‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديوان من يطفئ الشمس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديوان من يطفئ الشمس. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 30 مايو 2021

جولة في ديوان "من يطفئ الشمس؟!" - أ.صدقي البيك

جولة في ديوان "من يطفئ الشمس؟!"

أ. صدقي البيك
نشر في مجلة المستقبل الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي
العدد (188) - ذو الحجة 1427هـ، الرياض


     إذا كان هناك تعبيرٌ شائع عن "إمبراطوريَّة لا تَغيب عنها الشَّمس"، فإنَّ هنا ما هو أبلغ من ذلك في التعبير عن الإسلام، وامتِداده المكاني والزَّماني، فهو شمس، وأنَّى لأحدٍ أن يُطْفئها؟!

     هكذا أراد الشَّاعر الدكتور حيدر الغدير أن يُبْدِي اعتِزازَه بالإسلام، وإعْجابه بِما قدَّمه المسلِمون قديمًا، وما يُمكِن أن يقدِّموه على مدى الأزْمان المقْبِلة.

مَنْ يُطْفِئُ الشَّمْسَ نَحْنُ الشَّمْسُ خَالِدَةً
               أَمَّــــــا عَدَانَـــــا فَــــــآلٌ ثُمَّ يَنْحَـــسِرُ

     ومِن هنا حمَّل ديوانه الأوَّل هذا العنوان المتميِّز، وصدَّره بقصيدةٍ تَحمل العنوان نفسه، ويضم الديوان 50 قصيدةً يمتدُّ تاريخ نظمِها من أواخر عام 1413 هـ الموافق لأواسط عام 1993 م، إلى ربيع هذا العام 1427 هـ الموافق 2006 م، وقد رتَّب الشاعر قصائدَه ترتيبًا زمنيًّا، بالسَّنة والشَّهر واليوم بالتَّاريخيْن الهجري والميلادي، وصدرتْ طبعته الأولى في هذا العام.

     وتتنوَّع القصائد فيه، وأكثرها إخوانيَّات بين ثناء ورثاء ومداعبة (22 قصيدة)، ثم رُوحانيات (13 قصيدة)، وتسْع قصائد فكريَّة عامَّة، وست قصائد وطنيَّة، وكلُّ هذه القصائد عموديَّة إلا قصيدتيْن كانتا من الشِّعْر الحر - شعْر التفعيلة - أولاهما (ستار) في ذكرى موت نِزار قباني رثاءً له، وقد اتَّخذ الشَّاعر من موتِه عظةً وعِبرة ممَّا يصير إليه الإنسان، مهما علا شأنه في دنيا الشعر، ومهْما مشتْ في موكب جنازتِه القصائد والقُلوب والمُعْجبون، ولكن:

"ماذا وجدت وقدْ صحوْتَ وأنت وحْدَك يا نزارْ
فانطِق فقد سُدِل الستارْ
وانطِق فقد كُشِف الستارْ"

     والثَّانية "يا خالقي ما أكرمك!" وهي من روحانيَّاته، يجول في مقاطعِها مسبِّحًا لله معلقًا عليه رجاءَه، مستجْديًا كرمَه، خاتمًا كلَّ مقطع منها بـ "يا خالقي ما أكرمك!".

دفاعًا عن رسول الله:

وإذا كان قد قدَّم آخِر قصيدة له زمنيًّا، لتكون فاتحةَ الديوان ومانحة له عنوانه، فإنه جعل خاتمة الديوان مكانًا وزمانًا دفاعًا عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – في قصيدته "أبا الزَّهراء"، وهي أطول قصائد الديوان، 100 بيت - بعد أن تعرَّض جنابه الكريم لهَجْمة ممَّن أعماهم حقْدُهم على الإسلام، عن أن يقدِّروا أهْل القدر ويعطوهم حقَّهم من الإجلال والتعظيم، الذي أعْطاه إيَّاه واحدٌ من المنصفين منهم، هو مايكل هارت مؤلِّف "المئة الأوائل" الأكثر تأثيراً في العالم، حين جعَله على رأْس هؤلاء المئة في تأْثِيرهِم الحضاري على الإنسانيَّة، ويفتتح الدكتور حيدر دِفاعه عن رسول الله بافْتِدائه فيقول:

فِـدَاؤُكَ قَبْـــلَ قَافِيَتِي الجَنَـــانُ
               وَقَبــْلَ السَّيْفِ رُوحِي وَالبَيَانُ

     مندِّدًا بهؤلاء الحمقى الذين سينضمُّون إلى قافلة المتحطِّمين على صخْرة الإسلام:

وَأَمَّـــــا شَانِئُـــــوكَ فَهُمْ بُغَاثٌ
               وَفِرْيَةُ أَحْمَقٍ هَانَتْ وَهَانُـــــوا
سَتَطْـــوِيهِمْ ضَلالَتُـــهُمْ لِيَغْدُوا
               نِفَايَــــــاتٍ يُطَارِدُهَا اللِّعَــــانُ
عِدَاكَ وَأَيْنَ هُمْ؟ هَلَكُوا وَبَادُوا
               وَبَادَ ضَجِيجُهُمْ وَالْهَيْلَمَــــــانُ

     ويخاطب عيسى - عليه السلام - شاكيًا له مَن يدَّعون اتِّباعه، وهم أبْعد النَّاس عن طُهْرِه ونقائه:

وَيَا عِيسَى، فَدَيْتُكَ جِئْتُ أَشْكُو
               وَأَنْتَ الطُّهْرُ نَضْرًا وَالحَنَـانُ
أَذَاةَ ذَوِيكَ، قَدْ جَهِلُوا وَضَـلُّوا
               وَعَــــاثُوا بِالنُّبـُوَّةِ وَاسْتَهَـانُوا

     ويختم قصيدته هذه بأن ينْقل إلى الرسول - عليْه الصلاة والسلام - تحيَّات مئات ملايين المُسْلمين، وآمالَهم وتضحيَّاتهم وافتِداءاتِهم له:

وَيَا مَوْلايَ حَمَّلَنِي سَــــلامًا
               لَكَ المِلْيَارُ أَخْلَصَهُ الجَنَــانُ
وَعَهْدًا أَنْ يُفَدُّوكَ احْتِسَـــابًا
               وَهُمْ صُدُقٌ وَأَفْئِدَةٌ هِجَــــانُ
وَأَسْيَـــافٌ مُظَفَّرَةٌ وَخَيْــــلٌ
               لَهَا فِي الخَطْبِ إِقْدَامٌ وَشَانُ

     ولا يفوته أن يغْني قصيدتَه بأشطُر من بائيَّة شوقي التي سارتْ بها الركبان، وترنَّمت بسماع أدائها الآذان: "أَبَا الزَّهْرَاءِ قَدْ جَاوَزْتُ قَدْرِي"، "وَمَا نَيْلُ المَطَالِبِ بِالتَّمَنِّي"، "وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مَنَالُ".

وهكذا يا رسول الله:

سَتَبْقَى النُّـــورَ مَا بَقِيَ الزَّمانُ
               وَمَا زَانَ الرِّيـــاضَ الأُقْحُوَانُ
وَمَا طَلَعَتْ عَلَى الآفَاقِ شَمْسٌ
               وَمَا صَـــــدَحَ الْمُؤَذِّنُ وَالْأَذَانُ

       ***

إخوانياته:

     وفي إخوانياته أَثنى على عدد من زملائه ومعارفه، وهجا بعض مَن أساء إليه بغدره وقِلَّة وفائه، وداعَب آخرين بروح مَرِحة، ورثى مَن أدركهم الموتُ من الشخصيات الإسلامية المتميِّزة في الفكر الإسلامي والأدب والصحوة، ممن يُكِنُّ لهم المحبَّة والتقدير؛ منهم: محمود محمد شاكر، وعبد العزيز بن باز، وعلي الطنطاوي، وكذلك رثى أخاه ووالدته.

