الجمعة، 25 ديسمبر 2020

أشواق أندلسية

أشواق أندلسية

الرياض - السبت
19/ 7/ 1414هـ -  1/ 1/ 1994م

كان عدد من الشبان المغاربة يتجولون في جنة العريف في حمراء غرناطة بملابسهم الجميلة المميزة، ولما حان وقت الصلاة أذن أحدهم ثم أدَّوا الصلاة جماعة والزوار يرمقونهم بدهشة، والأندلس تنظر إليهم بلهفة وحب وحنان وقد استيقظت فيها أشواقها لأيام للمسلمين. 

سأظل أحلم بالأذانْ وأظل أرقبه الزمانْ
أطوي القرون القهقرى شوقاً لأيامي الحسان
والمسلمون مواكب تترى وصعب الدهر لان
وهم الميامين الألى لا يركنون إلى هوان
وفتوحهم في زهوها هي والحضارة توأمان
موسى وطارق والأباة ومجدهم والعنفوان
يبنون في أرضي العدالة والهداية والأمان
تمشي المآثر بين أيْديهم فيخضرّ المكان
والنــاس والأطيار هانئة تزغرد كالقيــان
بِشْراً بأنبـــل فاتحيــن كأنَّهم هبة الجنــــان
جاؤوا كما سرت الطيوب العاطرات ونسمتان
وأتوا على ظمأ لقفْرٍ مجــــدب فَزَها ولان
بيض الصنائع بين أيديهم يشير لها البنان
وهمُ شهود عهودهمْ إن أبرموها والضمان
ولهم مع الظفر المؤزَّر في الضحى تكبيرتان
حنوا الجباه لربهم شكراً وضاعت سجدتان
وبنوا أجلّ حضارة طلعت على الدنيا افتتان
الشمس تروي عن عوا رفها ويروي الفرقدان
ما ملّ منها المادحون، وسل يجبك العاقبان
***** 

كنتُ الحيــــاةَ سريَّها ولكل مكرمة كنـــان
فأنا العلوم أنا الفنون أنا الغِلاب أنا الطعان
المجد أزهر في ربوعي والفخار له لســان
والشعر أزهو والموشَّح والقوافي كالجمان
والعلم أبذله فينهل صفوه قــــاص ودان
تأتي الوفود إليه ظامئة فتمتـــــلئ الدنان
طوّف معي حيث استطعت فإن أرضي مهرجان
غرناطة طابت وطاب رواؤها والأقحوان
اعكف عليها ساعة ثم ارتقبني في جيان
ثم ارتحل بي صوب قرطبة وجلجل بالأذان
سترى الشيوخ الأكرمين بحور هدي أو بيان
والمسجد المعمور محبور بمرآهم وهان
شمخت سواريه اللدان كأنها أغصان بان
ورحابه العباد والزهاد والجمع الحسان
والمؤمنـــون أهلةٌ وسرائر زُهْرٌ حَـــوان
ومواكب خشعت لخـــالقها وثمة تاليـــان
وعلى المحاريب الوضيئة والمآذن داعيان
يتسابقان إلى المكارم والهدى لا يألوان
فرحت بهم زهر النجوم وطيبة والمكّتان
وعلى ذرا الحمراء أشعارٌ وآيات دوان
وشعارها ولواؤها عبر الدهور يناديان
الغالب الرحمن جل جلاله والكل فان
*****

والغافقي على البــــلاط كأنه شم الرعان
يجتاحه الهول المدمى وهو غابة سنديان
والموت يزحف وهو يهتف إن لي قصب الرهان
ما كان سيفي بالكهام ولم أكن يوماً جبان
الهول دربي بيد أني والشهـــادة عاشقان
سأظل أقتحم الصعاب شهاب نار أو سنان
وأنا البطولة لا تخاف غوائل الحرب العوان
لا لن أخاف فعهد أمثالي وقد كرموا يصان
سأموت صقراً لم تلوِّث جفنَه سنةُ الهوان
فاتبع خطاي إذا قدرت ففي الغيوب بشارتان
نصر كما تهوى العلا أو ميتة ولها إران
وهما جوادا حلبةٍ في مجـــدها يتنافسان
ومضى عليه عناده وجــــلاله والعنفوان
ومشى وعينا روحه فيما يؤمل تحلمان
تتسابقان وتنظران وتبسمان وترنـــوان
حتى تكلل بالشها دة وهو محبور الجنان
فعليه من نعمائها أطيابها والأقحـــوان
وعليه من دمه الطهور مطارف من أرجوان
فحيـــاته ومماته للمكرمات قلادتــــان
*****

وخليفة من عبد شمسٍ لا يُشق له عنان
جاد الزمان له بأكرم ما يؤمل من أمان
السعد ملء رحابه وركابه والصولجان
وجيوشه الظفر المجلجل والعلا والمهرجان
وعليه من ظفر الملوك الغالبين عباءتان
هذي إذا أدنى قراه وتلك إن كان الطعان
يا طيب ما احتوتا عليه لعسر دهر أو ليان
صفت له الرايات والأجناد وازدان المكان
جثت الوفود ببابه ترجو السلامة والأمان
الروم بين يديه خاشعة وراعشة الجنان
وهنا مؤمل رفده وهناك يرجو العفو جان
فـــإذا تبسم أو تجهَّم أو تحــكَّم أو ألان
خضع الزمان لحُكمه وأتاه تُسلمه اليدان
أكرم به من ظافرٍ ومناه زهراء هجــان
وأجلّ من ظفر الملوك سماحها لمن استكان
ظفر النبيل له مع التاريخ أخلاق دوان
ظفر تسامى أن يُدنـَّسَ بالمظالم أو يشان
فعهوده وفتوحه صنوان لا يتفرقان
ويداه بالصفح الجميل وبالندى مبسوطتان
عينان طاب نميرها فكأنه فيض الجنان
تسقي الظماء الواردين بخير ما اختزنت دنان
وبكل ما تهوى الشموس وقد تمنت تجريان
عينان بالأمجاد يحرسها الهدى نضاختان
***** 

أما العريف وأنت أدْرى فهو للحسن الخوان
الماء بين رحـــــابه قيثـــارتان تغنيان
وخريره وهديله في مسمعي أنشودتان
وحبابه عقد تلألأ في الغواني كالجمان
صاغته في ألق الضحى تلك النوافير اللدان
والياسمين قلائدٌ وضفائر من أقحوان
والورد يدنو إن دنوتَ وإن رأته المقلتان
وفراشتان تطايران وبلبــلان يغردان
والحسن يضحك كالربيـع الطلق في شرخ الزمان
والطيب نفح المسك ترْسله العشي غمامتان
وخميلة هشت لزائرها جوانبـها الثمان
وعرائس جئن الضحى يختلن زهواً وافتتان
يمشين والدهر الشموس لهن قد أرخى العنان
يرفلن في مرح الشباب كأنهن الخيزران
زمر وأتراب كواعب قد نزلن من الجنان
جن العريف بهن لمّا جئن سرباً من غوان
يرنو ويحلم بالوصال وهن أحلام روان
والنيرات حواسدٌ عضَّت من الحقد البنان
قال الجمال أنا العريف إذا تبدّى للعيان
ومواكب الزوار تترى والقصائد شاهدان
*****

أما غلاب الحاقدين فتاه عن شرف وهان
والحاقدون عهودهم أضغاث عربيد وحان
نقضوا الذي قد أبرموه فلا سلام أو أمان
وعدا على غرناطةٍ يوم الكريهة حاقدان
خانا عهود الصلح والخوّان غدار جبان
فالصل[1] رغم عهوده زيفٌ ومين وامتهان
وإزاءه الأفعى[2] التي جمعت مع الغدر اللعان
ملكان ما عرفا الوفاء فليس ثمة ما يصان
مشيا إلى الحمراء يوم الروع مشية أفعوان
ووراء جيشهما المدنس بالفظائع كاذبان
قسيسه وصليبه في غبطة يتجــــولان
ويعذبان المسلمين سفاهة وينصِّـــران
ويباركان الإثم والبطش الحقود ويتلوان
قطعاً من الإنجيل تمنع آيُها ما يفعلان
وتقاطرت هوج الجرائم مثل حالكة الدخان
قتل وتنصير ونيرانٌ وملحمة عوان
ومحاكم التفتيش عارُ الدهر والحقد المدان
مرَّت أخس نقيصة والسر يشهد والعلان
طرب اللئيم لعسفها وبكى الكريم وما أبان
بكت الفضيلة بالدماء، ولا مجير مستعان
وشكا المسيح وأمه ما يبصران فيألمان
والمغربان مدامعٌ مسكوبة والمشرقان
***** 

بالأمس فرط بي الصغير وأسلمتني غدرتان
ما هنت يوم الروع لكن الذي قد باع هان
وبقيت في هام النجوم ولي مع المجد اقتران
وبقيـــت في سفر الفخار سطوره لمّا دعان
وبقيـــت أتبع أحمداً فهو الرسول وقد هدان
وبقيت رغم مصائب الدنيا المرزأة الحصان
وبقيت في هوج العواصف صخرة من عنفوان
أما الذي قد باعني فمضى كما يمضي الدخان
باع التلاد وأهله في صمت مقهور وعان
يا ليته وهب الرجولة ما تشاء من الطعان
وسقى ثرى الحمراء حتى أصبحت مثل الدهان
واختار ميتة حمزةٍ والغافقي وما استكان
***** 

سأظل أحلم بالأذان والشوق زادي والحنان
وأظل أنتظر البشائر وهي في خلدي أغان
أرنو إلى الفجر الجميل يزف لي أغلى لُبان
والدهر دولاب يدور وربَّما آن الأوان
وغداً أعود كما بدأت وملء أرجائي الأذان
***** 

لا تعجبن إذا حلمت وطاب حلمي وازدهان
أحلام يومي في غدي فلق الصباح إذا استبان
ها قد دنــــون بواسماً فبأيِّهن تكذبـــــان
فارقب بشائرها الملاحِ ورتل السبع المثان
*****
------------------------
[1] الملك الإسباني فرديناند. 
[2] الملكة إيزابيلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة