الأربعاء، 2 يونيو 2021

فيض الضمير - من يطفئ الشمس؟ - د.محمد أبو بكر حميد

فيض الضمير - من يطفئ الشمس؟

د. محمد أبو بكر حميد
نشرت بجريدة الجزيرة - الخميس
13/ 6/ 1428هـ - 28/ 6/ 2007م


     الشعر فيض من القلب، ودفقات شعور في لحظات صدق، ومعانٍ سامية تُقَدَّمُ على أطباق من موسيقى تطرب لها النفس وترتاح، وليس كلاماً مرصوصاً أو خطباً ومواعظ ليس فيها من الشعور والموسيقى شيء إلا أوزان الخليل.

     والشاعر الصديق د.حيدر الغدير من الشعراء الذين تطرب لشعرهم النفس وتتعلم في آنٍ واحد لأنه صاحب رسالة في الحياة يقدمها من خلال صور من الفن الرفيع، وهو بهذا الالتزام للفن والفكر يقدم نفسه نموذجاً للشاعر الإسلامي الحق الذي يوظف فنه أجمل توظيف لخدمة فكره، ولا ينسى وهو يؤدي رسالته الفكرية أنه فنان في المقام الأول، وهذا مطلب قديم في الأدب تحدث عنه أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حين اشترط اقتران الإمتاع بالتعليم في الرسالة الحقيقية للفن الهادف.

     وإعجابي بشعر حيدر الغدير قديم منذ بدأت أسمعه يلقي شعره في المجالس والندوات والصالونات، وكنت أتألم لأنه لم يهتم بجمع هذا الشعر في ديوان طوال كل تلك السنين، لهذا كانت فرحتي كبيرة عندما رأيته يصدر ديوانه الأول الذي تأخر كثيراً بعنوان (مَنْ يطفئ الشمس؟!)

     ويضم مجموعة مختارة من قصائد السنوات الأخيرة التي يحتفي فيها بالأشخاص والأفكار احتفاءً فنياً لا تجد فيه تكلف النظم أو تعسف الفكر، فنجده يغرد بحب ووفاء لشخصيات مميزة في حياتنا أمثال عبدالعزيز الرفاعي، ومحمود محمد شاكر، وعبدالعزيز بن باز، وعماد الدين خليل، وأبي الحسن الندوي، وعلي الطنطاوي. وتغلب على الديوان روح الإنسان المسلم الغيور على أمته في حثها على النهوض بالوقوف على عظمة تاريخها حين يقول:

تاريخنـــا شَاهِدٌ أَنَّا ذوو صيــدٍ
               وأننا حين يربو الخطب نستعر
وأننا الغضب القـدسي متقــــداً
               عند التحدي وإذ يستعلن الخطر

     وتوقفت طويلاً مستمتعاً ومتعلماً من الروح المتطهرة في بعض القصائد التي تجمع الخشوع والجلال في مثل قوله عن ليلة القدر:

ظفرت بها وغشـاني أمان ... وقر بها ضميري والجنان
وحيتــني عوارفها اللواتي ... بســمن كأنهن الأقحـــوان

     ونجد هذه الروح المتطهرة في قصائد مثل (وأسلمت للرحمن)، و(حَبْلُ الله) التي يقول فيها:

إذا أقصيــــتني فبمن أكـون
               ومن أرجو سواك وأستعين
حيـاتي قد مضت كراً وفراً
               وأخطاء تجــــل وقد تهـون

     وفي قصيدة (بقية مُنْيَة) التي نظمها في رحاب المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة يحتشد عاطفياً وروحياً ليعبر عنه حبه العظيم:

هو حب مطهـــــر لم يلوث
               بأذاة ولم يقارف حــــــراما
وهو حب أدمنته في مشيبي
               فاستباني وحين كنت غلاما

     ويدعوه هذا الحب إلى تمني الموت فيها والفوز بالدفن في البقيع:

بقية مُنْـــيَة تجول بصدري
               أن يكون البقيع فيها مقــاما
حيــنما أنطوي فيغدو ثراه
               شارة للرضا ويغدو وساما

     وفي قصيدة (يا خالقي ما أكرمك) يقف الشاعر خاشعاً متذللاً بين يدي الله يطلب عفوه ورضاه:

يـــا رب لي أمل مديد في عطائك أنشــــدك
               مـــا أعظـــمك! ما أستـــرك! ما أجـــودك!
ما ضاق عفوك بالقوي، ومَنْ تمادى أو فتك
               ممن أســـرَّ ذنــــوبه بين الأنـــــام أو هتــك

     ويختم الديوان بقصيدة هي من أروع ما قرأت في سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم.

     والديوان حديقة شعرية متعددة الشجر لا تنتقل فيه من قصيدة فُضلى إلا لأفضل؛ وشعر الشاعر د.حيدر الغدير يحتاج -روحياً وفنياً- إلى وقفة أطول تليق بما فيه من سامي الفكر والفن.

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة