الاثنين، 31 مايو 2021

من يطفئ الشمس؟ د. أحمد البراء الأميري

من يطفئ الشمس؟

د. أحمد البراء الأميري
الرياض – الجمعة
27/ 11/ 1428ﻫ - 7/ 12/ 2007م


     "من يطفئ الشمس"؟ لا أحد من البشر يمكنه أن يطفئها! وكذلك الأمة المسلمة التي أهدى إليها الشاعر الدكتور حيدر الغدير ديوانه الأول، لا يمكن لأحد أن يطمس نورها.

     في الصفحة الأولى من الديوان نجد الإهداء:
     إلى الأمة المسلمة التي لا تنطفئ شمسها مهما عتت الأرزاء وتكالبت الأعداء!

     "من يطفئ الشمس" – إذن – هو عنوان ديوان، وعنوان القصيدة الأولى من خمسين قصيدة ضمها الديوان.

     صدر الديوان في أول عام 1427ﻫ، وفي أواخر العام نفسه صدر أخوه الذي يضم خمسين قصيدة أخرى، ويحمل عنوان القصيدة الأولى التي جاءت فيه: "غداً نأتيك يا أقصى".

     الديوان – على صغره – غني، فالشاعر مكثر من الشعر، طويل النفس فيه، متمكن من بحوره، لا تكاد تجد فيه قصيدة قصيرة، فهو إما قصائد طوال[1]، وإما قصائد متوسطة الطول، وقد قاربت أبياته الألفين. فالقارئ – إذن - أمام مائدة شعرية حافلة، متعددة النكهات؛ فيها الإخوانيات الخفيفة، وهي قليلة، وأكثرها: تأمل واعتبار، وحنين إلى الديار، ومناجاة للكريم الغفار، ورثاء لمن رحلوا من الأبرار.

     ومن أجمل ما يطبع الديوان - في نظري - روح التفاؤل التي يشع نورها فيه، وشرف مقاصده ومعانيه. ولأضرب للقارئ الكريم بعض الأمثلة على ما أقول:

     القصيدة التاسعة عشرة عنوانها: "في ليلة القدر" وقد قدمها الشاعر بسطر قال فيه: "ملأني يقين لا حد له أني أحد الذين أكرمهم الله بالظفر بليلة القدر"، وعن بشارات الليلة يقول:
وعاينت القبول وبشريــــــــات
               كأن السعــــــد فيها مهرجــــان
أشرن إلي أن العفو غَـــــــــدْق
               ودون مداه ينعـقـــــد اللســـــان
ولاح الفوز يدعوني إليــــــــــه
               وهـــــــش إليّ يدعوني الأمـان
وجئت الحشر قد غفرت ذنوبي
               طليـــــقاً لا أديــــــــن ولا أدان

     ومن أعجب القصائد قصيدة يعقد الشاعر فيها "صداقة" مع الموت! وفيها يقول:
أخافني الموت دهراً ثم صافـــــاني
               وقال لي: لست بالعادي ولا الجاني
فمـات خوفي منه، وهو بـــــــادلني
               حباً بحب، وناجاني وآخـــــــــــاني
أتــــانيَ الموت في رفق وفي حدب
               يقتادني عن شقاء العالم الفــــــــاني
فزال عني غطائي وانجلى بصـري
               يرنو، وبي لهفة للعالم الثــــــــــاني
وطار بي أمل جذلان يغمــــــــرني
               أن الكريم تولاني وأدنــــــــــــــاني

     هذا مثالان واضحان على روح التفاؤل العالية التي يشرق نورها في ثنايا الديوان. أما شرف المعاني فالدلائل عليه كثيرة، منها: قصيدة "حبل الله" التي يقول في مطلعها مناجياً ربه سبحانه:
إذا أقصيتني فبمن أكــــون؟ ... ومن أرجو سواك وأستعين؟

     ومنها: عدة قصائد في المدينة المنورة، طيبة الطيبة، التي يخاطبها في أبيات كثيرة تنضج بالحب والحنين، كقوله:
غنيت في حبها أحلى أناشيـدي ... وأزهرت كالربا فيها أغاريدي

     وقوله:
أتيت طيبة مثل الطائر الغـــــــــرد
               أرجو البراءة من إثمي ومن كمدي
أومت إلي، فأغرتني، فطـــرت لها
               على جناحين: من شوق ومن رشد
حتى التراب غدا كحلاً لبـــاصرتي
               أما سناها فنسغ الروح والجســــــد

     ذكرت أن من موضوعات الديوان: التأمل والاعتبار، والرثاء لبعض من رحلوا من الأبرار. ولألقِ بعض الضوء على هاتين النقطتين.