***

رثاؤه لأمه:

وفي رثائه لوالدته تتفجَّر مكامن العاطفة في صدره، ويحزُّ في قلبه أنه لم يتمكَّن من رؤيتها قبل أن يبعدها عنه الرَّدى، فيقول:

قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَضُمَّ ثَرَاكِ
               وَتَرَيْنَنِي قَبْــلَ الرَّدَى وَأَرَاكِ
وَأُقَبِّـلَ الْكَفَّ الطَّهُورَ مُتَمْتِمًا
               بِالْآيِ آمُلُ أَنْ أَحُوزَ رِضَاكِ

     ولكن يشاء الله - الذي لا رادَّ لقضائه - أن تقضي أمُّه وهو بعيد عنها؛ فيعيش في حسرتين: حسرة بُعده عنها، وحسرة وفاتها من غير أن يراها وينام بين يديها هانئًا سعيدًا كأنه طفل رضيع، وإن كان قد بدأ الشيب يغزو رأسه، وكان هذا المقطع الأول من القصيدة مفعَمًا بالحب والتَّوق إلى أمه:

وَأَنَامُ بَيْنَ يَدَيْكِ نَوْمَــــــةَ هَــــانِئٍ
               وَكَأَنَّنِي وَبِيَ الْمَشِيـــــبُ فَتَـــــاكِ
وَكَأَنَّنِي الطِّفْلُ الَّذِي رَضَعَ الْهُدَى
               وَالدَّرَّ مِنْــــــــكِ وَدِفْأَهُ وَحَجَـــاكِ

     ويرنو إلى وجهها موزِّعًا نظراته فيه فلا تشبع عينه من هذا التمتُّع، ويتبادل مع أمه نظرات السعادة والغِبطة:

وَتَجُولُ فِي الْوَجْهِ الْمُكَرَّمِ مُقْلَتِي
               وَتَجُولُ فِيَّ سَعِيدَةً عَيْنَــــــــــاكِ

     وكل هذه الأماني طواها الرَّدى، وسبقته أمه في رحلتها الأبدية التي لا مفرَّ لأحد منها:

لَكِنْ سَبَقْتِ، وَكُلُّنَا فِي رِحْـــــلَةٍ
               يَجْتَازُهَا الرَّاضِي بِهَا وَالشَّاكِي

     ولذلك يعود إلى ذكرياته معها لعلَّه يجد فيها ما يُسَلِّي به نفسه عن هذه الخسارة الفادحة، وأجلُّ هذه الذكريات مقابلته لها في حجها إلى الديار المقدَّسة، وهو فيها مقيم، فتُورِق فرحته ويتحقَّق حلمها برؤية ولدها وهي تمتطي إليه شوقها القديم، فيغمرها الرضوان وتبكي فرحًا لهذا اللقاء ولتأديتها الحج وهو أكبر أمنيَّاتها، ويشير إلى صبرها على ما لاقته من عَنَت الظالمين، حتى أراحها من أهوالهم الموت:

وَصَبَرْتِ وَالْأَهْوَالُ حَوْلَكِ جَمَّةٌ
               صَبْرَ الْحَرَائِرِ فْي الْأَذَى الْفَتَّاكِ
حَتَّى لَقِيـــتِ الْمَوْتَ مُنْيَةَ وَامِقٍ
               فَأَتَيْتِهِ مُشْتَاقَــــــــةً وَأَتَــــــــاكِ

     ولا يفوت شاعرَنا في هذه القصيدة أيضًا أن يستحضر ما يتردد على أذهان السامعين وآذانهم، وألسنتهم من شعر ردَّدته الحناجر الندية فيُضمِّن منها "وَالذُّكْرَيَاتُ صَدَى السِّنِينِ الْحَاكِي" لأمير الشعراء شوقي.

     فليتغمد الله برحمته هذه الأمَّ الحنون الصابرة على بُعد ولدها، وليلطف الله بهذا الولد البارِّ الذي عزَّ عليه اللقاء بأمه وصعب عليه فراقها الطويل فيصيح:

أُمَّاهُ، إِنْ عَزَّ اللِّقَــــاءُ وَفَاتَنِي
               فَغَدًا يَطِيبُ عَلَى الْجَنَانِ لِقَاكِ

       ***

دعاباته:

     وإذا كنا قد شاركنا شاعرنا أحزانه ولَوْعاته بفَقْده والدته الغالية، فلنشاركْه في دعاباته الأخوية لأهل حمص في قصيدته "يا حمص"، وهي مدينة يُوصَف أهلها بالفطرة وطيبة القلب والبساطة أو سَمَّها ما شئت، ويقدِّم قصيدته برغبته الحارة "أن أكون حمصيًّا لأن لدي عددًا من المؤهلات التي تجعلني جديرًا بهذه النسبة"، ويلقيها في حفل زفاف، فيكون لهذه الدعابة من الأثر ما يمتع المحتفلين، مفتونًا بأبنائها الغُرِّ الكرام وصباياها الحسان معدِنًا ومنظرًا:

يَا حِمْصُ إِنِّي عَاشِقٌ مَفْتُـــــــــونُ
               بِخِصَـــالِكِ الْحُسْنَى وَهُنَّ فُنُــــونُ
أَبْنَاؤُنَا الْغُرُّ الكِرَامُ جَـــــــــــدَاوِلٌ
               وَبَنَـــاتُكِ الرَّيْحَــــــــانُ وَالنَّسْرِينُ
يَا حِمْصُ عِنْدِي فِي هَوَاكِ شَوَاهِدٌ
               وَقَصَـــــــــــــائِدٌ وَحَقَائِقٌ وَظُنُونُ

     وما ندري ما هذه الظنون بعد الحقائق؟

يَا حِمْصُ جُودِي لِي بِمَا أَهْفُو لَهُ
               لِأَظَــــــــلَّ أَعْلُو سَيِّدًا وَأَكُـــونُ
كَبَنِيكِ حَيْثُ "جُنُونُهُمْ وَفُنُونُـهُمْ"
               وَأَظَلُّ أَحْفَظُ عَهْدَهُمْ وَأَصُـــونُ
يَا حِمْصُ أَعْطِينِي مُنَايَ فَإِنَّنِي
               أَرْجُو الْوِصَالَ وَإِنَّنِي مِسْكِيــنُ
جِنْسِيَّةً أَزْهُو بِهَــا في صُحْبَتِي
               وَكَأَنَّنِي فِي عَرْشِهِ هَــــــارُونُ

     وإذا كان يجوز للحمصي بالولاء أن يستجيب لرغبته وأن يحقق له مناه، فإنني أرحِّب به أخًا حمصيًّا كريمًا، وكان باستطاعته أن ينال هذا الشرف من غير إلحاحٍ في الطلب، لو أنه عرَّج على حمص في سعيه إلى دمشق لاختيار شريكة حياته، ولو فعل ذلك لتغنى بحمص جادًّا تغنِّيه بدمشق ومَن فيها:

يَا شَـامُ أَنْتِ عَلَى الزَّمَانِ وِسَامُ
               بَـــاقٍ بَقَاءَ الْخُلْدِ لَيْسَ يُضَــــامُ
يَا شَــــامُ تَعْرُونِي لِذِكْرِكِ هِزَّةٌ
               أُمَوِيَّةٌ هِيَ فِي الْعِظَـــــامِ غَرَامُ
وَأَنَا الَّذِي شَـاقَتْهُ مِنْكِ عَوَارِفٌ
               جَلَّــــتْ، وَيَشْتَاقُ الْكِرَامَ كِرَامُ

فهنيئًا لشاعرنا هذا التغنِّي وتلك الدعابات، ونحن نترقَّب صدور إخوة ديوانه هذا بفارغ الصبر، بعد أن تفرَّغ شاعرنا لجمع ما تناثر من قصائده وإبداعاته؛ لتأخذ أمكنتها في أرفف مكتباتنا، وتستمتع بها أذواقنا، وتغني بها عقولنا وقلوبنا.

***

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

أبا الزهراء

أبا الزَّهراء

الرياض - الثلاثاء
1/ 1/ 1427هـ - 31/ 1/ 2006م


إلى مقام الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم الذي تطاول عليه البغاث من علوج الدانمرك والنرويج.

