العفو عن أبي دلف العجلي
(1)
الأفْشِين – تابع له
الأفشين "في صوت ينم عن الحقد والتشفي": أخيراً وقعَ أبو دُلَف بين يدي.. هيه.. ما أصغَرك في الحديد.. وأحقرك يا أبا دلف!.
التابع1: أطال الله عمرَ مولاي الأفشين، ما زلتَ تسعى بأبي دُلفٍ عند المعتصم حتى وقعَ بين يديك جزاءً لسوء صُنعه.
الأفشين: ذلك ليعلمَ أنه ليس لي بِنِدٍّ. "في صوتٍ عالٍ" تباً له! لقد كان يحسبُ نفسه كُفْؤاً لي، وكان يساوِرُني ويغالبني، وما درى أنه ليس اليوم من هو أعظمُ مني سوى المعتصمِ أمير المؤمنين.
التابع1: إن وقوع أبي دلف بين يديك سيزيد من قوَّتِكَ وسطوتِكَ يا مولاي.
الأفشين: وكيف؟
التابع1: سيزولُ من طريقك أكبرُ منافسيك وأشدُّهم قوة.
الأفشين: صدقت.
التابع1: وسوف يُفكرُ كبارُ القادةِ والولاةِ عشراتِ المراتِ قبل أن تطمحَ أنفُسُهم إلى مُساماتِكَ ومنافستِك.
الأفشين "فرِحاً": صدقت، صدقت.
التابع2: وسيعلمُ الناسُ كلُّهم منزلتك عند أمير المؤمنين فيخافونك ويهابونك.
الأفشين: صدقت، صدقت. "في صوت الحاقد" سأمتعُ نظري بك يا أبا دلف.. "يهدأ صوته ويصبح يصرّ على مخارج الحروف ويخرج الجُمل بهدوء كأنه يتلذذ بها" منظرُكَ في القيود، والحرّاس يسوقونك، مِشْيَتُك وأنت زائغُ البصر، وقوفُكَ بين يديّ وأنت ذليل صاغر، رأسك وقد أطاحَ به الجلّاد، دمُك وقد سال على النِّطْع. "صمت قصير يضحك بعده ضحكاً غليظاً".
التابع1: إن هذا اليومَ من أيامِ سعادتك يا مولاي، جعلَ الله أيامك كلَّها سروراً وبهجة.
الأفشين: هل كل شيء مُعَد؟
التابع1: أجل. أبو دُلَف أسيرٌ مقيَّد، والسيَّافُ ينتظرُ إشارتك.
الأفشين: أحسنتم صنعاً. هيَّا بنا الآن لنشهدَ نهاية هذا المنافس العنيد.
***
(2)
أبو دُلَف – الأفشين – التابع – أحمد بن أبي دُؤَاد
الأفشين "في صوت عالٍ ساخر": كيف أنتَ اليوم يا أبا دلف؟ لعلك سعيدٌ مرتاح البال.
أبو دُلَف "في صوت هادئ": الحمدُ لله تعالى، له الحمدُ في السرَّاء والضرَّاء.
الأفشين: أرأيت عاقبةَ أفعالك؟ أرأيت أين انتهى بك كيدُكَ لي ومنافستكَ إياي؟
أبو دُلَف: لِصَوْتِكَ أن يعلو على صوتي، فأنا مقيَّد أنتظرُ القتل، وأمري الآن بينَ يديك.
الأفشين: ألستَ بنادمٍ على سوءِ صنيعك؟
أبو دُلَف: ما فعلتُ ما أندمُ عليه، وأعمالي كلُّها بيضاءُ نقية.
الأفشين "ساخراً": لعلك صدَّقتَ أقوالَ الشعراء فيك، فَخِلْتَ نفسَك كما يزعمون.
أبو دُلَف: أنا أدرى بنفسي منك ومنهم.
الأفشين "ينشد في سخرية":
إنما الدنيــا أبو دُلَــف بينَ باديهِ ومُحْتَضَرِهْ
فإذا ولَّى أبو دُلَف ولّت الدنيا على أثَرِهْ[1]
الأفشين: هكذا كانوا يُنْشِدونك ويقولون فيك، أليس كذلك!؟
أبو دُلَف: مهما تسخر مني فلن تضرّني، الناس يعرفون من هو أبو دُلَف.
الأفشين: أيها المغرور!.. أيها السفيه!.. انظر نظرةَ وداعٍ إلى الدنيا قبل أن يهوي عليك السيف، ليرتاحَ الناس من ظلمِكَ وأذاكْ.
"الباب يقرع ثم يدخل التابع"
التابع3: السلامُ على مولاي الأفشين.
الأفشين: وعليكم السلام أيها التابعُ الأمين.
التابع3: بالبابِ أحمدُ بن أبي دُؤَاد يريدُ الدخول
الأفشين: قل له: إني الآن مشغولٌ، فليعدْ فيما بعد.
التابع3: قلت له ذلك فأبى يريد أن يدخل.