الأولى: قل لي من ترثي.. أقل لك من أنت!

     من الطبيعي أن يرثي الشاعر أمه وأباه، وأخته وأخاه، وزوجه وولده، وهذا الرثاء تعبير عن العاطفة الإنسانية المشتركة بين الناس، ولكنه قد لا يكشف عن فكر صاحبه وروحه واتجاهه.

     أما رثاء الأعلام فمنه تعرف فكر الشاعر ونفسيته بل وهواه. وإذ نظرنا في المراثي التي ضمها الديوان، رأينا قصيدة في رثاء أمه، وأخرى في أخيه. أما القصائد الأخرى ففي الشيخ أبي الحسن الندوي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ علي الطنطاوي، وعلامة العربية الشيخ محمود شاكر، رحمهم الله جميعا.

     فقصيدة "لوحت للناس" يخاطب فيها الشيخ أبا الحسن الندوي بقوله:
بقية السلف الأبرار قد كرمـــــــــوا
               وأنت فيــــهم ومنهم نجـــــمة تقــــد
أنت المجلي إذا التقوى زهت فرحـاً
               بالأتقيــــــاء وبـــان الصدق والفنـد

     وقصيدة "ترجلت في التسعين" يخاطب فيها الشيخ عبد العزيز بن باز بقوله:
مضى الشيخ عن دنياه فالموعد الحشر
               وضــــم غواليــــــه المطهرة القبــــــر
وسار به النعش المهيــــــــب وأكبُــــد
               حرار عليها من مهابته وقــــــــــــــــر
يضوع الهدى منه نقيــــــــــاً مُمَسّـــَكاً
               كما ضـــاع من أغلى قواريره العــطر

     وقصيدة "شاهد القرن" يخاطب فيها الشيخ علي الطنطاوي بقوله:
سبعين عاماً عشت فــارس حلبة
               لك في المحافل شدة وترفــــــــق
المسلمون عشيرة لك كلـــــــــهم
               إن يحزنوا، أو يفرحوا، أو يقلقوا
أما الدعــاة فأنت فيهم والـــــــــد
               يحنـــو، ويصـلح بينهم، ويوفــق

هذه هي النقطة الأولى.

أما الثانية فهي: التأمل، والاعتبار المبثوث في كثير من صفحات الديوان.

     ومن أمثلته:
    حواره مع قصر الحمراء بغرناطة في قصيدة "بعض الرؤى"، ومع الشيب في قصيدة "فرار"، وقصيدتا: "أقبلت تسترق الخطا" و"نحن لا نفنى" اللتان يخاطب في كل منهما عاماً جديداً، وفي الثانية يقول:
أيها العـــــام الذي نرنو له
               مثلما جاء إلينا ورنـــــــــا
قل لمن ظن بأنـــــا أمــــة
               أوشكت تغرق في لج الفنا
نحن لا نفنى فإنـــا أمــــة
               لم تزل جذوتها ملء الدنا

     ومن أمثلة التأمل والاعتبار قصيدة "وأسلمت للرحمن"، ومن أبياتها:
خـلوت إلى نفسي وأمعنت في صمتي
               وفي الصـمت أسرار تبوح بلا صوت
وحيـداً وحولي من رؤاي شـــــــوارد
               يقـاسمنني صمتي ويرتعن في بيــــتي
أحــــدق في الأيـــام وهي رواحــــــل
               فهذي بنا تمضي وهذي بنـا تــــــــأتي
ولما رأيت الدهر تمتــضي ركابــــــه
               سراعاً بنا، من خـائفين ومن ثــــــبت
وأن المنــايا - كالأمــاني - مـــواثـــل
               نواء، دوان، ليس منـهن من فــــــوت
عزمت على التفـــــويـض لله واثقــــاً
               فطهرت وجداني وأصلحت من سمتي

     وبعد؟ فالقول في ديوان "من يطفئ الشمس" متسع الأنحاء يضيق عنه المقام، ولكن ما لا يدرك كله يدرك بعضه، وفي هذا البعض غناء. والله الموفق.

-----------------------------
[1] مثلاً: قصيدة "يا شام" 65 بيتاً، و"شاهد القرن" 60 بيتاً، و"الصقر" 75 بيتاُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة