الأحد، 30 يناير 2022

البراء بن مالك ويَدان محروقتان

البراء بن مالك ويَدان محروقتان

(1)
رجلان من المسلمين

الأول: إن هؤلاء الفرس فيهم من الحيلة والمكر الشيء الكثير.

الثاني: وكيف ذاك؟

الأول: إنهم يبدلون في طرائق قتالهم معنا، ويكتشفون حيلة بعد حيلة، ويحاولون أن يصدوا بها طريقنا.

الثاني: لكنَّ نور الله أقوى "صمت"، وجند الحق سيمضي موكبهم بإذن ربه، مهما تكن الصعاب.

الأول: ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور.

الثاني: والله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمعت في وجوهنا أمم الإنس والجن لما تزَلزَل إيماني لحظة واحدة أننا على الحق الصريح، وأنَّ نصر الله آتٍ لا ريب فيه.

الأول: الحمد لله على ذلك.. اللَّهمَّ أتم علينا توفيقك، وخذ بأيدينا إلى النصر.

الثاني: اللَّهمَّ آمين. "صمت قصير" هل من جديد في أمر هؤلاء الفُرس في معاركنا هذه؟

الأول: كما تراهم، إنهم يمتنعون علينا بهذه الحصون الشاهقة، ويحاولون أن ينتهزوا منا غفلة ليخرجوا إلينا فيفتكوا بنا ما يفتكون، ثم يعودون من جديد إلى حصونهم يمتنعون بها.

الثاني: عجزوا عن ملاقاتنا وجهاً لوجه.. فاتخذوا هذا التدبير.

الأول: لقد توهموا أنهم بذلك في حرزٍ حريز، أنّى لهم الهرب من جند الله؟ "صمت"

الثاني: وما الذي عوَّل عليه أميرنا في حرب هؤلاء التي قد تطول؟

الأول: كل مجموعة منا، وكل إليها أمر حصن من هذه الحصون، فهي تحاوره وتداوره، وتصابره وتغالبه، حتى يضطر أهله إلى الخروج إلينا، وعندها نحاربهم في مكان مكشوف، أو نوفق إلى اقتحامه بتدبير أو آخر.

الثاني: لَنِعمَ ما اختار الأمير، "صمت" ترى سنكون في أي مجموعة؟

الأول: في المجموعة التي وكِل إليها أمر هذا الحصن الذي تراه أمامك.

الثاني: اللَّهمَّ أعِنّا عليهم.

الأول: اللَّهمَّ آمين.

الثاني: ومَن معنا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأول يكرر الصلاة" في هذا المقام؟

الأول: الصحابيان الكريمان: أنس بن مالك، والبراء بن مالك.

الثاني: أكرِم بهما وأنعِم، لَنِعم الصحابيان هما، ولَنِعم الأخَوَان هما.

(2)
صوت يستغيث – فارس – الرجلان المسلمان اللذان ظهرا في المشهد الأول

الصوت: يا معشر المسلمين، أغيثوني، أغيثوني. "ضجة، وقع أقدام، صوت سلاح، صهيل خيول، وقع حوافرها"

الصوت: الغوثَ الغوثَ!.. يا معشر المسلمين، أغيثوني، أغيثوني.

الأول "في صوت سريع": إنَّ أخانا هذا كان قريباً جداً من أسوار هذا الحصن، فرمى واحدٌ من الفرس كُلّاباً مثبتاً في طرف سلسلة محماة بالنار فاختطفه فهو يستغيث.

الصوت: يا معشر المسلمين خلِّصوني من هذا الكُلّاب، أغيثوني، أغيثوني.

الثاني: وماذا عسانا نفعل؟

الأول: ما أحسبُ أننا نقدر على فكاكه، فالكُلّاب مُحكم، والسلسلة حامية، فمن ذا الذي يمسك بها؟ ثم إن أحدنا لن يصل إلى سور الحصن حتى يكون أخونا قد رُفِع إليه ليؤخذ أسيراً أو يُقتَل.

الثاني "بصوت سريع مفاجئ": انظر يا أخي.. انظر!..

الأول: ماذا؟

الثاني: هناك واحدٌ منا قريبٌ من الحصن، قد سارع لإنقاذه، "صوت جواد يعدو، صهل، وقع حوافر" اللَّهمَّ كن في عونهما.

الأول: ها قد وصل إليه، انظر إليه، إنه ينزل عن جواده.

الثاني "في صوت سريع يدل على الاهتمام": لكن لا يدري ماذا يفعل، فهناك من يرميه بالسهام.

الأول: ثم هل يستطيع أن يمسك بهذه السلسلة المحماة بالنار؟

الثاني: ها هو قد أمسك بطرف منها.

الأول: لكن سرعان ما أبعد يده، اللَّهمَّ لا حول ولا قوة إلا بك.

الثاني: حسبنا الله ونعم الوكيل، لقد استطاع الفرس أن يرفعوا أخانا المُعلق بذلك الكُلّاب. اللَّهمَّ إنا نحتسبه عندك.

الأول: وها هو أخونا الفارس يعود "صوت الجواد يعدو، الصهيل ووقع الحوافر.. صمت"

الفارس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأول والثاني: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الأول: بارك الله فيك من فارسٍ شجاع.

الفارس: وفيك.. ليتني وُفِّقتُ إلى إنقاذ أخينا من ذلك الكُلّاب.

الثاني: وهل كان الأمر في غاية الصعوبة؟

الفارس: كيف لا؟ والسهام تنهال، والكُلّاب موصول بسلسلة محماة بالنار.

الأول: إن علينا جميعاً أن نحذر أمر هذه الكلاليب. يبدو أن من تصيبه لا فكاك له منها.

(3)
الرجلان المسلمان – صوت

الصوت "يعلو": يا معشر المسلمين!.. إن أخاكم أنس بن مالك قد علق به واحدٌ من تلك الكلاليب، فالغوثَ الغوثَ.

الأول والثاني: "يتحدثان بما يدل على الاهتمام"

الأول: أسَمِعت؟

الثاني: حسبنا الله ونعم الوكيل.

الأول: الصحابي العظيم أنس معلق بالكُلّاب ونحن عاجزون.

الثاني: انظر إليه، إنه يحاول النجاة منه.

الأول: أخشى أن يصيبه مثل الذي أصاب أخانا بالأمس.

"صوت جوادٍ سريع يمر قريباً ثم ينخفض صوته شيئاً فشيئاً"

الأول: أعرفتَ من الفارس؟

الثاني: إنه البراء بن مالك أخو أنس.

الأول: ما أراه تاركاً أخاه.. إما أن يلحق به، أو ينجوا معاً.

الثاني: اللَّهمَّ كن معهما.

الأول: اللَّهمَّ آمين "في صوتٍ سريع" ها قد وصل إلى أنس.

الثاني "في صوتٍ سريع": وها هي السلسلة تصعد بأنس وهو معلق بالكُلّاب.

الأول "في صوتٍ متحمس": الله أكبر، ها هو البراء يقفز فيتعلق بالسلسلة ويعالجها في بأسٍ شديد.

الثاني: أمَا إنه لَرجل.. السهام تنثال والسلسلة بالنار محماة.

الأول "في صوتٍ فرِح": انظر، الحمد لله.. ها قد انقطعت السلسلة، وها هو البراء وأنس على الأرض.

الثاني "في صوتٍ فرِح": ها هما يركبان الجواد وينطلقان كالريح. "الجواد يعدو"

الأول "في صوتٍ متحمس": الحمد لله.. الله أكبر.

الثاني "في صوتٍ متحمس": الحمد لله.. الله أكبر.

(4)
الرجلان المسلمان

الأول: أرأيت البراء وأنس بعد نجاتهما؟

الثاني: أجل.. وسعدت بذلك.

الأول: أشاهدتَ يدي البراء!؟

الثاني: لقد احترق ما على كفَّيهِ من لحم. اللَّهمَّ عجِّل له بالشفاء، وأجزل له بالمثوبة فإنه مجاهدٌ صادقٌ شجاع.
*****

ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

(1)
عامر – أسامة

عامر: لقد استفحل أمر هذا الكذاب الغادر يا أسامة.

أسامة: تعني مسيلمة يا عامر؟

عامر: هو ذاك مسيلمة الكذاب، عليه لعنة الله.

أسامة: لقد رأى أمر محمد صلى الله عليه وسلم "عامر يردد معه الصلاة على النبي" يعلو ويعظُم، فخالَ أن الأمرَ أمرُ دعوى، فإذا به يدَّعي النبوة.

عامر: قاتله الله من كذابٍ أشِر!..

أسامة: لا عليك يا عامر، كأني بجيشنا هذا وعلى رأسه خالد بن الوليد يقتحم على الكذاب أرضه، ويبطش به وبجيشه حتى يجعله خبراً من الأخبار، يُروى للعظة والعبرة.

عامر: وللسخرية والتندُّر كذلك. "صمت"

أسامة: خيمة مَن هذه التي تُقابِلنا؟

عامر: خيمة ثابت بن قيس.

أسامة: أكرِم به من رجل!.. إنه يطيب لي القتال إلى جنب هذا الصحابي العظيم.

عامر: ويطيب لي كذلك. "صمت"

أسامة: أكثِر النظر إلى ثابت، فربما لا يرجع من جهاده هذا.

عامر: وربما لا ترجع أنت، ولا أرجع أنا.

أسامة: صدقت يا عامر، لكنَّ لثابت شأناً آخر.

عامر: وكيف؟

أسامة: حين نزل قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان:18] أغلق ثابت عليه باب داره في المدينة المنورة وجلس يبكي، وطال مُكثه على هذه الحال حتى بلغ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. "عامر يردد الصلاة على النبي" فدعاه وسأله.

ثابت: يا رسول الله إني أحب الثوب الجميل، والنعل الجميل، وقد خشيتُ أن أكون بهذا من المختالين. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يردد الصلاة على النبي" إنك لستَ منهم.. بل تعيش بخير، وتموت بخير، وتدخل الجنة.

عامر: هنيئاً لثابت هذه البشارة العظيمة.

أسامة: هنيئاً له "صمت" إنه صاحبُ نفسٍ أوّابة، وقلبٍ خاشعٍ مُنيب، إنه شديد الخوف من الله عز وجل.

عامر: كأن لديك عنه شيئاً آخر يُروى.

أسامة: صدق ظنك يا عامر، لمّا نزل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2]، أغلق ثابت داره وأخذ يبكي، فافتقده الرسول صلى الله عليه وسلم "عامر يردد الصلاة مع أسامة"، فأرسل في طلبه وسأله عن سبب غيابه. فقال ثابت: إني امرؤ جهير الصوت، وقد كنتُ أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله، وإذن فقد حبط عملي وأنا من أهل النار. وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يكرر الصلاة" (إنك لست منهم، بل تعيش حميداً، وتُقتَلُ شهيداً، ويُدخِلُكَ الله الجنة). "صمت"

عامر: إذن فما أحسنَ أن نكون في جوار هذا المؤمن المنيب.

أسامة: وإنه لشهيد، ما في ذلك شكٌّ قط، ما ندري أيستشهد في معركتنا القادمة مع مسيلمة أم في واحدة أخرى؟

عامر: لذا طلبتَ مني أن أملأ عيني منه يا أسامة.

أسامة: هو ذاك يا عامر، فنحن نكاد نصل ديار مسيلمة، هذا النبي الكذاب.

(2)
أسامة – عامر – منادٍ من جيش مسيلمة الكذاب – منادٍ من جيش المسلمين

"صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: إنها لمعركة ضارية يا عامر.

عامر: إي والله يا أسامة!.. لقد أبلى المسلمون فيها أعظم البلاء.

أسامة: لكن جيش مسيلمة يستميت في القتال.

عامر: إنه جيش قوي، كثير العدة والعدد، وإنه لَأقوى جيوش الردة وأخطرها جميعاً. "صوت المعركة يعلو"

أسامة: إن المعركة تشتد، ها هو جيش الكذاب يكاد يزلزل جيشنا من موقعه.

المنادي المرتد "بصوت مرتفع": يا جنود مسيلمة، لقد اقتحم خالد بن الوليد عليكم موقعكم، لكن ثباتكم لم يجعل له من ذلك جدوى.

عامر: أرأيت يا أسامة!؟ لقد ركب الغرور رأس مسيلمة وجيشه.

المنادي المرتد: يا جنود مسيلمة!.. شددوا هجومكم على جيش خالد، لنهزمه هزيمة منكرة لا يعود بعدها منه إلى يثرب إلا عدد قليل يحمل نبأ ما جرى إلى ابن أبي قحافة.

"يضحك بصوت منكر عالٍ" ها.. ها.. ها.. ها

أسامة: لقد بطر هؤلاء المرتدون، اللَّهمَّ نصرك المؤزر.

المنادي المسلم: يا معشر المسلمين!.. لا يغرنكم من هؤلاء ما ترون، فوالله الذي لا إله إلا هو ليكونن لنا النصر، يا معشر المسلمين!.. إن أميركم خالد يناشدكم الصبر والثبات. "صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: "في صوتٍ مفاجئ عالٍ" عامر.. يا عامر، أترى ثابت بن قيس؟

عامر: إنه في قلب المعركة.

أسامة: أعندك منه نبأ؟

عامر: لقد مرَّ بي واحد من المسلمين فحدَّثني أنه حين رأى هجوم جيش الكذاب على المسلمين، صاح بصوته الجهير: والله ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسامة: ثم ماذا؟

عامر: لقد ذهب غير بعيد، وعاد وقد تحنَّط ولبس أكفانه، وصاح مرة أخرى: اللَّهمَّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء؛ وأشار إلى جيش مسيلمة، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء؛ وأشار إلى بعض من تراخى من المسلمين([1]).

أسامة: "ملهوفاً" ثم ماذا؟

عامر: حفر لنفسه حفرة عميقة، ثم نزل فيها قائماً وأهال الرمال على نفسه.

أسامة: "ملهوفاً" وبعد.. ما الذي حدث له؟

عامر: ظل في مكانه.. نصفه في الرمال مغروس، ونصفه الأعلى يستقبل به جيش الردة مجاهداً في صبر وشدة.

أسامة: "ملهوفاً" وماذا!؟.. وماذا بعد!؟

عامر: ظل مكانه حتى استشهد.

(3)
صوت الراوي ذو صدى

الراوي: رحمك الله أيها المؤمن العظيم، كنتَ صاحب قلبٍ مخبتٍ منيب، ونفسٍ شفافةٍ رهيفة، لكن ذلك لم يدفعكَ إلى القعودِ وَالانزواء، بل جعل منك مجاهداً مستبسلاً، ضرب بما فعل أصدق صور الفداءِ والتضحيةِ والإيمان.
*****
-------
[1] "أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ وَقَدْ حَسَرَ عن فَخِذَيْهِ وَهو يَتَحَنَّطُ، فَقالَ: يا عَمِّ، ما يَحْبِسُكَ أَنْ لا تَجِيءَ؟ قالَ: الآنَ يا ابْنَ أَخِي. وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ -يَعْنِي مِنَ الحَنُوطِ- ثُمَّ جَاءَ، فَجَلَسَ، فَذَكَرَ في الحَديثِ انْكِشَافًا مِنَ النَّاسِ، فَقالَ: هَكَذَا عن وُجُوهِنَا حتَّى نُضَارِبَ القَوْمَ، ما هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بئْسَ ما عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ." صحيح البخاري، الرقم: (2845).

صلاح الدين الأيوبي وامرأة خُطِفَ وليدها

صلاح الدين الأيوبي وامرأة خُطِفَ وليدها

(1)
السلطان صلاح الدين – أحد رجاله

الرجل: بارك الله فيك يا مولاي السلطان، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

صلاح الدين: وبارك الله فيك، اللَّهمَّ اكتب لنا النصر في جهادنا هذا.

الرجل: لقد ساق الله تعالى على يديك يا مولاي السلطان خيراً كثيراً للمسلمين، فطفِقَت ألسنتهم تدعو لك وتثني عليك. حيثما ذهبت سمعت الناس يقولون: اللَّهمَّ انصر سلطاننا صلاح الدين.

صلاح الدين: بارك الله فيهم، لولا سيوفهم المؤمنة ما كان لصلاح الدين قِبَلٌ بمحاربة هذه الجيوش التي لا تنقطع من هؤلاء الصليبيين.

الرجل: صدقت يا مولاي، لن تمضي سنوات قليلة حتى تكون قد قضيت على معاقل هؤلاء المشركين.

صلاح الدين: بإذن الله.

الرجل: بإذن الله، ويكون لك حتى يوم الدين ثواب تطهير ديار الإسلام، لتعود خالصة لدين الله.

صلاح الدين: لا تنسَ عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، فهما أول من بدأ حركة التطهير هذه، وما أنا إلا رجل وجد قوماً سبقوه فسار على إثرهم.

الرجل: صدقت يا مولاي، بارك الله فيك وفيهما، وفي كل مَنْ حمل سيفاً في سبيل الله ضد هؤلاء الصليبيين.

صلاح الدين "بعد صمت": هل من جديد في معسكرنا، أو معسكر العدو؟

الرجل: لا شيء يا مولاي، لكنَّ هناك ثلة من مغاويرنا الشجعان يسطون على معسكر العدو كل ليلة، فيقتلون من يقتلون، ويأسرون مَنْ يأسرون، ويغنمون ما يغنمون، حتى بات العدو لا يهدأ له ليل، ولا يطيب له نوم.

صلاح الدين: إنَّ هذا لَعملٌ عظيم. قل لجميع قادة كتائبنا، عليهم أن يزيدوا من اختيار هؤلاء الشجعان الذين يهاجمون العدو كل ليلة، فيقتلون ويأسرون ويغنمون ويحرقون. يجب أن تتلاحق غاراتهم ولا تنقطع قط.

الرجل: أمرُ مولاي.

صلاح الدين: يجب ألّا يقر لهؤلاء قرار، ولا يطيب لهم نومٌ ولا مقام، ولا مأكلٌ ولا مشرب.

الرجل: سأبلغ قادة الفرق بأمرك هذا فوراً.

(2)
جنديان من جنود المسلمين

الأول "في صوت هادئ": ها نحن أولاء نواجه معسكر العدو، علينا أن نكون في غاية الحذر، نهجم كالريح ونختفي كالبرق.

الثاني "في صوت هادئ": هو ذاك يا أخي.

الأول: بارك الله في سلطاننا صلاح الدين، لقد أحسن في طلبه الإكثار من هذه الغارات.

الثاني: صدقت. فلنزحف بهدوء إلى هذه الخيمة.

"صوت الزحف"

الأول: فلننتظر الآن قليلاً حتى تغطي الغيمة وجه القمر فلا يرى زحفنا أحد.

"صمت"

الثاني: ها هو القمر قد اختفى. "وقع أقدام منتظمة"

الأول: وها هو الحارس يروح ويغدو أمام الخيمة. اسمعْ، ازحف أنت من جهة اليمين، وأزحف أنا من جهة اليسار حتى إذا اقتربنا قفزنا عليه معاً.

الثاني: هو ذاك، على بركة الله. "صوت الزحف – وقع أقدام الحارس – صوت وُثُوب"

الأول: حمداً لله، لقد وقع الحارس بين أيدينا، إنَّ يدي على فمه تمنعه من الصراخ، اقتله أنت بسيفك.

الثاني: خذ يا عدو الله. "صمت"

الأول: فلندخل الخيمة الآن. "حركة الدخول"

الثاني: ليس في الخيمة أحد، "صوت طفل يبكي" اللَّهمَّ إلّا هذا الطفل الذي يبكي.

الأول: فلنهرب به قبل أن يعلم القوم بنا، هيّا بنا.

الثاني: هيّا.

(3)
امرأة من معسكر الصليبيين – جندي صليبي

المرأة "تبكي وتتكلم بصوت حزين": ابني، ابني!.. رُدُّوا إليَّ ابني.. "بكاء".. آه سرقوك يا ابني!.. ردوا لي ولدي.. ولدي.. ولدي!..

الجندي: ماري، هوِّني عليكِ يا ماري.

المرأة: ولدي.. ولدي، رُدُّوا.. عليَّ ولدي.

الجندي: ويحكِ يا ماري!.. وهل نقدر على ردِّه؟

المرأة: نفسي فداؤك يا ابني، أين أنت؟ لو علمتُ مكانك لاقتحمتُ إليك كل الصعاب.

الجندي: إن ابنكِ عند المسلمين.

المرأة "تبكي": وكيف علمت؟

الجندي: إن غارات المسلمين علينا لا تنقطع ليلاً نهاراً، يأسرون ويقتلون، وقد جاؤوا إلى هذه الخيمة، فقتلوا الحارس وخطفوا الولد وذهبوا.

المرأة "تبكي": وا حسرتاه!.. كيف أصل إليك يا ولدي!؟

الجندي "في صوت جاد": اسمعي يا ماري، أتفعلين أي شيء من أجل ولدك؟

المرأة: أقدِّم حياتي من أجله.

الجندي: إذن فاذهبي إلى سلطان المسلمين، صلاح الدين الأيوبي وأخبريه بالأمر، فإنه رحيم القلب.

المرأة: سأذهب إلى معسكر المسلمين، وأطلب مقابلة السلطان ولو كلفني ذلك حياتي.

(4)
السلطان صلاح الدين – المرأة – جندي

المرأة: أشكر لك أيها السلطان العظيم أنْ سمحت لي بهذه المقابلة.

صلاح الدين: مرحباً بك، هل لكِ حاجة؟

المرأة: قوم من جندك أغاروا على خيمتنا وخطفوا ولدي، "تبكي" وقد علمتُ أنك رحيم القلب فهل تأمر بردِّهِ لي؟

صلاح الدين "في صوت حزين": أمَا إنكِ لَمُصابة. "في صوت عالٍ" أيها الجندي.

الجندي: أمرُ مولاي.

صلاح الدين: الطفل الذي خُطِفَ ليلة هذا اليوم، أحضره حالاً ولا تتأخر. إني سأظل واقفاً على قدميَّ حتى تعود.

الجندي: أمرُ مولاي. "صوت خروجه"

صلاح الدين: لا تخافي أيتها المرأة، نحن لا نقتل الأطفال، بل نُعنى بهم ونضعهم في مكان قريب. في الحال سيأتون بولدك المخطوف.

المرأة: شكراً لك أيها السلطان شكراً. لقد صدقوا حين قالوا: إنك رحيم القلب.

صلاح الدين: الرحمة أيتها المرأة من أخلاق الإسلام. "صوت ضجة" ها هو ذا الجندي قد عاد بالولد. "صوت الولد يبكي، وصوت الجندي يدخل"

الجندي: السلام عليك مولاي السلطان، ها هو الولد. "صوت الولد يبكي"

المرأة "فرِحةً بصوت عالٍ": ولدي.. ولدي، إنه ولدي. "تركض إليه، وتحضنه وتقول" حمداً لله الذي ردَّك إليَّ يا ولدي.

صلاح الدين: ألَكِ حاجةٌ أخرى أيتها المرأة؟

المرأة: لا.. لا.. شكراً جزيلاً أيها السلطان، لقد سمعتُ عنك، لكنَّ الذي شاهدته منك، أعظم بكثير مما سمعت.
*****

أعرابيٌّ صدق الله فصدقه

أعرابيٌّ صدق الله فصدقه

(1)
رجلان: أعرابي، ومسلم

الأعرابي: مرحباً يا أخا العرب، مِمَّن أنت، ومِمَّن القوم؟

المسلم: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، ترى هل سمعت نبأ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ تابَعَه؟

الأعرابي: بلغني شيء يسير عن ذلك.. أأنتَ من أتباعه؟

المسلم: هو ذاك. أنا من أتباعه، وكذلك هذا الجمع الكبير الذي تراه هناك.

الأعرابي: هذا الجمع كله من أتباعه؟ والله إن لأمره لَشأناً. "صمت" ولكن ماذا يفعل مع جمعه في هذه الديار؟ لقد علمتُ أن محل إقامته الآن في يثرب، فما الذي جاء به إلى خيبر؟

المسلم: اسمع أيها الرجل!.. أليس خيراً لك أن تسأل عن الدين الذي بُعِث به؟ "صمت"

الأعرابي: إي والله!.. إنك لصادق، ترى إلامَ يدعو!؟

المسلم: يدعو إلى خلع هذه الأوثان التي تُعبَد من دون الله عز وجل.. إنه يريد أن تكون عبادتنا خالصة لله وحده، فماذا تقول في هذا؟

الأعرابي: والله إنَّ هذا لحسن!.. "صمت" ثم ماذا؟

المسلم: يدعو إلى البِرِّ والصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار وحفظ العهود.. وجميع الفضائل والمكرمات.. "صمت"

الأعرابي: والله إنَّ هذا لحسن طيِّب!.

المسلم: وينهى عن الكذب والزور والبغي وأكل الميتة وإيذاء الناس ونقض العهود وجميع النقائص والعيوب. "صمت"

الأعرابي: والله إنَّ هذا لطيِّب!.. "صمت" يا أخا العرب!.. اصدقني ولا تكذبني، هل جُرِّبَ عليه كذبٌ قط؟

المسلم: لم يُجَرَّب عليه كذبٌ قط، بل إنه في الأمانة والعفة وصدق الحديث مضرب المثل يشهد بذلك أعداؤه قبل أن يشهد أتباعه.

الأعرابي: إن امْرَأً لا يكذب على الناس حريٌّ به ألّا يكذب على الله.. "صمت" لقد ألقِي في روعي أن صاحبكم صادق.

المسلم: إي والله!.. إنه لصادقٌ أمين.

الأعرابي: فما جزاء من تبعه من الناس مُصدِّقاً بقولِه؟

المسلم: جزاؤه الجنة إن شاء الله.

الأعرابي: وإنه لَنِعم الجزاء، "صمت" أنت لم تقل لي ما الذي تفعلونه هنا يا معشر المسلمين.

المسلم: الآن أقول لك بشرط أن تسلِم.

الأعرابي: ويحك!.. أمَا إني لَمسلم.. خذني إلى نبيكم لأسلم على يديه.

المسلم: حباً وكرامة، ما أسعدني بك أخاً جديداً في الإسلام!.. اسمع يا أخي لقد جئنا إلى خيبر لجهاد يهودها، فقد بغوا وظلموا، وإن الله ناصرٌ دينه ومُظهِرٌ نبيه. هيا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الأعرابي يكرر الصلاة"

الأعرابي: هيا بنا.

(2)
صوت الراوي يتحدث

الراوي: ومضى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، وأوصى به عليه الصلاة والسلام إلى من يُعنى به ويعلمه ويرشده.. فصفا الرجل وطاب.. وأخلص نفسه لله عز وجل أيَّما إخلاص.. لقد كان معدنا نفيساً نبيلاً، انتقل انتقالاً تاماً من الجاهلية إلى الإسلام، خلع كل ماضيه وهو يدلف إلى عالمه النضر الجديد.

(3)
الأعرابي – المسلم

المسلم "في صوتٍ فرِح": يا أخي يا أخي!.. بارك الله فيك، فلنحمد الله تعالى على ما أولانا من نصرٍ مبين.

الأعرابي: حمداً لله على ما أنعم.. اللَّهمَّ لك الشكر على ما منحتَ رسولك صلى الله عليه وسلم "المسلم يكرر الصلاة" من فوزٍ كريم.

المسلم: إنَّ نِعَمَ الله علينا عظيمة.. لقد كان لنا من الغنائم شيءٌ طيب.

الأعرابي: صدقت يا أخي صدقت.

المسلم: وهذا هو نصيبك مما غنم المسلمون، قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأعرابي يكرر الصلاة" فخذه بارك الله لك فيك.

الأعرابي: ولكن ما أنا وذاك؟

المسلم: ما أنت وذاك؟ إنه قَسْمُك من الغنيمة.

الأعرابي: ويحك يا أخي!.. ما كان هذا في حسابي حين أسلمت.

المسلم: فما الذي كان في حسابك إذن؟

الأعرابي: أن أُرمَى بسهمٍ في حلقي فأموت فأدخل الجنة.

المسلم "معجباً": والله، إنك لنفس مؤمنة طموح.. أنت وما تختار.. خذ قسمك من الغنيمة ثم افعل به ما تشاء.

الأعرابي: إليَّ به.

المسلم: خذه، ها هو بين يديك. "صوت حركة"

الأعرابي: اسمع يا أخي!.. لأذهبنَّ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم يكرر الصلاة" ثم لأقولنَّ له: يا رسول الله ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمَى بسهم في حلقي فأموت فأدخل الجنة.

المسلم: بارك الله فيك، واستجابَ لك رجاءك هذا.

(4)
صوت الراوي يتحدث

الراوي: ومضى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحمل بين يديه نصيبه من الغنائم، فقال: ما هذا يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: قسمٌ قسمتُه لك. فقال الأعرابي: ما على هذا اتبعتك.. ولكن اتبعتك على أن أُرمَى بسهم ها هنا "وأشار إلى حلقه" فأموت فأدخل الجنة. ونظر صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي وقال له: إن تَصدُقِ الله يصدقْكَ. ونهض المسلمون إلى قتال عدوهم وحمِيَت المعركة وجاء سهم مُسدد كأنه يبحث عن هدفٍ بعينه لا يبغي سواه، فإذا به يصيب الأعرابي لا يعدوه إلى رجل آخر، وإذا بالإصابة في الحلق تماماً لا في مكانٍ آخر. وحُمِل الشهيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد لقي وجه ربه.. فقال عليه الصلاة والسلام متسائلاً متثبتاً: أهو هو؟ قالوا: نعم.. قال النبي الكريم: صدق الله فصدقه. ثم دعا فقال: اللَّهمَّ إن هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، قُتِلَ شهيداً وأنا عليه شهيد.

أيها الشهيد السعيد، هنيئاً لك ما كسبتَ بِنيَّتِك الصادقة، وإيمانك الراسخ المكين.
*****

الأصيرم الشهيد الذي لم يُصلِّ ولم يَصُم

الأصَيْرِم الشهيد الذي لم يصل ولم يصم

(1)
الأصَيْرِم – رجل مسلم

المسلم: ويحك يا رجل!.. أمَا آن لك أن تدخل في الإسلام!؟

الأصيرم: أنت قانع بما أنت عليه، وأنا قانع بما أنا عليه.

المسلم: إنك والله تظلم نفسك قبل أن تظلم غيرك. إن الإسلام يا ابن العم سعادة لك في دينك ودنياك.

الأصيرم: اسمع يا ابن العم.. لقد عشنا طويلاً قبل هجرة المسلمين إلى يثرب، وكنا سعداء بما نحن فيه.. فما عدا مما بدا؟

المسلم: كنا سعداء؟! فليكن ذلك.. إنه على فرض صحة هذا الذي تقول.. فسعادتنا سعادة الجاهل الذي لم يعرف شيئاً سوى ما نشأ عيه، فهو به مشغول، وهو عليه حريص.

الأصيرم: وأيُّ بأسٍ في هذا؟

المسلم: البأس كل البأس به.. إن الإسلام لو عرفتَه يا ابن العم حياة جديدة، كلها جمالٌ ونصاعة، وصدقٌ ونظافة، تشعر فيها أنك قويٌّ متين، وثيق الصلة بالسماء، متين الجذور في الأرض، تحبُّ إخوةً لك في الله، ويحبك هؤلاء.

الأصيرم: لستُ أرى شيئاً يدعوني إلى الإيمان بما أنتم عليه.

المسلم: ويحك يا رجل!.. هل سمعت عن رجل قط زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد كذب ولو مرة واحدة؟؟

الأصيرم: لا، ما سمعتُ بهذا قط على كثرة التُّهَمِ التي وُجِّهت إلى محمد بن عبد الله من أعدائه. "المسلم يقول: صلى الله عليه وسلم"

المسلم: إذن فلماذا لا تؤمن به وتصدقه؟

الأصيرم: لا أخفي عليك أني لا أجد في نفسي رغبة في ذلك.

المسلم: أمَا رأيتَ عقلاء المدينة قد أسلموا!؟ سعد بن عبادة، سعد بن معاذ، وسواهما كثير كثير؟

الأصيرم: بلى، سمعت.

المسلم: إذاً؛ فليسعك ما وسعهم، وأنتَ تعلم مَنْ هم رأياً وفضلاً وحسن نظر.

الأصيرم: يا ابن العم، دَعْني من حديثك هذا، ولتبقَ فيما أنت عليه، ولأبقَ فيما أنا عليه.

المسلم: أما إنك لعنيد. لقد رجوتُ لك الخير، وأمَّلتُ لك الهداية، لكنك مُصِرٌّ على الضلال. "في صوت ضارع هادئ يدعو": اللَّهمَّ اكتب له الهداية، وارزقه النجاة من هذا الضلال.

(2)
اثنان من المسلمين يتحدثان بصوت سريع يدل على الاهتمام

الأول: أعَلِمتَ بما فعلت قريش؟

الثاني: لا.. أحَدَثَ شيء ذو بال؟

الأول: لقد جاءت تريد الانتقام مما حلَّ بها يوم بدر..

الثاني: وأين وصلَت؟

الأول: إنها بالقرب من جبل أحُد، أعدَّت جيشاً كثيفاً يقوده أبو سفيان، تريد الفتك بالمسلمين.

الثاني: إنَّ الله حائلٌ بينهم وبين ما يريدون.

الأول: صدقت، لكنهم أجمعوا على معركة ضارية، وقد بلغنا أنَّ أربعة من أشد فرسانهم تعاهدوا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم. "الثاني يكرر الصلاة".

الثاني: خسئوا، الله أغيَرُ على دينه من أن يطفئ نوره هؤلاء السفهاء المعاندون.

الأول: وعلامَ عوَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "الثاني يكرر الصلاة"

الثاني: نزل على رأي أصحابه في الخروج إلى أحد، بعد أنْ كان يرى التحصن بالمدينة المنورة. "صمت" هيّا بنا نلحق بإخواننا.

الأول: هيّا بنا.

(3)
الأصَيْرِم – رجل مسلم.. "نفس الذين ظهرا في المشهد الأول"

المسلم "في صوت سريع متعجل": سلامٌ عليكم يا ابن العم.

الأصيرم: مرحباً بك مرحباً.. أراك مستعجلاً ملهوفاً.

المسلم: رسول الله خارج في جيشه نحو أحُد، أريد اللحاق به.

الأصيرم: عجباً!.. وما الأمر؟

المسلم "في صوته المتعجل الملهوف": قريش عسكرت عند أحُد تريد غزو المدينة. وداعاً يا ابن العم.

الأصيرم: قف، باللّه عليك!.. إني أريد الذهاب معك.

المسلم "مستنكراً": تريد الذهاب معي؟.. ويحك، إنك مشرك.. فما أنتَ وذاك؟

الأصيرم: لأذهبنَّ معك فلأجاهدنَّ مشركي قريش هؤلاء.

المسلم: أَحَدَباً على قومك، أم رغبةً في الإسلام!؟

الأصيرم: بل رغبة في الإسلام، آمنت باللّه ورسوله. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

المسلم "فرِحاً سعيداً": الله أكبر!.. لك الحمد يا رب، بورك فيك يا ابن العم. هيا خذ سلاحك ولنذهب معاً إلى أحُد.

الأصيرم: هيا بنا.. هيا.

(4)
"صوت المعركة" – رجل من المسلمين – صوت من المشركين

- رجل من المسلمين "يهتف": يا معشر المسلمين، الثباتَ الثباتَ، إنها والله إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة.

"صوت المعركة تسمع أصوات متداخلة، وصهيل خيول، وقعقعة سلاح"

- صوت من المشركين "يهتف": يا أبطال قريش!.. خذوا ثارات بدر.. يا لثارات بدر.. يا لثارات عتبة وشيبة، يا لثارات أبي الحكَم وأمية.

"صوت المعركة يعلو".

(5)
اثنان من المسلمين يتحدثان وهما جريحان مُتعبان

الأول: أمَا إنه لَيومٌ مشهود، غفر الله لنا فيه ما قصّرنا.

الثاني: كانت الغلَبة لنا أول الأمر، حتى خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الأول يكرر الصلاة".

الأول: الحمد لله على ما اختار. ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.. فكل مصيبة بعده هينة.

الثاني: كأنه صوت جريح قريبٍ مِنّا، فلنذهب إليه. "صوت حركة"

الأول: مَنْ؟.. يا للعجب!.. إنه أصيرم بني عبد الأشهل "صمت" عمرو بن ثابت.

السلام عليك.. عجباً لك.. ما جاء بك!؟ لقد كنتَ تنكرُ علينا الإسلام.

الأصيرم "في صوت ضعيف": اسمع يا أخي.. لقد كنتُ أنكرُ عليكم.. لكنني والله ما خرجتُ للقتال حتى أسلمت.

الأول والثاني "معاً": الحمد لله، الحمد لله، إذاً.. فما قاتلتَ دفاعاً عن أحساب قومك أن تستباح؟

الأصيرم: لا والله، إنما أخرجني حبي لهذا الدين.. الحمد لله رب العالمين، لقد كانت نعمته عليَّ عظيمة، ففي يومٍ واحد، أسلمتُ، وجاهدتُ واستشهدتُ. "يضعف صوته ويتقطع"

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
*****

الخليفة المأمون وعمُّه إبراهيم بن المهدي

الخليفة المأمون وعمُّه إبراهيم بن المهدي

(1)
المأمون – رجل

المأمون: يا سبحان الله!.. كيف فعل عمّي ما فعل!؟ لقد ظننتُ كل الناس يخرجون على طاعتي إلا عمي هذا، لكن ما حدث كذب ظني.

الرجل: لا عليك يا أمير المؤمنين، ما أحسبُ وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يأتيك الخبر بانطفاء الفتنة، واجتماع الأمة من جديد على خليفتها حين تسارع بالعودة إلى بغداد.

المأمون: بارك الله فيك.. لقد أدخلتَ على نفسي السلوى بهذا الذي تقول بعد أن استبدَّت بي الأحزان لخروج عمي عليَّ، إبراهيم بن المهدي "في صوتٍ متسائل" أيخرجُ عليَّ إبراهيم؟ لقد صدق المثل الذي قال: من مأمنه يؤتى الحذِر.

الرجل: يا أمير المؤمنين، لقد عُرِفتَ بالحكمة والعلم والفضل، واشتهرتَ بالصبر والحلم والأناة، حتى صار الناس يضربون بك المثل إذ يتحدثون، فيقول قائلهم: انظر ما فعل المأمون، اسمع ما فعل المأمون.. وإن أحق الناس اليوم بفضيلة العفو إنما هو أنت يا أمير المؤمنين.

المأمون: صدقت، بورك فيك. عسى أن تأتينا الأخبار سريعاً بانطفاء الفتنة وزوال الشر.

الرجل: إن هذا هو الذي نرجو.. لكنَّ بقاءك بعيداً عن بغداد يؤذِنُ بزيادة الفتنة، ذلك أن وجودك الآن في خراسان يُتيح السبيل لكل طامعٍ أو عابثٍ للتمرد والعصيان، فالرأي يا مولاي أن تعجِّل بالسفر إلى بغداد.

المأمون: أما إنه لرأي "صمت" لكنك تعلم أن العباسيين وهُم أهلي وذويَّ، هم الذين خلعوني، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، فماذا أنا لاقٍ منهم يا ترى!؟

الرجل: إنما بزَغَ قرن الشر ونجَم، حين أمنوا سطوتك بسبب بُعدك، وأرى أن التعجيل بعودتك إلى بغداد سيغير الحالة يا أمير المؤمنين، إذ يقوى أنصارك ويشتد ساعدهم، ويضعف خصومك، وتنخلع قلوبهم.

المأمون: إذاً؛ فخير ما نفعله الآن التعجيل بالسفر؟

الرجل: إن أذنتَ يا أمير المؤمنين.

المأمون: وعلى ذلك عولت. آذِن القوم بالرحيل، سنمضي صوب بغداد قبل الفجر إن شاء الله.

الرجل: إن شاء الله. "صمت" أمرُ مولاي، سأخبر القوم بما عزمْت.

(2)
المأمون – الرجل

الرجل: يا أمير المؤمنين، ما بقي لنا حتى نصل بغداد سوى مرحلة واحدة.

المأمون: الحمد لله رب العالمين، أثَمَّة نبأ عن إبراهيم بن المهدي؟

الرجل: لقد صدق ما توقعناه ونحن في خراسان.

المأمون: وكيف ذلك؟

الرجل: لقد انفضَّ أنصار إبراهيم بن المهدي عنه، وعاد الناس إلى طاعتك، حتى لم يجد عمُّكَ سبيلاً سوى الهرب والاختفاء عن الأنظار.

المأمون: ذلك من فضل الله عليَّ، ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ وعلى والدَيَّ. "صمت، ثم في لهجة متسائلة" إذاً بغداد آمنة الآن؟

الرجل: بسبب مقدمك الميمون يا مولاي، وستكون أكثر أمناً إذ تحل فيها قريباً إن شاء الله.

المأمون: إن شاء الله. "صمت" ابعث إلى بغداد من ينادي فيها بلزوم الهدوء، ويُشعِرهم بدخولي عن قريب.

الرجل: أمرُ مولاي.

المأمون: وأرسل إلى القادة أن يعثروا على إبراهيم بن المهدي باذلين في ذلك كل جهدٍ وإن غلا.

الرجل: أمرُ مولاي. "صمت" ستكون غداً إن شاء الله في بغداد تحكم فيها بشريعة الله.. ولن يفلتَ منك عمك إبراهيم.

المأمون: ويلٌ له مني!.. لقد ركبتَ مركباً صعباً يا إبراهيم، خلعت عهد البيعة، ونزعتَ عصا الطاعة، وشققتَ جماعة المسلمين، ونازعَتْكَ نفسك إلى ما تنقطع دونه الأعناق.

(3)
المأمون – الرجل – إبراهيم بن المهدي

المأمون: الحمد لله على ما أنعم، ها أنذا في بغداد وهي هادئة آمنة، عادت إلى الطاعة ورجعتْ عن العصيان.

الرجل: الحمد لله يا أمير المؤمنين، كأن الفتنة لم تكن.

المأمون: صدقت، كأنما كانت سحابة صيف، أو حلم ليل ثقيل. "صمت" نحن بخير الآن، الأمور في مجاريها، وكل شيء طيب، حتى دجلة يبدو مسروراً هادئاً.. شيء واحد بقي الآن..

الرجل "في لهجة هادئة متسائلة": المتواري عن الأنظار؟

المأمون: هو ذاك، عمي إبراهيم بن المهدي. "صمت" أثَمَّة نبأ عنه؟

الرجل: عندي الذي يُسعِدك يا أمير المؤمنين.

المأمون: أوَقع بين أيديكم؟

الرجل: أجل يا أمير المؤمنين، وهو الآن كليلٌ بالقيود في الغرفة المجاورة.

المأمون "في صوتٍ عالٍ صارم": أحضروه في الحال.

الرجل: أمرُ مولاي. "حركة أقدام –باب يُفتح ويغلق، خطى ثقيلة قادمة تبدأ خافتة، ثم يعلو صوتها شيئاً فشيئاً، تُسمع ضجة قيود في يدي إبراهيم بن المهدي".

إبراهيم "في صوت هادئ مستعطف": السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

المأمون "في صوت غاضب": لا سَلَّمَ الله عليك، ولا قرب دارك، استغواك الشيطان حتى حدثتك نفسك بما تنقطع دونه الأوهام.

إبراهيم "بعد صمت.. يتكلم في صوته الهادئ المستعطف": مهلاً يا أمير المؤمنين فإنَّ وليَّ الثأر يحكم في القصاص والعفو، والعفو أقرب للتقوى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم "المأمون يكرر الصلاة" أسوة حسنة.

المأمون "غاضباً": الآن، بعد أن وقعتَ تقول هذا الكلام؟

إبراهيم "هادئاً مستعطفاً": من تناوله الاغترار بما مُدَّ له من أسباب الرجاء أَمِنَ عادية الدهر على نفسه، وهجمَتْ به الأيام على التلف، وقد جعلك الله فوق ما أذنبت، فإنْ أخذتَ فبحقك، وإن عفوتَ فبفضلك، والفضل أولى بك يا أمير المؤمنين.

"صمت قصير يُنشِد بعده إبراهيم هذه الأبيات مستعطفاً"

ذنبي إليــــك عظيــم     وأنت أعظـــم منـــهُ
فخذ بحقــــك أو.. لا     فاصفـح بعفوك عنهُ
إن لم أكن في فعـالي     من الكـرام فكُنْهُ[1]

المأمون "بعد صمت، يتحدث في صوت هادئ": يا إبراهيم، القدرة تذهب بالحفيظة، والندم توبة، ولقد حُبِّبَ إليَّ العفو حتى خشيتُ ألّا أثاب عليه، اذهب لا تثريب عليك!..

إبراهيم "في صوتٍ فرِح": بارك الله فيك يا أمير المؤمنين، إنك بالمكرمات جدير.

المأمون: وجميع أموالك مردودة عليك.

إبراهيم: بورك فيك يا ابن أخي، بورك فيك.

"صمت ثم يُنشد":

رددتَ مــالي ولم تمنن عليَّ به     وقبل ردِّك مالي قد حقنتَ دمي
فإن جحـدتكَ ما أوليتَ من كرمٍ     إني لَبـــاللؤم أولى منك بالكرم

*****
---------
[1] الأبيات الثلاثة والبيتان الأخيران منسوبة إلى إبراهيم بن المهدي.

جود قيس بن سعد بن عبادة

جود قيس بن سعد بن عبادة

(1)
أحمد – خالد

أحمد: لقد اشتدت بي الضائقة، حتى هممت أن أستعين ببعض الكرام، فقد تجاوز الأمر ما أقدر عليه من احتمال.

خالد: وماذا يمنعك أن تفعل؟

أحمد: الحياء يا خالد، الحياء هو الذي يُلجِم لساني، فلا أجد في نفسي قدرة على حديث.

خالد: اسمع يا أحمد، إن الحياء فضيلة كريمة، لكني سأرشدك إلى رجل جواد يصون حياءك، ويحفظ قدرك، ويحمل عنك ما عجزتَ عن حمله.

أحمد: والله.. إن حدث هذا، إني به لمسرور.

خالد: أنا دليلك إلى هذا الجواد الذي تؤمل.

أحمد: ومَنْ هو؟ بورك في سعيك الكريم.

خالد: قيس بن سعد بن عبادة.

أحمد: أكرِم به!.. أمَا إنه لَجوادٌ حقاً، فقد شرَّق ذكرُ مآثره وغرَّب.

خالد: بعد عصر الجمعة القادمة، نلتقي معاً، ونذهب إلى قيس.

أحمد: إن شاء الله.

خالد: إن شاء الله.

(2)
أحمد – خالد – الخادم

أحمد وخالد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخادم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. مرحباً بكم، مرحباً.

أحمد: أليس هذا منزل قيس بن سعد بن عبادة!؟

الخادم: بلى، وإني عن مولاي أرحب بكم.. تفضلوا فالدار داركم.

خالد: ولكن أين قيس بن سعد؟

الخادم: إنه نائم.. وإذا لم يكن شيء ذو بال فلا حاجة لإيقاظه. "صمت" أثمَّةَ ما تحبان أن تقولاه لي؟

خالد "في لهجة سريعة مضطربة قليلاً": لا.. لا.. لا شيء، إنما هو أمر خاص قدمتُ من أجله ومعي أخي هذا.

أحمد "في سرعة واضطراب": الأمر كما قال أخي خالد.. بورك فيك، وبورك في مولاك. "صمت" نستأذن الآن في الانصراف، وسوف نعود في وقتٍ آخر إن شاء الله.. أليس كذلك يا خالد؟

خالد: بلى يا أحمد، بلى، هيّا بنا.

الخادم: لا والله لا تذهبان حتى تذوقا شيئاً من طعامنا.. انتظراني قليلاً، سأعود إليكم دون تأخير.

"صوته يخرج"

أحمد: يا سبحان الله!.. لقد حرصنا على المجيء في الوقت المناسب، إلّا أن الرجل نائم.

خالد: وليس من المروءة أن نقطع عليه راحته.

أحمد: هو ذاك، لكنني وددتُ لو كنتُ قابلته اليوم، حتى إذا أمرَ لي بشيء، سارعتُ إلى سداد الديون، وقضاء حوائج الأهل فهُم كما حدَّثتك من قبل.

خالد: ربَّما ضاق أحدنا بحالٍ يؤول إليه، لكنه ما يلبث أن يرى فيها بعد حين، خيراً غاب عنه بادئ ذي بدء.

أحمد "في صوتٍ هادئ خجول": أتظن يا خالد، أنَّ من اللائق، أن أذكر شيئاً من حاجتي لخادم قيس بن سعد؟

خالد: لا يا أحمد، لا أرى ذلك.

أحمد: لكنه خادمٌ تبدو عليه النجابة وحسن التصرف.

خالد: وإنْ يكنْ، نحن جئنا نطلب رفد قيس نفسه.

أحمد: كما تحب. "صوت حركة ثم يدخل الخادم"

الخادم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد وخالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الخادم: إليكم هذا الطعام العاجل. "صوت شيء يوضَع"

أحمد: بارك الله فيك. ألا يزال سيدك نائماً؟

الخادم: بلى "صمت" يبدو أن لكما حاجة لا تريدان الإفصاح عنها.

أحمد: صدق ظنك يا رجل.

الخادم: ناشدتكما باللّه.. إلّا ما قلتما ما هي هذه الحاجة؟

أحمد "في صوت متردد متقطع": لقد كنا عزمنا على إخبار قيس فحسب. "صمت" إن لي لحاجةً حقاً.

الخادم: قل ولا تتردد، فأنت في دار قيس بن سعد بن عبادة.

أحمد: ضائقة حلّت بي.. فجئت أستعين بقيس في أمرها.

الخادم: مرحباً، مرحباً.. حاجتك أيسر من إيقاظ قيس، سأدفع لك ما يطيب به خاطرك.

أحمد "مندهشاً": ماذا؟.. تدفع دون استئذانه!؟

الخادم: ويحك يا رجل!.. إني أعلم من هو قيس. لك كيسٌ فيه سبعمئة دينار ما أعلم أن في الدار غيرها.. ولك فوق ذاك راحلةٌ وعَبد.

أحمد: "فرِحاً" شكراً لك، شكراً لسيدك، بارك الله فيكما، وجزاكما خير الجزاء.

(3)
قيس – الخادم

قيس: وماذا فعلتَ لهما؟

الخادم: كنتَ نائماً يا سيدي، ووجدت أن حاجتهما أيسر من إيقاظك..

قيس: ليتك أيقظتني فقمتُ لهما بما يرجوان.

الخادم: إني لَأعلم جيداً من هو سيدي قيس بن سعد بن عبادة، لذا فعلتُ لهما ما يطيب به خاطرك.

قيس "فرِحاً مسرعاً في الكلام": أصَحِيح؟ ماذا فعلت؟ هيَّا.. قلْ لي.

الخادم: أعطيتُ صاحب الحاجة سبعمئة دينار، وعبداً وراحلة.

قيس: بورك فيك!.. بورك فيك!.. لو أيقظتني لزدتُ في العطاء. اذهب فأنت حر، جزاء ما فعلت.
*****

استشهاد أبي عقيل في اليمامة

استشهاد أبي عقيل في اليمامة

(1)
أبو عقيل – رجل

الرجل: كيف تجد نفسك الآن يا أبا عقيل؟

أبو عقيل: بخير من الله يا أخي. "صمت" والله ما ساءني أن أُصابَ بهذا السهم في سبيل الله.. لكنْ ساءني أن تكون هذه الإصابة سبباً في حملي إلى الخيام.. لأظل هكذا مستلقياً كما تراني.

الرجل: بارك الله فيك، ورزقك الصحة والعافية.

أبو عقيل "في صوت يبدو عليه الحزن": اسمع يا أخي، والله ما بي حب الدنيا، ولكن يشق عليَّ أن أرى نفسي هكذا، لا أنا كسبت الشهادة، ولا أنا معافى فأجاهد مع المسلمين.

الرجل: لا عليك يا أبا عقيل، أرجو أن تبرأ سريعاً، ويكون لك شرف الجهاد في قابل الأيام.

أبو عقيل "في صوت حزين": عزيزٌ عليَّ والله يا أخي أن أكون في هذا الظل مستلقياً مستريحاً، والمسلمون في بأسٍ شديد. "صمت" إن جيش مسيلمة أخطر جيوش الردة، وكأني بالمسلمين الآن يُلاقون منه الصعاب.

الرجل: إن الله مُظهِرٌ دينه، والله الذي لا إله إلا هو!.. ليكوننَّ لنا النصر العزيز المؤزر بإذن الله.

أبو عقيل: بإذن الله. "صمت" ترى هل من نبأ عن المعركة يا أخي؟

الرجل: هي الآن في إبّان ضراوتها، إني أودُّ اللحاق بإخواني في ساحتها، هل تأذنُ لي؟

أبو عقيل: كيف لا؟ "صمت" في حفظ الله ورعايته، اللَّهمَّ نصرك المؤزر.

الرجل: اللَّهمَّ آمين. "صمت" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو عقيل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "خطاه وهو يبتعد"

(2)
أبو عقيل وحده – صوتان يناديان: صوت من المسلمين، وصوت من المرتدين.

أبو عقيل "يناجي نفسه في صوت هادئ حزين": لا أنا فيمن استشهد ففاز!..، ولا أنا فيمن عوفي فمضى يجاهد في سبيل الله!.. اللَّهمَّ لك الحمد على ما اخترت لي، رضيتُ بما قسمت، رضيتُ.. رضيتُ.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

أبو عقيل: اللَّهمَّ انصر المسلمين، واكتب لهم الغلبة والفوز.

الصوت المسلم "عالياً": يا معشر المسلمين، الثباتَ الثباتَ.. فإنما هي إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما النصر.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

الصوت المرتد "عالياً": يا جنود مسيلمة!.. لقد أوشك النصر على جيش خالد بن الوليد.. شددوا الهجوم.. فما هي إلّا ساعة من نهار حتى يولّوا الأدبار.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

أبو عقيل "يعود إلى المناجاة في صوت هادئ حزين": ويحك يا أبا عقيل!.. أنت في خيمة المرضى هذه، والمسلمون في بأس شديد، ما هذا بالعدل!.. ما هذا بالعدل!.. ما هذا بالعدل!.. اللَّهمَّ اهزم مسيلمة، وانصر المسلمين.

"صوت المعركة يعود إلى الارتفاع مجدداً"

أبو عقيل "يكرر دعاءه": اللَّهمَّ اهزم مسيلمة وانصر المسلمين.

(3)
أبو عقيل – رجلان من المسلمين يتحدثان بشكلٍ يدل على الخطورة والاهتمام

الأول: لقد ثبت فرسان مسيلمة ثباتاً عجيباً.

الثاني: بل إنهم تجاوزوا ذلك إلى الهجوم.. لقد شددوا الهجوم علينا حتى كشفونا عن مواقعنا.

الأول: صدقت. "صمت" اللَّهمَّ اكتب لنا النصر والغلَبة، اللَّهمَّ امنحنا أكتافهم يا رب العالمين.

الثاني: وكيف الحال الآن!؟

الأول: لقد حزن الأنصار على ما أصاب المسلمين اليوم، وأجمعوا على قتال مرير لا مثيل له، وهم الآن ينادون بعضهم بعضاً ليجتمعوا، ويشنوا هجوماً عنيفاً على جيش مسيلمة.

الثاني: بارك الله فيهم.. إنهم لَأنصار الإسلام حقاً.

صوت من الأنصار "يرتفع عالياً حاراً": يا معشر الأنصار.. اللهَ.. اللهَ، والكرَّةَ على عدوكم!.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم!.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم!..

أبو عقيل: ها هم ينادون الأنصار، لقد كفاني ما بقيت في هذه الخيمة بسبب هذا السهم الذي أصابني، لقد حُرِمتُ الجهاد وقتاً طويلاً من هذا اليوم المشهود. لا عذر لي الآن، لا عذر قط، فها هم ينادون الأنصار وإنَّ عليَّ أن أجيب.

الصوت الأنصاري "يعلو من جديد": يا معشر الأنصار.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم.

أبو عقيل: لبيك لبيك!.. لبيك لبيك!..

(4)
أبو عقيل – الرجل الذي ظهر معه في المشهد الأول

"وهما يتحدثان بصوت يدل على الخطورة والجدية"

الرجل: إلى أين يا أبا عقيل؟ ابقَ حيث أنت.. أنت جريح!..

أبو عقيل: إليك عني يا رجل!.. لقد نوّه المنادي بالأنصار، وإنما أنا أنصاري!.. فهو قد نوّه باسمي.

الرجل: إن المنادي يقول: يا للأنصار!.. وهو لا يعني الجرحى.

أبو عقيل: خلِّ عني يا رجل. أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبواً.. وسأنادي الأنصار كما ناداهم غيري. "صوته يعلو":

يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!.. يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!.. يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!..

(5)
أبو عقيل – الرجلان المسلمان اللذان ظهرا في المشهد الثالث

الأول: انظر إلى أبي عقيل، إنه يجود بنفسه.

الثاني: لقد أبلى هذا اليوم أحسن البلاء.

الأول: حين هتف المنادي بالأنصار كان جريحاً، لكنه لم يعذر نفسه فمضى كالسهم ينادي: يا للأنصار.. كرَّةً كيوم حُنين!..

الثاني: دعنا نكلِّمه الآن. يا أبا عقيل، يا أبا عقيل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو عقيل "في صوت ضعيف متقطع": وعليكم.. السلام.. ورحمة.. الله.. وبركاته.

الأول "في صوت هامس": انظر يا أخي، لقد قُطِعت يده التي جُرحت أول النهار.. "صمت" وأما جراحه فهي أربعة عشر جرحاً، كلها خَلَصت إلى مقتل.

أبو عقيل "في صوته الضعيف المتقطع": لمن كان النصر اليوم؟

الثاني "بصوتٍ عالٍ": أبشر يا أبا عقيل!.. قُتِلَ عدو الله مسيلمة وهُزِمَ جيشه وانتصر المسلمون.

أبو عقيل "في صوته الضعيف المتقطع": الحمد لله رب العالمين، بشَّرك الله بالخير. أمَا إني لسعيد، رُزِقت الشهادة التي طالما رجوت، وعلمتُ نبأ انتصار المسلمين.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
*****

محمود الغزنوي وسومانات آلهة الهندوس

محمود الغزنوي وسومانات آلهة الهندوس[1]

(1)
رجلان يتحدثان – رجل ثالث

الأول: لقد كنا نحسب أن انتصار المسلمين علينا أمر مستبعد.

الثاني: لكنهم سجلوا علينا نصراً كبيراً.

الأول "في صوت حزين": أتريد الحقيقة؟

الثاني: كيف لا؟ ما الذي عندك؟

الأول: كأن لدى هؤلاء المسلمين مفتاحاً خاصاً ينتزعون به النصر.

الثاني: وكيف؟

الأول: نحن أكثر منهم عدداً، وأقوى منهم عُدَّة، والبلاد بلادنا، والقتال في أراضينا.. ومع ذلك فقد غلبونا.

الثاني "بعد صمت": صدقت. "في صوت هادئ" نحن الهنود أصحاب هذه الديار وسكانها منذ أحقاب طويلة، وهم غرباء عنها.. ومع ذلك هزمونا على كثرتنا وقلتهم، وعِظَمِ عتادنا وقلة عتادهم، إنه لَأمرٌ بالغ الدهشة.

الأول: لا أخفي عليك أني منذ يوم هزيمتنا، أفكر في أمر هؤلاء الغزاة المسلمين وسلطانهم محمود الغزنوي.

الثاني: ليس العجب أن تفكر، بل العجب ألّا تفكر!..

الأول: وهذا هو الذي دفعني للإيمان بأنهم يمتلكون مفتاحاً خاصاً لانتزاع النصر.

الثاني "بعد صمت": لكن أعَرَفتَ شيئاً عن هذا المفتاح؟

الأول: إنهم يسمونه الإيمان.

الثاني: وما هو هذا الإيمان يا ترى؟

الأول: لا أدري بالضبط.. لكنه هو الذي يدفعهم إلى القتال وطلب الموت.

الثاني "بعد صمت وفي صوت هادئ عميق": إن لهؤلاء المسلمين لشأناً!..

الأول: صدقت، إن لهم لشأناً!.. "الباب يُقرَع"

الأول: تفضل.. "وقع خطى على الأرض، الباب يُفتَح ويُغلَق"

الثالث: أمسيتم خيراً.

الأول: وأمسيت خيراً. أثمَّة جديد؟

الثالث "في صوت مضطرب": أجل، لكن أخشى ألا يروق لك.

الأول: قل ما عندك سواءً أراقَ لي أم لا.

الثالث "في صوت مضطرب": محمود الغزنوي "ثم سكت"

الأول "في صوت منفعل": ولِمَ سكتَّ يا رجل؟ قل، تكلم.

الثالث "في صوت يزداد اضطرابه": دخل معبدنا الكبير وانتزع تمثال.. "يزداد اضطراباً" إلهنا المُبجَّل.. سومانات.

الأول "في صوت تبدو عليه الجدية والاهتمام": ها.. فعل ذلك. أمَا إنَّه لَمغرور.. أمَا خشي أن ينتقم منه سومانات؟

الثالث "في صوته المضطرب المتقطع": وقد علمتُ أنه.. قد.. عزم.. على.. كسره.

الأول "في صوت غاضب عالٍ": عزم على كسره؟

الثالث "مضطرباً": أجل، عزم على كسره؟

الأول "حزيناً": ويلٌ للمغلوب!.. ويلٌ للمغلوب!.. "صمت" وأين محمود الغزنوي الآن؟

الثالث "مضطرباً": في المعبد يريد أن يجتمع.. الناس.. ليكسر سومانات أمامهم.

الأول: وهل حدَّثه أحدٌ في الأمر عسى أن يرجع عنه؟

الثالث: لا.. ولكن سمعنا أن كبير الكُهَّانِ في المعبد سوف يحدِّثه.

الأول: فلنذهب حالاً إلى المعبد لنرى ما يكون.. هيا بنا.

الآخران: هيَّا بنا.

(2)
محمود الغزنوي – حاجب – كبير الكهنة

الحاجب: بارك الله فيك يا مولاي السلطان، لقد كان نصراً عظيماً هذا الذي أحرزته على الهنود، حتى طفق المسلمون في كل مكان يدعون للسلطان المجاهد محمود الغزنوي.

محمود: بارك الله فيك وفي جيشنا المؤمن المجاهد، اللَّهمَّ ارفع راية الإسلام في كل مكان، واجعل جهادنا هذا خالصاً لوجهك الكريم.

الحاجب: اللَّهمَّ آمين. "صمت" مولاي السلطان..

محمود: نعم.

الحاجب: عددٌ من الكهنة يريدون مقابلتك الآن.

محمود: هل اعتدى أحد من الجند على أهل المدينة؟

الحاجب: لا يا مولاي!.. إنهم يريدون الحديث إليك في شأن هذا الصنم الأكبر عندهم سومانات حتى لا تكسره.

محمود: هيهات، ليُكسَرَنَّ الصنم وهم ينظرون.

الحاجب "ضاحكاً": وهم يزعمون أنهم يخشون عليك.

محمود "متسائلاً": يخشون عليَّ؟ من أي شيء؟

الحاجب "ضاحكاً": من انتقام سومانات كما يزعمون. "يضحكان معاً ثم تسود فترة صمت"

محمود: فليدخل وفد الكهنة الآن.

الحاجب: في الحال يا مولاي. "حركة خروج.. وقع أقدام.. باب يُفتح ويُغلق"

كبير الكهنة "في صوت رزين ثقيل": سلامٌ على الأمير الجليل محمود الغزنوي.

محمود: مرحباً بكم.. أثَمَّة حاجة لكم؟

كبير الكهنة: سمعنا أنك عازم على كسر سومانات.

محمود: هو ذاك.

كبير الكهنة: كلنا نخشى عليك من انتقامه.

محمود "ضاحكاً ساخراً": ويحك يا رجل!.. إنما هو حجرٌ لا يضر ولا ينفع.

كبير الكهنة: إنه معبودنا المعظم، ونخشى عليك بأسه.

محمود: إن كان فيه ما تقول فليرد الأذى عن نفسه. "صمت"

كبير الكهنة: أيها الأمير الجليل لقد أنفقت في سفرك وحربك إيانا مالاً كثيراً ونحن على استعداد لأن ندفع لك.

محمود: ليس لي عندكم سوى الجزية إن أصررتم على ما أنتم عليه من ضلال.

كبير الكهنة: لكننا سندفع لك مالاً كثيراً، أيها الأمير الجليل. لا بد أنك شاهدت سومانات وضخامته؟

محمود: أجل لقد شاهدته، وهو ضخم كبير.

كبير الكهنة: فنحن على استعداد لأن ندفع لك مقدار وزنه ذهباً على أن تدعه لنا.

محمود: خاب ظنك يا رجل!.. خيرٌ لك من هذا الذي تفعل أن تسلم، ففي الإسلام سعادة الدين والدنيا. "في صوت حازم" والله لأحطِّمنَّه.. ولأجعلنَّه على باب المسجد في غزنة حتى تدوسه الأقدام لتعلموا أن معبودكم هذا باطل لا خير فيه، وأن ديننا أغلى عندنا من أي مالٍ مهما كان.
*****
--------
[1] غزا محمود الغزنوي الهند عام (1025م) واستولى على صنمٍ أصرَّ على كسره، وعرض عليه الهنود مقدار وزنه ذهباً فأبى إلا أن يكسره وأن يضعه على أسكفة باب المسجد في عاصمته حتى تدوسه الأقدام، والصنم المذكور اسمه "سومانات".

سالم مولى أبي حذيفة شهيد اليمامة

سالم مولى أبي حذيفة شهيد اليمامة

(1)
خالد – أُسَيد

"خالد وأسيد يتحدثان في حماسة"

"صوت المعركة يعلو"

خالد: هؤلاء المرتدون من جيش مسيلمة أحدثوا فينا مقتلة كبيرة يا أسيد.

أسيد: والله لو قتلونا حتى آخر رجل منا لما شككت قط أننا على الحق، وأنهم على الباطل يا خالد.

خالد: بارك الله فيك.. النصر لنا بإذن الله. كأني أرى مسيلمة قتيلاً، وجيشه مبدداً ضائعاً بين قتل وأسر وهزيمة إن شاء الله.

أسيد: إن شاء الله.

خالد: رحم الله زيد بن الخطاب!.. لقد حمل اللواء ومضى يتقدم به في نحور العدو حتى استشهد. "صمت" ترى من حمل رايتنا من بعده يا أسيد؟

أسيد: حملها سالم مولى أبي حذيفة، وهو الآن يرفعها ثابتاً كالطود في وجه المرتدين.

خالد: أرجو أن يكون سالم جديراً بحمل الراية في هذا اليوم المشهود.

أسيد: إنه لجديرٌ بذلك يا خالد.. أتدري ماذا جرى بينه وبين بعض المسلمين من الحديث في حمل الراية؟

خالد: يبدو أن عندك خبراً عن ذلك.

أسيد: صدق ظنك!.. حين حمل الراية قال له بعض المسلمين: يا سالم!.. إنا نخاف أن نُؤتى من قِبَلك.

خالد "متسائلاً غاضباً": أتلك قولة يُرمى بها سالم؟

أسيد: ما أحسن ما قال لهم سالم!.. إنه حقاً رجلٌ صادق الإيمان.

خالد: ماذا قال لهم؟

أسيد: قال لهم سالم: بئس حاملُ القرآن أنا إن أوتيتم من قِبَلي.

خالد "فرِحاً متحمساً": قولة عظيمة.. هو والله بها جدير.

أسيد "في صوت هادئ عميق": إي والله هو بها جدير!.. هو بها جدير!..

(2)
خالد – أُسَيد.. "صوت المعركة يعلو"

خالد: لقد كشفونا للمرة الثالثة يا أسيد.. إنهم مقاتلون أشداء.

أسيد: هي آخر قوتهم يا خالد.. ليكون لنا النصر بعد ذلك إن شاء الله.

خالد: أمَا إن قائدنا خالد بن الوليد لَقائدٌ بارع موفَّق، حقاً إنه سيف من سيوف الله.

أسيد: صدقت.. فعل من جديد فعله في المرتدين.

خالد: أجل، لمّا رأى المسلمين قد انكشفوا أعاد تنسيق جيشه وصرخ بالناس: امتازوا لنرى اليوم بلاء كل حي.

أسيد: إنه يريد أن تشبَّ الحماسة، إذ تجتمع كل طائفة وحدها فينكشف ممن البلاء وممن الضعف.

خالد "يدعو بصوت صارخ": اللَّهمَّ إنك تعلم أن المسلمين يجاهدون في سبيلك، اللَّهمَّ فأنزِل عليهم نصرك الكريم، واهزم مسيلمة وجنوده هزيمة نكراء.

أسيد: اللَّهمَّ آمين. "يعود صوت المعركة للاشتداد"

(3)
خالد - أسيد

خالد: ترى.. ماذا فعل سالم حامل الراية يا أسيد!؟

أسيد: ثبت ثبات الجبال الراسيات. ما أجدر أن يقال عنه: نِعمَ حامل القرآن سالم!!.

خالد "متحمساً متسائلاً": ما الأمر يا أسيد؟

أسيد: حين انكشف المسلمون للمرة الثالثة قال: ما هكذا كنا نقاتل مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم حفر لنفسه حفرة دخل فيها.

خالد "متحمساً": وبعد، ماذا جرى له؟

أسيد: ظلَّ في حفرته ومعه ثابت بن قيس يحمل الراية، ويجاهد في ضراوة حتى استشهد رحمه الله برمحٍ أوسطه.

(4)
صوت الراوي

الراوي: أيها المؤمن العظيم..

لَنِعمَ ما جاهدتَ في سبيل الله، ولَنِعمَ ما ثبتَّ وصمدتَ حتى اكتسبتَ الشهادة التي أنت بها جدير. كيف لا!؟ وأنت القائل: "بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلي".. بل نِعمَ حامل القرآن أنت يا سالم. لقد مضى سيفك صوّالاً في كتائب الردّة ليشهد الناس أن حامل القرآن الكريم هو قمة في الشجاعة والبطولة والفداء. أما إنك لملتقى للفضائل والمكرمات، يبثها الإسلام في ذويه فيصنع منهم العجائب. إيمانك عميق صادق ورجاؤك في الله مكين واثق، ويقينك نقي خالص. كنتَ مولى رقيقاً لأبي حذيفة جمعكما الإسلام على الإخاء الصادق والمودة العميقة حتى صرت تُدعى سالم بن أبي حذيفة، ذلك أن أخاك في الإسلام قد تبناك، وحين أبطل الإسلام عادة التبني بقيتَ معه أخوين في الله صادقين جاهدتما معاً، وضربتما في الأرض ترجوان ثواب الله حتى توفيتما في اليمامة شهيدين كريمين. لقد انتصر المسلمون في اليمامة، وقُتِلَ الدعيُّ الكذاب مسيلمة، وفيما المسلمون يتفقدون شهداءهم وجدوا سالماً في النزع الأخير فسألهم ما فعل أبو حذيفة؟ قالوا له: لقد استشهد! قال سالم: فأضجعوني إلى جواره. قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم. وهكذا وصل الصحابيان العظيمان إلى ما يرجوان. أسلما معاً، وجاهدا معاً، وأخيراً اسْتُشْهِدا معاً وهما يدافعان عن الإسلام أن تعصف به طائفة من الكذبة المغرورين.
*****

الأكثر مشاهدة