الأفشين "في صوتٍ عالٍ غاضب": لن يدخل.
أحمد "الباب يفتح ويغلق، صوت خطاه، يتحدث بصوت عالٍ": بل لَأدْخُلَنْ.. "صوت خطاه".
أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أَمِثْلي يُمْنَعُ من الدخول يا أفشين؟
الأفشين: لا.. لا.. لكني أردت أن أَفْرُغَ من أمر أبي دلف.
أحمد: اسمع أيها القائد الشجاع، إنه لا شيء كالعفوِ يُكْتَسَبُ به الثواب، وتُمْحَى به الأحقاد، وتُنَالُ به حُسْنُ الأحدوثة.
الأفشين "غاضباً": لا.. لا.. ليس ثمةَ سبيلٌ للعفو عن أبي دلف.
أحمد "في صوت هادئ": يا أفشين!.. لا يحمِلنَّك الغضب على أمرٍ ربما ندمتَ عليه.. ومثلُكَ على عداوته لأبي دلف لا يخفى عليه فضلُ الرجلِ وشجاعته وجودُه.
الأفشين: مضى وقت العفو يا أحمد، ولا بدَّ من القتل.
أحمد "في صوت هادئ يحاول به استرضاء الأفشين": ليس هناك وقتٌ للعفو يمضي، إنه من مكارم الأخلاق، وبوسعك أن تعفوَ الآن يا أفشين لتنطلقَ ألْسُنٌ بالدعاء لك، سوف تنطلق بالدعاء عليك إنْ كانت الأخرى.
الأفشين: لا.. لا.. لا بدَّ من قتل أبي دلف، ليكونَ في ذلك عظةٌ لكل شانئ.
أحمد "في هدوئه": اسمع يا أفشين، اعفُ عن أبي دلف، ولتكُنْ لك قِلادةٌ في عنقي أكافئك عنها في قابل الأيام.
الأفشين "صارخاً": لا.. لا.. لن أعفو.
أحمد "صارخاً": بل لتَعفُوَنَّ وأنت كاره.
الأفشين "غاضباً": ويحكَ أتعلم ما تقول!؟
أحمد "غاضباً": أعلم جيداً. اسمع يا أفشين، إلى متى أستعطفُكَ وأسألُكَ وأنت تأبى؟ إني رسولُ المعتصم إليك، يأمرُك ألّا تُحْدِثَ بأبي دلف حدثاً، وإن مسَّه سوءٌ أو قُتِل فإنه قاتِلُكَ به.
الأفشين: "وقد هدأ صوته" ماذا.. ماذا تقول؟
أحمد: الذي سمعت. اشهدوا أيها الحضور أني قد بلَّغتُه رسالةَ أمير المؤمنين، وأبو دُلَف حيٌّ معافى. "غاضباً": إني منصرفٌ الساعةَ إلى أميرِ المؤمنين. "صوت خطاه على الأرض بسرعة، الباب يفتح ويغلق في عنف"
رجال "همهمة": نعم.. نعم.. نشهد.
(3)
أحمد – المعتصم
أحمد: يا أميرَ المؤمنين، حفظك الله ورعاك، لقد أقدمتُ على أمرٍ عظيم، عسى أن يَسَعَهُ حِلْمُكَ وجودُك أطالَ اللهُ بقاءك.
المعتصم: وما ذاك يا ابنَ أبي دؤاد؟
أحمد: دخلت على الأفشين وهو يقرِّعُ أبا دلف ويشتمُه، وأبو دُلَف مقيّد، والسيّافُ ينتظر الأمر ليقتلَه، فاستعطفتُ الأفشين لعله يعفو فأبى، فلما رأيتُ عنادَه زعمتُ له أني رسولٌ من عندك..
المعتصم "في لهجة متسائلة": رسولٌ من عندي؟
أحمد: أجل!.. قلت له: إني رسولُ أمير المؤمنين إليك، وهو يأمرُكَ ألّا تُحْدِثَ بأبي دلف حدثاً، وإن مسَّه سوءٌ أو قُتِل فإنه قاتِلُكَ به.
المعتصم: ويحك! وما حملَكَ على ذاك؟
أحمد: حملني ما عرفتهُ من حلمِكَ يا أمير المؤمنين، فأطمعني ذلك، فزعمت للأفشين ما زعمت لأنقذَ أبا دلفٍ من القتل. وإني لعظيمُ الرجاء ألّا تردَّني، وأن تقبل شفاعتي في أبي دلف.
المعتصم: والله إن ما فعلتَ لعظيم، زعمتَ أنك رسولي إلى الأفشين.. إنها جرأةٌ كبيرة عليّ، أليس كذلك؟
أحمد: أجل، هو كذلك، لكنَّ حلمَكَ أعظمُ منه يا مولاي.
المعتصم: فقد قبلتُ شفاعتك يا أحمد، وسوف أرسل الساعةَ إلى الأفشينِ مَنْ يكفُّ يدَه عن أبي دلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق