضي عنــــك غبـــــار التهــم
أوَما كنت إذا البـــغي اعتــــدى موجـــة من لهــــب أو مـــن دم
فيم أقــــدمت وأحجمــــت ولـــم يشــتف الثـــــــأر ولــم تنــتقمي
اسمعي نــوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامــى وابسـمي
والقسوة هنا محمودة مبررة لأن عمر يرجو منها أن تكون دافعاً إيجابياً للأمة تتخطى به عجزها وسلبيتها، وهو لون من الوطنية صحيح وجريء. ومن هذه الوطنية الصحيحة والجريئة عند عمر أننا نجده يواجه الأمة بما تكره حين تشكو من قادة هي اختارتهم ومجدتهم فكانوا عليها وبالاً:
ودعي القـــــادة في أهوائهـــا تتفانـى فـــــي خسيس المغـنم
رب وامعتصـــــاه انطـــلقـت ملء أفــــــــواه البنــات اليتـم
لامست أسمــاعهـــــــم لكنهـا لم تلامس نخـــوة المعتصـــم
أمتي كم صـنــــــم مجــــدتـه لم يكن يحمـــل طـهر الصنـم
لا يلام الذئب في عـــــدوانــه إن يكُ الراعي عـــدو الغنـــم
فاحبسي الشكــوى فلولاك لما كان في الحكـم عبيد الدرهـــم
وتتكرّر المواجهة مرة أخرى لتكون دواء شديـد المرارة محمود العاقبة فيما يوده عمر، وذلك حـين يخاطب الشعب ليحمله المسؤولية فيما أصابه من أذى حكامه الذين يشكو منهم:
يا شعب لا تشـــك الأذاة ولا تطــل فيهـا نواحك
لو لم تكن بيديــك مجروحــــاً لضمدنا جراحــك
أنت انتقيت رجال أمرك وارتقبت بهم صلاحـك
فإذا بهم يرخون فوق خسيس دنيـاهــم وشـاحـك
أيسيل صدرك من جراحتهم وتعطيهـم سـلاحك
لهفي عليـــك أهكـذا تطوي على ذل جنـاحك!؟
لو لم تبح لهـــواك عليـــاء الحياة لما استبــاحك
والشاعر يوفق كل التوفيق في هذه المواجهة المرة الصريحة لعلها تكون حافزاً إلى اختيار صحيح يجلو آثار الاختيار السيئ، ودافعاً إلى الكف عـن البكاء والشكوى فذلك دأب العجزة والخاملين.
❊❊❊
وإذا كانت وطنيات عمر قد امتدت آفاقها إلى الأمة كلها متجاوزة الإقليميات الضيقة فإنها لم تنسه وطنه الصغير سورية.
فيوم أن جلا الاستعمار الفرنسي عن سورية وجد الشاعر في جلائه أمنية عزيزة تتحقــق، ونظر إلى الشعب الذي ظفر بأمله بعد جهاد طويل ومعاناة مريرة، وهو يغني للجلاء وللاستقلال، الزغاريد تنطلق، والأعلام ترفرف، والأناشيد تملأ الزمان والمكان، والنور في القلوب فضلاً عن الشوارع والميادين، إنه عرس بهيج، عرس الوطن وعرس المجد، فقال قصيدته الوطنية الذائعة التي سماها «عرس المجد» والتي يستهلها:
يا عروس المجد تيهــي واسحبي في مغانينــــا ذيــــول الشـــــهب
لن تري حفنــة رمـــــل فوقهــــا لم تعطـــــــر بدمـا حــــــــر أبي
درج الـبــــغي عليهــــا حقبـــــة وهــــــوى دون بـلــــوغ الأرب
وارتمى كــبر الليــــالي دونهــــا ليـن النــــاب كليــل المخـــــــلب
لا يموت الحـــق مهــمـــا لطمت عارضيـــه قبضــة المغتصــــب
ولا ينسى أن يمجد ميسلون وهي المعركة التي هزم فيها الجيش السوري أمام قوات الاستعمار الفرنسي، فشرف البطولة أن تدفع ثمـن المعالي وإن غُلبت:
كم لـنـــــا من ميســــلون نفضت عن جناحيهــــــا غبـــــار التعب
كم نبت أسيـــافنـــــا في ملـــعب وكــبت أجيـــــــــادنا في ملـعب
شــرف الوثبة أن ترضى العــلا غلـــــــب الواثــب أو لم يغـــلب
ومن الشعر الوطني الطريف لعمـر هذه الأبيات التي قالهــا يسخر فيها بفرنسا ويشمت بهـا:
رحــم الله هـتـــــــلراً يا فرنســــــا كنـــتِ أشهى إمائــــه وحســــــانه
أوَلَمْ تهتـــــــكي على قدميــــــه ما هفـــــت كل غـــــادة لصيــــــــانه
كم تـلوّيـــت في ليـــاليه ســــكرى بيــــن حــمى شفــــاهه ودنــــــانه
فدعي الزهــــو إنمـا الزهو للجــــا نيه من حـــــد سيــــفه وسنــــــانـه
واغضضي الطرف أنت أم لشعب ليس ديغـــوله ســــــوى بِيتــــــانِه
وسخرية الشاعر مبررة تماماً، وشماتته مقبولة منطقية، ندرك ذلك حين نتذكر أن الشاعر قالها وبلاده تئن تحت وطأة المستعمر الفرنسي الذي يقسو عليها ويبطش بها ظلماً وعدواناً، في الوقت الذي ركع فيه تحت أقدام الغازي الألماني هتلر في الحرب العالمية الثانية في استسلام مهين لم تظهر له فيه بطولة، مما يدل على أن بطشه هو بطش الجبان إذا أمن العاقبة لا الشجاع الذي يتحمل الأخطار.
أما ديغول وبيتان فكانا من جنرالات فرنسا يوم استسلمت للألمان، وكان ديغول رمزاً للمقاومة، وكان بيتان رمزاً للاستسلام، والشاعر يسوي بين الاثنين ازدراء لفرنسا كلها وسخرية بها، وللأبيات جمال فني وقيمة تاريخية، ويلاحظ أن الشاعر حذفها فيما حذف، وليته لم يفعـــل.
والقصـائد الوطنية التي خـص بها عمـر وطنه الصغير سـورية كثيرة كقصيدته «بـلادي»:
هيكل الخلد لا عدتك الغـــــوادي أنت إرث الأمجاد للأمـــــــــجاد
وهي قصيدة وطنية زاخرة قالها في رثاء سعد الله الجابري، ومجد فيها وطنيته ووطنية إبراهيم هنانو، ومجد من خلالها البطولة أي تمجيد.
وكقصيدته «هذه أمتي»:
ما صحا بعد من خمــار زمـانه فليرفِّهْ بالشـــــدو عن أشجـــانه
وهي قصيدة وطنية كأجمل ما يكون الشعر الوطني، يمتزج فيها الدين والوطنية والتاريخ والعروبة والفخار امتزاجاً بديعاً في قوة وصخب وعنفوان.
وكقصيدته «قيــــود»:
وطــن عليه من الزمان وقـــار النور ملء شعابـه والنـــــــــار
وهي كأختها السابقة كثرة عناصر وجلجلة بيان.
❊❊❊
وقد ظل الجرح الفلسطيني جرحاً غائراً في قلب الشاعر، وهماً ملازماً له طيلة عمره لذلك احتل مساحة كبيرة من شعره الوطني.
فحين استشهد المجاهد السوري سعيد العاص في فلسطين اتخذ من ميتته الشجاعة، مناسبة غنية لتمجيد البطولة التي كانت وستظل سلاحاً وطنياً يذود عن البلاد ويحميها من المعتدين:
يا دمــاء النـسـور تجري سخــــاء بغــــرام البطـــــولة الفضـــــــاح
أنبتي العـــــــز سرحـــــــة يتفـيــا بأظالـيـلهــــا شتيـــــت الـنــواحي
أنت دمع الســــماء إن لهث الحقــ ــل، وجفـــت سنـــــــابل وأقـاحي
يا شهيد الجهـــاد يا صرخة الهــو ل؛ إذا الخيــل حمحمت في الساح
كلمــــا لاح للكفـــــاح صــــــريخ صحت لبيـــك يا صـريخ الكفــاح
فترنحــــــت واندفعــــت وهيـهــا ت؛ يلــــين الجـــواد بعــد جمــاح
واقتحمـت اللظى فكنت مع الصيـ ــد؛ فراشـــاً على فــــم المصبــاح
فالشهداء الذين يسقطون دفاعاً عن الوطن هم نسور تجود بدمائها غراماً منها بالبطولة فينبت العز شجرة وارفة الظلال كما تنبت سنابل الحقل وأقاحيه إذا سحت عليه الغمائم بعد الجــدب.
والشهيد المرثي رجل بطولة ونجدة، آخذ بسيفه وفرسه يستجيب لكل مناد، لذلك ما إن يسمع الصريخ في فلسطين حتى يسارع إلى تلبيته لأن سورية وفلسطين في حسه الوطني أرض واحدة لها حق الولاء والوفاء، لقد لبى النداء في عزيمة لا تتراجع كأنه الجواد الجموح حتى ظفر بالشهادة أو ظفرت به.
وحين استقلت سورية لم ينس الشاعر في فرحته الغامرة فلسطين العزيزة ونكبتها، فبكى أحزانها لكنه بشرها بنصر قادم يكاد يسمع رعوده ويرى بروقه.
يا روابي القـدس يا مجلـــى السنا يا رؤى عيسى على جفـــن النبي
دون عليــائك في الرحب المــدى صهــلة الخيــل ووهــج القضـب
ولا يفوت الشاعر أن يهاجم الصهاينة الذين اعتدوا على القدس ويهــاجم من وراءهم من الغربيين الذين يدعون أنهم أحرار يقفون مع الحق ويحترمون المواثيق:
وسلوا القدس هل غفا الشرق عنها أو طـــــــوى دونها شبـــا مــرانه
أهتــاف خلف البحـــــــار بصهيـو ن، وحـــدب على بنـــــاء كيـــانه
ومن الهــــــاتف المــلـــــح أحـــر أين صـــــدق الأحرار من بهتـانه
أيــن ميثـــــاقه أتنحســـــــر الرحْـ ـمــــة؛ في دفتيــــــه عن عـدوانه
وإذا كان الشاعر قد اكتفى في الأبيـــات السابقة بمهاجمة المستعمرين الغربيين، فإنه في الأبيات التالية يقف موقفاً أجرأ وأصرح، إذ يقرر أنهم لم ينسوا أحقادهم الصليبية القديمة التي حملتهم على دعم الصهاينة فمدوا إلى فلسطين أياديهم بالعدوان:
والقدس ما للقدس يخـــترق الدمـا وشــــــراعه الآثــــــام والأوزار
عهــــد الصليبيين لم يــــبرح لــه في مسمع الـدنيــا صـــــدى دوار
صلبوا على جشع الحياة وفـاءهم ومشوا على أخشـــــابه وأغـاروا
مـــدوا الأكـــف إلى شـراذم أمـة ضجت بنتن جسومهــا الأمصـار
ورموا بها البلد الحرام كما رمت بالجيـفة الشط الحـــــرام بحــــار
وحين يقتل الملك غازي بن فيصل عام 1939م في بغداد يشارك عمر في تأبينه بقصيدته التي مطلعها:
شهقـة في الدجـى وراء البــوادي روعت خاطر الضحى المتهادي
ولا ينسى الشاعر وهو ينظر إلى جرح بغداد جرح الأمة الآخر في فلسطين، وكانت فيها ثورة ضد المستعمر الإنجليزي الذي أطمع اليهــود في فلسطين ومكــن لهم، ولا ينسى ما صنعته الأمة الإنجليزية المعروفة بنقض العهود والمواثيق بالشريف حسين جد غازي. إذ أطمعته وأملته بأن يكون ملكاً على دولة عربية مستقلة إذا وقف معها في الحرب وثار على الأتراك، فلما استجاب لها وظفرت بالنــــصر غدرت به وتخلت عنــه:
من لمهد المسيح والمسجد الأقـ ـصـى، وقد رددا صلاة الجهـاد
أتساقيهمــــا الشقــــــــــاء فلول من ضــلال وعصبــة من فساد
لفظتها لفظ النـــــواة المعــــالي ودعتهـــــا تهيــــم فــي كل واد
إيه أرض الميعاد لا تطمعيهـــا فهــــي من حتفها على ميعــــاد
غرهــــا وعد أمة ما روى الرَّا وُون عنها أسـطورة مـــن وداد
أوفت للحسـين زند العلى البكــ ــر، وصــــوت العروبة الرداد
أولم تعتصم بعسكـــــره المجــ ــر غداة الأهـوال في المرصاد
وتسر المـــــنى على كل جسـر عـــــربي الأرواح والأجســـاد
وتقفز إلى مخيلة الشاعر صورة الشريف حسين وهو في قبرص يعاني من أحزان الغدر والنفي فيستبد به الغضب على الأمة التي فعلت به ذلك:
اسألوها من ذلك الشيخ في الأســــ ـر، مســـــجى على فراش قتـــــاد
يا جراح الوفـاء سيـــــلي وضجي واستفزي كـــــــــوامن الأحــقـــاد
ما أرى الأنفــس الرحيمــــــــة إلَّا نعجـــة تحـت خنجـــر الجــــــلاد
ولعل من الطريف هنا أن نتذكر موقف شوقي من الشريف حسين لنجده يلتقي مع موقف عمر في ناحية ويفترق في ناحية. أما ناحية اللقاء فهي أن الشاعرين ينظران بعين التوجع للشريف المسكين الذي دفع ثمن ثقته بالإنجليز، فجاء يطلب الغنيمة فكان هو الغنيمة.
يقول شوقي في رثائه للشريف حسين الذي مات عام ١٣٩١م:
كلنــــــا وارد الســــــراب وكـل حمل في وليمة الذئـــــب طاعـم
قد رجـونا من المغانــــــم حظــاً ووردنا الوغى فكنــــــا الغنــائم
فالشريف المخدوع نعجة عند عمر، وحمل عند شوقي، وهو عند الاثنين مأكول مأكول.
أما ناحية الافتراق فهي أن عمر لا يتجه إلى الشريف حسين بلوم أو تقريع خلافاً لشوقي الذي قال له وهو يرثيه:
لك في الأرض والسماء مـآتـــم قام فيهــا أبو المـــلائك هاشـــم
قم تحــــــدث أبا عــــلي وخـبر كيف غامرت في جوار الأراقم
لم تبال النيوب في الهـام خشنـاً وتعلـــقت بالحـــواشي النواعـم
هات حدث عن العـوان وصفها لا تــرع في الـتراب ما أنا لائم
وشوقي في لومه للشريف حسين منسجم مع نفسه لأن ولاءه كان للخلافة العثمانية التي حاربها الشريف حسين. ومن لوازم هذا الولاء الإخلاص للخلافة والدفاع عنها، لذلك كان الشريف حسين عنده مخطئاً مرتين، مرة حين تخلى عن نصرتها، ومرة حين وضع يده في يد الإنجليز، وهم أعداء الدين والأمة والوطن وقاتلها معهم.
ولذلك نجده قبل ذلك بسبع سنوات أي في عام 1924م يقف من الشريف حسين موقفاً أشد وكان لايزال إذ ذاك حياً، ففي ذلك العام ألغى أتاتورك الخلافة العثمانية فرثاها شوقي بقصيدة بديعة تفيض حزناً وتوجعاً مطلعها:
عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معــالـــــم الأفــراح
وحـدث أن عدداً من كبار علماء المسلمين هاجموا أتاتورك وقرروا الاجتماع للبحث فيما فعل، وفكروا في نقل مقر الخلافة خارج تركيا والاجتماع على خليفة جديد، وكان هناك عدد من الطامعين في منصبها منهم الشريف حسين، فما كان من شوقي إلا أن حذر الناس منه أشد التحذير، وذكرهم بأنه عاجز ليس عنده مايدافع به عنها وعن عباءة النبي صلى الله عليه وسلم التي يرتديها الخليفة حين يبايع سوى راحتيه، وذكرهم أيضاً بتحالفه مع الإنجليز الذين جرحوا الأمة أيما جــراح:
لا تبـذلوا بُـْـرد الــنبي لعاجـــــز عـــــزل يدافـــــع دونه بالــراح
بالأمس أوهـى المسلمين جراحة واليــــوم مد لهم يـــــد الجــراح
وعلى كل حال فإن شعر عمر يدل على أن الجرح الفلسطيني ظل مستولياً على قلبه، ترى ذلك في قصائده «حماة الضيم» و«حكاية سمار» و«بنات الشاعـر» و«ياعيد» و«بلادي» و«من ناداني» و«أمرك يارب» و«أنا في مكة» وغيرها، كما يدل على أن هذا الجرح رافقه طيلة عمره وجعله يهتف محزوناً في أواخره في قصيدته «عودة المغترب» خاصة حين رآه يستفحل ويزداد:
من للبقـــايا من تراث غـــاضب في القدس من يسعى إليه منجدا
درجت عليه الغاشيات ولم تـدع فيها بنــــاء للشمــوس مشيـــــدا
❊ ❊ ❊
ويلاحظ على وطنيات عمر أنه كان يجد في الخطوب نفعاً وفائدة لأنها توقد العزائم، وتجمع الصف، وتدفع إلى الثأر، يقول والاستعمار الفرنسي جاثم على الصــــدور:
هذه أمتي وهـــــذي مغــــــانيـ ـهـا؛ تجر السواد في الأعيــــاد
كلما لاح بارق في سمــــــــاها أطفأته ريح الزمـان العـــــادي
جمعتها هوج الليالي على الجر ح؛ كما تجمع الندامى شــوادي
والرزايا كـــم قربت بـين أشـتا ت؛ بــــداد وأمنيـــــــات بــداد
كما يقول في نكبة فلسطين:
لمـــــت الآلام منــــــــــا شملنـــا ونمت ما بيننـــــا مـــــن ســـبب
فإذا مصـــــر أغـاني جـــــــــلق وإذا بغـــــــداد نجـــــوى يــثرب
ذهبت أعلامها خافقـــــــــــــــــة والتقى مشرقهــــــا بالمغـــــرب
كلما انقضَّ عليها عاصـــــــــف دفنته في ضلــــــــوع الســــحب
بورك الخطب فكم لف علـــــــى سهمه أشتــــات شعـب مغضــب
ويقرر أن جرح الأمة في مكان هو جرح لها في بقية الأمكنة التي تهب للنجدة:
أي جرح ضج العــراق عليـــه ما تلقى الأســــــــاة من لبنــانه
وهو في هذا يحذو حذو من سبقه من الشعراء الذين طالما انتبهوا إلى هذا المعنى في جيله وغير جيله، كحافظ إبراهيم الذي هتف عام 1908م ببيتيـــه الذائعـين:
إذا ألمت بوادي النيـــــــل نازلــة باتت لها راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألـم أجابه في ذرى لبنـــــــان منتحب
وكشوقي الذي هتف يوم بويع بإمارة الشعر عام 1927م:
كان شعري الغناء في فرح الشر ق؛ وكان العـزاء في أحــزانــه
قـــد قضى الله أن يؤلفنـــا الجــر ح، وأن نلتــقي عـلى أشجــــانه
كـلمــا أنَّ بالعـــــــراق جـــريح لمس الشـرق جنـبه فـي عمــانه
كما يلاحظ على هذه الوطنيات أنها كانت دائماً تبث الأمل، وتبشر بالنصر، وترى النعمة في النقمة، والمنحة في المحنة، واليسر في العسر. في قصيدته «خالد» يلتمس الشاعر العذر للأمة التي مازالت قادرة على البذل والعطاء، ويلقي المسؤولية فيما أصابها على من قادها:
لا تقـــل ذلت الرجــــولة يا خـــا لد واستسلمـــت إلى الأحـــــزان
حمحمات الخيول في ركبك الظا فــر؛ مازلــــــن نـشــــوة الآذان
كم طوت هـــذه المرابـــــع أفـلا ذ؛ قلـــــوب بدرية الخفقــــــــان
قـــم تلفت تر الجنــود كمـــا كــا نـوا؛ منــار الإبـاء والعنفـــــوان
ما تخــلوا عن الجهــــــاد ولكـن قادهــــم كل خـــائن وجبـــــــان
وفي قصيدته الأخرى «محمد» ينظر فيجد الصحراء التي طلع منها المجد أول مرة قادرة على أن تجدد للأمة مجدها، فيجعل ختامها هذه الأبيات:
يا عروس الصحراء ما نبت المجد؛ على غير راحة الصحراء
كلما أغرقت لياليها في الصــــــمــت؛ قـامت عن نبـأة زهـراء
وروتها على الوجــــود كتـــاباً ذا مضـاء أو صـارماً ذا مضاء
فأعيدي مجد العــــروبة واســقي من سنــــاه محاجـــر الغبراء
قد ترفُّ الحيـــــــاة بعــد ذبـــول ويلـــين الزمــــان بعـد جفـاء
ومثل هذا الختام نجده في آخر قصيدته الوطنية «حماة الضيم»:
مهلاً حمــــاة الضيم إن لليـــلنـــــا فجراً سيطوي الضيم فــي أطماره
ما نام جفن الحقـــد عنـــك وإنمــا هي هدأة الرئبـــــال قبـل نفـــــاره
وإذا عثر المجاهد فإن الأمل يحمله على النهوض:
فكم عـثرنا ولم تعــــثر إباءتنــا وكم نهضنا ولم يشمت بنا خور
وهذا الأمل يجعله يجد في الأمـة مع فداحة خطوبهــا، كتائب الفــــتح المؤمنـــــة الغاضبـــة:
عــــزاؤه أن ملء الســـــاح فتيــته إلى الردى والفدا أرواحهــم نذروا
كتائب الفتح في إعصـــار عاصفة بالحقـد والغضب العــلــوي تنفجـر
من كل أمــرد ما أدمى مراشفـــــه في رعشة الشوق إلا الوحل والمدر
وكل حسنــــاء ما باعت أساورهــا إلا لتشري بـه ما المـــــوت يدخــر
كتائب بالنضال الحــــــق مؤمنـــة إذا الطواغيت من إيمانها سخــروا
كما يجعله عظيم اليقين في فجر قادم بالنصر المؤزر:
سينجلي ليلنـا عن فجـر معـتـرك ونحن في فمـه المشبوب تغــريد
وهو أمل موار يملأ الفدائي يقيناً عميقاً بأن دمه لن يذهب هدراً، فيقدم على الموت غير هياب وهو ينشد:
بيني وبين المـوت ميعـــاد أحــــــث له ركابي
عبــــق بأنفـــــاس النعيم السمح والمجد اللباب
عطر فداك العمر يا ميعـــاد من جرحي ترابي
فلسوف تركز فيـه أعلامي وتحـــرسها حرابي
كما أنه أمـــــل يحمــل البشرى الجميلة بأن غد الأمة غد واعد مع كل جراحاتهـا:
يا رمل رجع حداء في مســامعــنا هل حمل الركب بشراه وما عـلما
قيثارة الوحي لم تجرح لهـا وتــراً أيدي الليــالي ولم تحبس لهـا نغما
أمن سنــــا أحمــــد حـر ستطلعـه وتطلع المجد في برديه مضطرما
فيرجع الأرض ريا بعـدما يبسـت ويمتطي الدهر غضـاً بعدما هرما
وهو أمل يجعل الأمة تغالب الصعاب مثلها مثل الشراع الذي اعتاد أن يزدري الأنواء، ويشق طريقه في العباب حتى يصل شاطئ الأمان، ويلقي مرساته حيث يريد:
هذه أمتي فيــــــا لشـــــــراع يتلقى العبــــاب في هيجــانـه
علمته الأنـواء أن يزدريهــــا ويجـــر المرســاة في شطآنه
❊❊❊
وبعد: فالحديث عن وطنية عمر حديث طويل، وهو في هذا الميدان يحمد ويشكر ويشار إليه بالبنان شاعراً وطنياً من الدرجة الأولى، كان في وطنياته ملء السمع والبصر، جريئاً مقداماً، صاحب رسالة أداها أحسن ما يكـــون الأداء، واحتل بها مكانة عالية عن جدارة واستحقاق.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق