الأحد، 30 يناير 2022

عروة بن الزبير والصبر على قطع رجله

عروة بن الزبير والصبر على قطع رجله

(1)
الأشخاص: عروة بن الزبير – زوجته

عروة بن الزبير "يسمع صوته وهو يقرأ في حنان قول الله تعالى": ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا* فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء64-65).

"فترة صمت قصير – قرع على الباب"

عروة: مَن، مَن بالباب؟

الزوجة: أنا يا عروة، أتأذن لي في الدخول؟

عروة: كيف لا!؟.. بوركتِ من زوجة صالحة.

"باب يُفتح ويغلق، أصوات أقدام على الأرض"

الزوجة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كيف أنت اليوم؟

عروة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بخيرٍ من الله تعالى ونعمة وفضل.

الزوجة: كيف هي رِجلك اليوم؟

عروة: ألَمٌ يشتدُّ ويتجدد، لقد كاد هذا الألم الموصول يعطلني عن قراءة نصيبي من كتاب الله هذه الليلة، لكن الله تعالى يسَّر ذلك.

الزوجة: له الحمد على ما أعطى، "صمت قصير" ما الذي عزم عليه الأطباء يا عروة في شأن رجلك؟

عروة: في الغد ألتقي بهم عند الخليفة، إنه ما علمت شديد الحرص عليَّ، عظيم الرعاية لي.

الزوجة: بورك فيك يا عروة، "صمت قصير ثم في صوت حزين" عزيزٌ عليَّ والله ما تلقى يا ابن الزبير، "تبكي" ليتني كنتُ فداءً لك.

عروة "في صوتٍ مطمئن هادئ": هوّني عليك يا زوجاه، وسلي الله تعالى لي العافية، وسليه أن يرزقني الثواب والاحتساب.

الزوجة "في صوت ضارع": اللَّهمَّ إنك تعلم من هو عروة بن الزبير علماً ومعرفة، وزهداً وتقى، وتلاوةً لكتابك العظيم. اللَّهمَّ متعه بالصحة والعافية، وأجزِل له الثواب والعطاء.

(2)
الخليفة – كبير الأطباء

الخليفة: كيف وجدتم الرجل؟ أما مِن أملٍ في شفاء رِجله؟

كبير الأطباء: حفظ الله أمير المؤمنين، إن الداء استفحل فيها وتعاظم، وما يبدو أن ثمَّة فائدة فيها.

الخليفة: أهذا رأيك وحدك، أم رأي بقية الأطباء كذلك؟

كبير الأطباء: إنه رأينا جميعاً يا أمير المؤمنين.

الخليفة: ويحك يا رجل!.. ابذلوا لعروة كل شيءٍ تقدرون عليه. لن أبخل عليه بشيءٍ قط، أنتم تعلمون مدى حبي له وحرصي عليه.

كبير الأطباء: ما غاب عنا هذا قط يا أمير المؤمنين، ولقد بذلنا غاية جهدنا ولم نتعجل قط فيما كلّفتَنا به من العناية بعروة.

الخليفة "بعد صمت قصير": وعلامَ عوَّلتم؟

كبير الأطباء: على قطع رِجله يا أمير المؤمنين.

الخليفة "مُسارِعاً مُقاطِعاً كالمستفظع لهذا": قطع رِجله!.. قطع رِجله!..

كبير الأطباء: إنْ أذِنَ لنا أمير المؤمنين.

الخليفة "بعد صمت": وهل لأمير المؤمنين حيلة في الأمر!؟ افعلوا ما ترونه، حسبي الله ونعم الوكيل.

(3)
عروة – كبير الأطباء

كبير الأطباء: عزيزٌ عليَّ أن أقطع رجلك يا عروة!.. لكن ليست لي حيلة في الأمر، وهؤلاء الأطباء يشاركونني الرأي.

عروة: مرحباً بأمر الله وقَدَرِه، اعمل ما شئت فها أنا بين أيديكم.

كبير الأطباء: على بركة الله، وباسم الله، فلنبدأ العمل أيها الإخوان، ولنبذل غاية رعايتنا لشيخنا الجليل عروة بن الزبير.

"أصوات أقدام تتلاحق، وأوانٍ تُوضع، وهمهمة رجال"

كبير الأطباء: هذا شرابٌ لك يا شيخي الجليل، يخفف عنك ألم القطع.

عروة: وما هو هذا الشراب؟ أهو..؟

كبير الأطباء: هو ذاك يا ابن الزبير.

عروة "في صوت حاسم": لا.. والله لا أستعينُ على قدَرِ الله بمعصية الله. "صمت قصير"

كبير الأطباء: كما يحب شيخنا الجليل، إذن فإليك هذا المُرَقِّد حتى نجري هذه العملية دون أن تشعر.

عروة "في صوت هادئ حاسم": لا.. ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد أَلَـمَ ذلك، لأحتسبه عند الله.

كبير الأطباء: ولكن كيف نفعل!؟ إن ألم القطعِ شديد.

عروة "في هدوئه": إني سأدخل في ذكر الله، فإذا رأيتموني قد استغرقتُ فيه فافعلوا ما شئتم.

(4)
صوت الراوي يصف انشغال عروة بن الزبير بذكر الله حين قطع رجله

الراوي: وطفق عروة بن الزبير يذكر الله عز وجل، حتى إذا استغرق في ذلك، قطعوا اللحم بالسكين المحمّى بالنار، حتى إذا بلغوا العظم نشروه بالمنشار، وهو يهللُ ويكبِّرُ ويضرع، حتى إذا كُوِيَ مكان القطع بالزيت المغلي أغمي عليه.

ولما أفاق عروة بن الزبير من إغماءته رأى رِجله بين أيدي الأطباء فأخذ يقلبها بين يديه وهو يقول: أمَا والذي حملني عليكِ، إنه لَيعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط.

وتمر الأيام، وينطوي عروة في سيرها المستمر، لكنَّ سيرته تظل من بعده نموذجاً للإيمان لدى كرام الرجال، كيف يكون.
*****

عمرو بن عبيد الزاهد الناصح

عمرو بن عبيد الناصح الزاهد

(1)
عمرو بن عبيد – أبو جعفر المنصور – المهدي بن المنصور

عمرو: يا أمير المؤمنين!.. أنت أحقُّ من بذلتُ له النصيحة، وأخلصتُ له القول. يا أمير المؤمنين!.. إنَّ مثال الناصح المشفق يثقل ويشتد فهو كالدواء المُر، لكنَّ نفعه يُرتجى، وإن مثال المنافق المتزلف يحلو ويصفو، فهو كالشراب السائغ، لكنَّ فيه سُمَّاً ناقعاً تظهر هجمته بعد حين. يا أمير المؤمنين!.. إني اخترتُ أن تكون مقالتي بين يديك مُرَّةٌ كالدواء فهل تأذن لي؟

المنصور: قل ما تشاء يا عمرو بن عبيد، فما أنت عندي بمُتَّهم.

عمرو: يا أمير المؤمنين!.. لقد ألقى الله تعالى بين يديك مقاليد خلقه، وإنك مسؤولٌ عنهم أجمعين. يا أمير المؤمنين!.. أترى هذه الخلائق الكثيرة تسكن في ديار الإسلام الواسعة الممتدة؟ والله ليكوننَّ أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور مسؤولاً عن أحوالها بين يدي خالقها يوم القيامة.

المنصور: صدقت والله يا عمرو، "في صوت هادئ حزين" صدقت، صدقت.

عمرو: يا أبا جعفر المنصور!.. إنك في مقام يُنظر إليه، يُخشى ضرره، ويُرجى نفعه فانظر من تجالس؟ إنَّ أكثر مَنْ تجالسهم طلاب قوتٍ يا أبا جعفر، طلاب دارٍ تُسكَن، ومنحٍ تُعطى، وجوائز تُهدى..

المنصور "في صوت هادئ": أما والله إنك لناصح.. أما والله إنك لجريء!..

عمرو: يا أمير المؤمنين!.. قل لنفسك: أكان هؤلاء الناس الذين يحيطون بك، يحرصون عليك مثل هذا الحرص لو لم تكن في مقامٍ يُخشى ويُرجى؟ "فترة صمت". يا أمير المؤمنين!.. إن هؤلاء يريدون أن يجعلوا منك سبباً للغنى والمال والمجد والجاه، عن أي طريقٍ كان، فانظر إلى نفسك يا أمير المؤمنين.. إنهم قد يصلون إلى ما يريدون، لكنك ستكون وحدك غداً بين يدي الله، فانظر ماذا أنت قائلٌ له؟

المنصور: ولكن، مَن لي بسرائرهم يا عمرو؟

عمرو: سرائرهم إلى الله يا أبا جعفر، وعليك أن تجتهد في الأمر، وأنت مِمَّن يعرف معادن الرجال.

المنصور: وهل أنت مُتَّهِمٌ لهم جميعاً؟

عمرو: معاذ الله يا أمير المؤمنين، ففيهم من طاب وزكا، لكن أكثرهم طلاب قوت.

المنصور: صدقت يا عمرو!.. "صمت" عِظني يا ابن عبيد.

عمرو: واحدة فحسب يا أمير المؤمنين!.. هذا المُلك العريض الذي بين يديك، أأنتَ أول مَنْ ملَكه؟

المنصور: لا.. يا عمرو.

عمرو: فلن تكونَ آخر مالكٍ له، وكأني بك اليوم أو غداً تودِّع الدنيا فتصير خبراً من أخبار التاريخ يُروى.

المنصور "صوتٌ حزينٌ يخالطه البكاء": صدقت، صدقت، أما والله إنك لَناصح!..

"فترة صمت" يا بُني إليَّ كيساً فيه عشرة آلاف درهم.

المهدي: سمعاً وطاعة. "حركة أقدام"

عمرو: يا أمير المؤمنين.. لِمنْ هذه الدراهم!؟

المنصور: لك يا ابن عبيد.

عمرو: لا حاجة لي فيها.

المنصور: يا عمرو، والله ما أنت عندي بمُتًّهَم. خذ هذا المال فضعه حيث تشاء.

عمرو: يا أمير المؤمنين!.. كأني إذاً ما حدَّثتكَ عن طلاب القوت.

المنصور: بلى والله، لقد تحدثتَ ونصحت، وأخلصتَ وأبلغت، وما أنت منهم.

عمرو: فما لي، وما لها يا أمير المؤمنين؟

المنصور: تضعها حيث ترى.

عمرو: فابعثها مع غيري.

المنصور: بل معك أنت يا عمرو.

"حركة أقدام، وصوت خشخشة المال في الكيس"

المهدي: ها هو المال يا أمير المؤمنين!.. "يتناول المنصور، فيسمع صوت الدراهم"

المنصور "في صوت هادئ": يا عمرو، ما أنت طالب قوت، وما أنت عندي بمُتَّهَم.. خذ هذا المال فضعه حيث تشاء.

عمرو "في صوت هادئ": فليضعه غيري يا أمير المؤمنين.

المهدي: "في صوت غاضب عالٍ" ما هذا يا عمرو!؟ يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت؟

عمرو "في صوت الهادئ": مَنْ هذا الفتى يا أمير المؤمنين؟

المنصور: هو ولي العهد، ابني المهدي.

عمرو "في صوته الهادئ": أما والله لقد ألبستَه لباساً ما هو من لباس الأبرار، وسميتَه باسم ما استحقه، ومهَّدْتَ له أمراً، أمتع ما يكون به؛ أشغل ما يكون عنه، "صمت.. ثم في صوت هادئ حاسم": يا ابن أخي، أبوك أقوى على الكفَّارات من عمك. "صمت"

المنصور: يا عمرو، هل من حاجة!؟

عمرو "في صوت هادئ حاسم": لا تبعث إليَّ حتى آتيك.

المنصور: إذن لا تلقاني.

عمرو: هي حاجتي.. "صمت" أتأذن لي بالانصراف؟

المنصور: مصاحباً بالسلامة أيها الناصح الصادق. "صوت خطوات ثم باب يفتح ويغلق"

المنصور "يكرر في صوتٍ هادئٍ حالمٍ عدة مرات":

كلكم يمشي رويد، كلكم يطلب صيد، غير عمرو بن عبيد.

*****

عمرو بن عبيد الناصح الصادق

عمرو بن عبيد الناصح الصادق

(1)
عمرو بن عبيد – رجل

عمرو بن عبيد "يحدِّث نفسه بصوت هادئ": يا عمرو، يا ابن عُبيد، ما الذي يريده أمير المؤمنين منك؟ إنَّ لك لَشغلاً آخر، يغاير ما عليه أمير المؤمنين. أنت يا ابن عبيد عالم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فما مجلسك إلى أمير المؤمنين ومن معه، إنَّ لك لَشغلاً آخر، إنَّ لك لَشغلاً آخر. درسٌ تُعلِّمُه، أو مسألةٌ تُبيِّنها، أو حلالٌ تدعو إليه، أو حرامٌ تنهى عنه، خيرٌ من مجلسك عند أمير المؤمنين، حيث يقل الصالحون ويكثر الطامعون. "صمت ثم باب يُفتَح ووقع أقدام"

الرجل الداخل: السلام عليك يا عمرو بن عبيد ورحمة الله وبركاته.

عمرو: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

الرجل: علامَ عوَّلتَ يا عمرو، أذاهبٌ أنتَ إلى الخليفة أبي جعفر المنصور؟

عمرو: ما لي وللخليفة، ما لي وللخليفة، أمَا مِن هذا الذهابِ بُد؟

الرجل: ويحك يا عمرو، إذا انقطع أهل الخير عن ذوي الأمر، ألا يخلو الجو للآخرين من ذوي الأهواء؟

عمرو: صدقت والله، إنها لَحُجَّة. لكن الدخول على ذوي الأمر فيه ما فيه.

الرجل: أنت وما تختار يا عمرو، لكن دخولك ليس كدخول أحدٍ سواك، فأنت تصدع بالحق، وتُخلِصُ في النصح.. "صمت" ثم إن الخليفة يعرف قدرك ومنزلتك.

عمرو: وأنا والله أعرف قدره ومنزلته، لقد ثبَّت الله به الدولة، ونشر العدل، وقمع الفِتَن، وأعزَّ الإسلام. "صمت" لكنَّ عليه مآخذ وهفوات.

الرجل "بعد صمت": الأمر لك يا عمرو، لكني أنصحك بالذهاب.

عمرو "بعد صمت": على بركة الله، لأذهبنَّ، ولأقولنَّ الحق بإذن الله.

(2)
عمرو – المنصور – سليمان بن مجالد

المنصور: مرحباً بك يا عمرو.

عمرو: مرحباً بك يا أمير المؤمنين.

المنصور: قلَّما تزورنا يا عمرو.

عمرو: يُكثِرُ زيارتَك يا أمير المؤمنين من يرجو أن يجعلك سُلماً لمطامعه.

المنصور "بعد صمت": كلامك، كلامٌ صادق وإن أوجع.

عمرو: يُوجِعك مَن يحرص عليك، أما الطامعون فلهم دربٌ آخر.

المنصور: عظني يا عمرو!..

عمرو "في صوت هادئ حاسم": يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقفك ويسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر، وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة.

المنصور: زدني يا عمرو!..

عمرو: إن الله عز وجل لا يرضى منك إلّا ما ترضاه لنفسك، "صمت قصير" ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلّا بأن يعدل فيك، ألا وإن الله عز وجل لا يرضى منك إلّا بأن تعدل في رعيتك.

المنصور "في صوت حزين هادئ": صدقت، صدقت!.. زدني باللّه يا عمرو!..

عمرو: أين ينتهي نسبك يا أمير المؤمنين؟

المنصور: إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.

عمرو وسليمان: صلى الله عليه وسلم.

عمرو: أليسَ في قربك من النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون حافزاً لك للتأسِّي به واتباع سنته؟ "صمت، يتابع عمرو بعده الحديث" أين آباؤك يا أمير المؤمنين؟

المنصور: أفضوا إلى ما قدَّموا.

عمرو: وستلحق بهم عمّا قريب وتفضي إلى ما تُقدِّم فأحسن الزاد.

سليمان: يا عمرو لقد شققتَ على أمير المؤمنين.

عمرو: يا أمير المؤمنين من هذا؟

المنصور: أخوك "صمت" سليمان بن مجالد.

عمرو "في صوت حازم مرتفع بعض الشيء": يا سليمان، إن أمير المؤمنين يموت، وإن كل ما تراه يفقد، وإنك جيفة غداً بالفناء. "صمت" يا سليمان، لن ينفعك إلّا عملٌ صالحٌ قدَّمتَه. يا سليمان، قربُ من يشتد على أمير المؤمنين بالحق، خيرٌ له من قربك أنت إن كنت تطوي عنه النصيحة، وتنهى من ينصحه. "صمت"

المنصور: أمَا والله يا عمرو، لَأنت وأمثالك الرجال.

عمرو: يا أمير المؤمنين، إنَّ سليمان وأمثاله، اتخذوك سلماً إلى شهواتهم.

المنصور: فأصنع ماذا؟ ادعُ لي أصحابك أجعل منهم الولاة.

عمرو: بل ادعهم أنت.

المنصور: وكيف أدعوهم، وهم بك يقتدون، ونحن نلقى منك ما نلقى؟

عمرو: ادعهم بعملٍ صالحٍ تُحدِثه، فسيأتون إليك معاونين لا طامعين.

المنصور: وعُمّالي يا عمرو، كيف لي بصلاحهم؟

عمرو: استعمل في اليوم الواحد عمّالاً سواهم كلما رابك منهم ريب، وإن أنكرتَ على أحد منهم فاعزله وولِّ غيره، "صمت" فوالله لئن لم تقبل منهم إلا العدل، ليَتقربنَّ به إليك مَنْ لا نية له فيه. "صمت"

المنصور: زدني يا عمرو!..

عمرو: إنَّ ما قلته يا أمير المؤمنين، ليوفي على الغاية إن وُفِّقتَ إليه. أتأذنُ لي يا أميرَ المؤمنين؟

المنصور: مصاحباً محفوظاً يا عمرو.

"صوت باب ووقع أقدام"

المنصور: يا سليمان بن مجالد..

سليمان: لبيك يا أمير المؤمنين.

المنصور: يا سليمان، أرأيت إلى عمرو!؟ هو وأمثاله الرجال.. "في صمت هادئ خاشع ينخفض رويداً رويداً حتى ينقطع" هم الرجال، هم الرجال، هم الرجال!..
*****

عبد الله بن المبارك المحدث الفارس

عبد الله بن المبارك المحدث الفارس

(1)
عبد الله بن المبارك – رجل

عبد الله: الحمد لله على ما أنعم، إن ما نحن فيه من جهاد الروم قُربةٌ عظيمة إلى الله عز وجل.

الرجل: صدقت يا ابن المبارك، أمَا والله لقد كان خروجك في هذا الجهاد نِعم العمل، لقد طفق بعض الناس يتحدثون فيقول أحدهم: انظروا إلى عبد الله بن المبارك، يجمع بين العلم والجهاد، فهو عالمٌ فقيهٌ مُحدِّث، وهو في الوقت نفسه غازٍ مجاهدٌ في سبيل الله.

عبد الله: يا أخي.. باللّه عليك إلا ما سألتَ الله تعالى لي صدق النية فيما أنا فيه.

الرجل: اللَّهمَّ اجعلنا صادقين في جهادنا هذا، وفي كل عملنا، وارزقنا الإخلاص والاحتساب. "صمت" أتدري يا ابن المبارك أن خروجك هذا كان سبباً في خروج كثير من القاعدين؟

عبد الله: وكيف ذاك؟

الرجل: لقد أنحوا على أنفسهم باللائمة، إذ رأوك تجمع بين العلم والجهاد بينما هُم في بيوتهم لا يبارحونها.. فتحركت عزائمهم فنفر كثيرٌ منهم إلى هذا الجهاد.

عبد الله: الحمد لله على ما أنعم.

الرجل: وهكذا صار عبد الله بن المبارك إماماً في العلم، وإماماً في الجهاد.

عبد الله: بارك الله فيك، عسى أن أكون حقاً كما ذكرت. "صمت" ترى أمَا اقتربنا من الروم؟

الرجل: إنْ يصدُقْ ظني نلتقِ بهم صباح الغد إن شاء الله.

عبد الله: إن شاء الله.

(2)
حذيفة – مجاهد – فارس رومي – فارس مسلم – عبد الله بن المبارك

حذيفة: انظر يا مجاهد إلى ذلك الفارس الرومي يخطر بين الصفوف، لقد قتل المسلم الذي بارزه قبل قليل.

مجاهد: أمَا إن هذا الرومي لَفارسٌ شجاع يا حذيفة، إنه مزهو بنفسه فهو يطلب المبارزة من جديد.

الرومي: يا معشر المسلمين!.. أما تزعمون أنكم أهل الحرب والقتال؟ فليبرز لي واحد من فرسانكم ليذوق الموت الزؤام.

المسلم: أنا لك أيها المشرك. "صوت فرس ينطلق، وقع أقدام وصهيل"

حذيفة: يا مجاهد، ها قد برز لهذا الفارس الرومي واحدٌ منا.

مجاهد: عسى أن يوفق للظفر. "صوت صليل السيوف، المبارزة بين الرومي والمسلم تشتد، يسمع فيها وقع حوافر الخيل مع صهيل"

حذيفة: ها قد التقيا، اللَّهمَّ اكتب الغلبة لأخينا على هذا الرومي. "يسمع صوت المعركة"

مجاهد "في صوت متعجل متقطع": يا حذيفة.. لقد طالت المبارزة، كأن الإعياء قد بدا على أخينا، أما الرومي فهو في غاية نشاطه.. لقد علا النقع الآن فما نرى أحداً منهما. "صمت"

الرومي: نحن أبطال المعارك أيها المسلمون!.. ها قد قتلتُ صاحبكم الثاني، أما يبرز لي ثالث منكم؟ أما فيكم كفؤ لي؟

حذيفة: لقد ركب الغرور رأس هذا الرومي يا مجاهد.

مجاهد: صدقت يا حذيفة!.. قاتله الله من فارس!.. لقد جندل اثنين من فرساننا.

الرومي "في صوت عالٍ مُفتخر": أيها المسلمون!.. أأنصرف أم أنَّ فيكم من يجرؤ على ملاقاتي!؟

عبد الله بن المبارك: أنا لك أيها المغرور!.. "يتعاظم صوته ويعلو" أنا لك، أنا لك.. يرتجز:

يا حبذا الجنّة واقترابها باردة وطيِّبٌ شرابها[1]
يا حبذا الجنّة واقترابها باردة وطيِّبٌ شرابـــــها

"صوت انطلاق فرسه، وصوت الصهيل"

(3)
الفارس الرومي – عبد الله بن المبارك – حذيفة – مجاهد

حذيفة: يا مجاهد، من هذا الفارس المسلم الذي برز للرومي؟

مجاهد: إنه ملثم لا تظهر من وجهه إلا عيناه.

حذيفة: يبدو أنه زاهدٌ في الثناء، يريد أن يصفو جهاده لله تعالى وحده.

مجاهد: يا حذيفة!.. فلندْعُ الله تعالى له بالفوز المبين.

حذيفة ومجاهد: اللَّهمَّ انصره نصراً عزيزاً مؤزراً.

حذيفة: "في صوت متعجل" ها قد التقيا. "صوت المبارزة"

عبد الله بن المبارك:

يا حبذا الجنّة واقترابها باردة وطيِّبٌ شرابـــها

يا حبذا الجنّة واقترابها باردة وطيِّبٌ شرابـــها

"يعلو صوت المبارزة، ويسمع صليل السيوف، وصهيل الخيل، ووقع حوافرها"

مجاهد: لقد طالت المبارزة يا حذيفة.

حذيفة: لكن فارسنا الملثم، شجاع قوي، اللَّهمَّ أيِّده.

مجاهد "في صوت متحمس": الله أكبر!.. انظر يا حذيفة، ها قد هوى الرومي مجندلاً على الأرض. "صوت ارتطام وسقوط" لك الحمد يا رب.

حذيفة "متحمساً": لكن من هو فارسنا الملثم هذا!؟ قسَماً لأعرفنَّه!.. إني منطلق إليه..

مجاهد: وأنا كذلك. "صوت انطلاق الخيل ووقع حوافرها"

حذيفة: السلام عليك أيها الفارس المجاهد.

عبد الله بن المبارك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حذيفة: مَنْ أنت بارك الله فيك؟ أريد أن أعرفك.

عبد الله بن المبارك: أنا واحدٌ من سواد المسلمين، يعرفني الذي أجاهد من أجله.

حذيفة: أزح هذا اللثام عن وجهك.

عبد الله بن المبارك: وما أنت وذاك!

حذيفة: إذن لأزيحنَّه أنا "صوت حركة".. وَيْ!.. أأنت عبد الله بن المبارك!؟

عبد الله بن المبارك: عفا الله عنك يا رجل!.. لِمَ فضحتني!؟ أتشنِّعُ عليَّ!؟ كنت أريد أن يبقى موقفي هذا سراً بيني وبين خالقي.. "في صوت هادئ" عسى أن يجعلني به من الفائزين.
*****
------------
[1] من شعر جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة.

عبد الله بن المبارك المحدث المتصدق

عبد الله بن المبارك المحدث المتصدق

(1)
عبد الله بن المبارك – وكيله

عبد الله "منصرفاً من الصلاة": السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.

"صمت ثم دعاء" اللَّهمَّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومِن العمل ما ترضى. اللَّهمَّ إنك تعلم أننا خرجنا من بلدنا "مرو" قاصدين الحج إلى بيتك الحرام. اللَّهمَّ ارزقنا الصدق والإخلاص، وتقبل منا يا كريم.

الوكيل: آمين.. آمين. بارك الله فيك، وتقبَّل منك.

عبد الله: ومنك، ومن جميع المسلمين. "صمت" ترى كم يوماً نحتاج إليه حتى نقطع هذه المسافة الباقية من مناخنا هنا، وبين مكة المكرمة؟

الوكيل: إن يسر الله تعالى نصل بعد أسبوع.

عبد الله: ليتنا نستطيع الوصول في وقت أقل من ذلك. "صمت" أسبوع من الزمن؟ يبدو ذلك طويلاً.

الوكيل: والله إن أمرك عجيبٌ يا ابن المبارك!.. لقد أكثرتَ السؤال في رحلتنا هذه، كأنك لم تحج من قبل.

عبد الله: صدقت.. صدقت، لكن شوقاً عنيفاً يستولي عليَّ، فما يكاد يهدأ.. وددتُ لو أنَّ لي جناحاً أطير به، فأصل مكة المكرمة في أقصر وقت.

الوكيل: يا عبد الله بن المبارك، قريباً نصل بإذن الله، قريباً نصل بإذن الله.

عبد الله: بإذن الله.. "صمت" هل أعدَّ القومُ طعام العشاء؟

الوكيل: أمرتهم بذلك. ربما أتَمُّوا ذلك الآن.

عبد الله: ترى ماذا أعدوا؟

الوكيل: كما يُعِدُّونَ كل يوم.

عبد الله: أثمة شيء فُقِدَ في مسيرنا الأخير؟

الوكيل: اللَّهمَّ لا.. إلا طائراً مات فألقيناه على تلك المزبلة التي تبدو هناك على جانب الطريق.

عبد الله: إذاً.. فأشرف على عشاء الركب وراحته، حتى إذا أخذ نصيبه من ذلك، عدنا إلى استئناف سفرنا هذه.

الوكيل: كما يحب شيخنا ويرغب.

عبد الله: على بركة الله.

الوكيل: على بركة الله.

(2)
عبد الله – الوكيل

عبد الله: انظر هناك.. أما ترى شبحاً يقف على المزبلة؟

الوكيل: أين، أين؟

عبد الله: هناك في مواجهة الطريق، إلى يسار المزبلة.

الوكيل "بعد صمت": الأمر كذلك يا ابن المبارك. كأن هذا الذي يقف على المزبلة يبحث عن شيء.

عبد الله "كالمندهش": يبحث عن شيء، وماذا عساه يجد فيها؟

الوكيل: الله أعلم بمراده، لكن هيئته تدل على ذلك.

عبد الله: سأذهب لأرى الأمر بنفسي.

الوكيل: وسأذهب معك.

عبد الله: بل لأذهبنَّ وحدي.

الوكيل: أخشى عليك من هذا المستخفي بالظلام.

عبد الله: لا تخشَ شيئاً، إني ذاهب. "وقع أقدام خفيفة على الرمل"

(3)
عبد الله – بنت

عبد الله "وقع أقدام عبد الله على الرمل، ثم في صوتٍ هادئ": السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

البنت "مضطربة خائفة بصوت متلعثم": ها، مَن، ماذا.. أ.. أ.. أ.. وعليكم الـ.. سلا..م.

عبد الله: سبحان الله، بنتٌ وحدها في هذا الظلام.

البنت "خائفة متلعثمة": باللّه.. عليك.. لا تؤذني.

عبد الله "في صوت هادئ جداً": لا تخافي يا بنتاه، لا تخافي فلن يصل إليكِ مني أي مكروه. "صمت" ولكن ما الذي تفعلينه هنا؟

البنت "في صوت أقل خوفاً واضطراباً": لا شيء يا عمّاه، لا شيء.

عبد الله: لا تخافي يا ابنتي، واصدقيني، فربما كنتُ عوناً لكِ فيما تحبين.

البنت "في صوت هادئ": بارك الله فيك. كنتُ أبحث عن طعام.

عبد الله "مستغرباً": عن طعام؟

البنت: هو ذاك. وقد وجدتُ هذا الطائر، وإنه لَنِعم الطعام.

عبد الله "مستغرباً": ولكنه طائرٌ ميتٌ يا ابنتي، ولا يجوز أن يؤكل.

البنت "في صوت كسير تخالطه الدموع": إن الميتة قد حلَّت لنا.

عبد الله "في صوت حزين": لا حول ولا قوة إلا باللّه!.. وكيف ذلك يا ابنتي!؟

البنت "في صوت حزين": أنا وأخي نسكن في هذا المنزل من منازل الطريق إلى الحج، وليس لنا شيء سوى إزار.. وليس لنا طعام إلا ما يُلقى على هذه.. "بكاء" المزبلة.

عبد الله "في صوت حزين": لا حول ولا قوة إلا باللّه!..

البنت "في صوتها الباكي": وقد حلّت لنا الميتة يا عمّاه منذ أيام، وكان أبونا له مال فظُلِم وأُخِذ ماله.. "بكاء" وقُتِل.

عبد الله "يبكي": إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم. تعالَيْ معي يا ابنتي إلى القافلة، تعالَيْ. "صوت أقدامهما"

(4)
عبد الله – الوكيل – البنت

الوكيل: أمَا إن قصة هذه البنت لَمُحزنة!.. كم أدفع لها يا مولاي؟

عبد الله: كم بقي معك من النفقة التي خرجنا بها من مَرْو؟

الوكيل: ألف دينار.

عبد الله: كم ديناراً نحتاج في رجوعنا من هنا إلى مَرْو؟

الوكيل: عشرين ديناراً.

عبد الله: احتفظ بعشرين ديناراً فحسب!.. وادفع الباقي لهذه البنت.

الوكيل "مستغرباً": والحج يا مولاي؟ الحج الذي أنت مشوق إليه؟

عبد الله "في صوت هادئ": يا بني هذا أفضل من حجنا هذا العام.

البنت: بارك الله فيك أيها الرجل الصالح، وجزاك خير الجزاء.
*****

ثلاثة عِطاش وشربة ماء

ثلاثة عِطاش وشربة ماء

(1)
سفيان – أحمد

سفيان: حمداً لله على ما أنعم، لقد نصرنا الله تعالى على الروم في اليرموك نصراً عزيزاً مؤزَّراً.

أحمد: صدقت يا سفيان، "صمت" أتدري ما الذي جالَ في خاطري قبيل المعركة؟

سفيان: ماذا يا أحمد!؟ ما الذي جال؟

أحمد: لقد نظرت إلى الروم فإذا بهم كالبحر يموج ويضطرب، ثم نظرت إلى حيث نُعسكِر، فوجدتُ أننا قلة إزاءهم.

سفيان: هيه!.. ثم ماذا؟

أحمد: لقد قلتُ لنفسي: لو لم نكن على حق، لَما كان لنا قِبلٌ بمواجهة هؤلاء الروم فضلاً عن اقتحامهم والغَلَبة عليهم.

سفيان: صدقت يا أحمد "يترنم"

وما تنفع الخيل الكرام لدى الوغى      إذا لم يكن فوق الكـــرامِ كرامُ[1]

أحمد: "يترنم مُكرِّراً البيت السابق"..

أتدري يا سفيان أن أميرنا خالد بن الوليد لم يخالجه شك في النصر قط رغم ما رأى من قلتنا وكثرة الرومان.

سفيان: وكيف علمتَ بذلك يا أحمد!؟

أحمد: اسمع يا سفيان!.. قبيل المعركة سمع خالد واحداً من عسكرنا يقول: ما أكثر الرومان!.. وما أقل المسلمين!.. فقال له خالد: بل ما أكثر المسلمين!.. وما أقل الرومان!.. إنما تعظم الجيوش بالنصر، وتقل بالخذلان.

سفيان: لله هو مِن رجل!.. أمَا إنه لعملاق، ما أصدق من قال فيه: إنه لا ينِمُّ ولا ينام.

أحمد: لقد ساق الله تعالى هذا النصر على يديه، كأني بخليفة المسلمين في المدينة المنورة يعمر قلبه السرور، إذ تصل إليه أنباء نصرنا العظيم في اليرموك حمداً لله على ما أنعم.

سفيان: ويحك يا أحمد، لقد أنسانا هذا الحديث ما خرجنا إليه من تَفقُّدِ أحوال جرحى وقتلى المسلمين، هيّا بنا.

(2)
سفيان – أحمد

أحمد: إن لي ابن عمٍّ يا سفيان، كان معنا في اليرموك لم يعد فيمن عاد، فهو جريحٌ أو شهيد.

سفيان: عسى أن نظفر به يا أحمد.

أحمد: ولكن مضى على تجوالنا هذا في أرض المعركة ساعات دون أن ألقى له أثراً.

سفيان: أفاتَكَ يا أحمد ما كانت عليه المعركة من شدة وضراوة وسعة وانتشار؟ "يسمع صوت أنين خافت"

أحمد: أتسمع شيئاً يا سفيان!؟ أليس هذا أنين رجلٍ جريح!؟ دعنا نقترب "صوت أقدامهما، يتضح صوت الأنين شيئاً فشيئاً"

أحمد: إنه هو يا سفيان، إنه ابن عمي!.. "في صوت متعجل ملهوف" كيف أنت يا ابن العم!؟ أنا ابن عمك أحمد.

الجريح "في صوت متقطع ضعيف": أحمد.. مرحباً.. بك.. يا أحمد.. لمن كان النصر؟

أحمد: لله ورسوله.

الجريح: الحمد لله على هذا النصر.. الحمد لله.. الذي.. رزقني الشهادة في سبيله.. هل لي بشربة ماء؟

أحمد "في صوت سريع": سفيان يا سفيان.. ليس معي الآن ماء، هل معك شيء من ماء؟

سفيان: شيء قليل يكفي لرجل واحد.

أحمد: عجِّل به.

سفيان: إليك هو "يناوله شيئاً"

أحمد: اشرب يا ابن العم، اشرب.

الجريح الأول "في صوته المتقطع الضعيف": بسم الله.. الرحمن.. الرحيم.

"صوت أنين ثم الجريح الثاني يتحدث بصوت ضعيف"

الجريح الثاني: أثَمَّة أحد هنا؟ إنَّ.. الظمأ.. شديدٌ عليَّ.. هل لي.. بشيء من الماء؟

الجريح الأول: يا ابن العم بورك فيك.. خذ هذا الماء.. إلى طالبه.. هذا.

أحمد: وأنت؟

الجريح الأول: ربما.. كانت.. حاجته إليه أعظم.

أحمد: هيا بنا يا سفيان لسقاية أخينا ذاك. "حركة أقدامهما"

أحمد: السلام عليك أيها الأخ الجريح.

الجريح الثاني "بصوت متقطع ضعيف": وعليك السلام.. يا أخا.. الإسلام.. أين الماء؟

أحمد: ها هو يا أخي.. اشرب.

الجريح الثاني "بصوت متقطع ضعيف": بسم.. الله.. الرحمن.. الرحيم.

"صوت أنين، جريح ثالث يتحدث"

الجريح الثالث "بصوت ضعيف": الظمأ يكاد.. يقتلني. هل لي.. بشربة.. ماء!؟

الجريح الثاني: بارك الله فيك، خذ.. هذا.. الماء.. إلى طالبه.. هذا.

أحمد: وأنت؟

الجريح الثالث "بصوته المتقطع": ربما كان أحوج إليه مني.

أحمد: هيا يا سفيان.. لسقاية أخينا هذا.. "حركة أقدامهما"

أحمد "متحدثاً إلى الجريح الثالث": إليك الماء الذي طلبت. "صمت".. لقد مات يا سفيان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

فلنعد إلى جريحنا الآخر "حركة الأقدام" إليك الماء الذي طلبت. "صمت" وَيْ!.. لقد مات يا سفيان. لا حول ولا قوة إلا باللّه.. فلنعد إذن إلى ابن عمي. "حركة الأقدام"

أحمد: السلام عليك يا ابن العم.. إليك هذا الماء.. "صمت"

سفيان: إنه لا يجيب يا أحمد.. لقد لحق بصاحبيه.

أحمد "في صوت حزين": إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله يا ابن العم، ورحم أخويك هذين.

سفيان: لقد أفضوا إلى خالقهم وهم ظماء.

أحمد: هو ظمأ الجسد يا سفيان، لكنَّ نفوسهم بالإيمان أشد ما تكون ريّاً وإيثاراً وتضحية.
*****

-------------------
[1] البيت للمتنبي، ويروى الشطر الأول: وَما تَنْفَعُ الخَيلُ الكِرامُ وَلا القَنَا.

ابن وَأْلان وأمانة جندي

ابن وَأْلان وأمانة جندي

(1)
قائد – صديق له

القائد: أمَا إن أميرنا في هذه الجهاد، لَقائدٌ بارعٌ شجاع.

الصديق: تعني قتيبة، "صمت" قتيبة بن مسلم الباهلي؟

القائد: أجل.

الصديق: صدقت والله، أمَا إن الحَجَّاجَ لَبارع في اختيار الرجال، لقد اختاره شاباً دون الكهول والمجربين، فعجِب الناس من عمله هذا.

القائد: ولولا هيبة الحجاج في أنفسهم لذمُّوه وعابوه.

الصديق: لكنَّ فترة قصيرة أعقبت هذا الاختيار، أثبت فيها قتيبة بن مسلم أنه من أقدر القوّاد وأبرعهم.

القائد: فدَلَّ هذا على أن الحجاج ثاقب النظر، صادق الفراسة، واسع الخبرة في الرجال.

الصديق: لقد تنقَّل قتيبة من نصرٍ إلى نصر، وكسب للإسلام بلاداً واسعة وشعوباً أحسبها سوف تسلم عن قريب بإذن الله.

القائد بإذن الله "صمت": حمداً لله على ما أنعم.. نصرٌ مؤزر، وحقٌّ يعلو، ومغانم وافرة طيبة. "صمت" أتدري كم كانت حصتي من المغانم في معاركنا الأخيرة؟

الصديق: أحسبُها شيئاً كبيراً.

القائد: لقد بلغت خمسمئة ألف درهم، "صمت" إني أريد الخروج في جهادنا هذا فأين تنصحني أن أتركه وديعة؟

الصديق: أين أنت من ابن (وَأْلان)؟ إنه لَثِقة صدوق أمين.

القائد: لكنني لا أعرفه.

الصديق: لا عليك.. سوف أتدبرُ لك الأمر.

(2)
القائد – الصديق

القائد: وماذا فعلت؟

الصديق: لقد حدَّثتُ ابن وَأْلان بالأمر، فقال ابعث بالمال إليَّ، وسأكون بانتظارك عقب صلاة العشاء قرب الشجرة التي تواجه باب المسجد الخلفي في يوم الجمعة.

القائد: على بركة الله.

الصديق: على بركة الله.

(3)
ابن وَأْلان وحده يتحدث

ابن وَأْلان: ولقد مضى الوقت المحدد ولم يحضر القائد الذي يريد أن يدع المال أمانةً عندي لقد ضبطت الموعد تماماً. فأنا ابن وَأْلان بنفسه، وها أنذا أنتظر عقب صلاة العشاء قرب الشجرة المواجهة لباب المسجد الخلفي "صمت" واليوم هو الجمعة.

ربما عدل الرجل عن أمر الوديعة، فقد مضى على الموعد وقت ليس بالقصير، لأنصرف إذن.

(4)
مبعوث القائد وحده يتحدث

مبعوث القائد: لقد بعثني مولاي القائد بهذه الوديعة، لتكون أمانةً عند ابن وَأْلان، لكني لا أرى أحداً.. إني الآن في المكان الذي حدده ابن وَأْلان لمولاي القائد.. ما أحسبه إلا قادماً بعد حين، ماذا عليَّ لو تركت الوديعة عند الشجرة؟ سيأخذها حين يأتي. "صمت" إنها لَفِكرة طيبة. لَأنفذنَّها.

(5)
رجل تغلبي يتحدث وحده

رجل تغلبي: إنها لَثروة هذه التي يحتويها هذا الكيس، ثروة كبيرة قدرها خمسمئة ألف درهم، وجدتها تحت هذه الشجرة. إني لَفقيرٌ حقاً، ولكن لن تمتد إليها يدي بسوء، سآخذ هذا المال وأتركه وديعةً عندي حتى إذا عرفتُ صاحبه، دفعته إليه، إنها فكرة طيبة، لأنفذنها لكنْ، كنْ حذراً أيها التغلبي من اللصوص، اللَّهمَّ ساعدني على حفظ هذه الأمانة وأدائها لصاحبها.

(6)
القائد – الصديق

القائد: وهكذا عوّلتُ على استرداد أمانتي التي كنت بعثتها وديعة عند ابن وَأْلان لحاجتي هذه التي ذكرتها لك.

الصديق: على بركة الله، ما رأيك أن نذهب معاً إلى ابن وَأْلان؟

القائد: على بركة الله. هيّا بنا.

(7)
القائد – الصديق – ابن وَأْلان

القائد: إنك يا ابن وَأْلان عظيم الأمانة، ولذا صار الناس يتركون ودائعهم عندك.

ابن وَأْلان: بارك الله فيهم، أرجو أن أكون عند حسن ظنِّهم.

الصديق: وها قد جئنا الآن لاسترداد الأمانة التي تركناها عندك وديعة.

ابن وَأْلان "مندهشاً": أي أمانة؟

الصديق: تلك التي حملها إليك رجلٌ من قِبلنا يوم اتعدنا عقب صلاة العشاء قرب الشجرة المواجهة لباب المسجد الخلفي من يوم من أيام الجمعة.

ابن وَأْلان: صدقت!.. لكني ذهبت وانتظرت فلمْ يأتِ أحد فانصرفت.

القائد "حزيناً": حسبي الله ونعم الوكيل، اللَّهمَّ رُدَّ لي مالي، أيها الشيخ الجليل أَواثقٌ مما تقول؟

ابن وَأْلان: الثقة كلها.

القائد: حسبي الله ونعم الوكيل!.. فلنحضر الذي بعثناه يومذاك بالمال ونسأله.

الصديق: هيا بنا.

(8)
القائد – مبعوثه

القائد: ويحك!.. ما الذي فعلتَه بالمال الذي أرسلتُه معك لابن وَأْلان؟

المبعوث "خائفاً": والله.. إني.. لم.. أســ.. رق منه شيئاً.

القائد: فماذا فعلتَ به؟

المبعوث "خائفاً": أأقولُ.. وأنا.. آمِن؟

القائد: أجل.. أنت آمن.

المبعوث "في صوت هادئ": ذهبتُ بالمال فما وجدتُ ابن وَأْلان، فتركتُه عند الشجرة وانصرفت، وقلت في نفسي: سيأخذه ابن وَأْلان إن جاء فعرفه بعلامته.

القائد: غاضباً" لَبِئس ما فعلت! أمجنونٌ أنت؟ لأجعلنك نكالاً.

(9)
القائد – الصديق – الرجل التغلبي

القائد: إنه لَمجنونٌ ذلك الجندي الذي بعثتُه بالأمانة لابن وَأْلان.

الصديق: لولا أنه مشهورٌ بالأمانة لكان موضع التهمة.

القائد: وإنه الآن في العقاب. "يطرق الباب"

القائد: مَنْ.. مَنْ بالباب؟

الرجل التغلبي: رجلٌ من عامة المسلمين، أتأذنُ لي؟

القائد: ادخل، مرحباً بك.

الرجل التغلبي "يسمع صوت دخوله": السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القائد والصديق: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الرجل التغلبي: سمعتُ عن مالٍ ضاع لك بسبب جندي بعثتَهُ فأخطأ التصرف، هل لك أن تذكرَ لي علاماته؟

القائد: أهوَ عندك؟

الرجل التغلبي: العلامات أولاً أيها القائد.

القائد: صدقت. كان موضوعاً في كيس أحمر، شُدَّ أعلاه بخيط أبيض، والمالُ قدره خمسمئة ألف درهم، سبكت جديداً فهي لماعة.

الرجل التغلبي: مالك عندي إذن.. تعالا معي.

(10)
القائد – التغلبي

الرجل التغلبي: هل تأكدتَ من العد؟

القائد: أجل.

الرجل التغلبي: أثَمَّة نقص؟

القائد: أبداً.

الرجل التغلبي: خذ مالك، بارك الله فيك.

القائد: جزاك الله خير الجزاء، أمَا والله إنك لَأمين، أتأذنُ لي في ألف درهم هدية لك على حسن ما فعلت؟

الرجل التغلبي: بارك الله فيك، أعتذر.

القائد: خذها.. لا تردني، والله لَتأخذنها.

الرجل التغلبي: أنت في داري، فلا تخطئ معي، والله لن آخذها. "صمت"

القائد: إنك نفسٌ حرةٌ أصيلة.

الرجل التغلبي: لقد فعلتُ ما فعلتُ ابتغاء وجه الله. "صمت" والله ما رآني أحدٌ حين وجدتُ المال. "صمت" خذ مالك كله أيها القائد، ولا تفسد عليَّ ثوابي بألفِ درهم تدفعها، أو ثناءٍ تُزجيه.
*****

البراء بن مالك ويَدان محروقتان

البراء بن مالك ويَدان محروقتان

(1)
رجلان من المسلمين

الأول: إن هؤلاء الفرس فيهم من الحيلة والمكر الشيء الكثير.

الثاني: وكيف ذاك؟

الأول: إنهم يبدلون في طرائق قتالهم معنا، ويكتشفون حيلة بعد حيلة، ويحاولون أن يصدوا بها طريقنا.

الثاني: لكنَّ نور الله أقوى "صمت"، وجند الحق سيمضي موكبهم بإذن ربه، مهما تكن الصعاب.

الأول: ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور.

الثاني: والله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمعت في وجوهنا أمم الإنس والجن لما تزَلزَل إيماني لحظة واحدة أننا على الحق الصريح، وأنَّ نصر الله آتٍ لا ريب فيه.

الأول: الحمد لله على ذلك.. اللَّهمَّ أتم علينا توفيقك، وخذ بأيدينا إلى النصر.

الثاني: اللَّهمَّ آمين. "صمت قصير" هل من جديد في أمر هؤلاء الفُرس في معاركنا هذه؟

الأول: كما تراهم، إنهم يمتنعون علينا بهذه الحصون الشاهقة، ويحاولون أن ينتهزوا منا غفلة ليخرجوا إلينا فيفتكوا بنا ما يفتكون، ثم يعودون من جديد إلى حصونهم يمتنعون بها.

الثاني: عجزوا عن ملاقاتنا وجهاً لوجه.. فاتخذوا هذا التدبير.

الأول: لقد توهموا أنهم بذلك في حرزٍ حريز، أنّى لهم الهرب من جند الله؟ "صمت"

الثاني: وما الذي عوَّل عليه أميرنا في حرب هؤلاء التي قد تطول؟

الأول: كل مجموعة منا، وكل إليها أمر حصن من هذه الحصون، فهي تحاوره وتداوره، وتصابره وتغالبه، حتى يضطر أهله إلى الخروج إلينا، وعندها نحاربهم في مكان مكشوف، أو نوفق إلى اقتحامه بتدبير أو آخر.

الثاني: لَنِعمَ ما اختار الأمير، "صمت" ترى سنكون في أي مجموعة؟

الأول: في المجموعة التي وكِل إليها أمر هذا الحصن الذي تراه أمامك.

الثاني: اللَّهمَّ أعِنّا عليهم.

الأول: اللَّهمَّ آمين.

الثاني: ومَن معنا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأول يكرر الصلاة" في هذا المقام؟

الأول: الصحابيان الكريمان: أنس بن مالك، والبراء بن مالك.

الثاني: أكرِم بهما وأنعِم، لَنِعم الصحابيان هما، ولَنِعم الأخَوَان هما.

(2)
صوت يستغيث – فارس – الرجلان المسلمان اللذان ظهرا في المشهد الأول

الصوت: يا معشر المسلمين، أغيثوني، أغيثوني. "ضجة، وقع أقدام، صوت سلاح، صهيل خيول، وقع حوافرها"

الصوت: الغوثَ الغوثَ!.. يا معشر المسلمين، أغيثوني، أغيثوني.

الأول "في صوت سريع": إنَّ أخانا هذا كان قريباً جداً من أسوار هذا الحصن، فرمى واحدٌ من الفرس كُلّاباً مثبتاً في طرف سلسلة محماة بالنار فاختطفه فهو يستغيث.

الصوت: يا معشر المسلمين خلِّصوني من هذا الكُلّاب، أغيثوني، أغيثوني.

الثاني: وماذا عسانا نفعل؟

الأول: ما أحسبُ أننا نقدر على فكاكه، فالكُلّاب مُحكم، والسلسلة حامية، فمن ذا الذي يمسك بها؟ ثم إن أحدنا لن يصل إلى سور الحصن حتى يكون أخونا قد رُفِع إليه ليؤخذ أسيراً أو يُقتَل.

الثاني "بصوت سريع مفاجئ": انظر يا أخي.. انظر!..

الأول: ماذا؟

الثاني: هناك واحدٌ منا قريبٌ من الحصن، قد سارع لإنقاذه، "صوت جواد يعدو، صهل، وقع حوافر" اللَّهمَّ كن في عونهما.

الأول: ها قد وصل إليه، انظر إليه، إنه ينزل عن جواده.

الثاني "في صوت سريع يدل على الاهتمام": لكن لا يدري ماذا يفعل، فهناك من يرميه بالسهام.

الأول: ثم هل يستطيع أن يمسك بهذه السلسلة المحماة بالنار؟

الثاني: ها هو قد أمسك بطرف منها.

الأول: لكن سرعان ما أبعد يده، اللَّهمَّ لا حول ولا قوة إلا بك.

الثاني: حسبنا الله ونعم الوكيل، لقد استطاع الفرس أن يرفعوا أخانا المُعلق بذلك الكُلّاب. اللَّهمَّ إنا نحتسبه عندك.

الأول: وها هو أخونا الفارس يعود "صوت الجواد يعدو، الصهيل ووقع الحوافر.. صمت"

الفارس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأول والثاني: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الأول: بارك الله فيك من فارسٍ شجاع.

الفارس: وفيك.. ليتني وُفِّقتُ إلى إنقاذ أخينا من ذلك الكُلّاب.

الثاني: وهل كان الأمر في غاية الصعوبة؟

الفارس: كيف لا؟ والسهام تنهال، والكُلّاب موصول بسلسلة محماة بالنار.

الأول: إن علينا جميعاً أن نحذر أمر هذه الكلاليب. يبدو أن من تصيبه لا فكاك له منها.

(3)
الرجلان المسلمان – صوت

الصوت "يعلو": يا معشر المسلمين!.. إن أخاكم أنس بن مالك قد علق به واحدٌ من تلك الكلاليب، فالغوثَ الغوثَ.

الأول والثاني: "يتحدثان بما يدل على الاهتمام"

الأول: أسَمِعت؟

الثاني: حسبنا الله ونعم الوكيل.

الأول: الصحابي العظيم أنس معلق بالكُلّاب ونحن عاجزون.

الثاني: انظر إليه، إنه يحاول النجاة منه.

الأول: أخشى أن يصيبه مثل الذي أصاب أخانا بالأمس.

"صوت جوادٍ سريع يمر قريباً ثم ينخفض صوته شيئاً فشيئاً"

الأول: أعرفتَ من الفارس؟

الثاني: إنه البراء بن مالك أخو أنس.

الأول: ما أراه تاركاً أخاه.. إما أن يلحق به، أو ينجوا معاً.

الثاني: اللَّهمَّ كن معهما.

الأول: اللَّهمَّ آمين "في صوتٍ سريع" ها قد وصل إلى أنس.

الثاني "في صوتٍ سريع": وها هي السلسلة تصعد بأنس وهو معلق بالكُلّاب.

الأول "في صوتٍ متحمس": الله أكبر، ها هو البراء يقفز فيتعلق بالسلسلة ويعالجها في بأسٍ شديد.

الثاني: أمَا إنه لَرجل.. السهام تنثال والسلسلة بالنار محماة.

الأول "في صوتٍ فرِح": انظر، الحمد لله.. ها قد انقطعت السلسلة، وها هو البراء وأنس على الأرض.

الثاني "في صوتٍ فرِح": ها هما يركبان الجواد وينطلقان كالريح. "الجواد يعدو"

الأول "في صوتٍ متحمس": الحمد لله.. الله أكبر.

الثاني "في صوتٍ متحمس": الحمد لله.. الله أكبر.

(4)
الرجلان المسلمان

الأول: أرأيت البراء وأنس بعد نجاتهما؟

الثاني: أجل.. وسعدت بذلك.

الأول: أشاهدتَ يدي البراء!؟

الثاني: لقد احترق ما على كفَّيهِ من لحم. اللَّهمَّ عجِّل له بالشفاء، وأجزل له بالمثوبة فإنه مجاهدٌ صادقٌ شجاع.
*****

ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

(1)
عامر – أسامة

عامر: لقد استفحل أمر هذا الكذاب الغادر يا أسامة.

أسامة: تعني مسيلمة يا عامر؟

عامر: هو ذاك مسيلمة الكذاب، عليه لعنة الله.

أسامة: لقد رأى أمر محمد صلى الله عليه وسلم "عامر يردد معه الصلاة على النبي" يعلو ويعظُم، فخالَ أن الأمرَ أمرُ دعوى، فإذا به يدَّعي النبوة.

عامر: قاتله الله من كذابٍ أشِر!..

أسامة: لا عليك يا عامر، كأني بجيشنا هذا وعلى رأسه خالد بن الوليد يقتحم على الكذاب أرضه، ويبطش به وبجيشه حتى يجعله خبراً من الأخبار، يُروى للعظة والعبرة.

عامر: وللسخرية والتندُّر كذلك. "صمت"

أسامة: خيمة مَن هذه التي تُقابِلنا؟

عامر: خيمة ثابت بن قيس.

أسامة: أكرِم به من رجل!.. إنه يطيب لي القتال إلى جنب هذا الصحابي العظيم.

عامر: ويطيب لي كذلك. "صمت"

أسامة: أكثِر النظر إلى ثابت، فربما لا يرجع من جهاده هذا.

عامر: وربما لا ترجع أنت، ولا أرجع أنا.

أسامة: صدقت يا عامر، لكنَّ لثابت شأناً آخر.

عامر: وكيف؟

أسامة: حين نزل قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان:18] أغلق ثابت عليه باب داره في المدينة المنورة وجلس يبكي، وطال مُكثه على هذه الحال حتى بلغ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. "عامر يردد الصلاة على النبي" فدعاه وسأله.

ثابت: يا رسول الله إني أحب الثوب الجميل، والنعل الجميل، وقد خشيتُ أن أكون بهذا من المختالين. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يردد الصلاة على النبي" إنك لستَ منهم.. بل تعيش بخير، وتموت بخير، وتدخل الجنة.

عامر: هنيئاً لثابت هذه البشارة العظيمة.

أسامة: هنيئاً له "صمت" إنه صاحبُ نفسٍ أوّابة، وقلبٍ خاشعٍ مُنيب، إنه شديد الخوف من الله عز وجل.

عامر: كأن لديك عنه شيئاً آخر يُروى.

أسامة: صدق ظنك يا عامر، لمّا نزل قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:2]، أغلق ثابت داره وأخذ يبكي، فافتقده الرسول صلى الله عليه وسلم "عامر يردد الصلاة مع أسامة"، فأرسل في طلبه وسأله عن سبب غيابه. فقال ثابت: إني امرؤ جهير الصوت، وقد كنتُ أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله، وإذن فقد حبط عملي وأنا من أهل النار. وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يكرر الصلاة" (إنك لست منهم، بل تعيش حميداً، وتُقتَلُ شهيداً، ويُدخِلُكَ الله الجنة). "صمت"

عامر: إذن فما أحسنَ أن نكون في جوار هذا المؤمن المنيب.

أسامة: وإنه لشهيد، ما في ذلك شكٌّ قط، ما ندري أيستشهد في معركتنا القادمة مع مسيلمة أم في واحدة أخرى؟

عامر: لذا طلبتَ مني أن أملأ عيني منه يا أسامة.

أسامة: هو ذاك يا عامر، فنحن نكاد نصل ديار مسيلمة، هذا النبي الكذاب.

(2)
أسامة – عامر – منادٍ من جيش مسيلمة الكذاب – منادٍ من جيش المسلمين

"صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: إنها لمعركة ضارية يا عامر.

عامر: إي والله يا أسامة!.. لقد أبلى المسلمون فيها أعظم البلاء.

أسامة: لكن جيش مسيلمة يستميت في القتال.

عامر: إنه جيش قوي، كثير العدة والعدد، وإنه لَأقوى جيوش الردة وأخطرها جميعاً. "صوت المعركة يعلو"

أسامة: إن المعركة تشتد، ها هو جيش الكذاب يكاد يزلزل جيشنا من موقعه.

المنادي المرتد "بصوت مرتفع": يا جنود مسيلمة، لقد اقتحم خالد بن الوليد عليكم موقعكم، لكن ثباتكم لم يجعل له من ذلك جدوى.

عامر: أرأيت يا أسامة!؟ لقد ركب الغرور رأس مسيلمة وجيشه.

المنادي المرتد: يا جنود مسيلمة!.. شددوا هجومكم على جيش خالد، لنهزمه هزيمة منكرة لا يعود بعدها منه إلى يثرب إلا عدد قليل يحمل نبأ ما جرى إلى ابن أبي قحافة.

"يضحك بصوت منكر عالٍ" ها.. ها.. ها.. ها

أسامة: لقد بطر هؤلاء المرتدون، اللَّهمَّ نصرك المؤزر.

المنادي المسلم: يا معشر المسلمين!.. لا يغرنكم من هؤلاء ما ترون، فوالله الذي لا إله إلا هو ليكونن لنا النصر، يا معشر المسلمين!.. إن أميركم خالد يناشدكم الصبر والثبات. "صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: "في صوتٍ مفاجئ عالٍ" عامر.. يا عامر، أترى ثابت بن قيس؟

عامر: إنه في قلب المعركة.

أسامة: أعندك منه نبأ؟

عامر: لقد مرَّ بي واحد من المسلمين فحدَّثني أنه حين رأى هجوم جيش الكذاب على المسلمين، صاح بصوته الجهير: والله ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسامة: ثم ماذا؟

عامر: لقد ذهب غير بعيد، وعاد وقد تحنَّط ولبس أكفانه، وصاح مرة أخرى: اللَّهمَّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء؛ وأشار إلى جيش مسيلمة، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء؛ وأشار إلى بعض من تراخى من المسلمين([1]).

أسامة: "ملهوفاً" ثم ماذا؟

عامر: حفر لنفسه حفرة عميقة، ثم نزل فيها قائماً وأهال الرمال على نفسه.

أسامة: "ملهوفاً" وبعد.. ما الذي حدث له؟

عامر: ظل في مكانه.. نصفه في الرمال مغروس، ونصفه الأعلى يستقبل به جيش الردة مجاهداً في صبر وشدة.

أسامة: "ملهوفاً" وماذا!؟.. وماذا بعد!؟

عامر: ظل مكانه حتى استشهد.

(3)
صوت الراوي ذو صدى

الراوي: رحمك الله أيها المؤمن العظيم، كنتَ صاحب قلبٍ مخبتٍ منيب، ونفسٍ شفافةٍ رهيفة، لكن ذلك لم يدفعكَ إلى القعودِ وَالانزواء، بل جعل منك مجاهداً مستبسلاً، ضرب بما فعل أصدق صور الفداءِ والتضحيةِ والإيمان.
*****
-------
[1] "أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ وَقَدْ حَسَرَ عن فَخِذَيْهِ وَهو يَتَحَنَّطُ، فَقالَ: يا عَمِّ، ما يَحْبِسُكَ أَنْ لا تَجِيءَ؟ قالَ: الآنَ يا ابْنَ أَخِي. وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ -يَعْنِي مِنَ الحَنُوطِ- ثُمَّ جَاءَ، فَجَلَسَ، فَذَكَرَ في الحَديثِ انْكِشَافًا مِنَ النَّاسِ، فَقالَ: هَكَذَا عن وُجُوهِنَا حتَّى نُضَارِبَ القَوْمَ، ما هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بئْسَ ما عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ." صحيح البخاري، الرقم: (2845).

صلاح الدين الأيوبي وامرأة خُطِفَ وليدها

صلاح الدين الأيوبي وامرأة خُطِفَ وليدها

(1)
السلطان صلاح الدين – أحد رجاله

الرجل: بارك الله فيك يا مولاي السلطان، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

صلاح الدين: وبارك الله فيك، اللَّهمَّ اكتب لنا النصر في جهادنا هذا.

الرجل: لقد ساق الله تعالى على يديك يا مولاي السلطان خيراً كثيراً للمسلمين، فطفِقَت ألسنتهم تدعو لك وتثني عليك. حيثما ذهبت سمعت الناس يقولون: اللَّهمَّ انصر سلطاننا صلاح الدين.

صلاح الدين: بارك الله فيهم، لولا سيوفهم المؤمنة ما كان لصلاح الدين قِبَلٌ بمحاربة هذه الجيوش التي لا تنقطع من هؤلاء الصليبيين.

الرجل: صدقت يا مولاي، لن تمضي سنوات قليلة حتى تكون قد قضيت على معاقل هؤلاء المشركين.

صلاح الدين: بإذن الله.

الرجل: بإذن الله، ويكون لك حتى يوم الدين ثواب تطهير ديار الإسلام، لتعود خالصة لدين الله.

صلاح الدين: لا تنسَ عماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، فهما أول من بدأ حركة التطهير هذه، وما أنا إلا رجل وجد قوماً سبقوه فسار على إثرهم.

الرجل: صدقت يا مولاي، بارك الله فيك وفيهما، وفي كل مَنْ حمل سيفاً في سبيل الله ضد هؤلاء الصليبيين.

صلاح الدين "بعد صمت": هل من جديد في معسكرنا، أو معسكر العدو؟

الرجل: لا شيء يا مولاي، لكنَّ هناك ثلة من مغاويرنا الشجعان يسطون على معسكر العدو كل ليلة، فيقتلون من يقتلون، ويأسرون مَنْ يأسرون، ويغنمون ما يغنمون، حتى بات العدو لا يهدأ له ليل، ولا يطيب له نوم.

صلاح الدين: إنَّ هذا لَعملٌ عظيم. قل لجميع قادة كتائبنا، عليهم أن يزيدوا من اختيار هؤلاء الشجعان الذين يهاجمون العدو كل ليلة، فيقتلون ويأسرون ويغنمون ويحرقون. يجب أن تتلاحق غاراتهم ولا تنقطع قط.

الرجل: أمرُ مولاي.

صلاح الدين: يجب ألّا يقر لهؤلاء قرار، ولا يطيب لهم نومٌ ولا مقام، ولا مأكلٌ ولا مشرب.

الرجل: سأبلغ قادة الفرق بأمرك هذا فوراً.

(2)
جنديان من جنود المسلمين

الأول "في صوت هادئ": ها نحن أولاء نواجه معسكر العدو، علينا أن نكون في غاية الحذر، نهجم كالريح ونختفي كالبرق.

الثاني "في صوت هادئ": هو ذاك يا أخي.

الأول: بارك الله في سلطاننا صلاح الدين، لقد أحسن في طلبه الإكثار من هذه الغارات.

الثاني: صدقت. فلنزحف بهدوء إلى هذه الخيمة.

"صوت الزحف"

الأول: فلننتظر الآن قليلاً حتى تغطي الغيمة وجه القمر فلا يرى زحفنا أحد.

"صمت"

الثاني: ها هو القمر قد اختفى. "وقع أقدام منتظمة"

الأول: وها هو الحارس يروح ويغدو أمام الخيمة. اسمعْ، ازحف أنت من جهة اليمين، وأزحف أنا من جهة اليسار حتى إذا اقتربنا قفزنا عليه معاً.

الثاني: هو ذاك، على بركة الله. "صوت الزحف – وقع أقدام الحارس – صوت وُثُوب"

الأول: حمداً لله، لقد وقع الحارس بين أيدينا، إنَّ يدي على فمه تمنعه من الصراخ، اقتله أنت بسيفك.

الثاني: خذ يا عدو الله. "صمت"

الأول: فلندخل الخيمة الآن. "حركة الدخول"

الثاني: ليس في الخيمة أحد، "صوت طفل يبكي" اللَّهمَّ إلّا هذا الطفل الذي يبكي.

الأول: فلنهرب به قبل أن يعلم القوم بنا، هيّا بنا.

الثاني: هيّا.

(3)
امرأة من معسكر الصليبيين – جندي صليبي

المرأة "تبكي وتتكلم بصوت حزين": ابني، ابني!.. رُدُّوا إليَّ ابني.. "بكاء".. آه سرقوك يا ابني!.. ردوا لي ولدي.. ولدي.. ولدي!..

الجندي: ماري، هوِّني عليكِ يا ماري.

المرأة: ولدي.. ولدي، رُدُّوا.. عليَّ ولدي.

الجندي: ويحكِ يا ماري!.. وهل نقدر على ردِّه؟

المرأة: نفسي فداؤك يا ابني، أين أنت؟ لو علمتُ مكانك لاقتحمتُ إليك كل الصعاب.

الجندي: إن ابنكِ عند المسلمين.

المرأة "تبكي": وكيف علمت؟

الجندي: إن غارات المسلمين علينا لا تنقطع ليلاً نهاراً، يأسرون ويقتلون، وقد جاؤوا إلى هذه الخيمة، فقتلوا الحارس وخطفوا الولد وذهبوا.

المرأة "تبكي": وا حسرتاه!.. كيف أصل إليك يا ولدي!؟

الجندي "في صوت جاد": اسمعي يا ماري، أتفعلين أي شيء من أجل ولدك؟

المرأة: أقدِّم حياتي من أجله.

الجندي: إذن فاذهبي إلى سلطان المسلمين، صلاح الدين الأيوبي وأخبريه بالأمر، فإنه رحيم القلب.

المرأة: سأذهب إلى معسكر المسلمين، وأطلب مقابلة السلطان ولو كلفني ذلك حياتي.

(4)
السلطان صلاح الدين – المرأة – جندي

المرأة: أشكر لك أيها السلطان العظيم أنْ سمحت لي بهذه المقابلة.

صلاح الدين: مرحباً بك، هل لكِ حاجة؟

المرأة: قوم من جندك أغاروا على خيمتنا وخطفوا ولدي، "تبكي" وقد علمتُ أنك رحيم القلب فهل تأمر بردِّهِ لي؟

صلاح الدين "في صوت حزين": أمَا إنكِ لَمُصابة. "في صوت عالٍ" أيها الجندي.

الجندي: أمرُ مولاي.

صلاح الدين: الطفل الذي خُطِفَ ليلة هذا اليوم، أحضره حالاً ولا تتأخر. إني سأظل واقفاً على قدميَّ حتى تعود.

الجندي: أمرُ مولاي. "صوت خروجه"

صلاح الدين: لا تخافي أيتها المرأة، نحن لا نقتل الأطفال، بل نُعنى بهم ونضعهم في مكان قريب. في الحال سيأتون بولدك المخطوف.

المرأة: شكراً لك أيها السلطان شكراً. لقد صدقوا حين قالوا: إنك رحيم القلب.

صلاح الدين: الرحمة أيتها المرأة من أخلاق الإسلام. "صوت ضجة" ها هو ذا الجندي قد عاد بالولد. "صوت الولد يبكي، وصوت الجندي يدخل"

الجندي: السلام عليك مولاي السلطان، ها هو الولد. "صوت الولد يبكي"

المرأة "فرِحةً بصوت عالٍ": ولدي.. ولدي، إنه ولدي. "تركض إليه، وتحضنه وتقول" حمداً لله الذي ردَّك إليَّ يا ولدي.

صلاح الدين: ألَكِ حاجةٌ أخرى أيتها المرأة؟

المرأة: لا.. لا.. شكراً جزيلاً أيها السلطان، لقد سمعتُ عنك، لكنَّ الذي شاهدته منك، أعظم بكثير مما سمعت.
*****

الأكثر مشاهدة