فداؤك قبل قافيتي الجَنانُ
               وقبل السيف روحي والبيانُ
وقبل الناس سيدهم غضوباً
               عليه جلاله والصولجانُ 
مضوا للثأر يسبقهم هديرٌ
               تناقله البوادي والرِّعانُ
       *****
ستبقى النورَ ما بقي الزمانُ
               وما زان الرياضَ الأقحوانُ
وما طلعت على الآفاق شمسٌ
               وما صدح المؤذنُ والأذانُ
وأما شانئوك فهم بغاثٌ
               وفرية أحمقٍ هانت وهانوا
ستطويهم ضلالتهم ليغدوا
               نفاياتٍ يطاردها اللِّعانُ
إذا طلع الصباح فلن يراهم
               فهمْ وهمٌ تبدد أو دخانُ
وإن سأل الأنامُ الدهرَ عنهم
               أجاب: شراذمٌ كانوا فحانوا
       *****
عِداك وأين هم؟! هلكوا وبادوا
               وبادَ ضجيجهم والهيلمانُ
أبو جهل، أبو لهب، سجاحٌ
               مسيلمةٌ، حُييُّ الأفعوانُ
قريظةُ، والنضيرُ، وقينقاعٌ
               وكعبٌ وهو باغ ثعلبانُ
ومن جاءت إليك وراحتاها
               بها حطبٌ ومهجتها اضطغانُ
فطوَّقَ جيدَها مسدٌ فتبّت
               يداها والمآقي والَجنَانُ
وكسرى جاء يهديه كتابٌ
               ومزقه فمزقه الزمانُ
أراهم في الدنى أضغاثَ حلم
               وما تدري به حتى الجفانُ
وإن الله - جل اللهُ - باقٍ
               ليخزي كل من مكروا وخانوا
ويبقي بعض ما صنعوا وقالوا
               عظاتٍ ليس يخطئها العِيانُ
كما أبقى لنا فرعون موسى
               يشير إليه في العظة البنان
       *****
وأرناطٌ تسوره غرورٌ
               غداة دعته أحقادٌ تُشانُ
سقاه الوهم والشيطان كأساً
               فطاش به انتفاشٌ وافتتانُ
رنا للمستحيل رنوَّ قردٍ
               تسخِّره العصا والبهلوانُ
فعاد يسوقه وذويه رعبٌ
               فهم في لجه العاتي دِفانُ
ويخطو ثم يكبو ثم يحبو
               وشل القلب منه واللسانُ
عفا الشهم الصلاح عن الأسارى
               وجندله فذلوا واستكانوا
فقال لهم لكم مني سلامي
               وعفوي والحفاوة والعِوانُ
لكم مني أماني دون هذا
               فليس لناقضٍ عهداً أمانُ
قتلتُ الناكثَ العهدَ احتساباً
               وربي وهو حسبي المستعانُ
       *****
ويا عيسى فديتك جئتُ أشكو
               وأنت الطهر نضراً والحنانُ
أذاة ذويك قد جهلوا وضلوا
               وعاثوا بالنبوة واستهانوا
نعظمك احتساباً لا كِذاباً
               وأمَّك وهي طاهرة حَصانُ
وحبك في الجوانح والمآقي
               وهم لأخيك من سفهٍ شِنانُ
ويا عجباً به بشَّرتَ قِدْما
               ذويك فأنكروا البشرى وخانوا
وأنت نبينا وهم الدعاوى
               ومنهم قد برئتَ غداة مانوا
إذا طال الخصام بنا هتفنا
               غداً يدرون من منا المُدانُ
       *****
وأخزى اللّه أقواماً دعاهم
               إلى الغضب الوفاءُ فما أبانوا
لقد صمتوا وإن الصمت لؤمٌ
               لدى الجُلَّى وألهتهم قِيَانُ
عليهم من مخازيهم غواشٍ
               وملء قلوبهم ذامٌ ورانُ
فهم موتى وإن ذهبوا وراحوا
               وهم جِيَفٌ عليها الطيلسان
       *****
سلاما أمةَ الهادي وشكراً
               لقد كُنتِ الوفية لا تُشانُ
غضبتِ لأحمد ونهضتِ عجلى
               وهبّ مع الزمان لكِ المكانُ
ولا عجبٌ فأنت لكل خطبٍ
               كفايته وللسهم الكِنانُ
ويقتحم الشجاع ذرى الرزايا
               ويغرق في مخاوفه الجبانُ
وبين المجد والعجز افتراقٌ
               وبين المجد والجد اقترانُ
       ***** 
ويا قومي حذار من التواني
               فإن الوهن للهلكى عِنانُ
((وما نيل المطالب بالتمني))
               ولكن الغلاب هو الضمان
((وما استعصى على قوم منالٌ))
               إذا ركبوا المخاطر واستهانوا
ستبقى أمتي ظئرَ المعالي
               وهمَّتُها الشواهق والقِنانُ
وفي الأخطار تنهض وهي أقوى
               وسِفرُ الحرب يشهد والزمانُ
فإن العسر يمنحها حياةً
               وإن المعتدين لها امتحانُ
تجدِّدها وتصقلها الرزايا
               كأن بلاءَهُنَّ لها مِرانُ
سلوا عنها الغواشي كابدتها
               فردتها يجللُها الهوانُ
فها هي حين ننظرها بقايا
               من الأشلاءِ عاث بها الطِّعانُ
غدت للدود في الدِّمن البوالي
               طعاماً واليبابُ هو الخوانُ
       *****
((أبا الزهراء قد جاوزت قدري))
               غداة دعتنيَ الحرب العَوانُ
لنصرك فانتضيتُ دمي وروحي
               وطرتُ أقول: لا عاش الجبانُ
وقبلي معشر كرُموا وجلّوا
               هم الخيل العِرابُ ولا حِرانُ
وأمتك الولود وأفتديها
               يسير بها إلى السبق الرهانُ
سلوا عنها الحفاظ ألم تكنه
               كما شاء العلا والعنفوانُ
بلى كانته أفعالاً وقولاً
               وأمجاداً يطول بها الكيانُ
       *****
أبا الزهراء إن النصر آتٍ
               يقول بشيره آن الأوانُ
فِداك أبي وأمي والغوالي
               ومن نهدوا سراعاً أو أعانوا
ومن كانت حميتهم مَضاءً
               فزانتهم وزانوها فكانوا
شموسَ هدايةٍ وليوثَ غابٍ
               وخيلاً أقبلت ولها إرانُ
هم الأصداءُ للجلّى دعتهم
               وفي النادي الندى والمهرجانُ
وفي الحرب الشريفة مسعروها
               وفي السلم السماحة والحنانُ
تساوى عندهم نصر وقتل
               وأهوال الشدائد واللَيانُ
دعتهم للوفاء وهم بنوه
               سجاياهم غضبن فما توانوا
حمَوْكَ حماهم المولى فعزُّوا
               وكانوا السيفَ يظفر أو يُصانُ
أمانيهم منادمة المنايا
               وفعل الخير إن دينوا ودانوا
ويا مولايَ أنت الحق عقداً
               فرائده الهداية لا الجُمانُ
وأنت مكارمٌ عزَّت، ويعيى
               إذا استقصى مداهن الجَنانُ
لك الشرف الذي يعلو ويزكو
               ويقصر دونه إنسٌ وجانُ
       *****
أبا الزهراء دونك كل قولٍ
               فلي عذري إذا عجز البيانُ
وإن حسُن القصيد فأنت مُهدٍ
               لآلئه وهن مُنىً حِسانُ
كتبتُ قصيدتي بدمي وروحي
               وكان القلب يملي لا اللسانُ
وكان مدادها غضبي وحبي
               ودمعي، والوفاء ليَ امتحانُ
وكنتُ بها معنَّىً مستهاماً
               شغوفاً وهي عني الترجمانُ
عساي أنا لها في الحشر ذخراً
               يكون ليَ الشفيعَ فلا أدانُ
       *****
أبا الزهراء أمتك استفاقت
               وجاءت وهي نصرٌ إضحيانُ
تسير به إلى الدنيا المذاكي
               ولمعُ البيضِ والسُّمرُ اللّدانُ
تناقله الأماني والمنايا
               ويعدو فيه كالبرقِ الحصانُ
       *****
غدُ الإسلام يا مولاي مجد
               عليه مع الوسامة عنفوانُ
وخير النصر ما زانت حُلاهُ
               مآثره اللواتي لا تشانُ
ونصر الخيِّرين هدى وعدلٌ
               وعهدٌ في مآقيهم يُصانُ
وبعض النصر في الدنيا شقاءٌ
               وبعضٌ رحمةٌ فيها الأمانُ
ونصر المسلمين غداً فَعَالٌ
               تضوعُ شذا وأخلاقٌ حِسانُ
وقبل السيف تحميه السجايا
               وبعد النبل يحميه الضمانُ
وبالرعبِ انتصرتَ فكل شيء
               بعين عِداكَ سيف أو سنانُ
وكان الرعب قبل الجيش جيشاً
               لُهاماً لا يُشقُّ له عَنانُ
       *****
ويا مولاي حمَّلَني سلاماً
               لك المليارُ أخلصه الجَنانُ
وعهداً أن يُفَدُّوكَ احتساباً
               وهم صدقٌ وأفئدةٌ هِجانُ
وأسيافٌ مظفرةٌ وخيلٌ
               لها في الخطبِ إقدامُ وشانُ
إذا الباغون قد حشدوا الرزايا
               فإن ذويك بالله استعانوا
فهم في اللوح سطرٌ أن يفوزوا
               وهم قدرٌ يسير به الزمانُ
       *****
وأقدار الإله جرت وتجري
               فناجٍ أكرمته أو مهانُ
ومن يحسب لدورتها أفولاً
               جَهولٌ عربدتْ فيه الدِّنانُ
       *****
ويا مولاي أغلى ما نُرَجِّي
               ونأملُ أن تنادينا الجِنانُ
ونلقى الأمنيات وأنت فيها
               ذؤابتها وهنَّ المهرجانُ
ونبصر ربَّنا بدراً تماماً
               جِهاراً لا يضام لنا عِيانُ

أين المفرّ

أين المفر

الرياض - الأحد
16/ 7/ 1426هـ - 21/ 8/ 2005م


بكى الصهاينة وهم ينسحبون من غزة، ويخربون بيوتهم بأيديهم، وبكى زعيمهم شارون. تحرير غزة هو البداية والبقية تأتي بإذن الله. وأول الغيث قطر ثم ينهمر.

يا من بكى دمعةً خرساءَ حمراء
               غداً ستبكي دماً صبحاً وإمساء
لا تعجبنَّ فإن الظلم منتقم
               من فاعليه وإن كانوا أشداء
وأنت من جاء للأقصى فدنّسه
               وأوسع الناس تنكيلاً وإيذاء
فاشربْ من السم كأساً أنت مالئه
               تزددْ على دائك الفتاك أدواء
بنو النضير بكوا من قبلكم ومضوا
               والحزن يملؤهم حقداً وبغضاء
ليخربوا دورهم كرهاً بأنفسهم
               وهي المنيعات إتقاناً وإعلاء
أَيْدٍ بنتْ أمسِ وهي اليوم هادمةٌ
               شاهَ المضلّلُ هَدّاماً وبنّاء
والملك لله - جل الله - ينزعه
               ممن يشاء ويؤتيه لمن شاء
       ***** 
في غزة بدأ التحرير رحلته
               مواكباً لا ترى فيهن إبطاء
حتى يحرر كل الأرض منطلقاً
               كالرعد محتدماً والبرق وضّاء
فأين تهرب منه إنه قدر
               والله مرسله للبغي إفناء
       ***** 
غداً ستبكي دموعاً كالدماء لظىً
               كما بكى مجرم بالخسر قد باء
وربما لا، فإن العين جامدة
               مِنْ سطوة الخوف رواحاً وغداء
والخوف يجعل من يجتاحه رمماً
               خرساء في مهمه صماء عمياء
       ***** 
تبقى فلسطين بالإسلام خالدة
               تمتد في الأرض أمجاداً وأشذاء
وأنت تبقى ولكنْ ومضةً عبرتْ
               وفريةً هلكت عجلى وأقذاء
أين المفر وإن المسلمين أتوا
               مدىً إذا ما مشى يزداد أمداء
فاحمل لقومك نعشاً إنهم خشب
               ظلت مسنّدةً عجفاء جوفاء
لا ترعوي من غرور قد أحاق بها
               حتى تصير دمىً بادت وأشلاء

شيعت أحلامي

شيعت أحلامي

الرياض - الخميس
29/ 6/ 1426هـ - 4/ 8/ 2005م


شيعت أحلامي إلى مثواها
               ودفنتها وأنا الذي يهواها
وأنا الذي علقتها منذ الصِّبا
               وعشقت فيها دلها وصباها
وجنونها إن عاندت وفتونها
               ورشادها إما اهتدت وعماها
وسعارها الممتد ناراً كاللظى
               ماجت به فوشت به عيناها
عريت فكانت حلوة في عريها
               وتكون أحلى إن أتت بحلاها
مكروهة محبوبة وغبية
               وذكية في يأسها ورجاها
حكمت شبابي عاصفاً وكهولتي
               ومضت إلى أترابها تتباهى
غالبته فغلبته فحكمته
               فغدا أسيري تمتمت شفتاها
       *****
ظنت فضلت ثم زادت فادعت
               وسقى الغرور صُماتها ونثاها
قد غاب عنها أن فيّ جراءة
               محتــدة ميمونة تأبــــــاها
أورت جذاي فكنّ سيفاً مصلتاً
               وبه أنازلها ولا أخشــاها
طوراً أفوز وتارة تجتاحني
               والحرب ضارية تدور رحاها
وأرى نجاتي تحتفي أو تختفي
               ما كان أقربها وما أنآها
       *****
طال العراك وما مللت ولا ونت
               والعمر يمضي ليلة وضحاها
حتى إذا لمع المشيب بهامتي
               أبصرته عوني على لقياها
ما كان وهْناً لي ولكنْ حكمة
               قد صححت من نيتي ما تاها
أَرِدِ الإلهَ، أهاب بي، فأجبته
               يا شيب فاشهد قد أردت الله
فأتت إليّ ذليلة وكليلة
               تمشي وقد أوهى العِثار خطاها
كفنتها في عارها ودفنتها
               ورجعت نفسي تستبين هداها
       *****
إني رأيت الغنم في الأخرى التي
               تبقى ويخلد حسنها وجناها
فجعلتها همي وغاية مطلبي
               ووهبتها عمري عساي أراها
تسخو علي إذا أتيت رحابها
               أُمَّاً رأت بعد الغياب فتاها

إذا مت

إذا مت

الرياض - الأحد
11/ 6/ 1426هـ - 17/ 7/ 2005م


يا بني: اجعل هذه القصيدة قلادة في عنقك، واقرأها حتى تحفظها.

إذا مت لا تكثر من الدمع والحزن
               وأسبغ علي السدر والماء والكفن
ووسع وقيت السوء لحدي فإنه
               خليلي إلى يوم القيامة والسكن
وكن حاملي حتى أنام بحضنه
               قريراً وقل يا رب فاجعله من عدن
وسله لي التثبيت إن جاء منكر
               ليسألني ماذا وكيف ومن ومن
فإن دعاء الحي للميت رحمة
               سواقٍ جوارٍ بالنفيس من المنن
فطيبه لي، أكثره، لازمه، إنه
               أجل منى عبد بما زل مرتهن
       *****
وعش صادقاً شهماً ينقي فؤاده
               ومسعاه أنى كان في السر والعلن
وداعيـــــة لله يرجــــو ثوابــــه
               ويشكر في النعمى ويصبر في المحن
إذن تبلغ الفوز العظيم وترتقي
               وأفرح في قبري لما نلته إذن
وإن رضا الرحمن أكرم غاية
               وليس لها في الكون ند ولا ثمن
وكل حسان الأرض من دون حسنها
               وما أعجب المثري وما حاز أو خزن
ورضوانه باق ويزداد سيبه
               وما شــــابه منّ لوُرّاده ولن
وما شـــاقنا يمضي كآل بقيعة
               عن المرء كان العف والآخر افتتن
*****
وما هذه الدنيــــا بدار وموطــــن
               ولكنما الأخرى هي الدار والوطن
ودنياك مهما قد سخت وتبــــرجت
               هي البرق في الظلماء والطيف في الوسن
وأكـــــرم منـــــها دعوة مستجــــابة
               تجوز مدى الأفلاك والظن والزمن
       *****
بنيّ استقم واحفظ وصاياي إنها
               خلاصة تجريبي وعمري الذي ظعن
وضعهن في عينيك والجيد رقية
               تقيك الأذى ما لاح منه وما كمن
فهن دليل ملء برديه حكمة
               إذا خان أو ضل الأدلاء مؤتمن

جميلة

جميلة

الرياض - الإثنين
27/ 5/ 1426هـ - 4/ 7/ 2005م


كانت رحمها الله تقية نقية، طاهرة صابرة، وكانت (جميلةً) اسماً وشكلاً ومضموناً. توفيت في الرياض يوم الجمعة 17/ 5/ 1426هـ - 24/ 6/ 2005م. فبكاها كل من عرفها.

عرفتك كالبسمة العاطرة
               وأنقى من الطل في الباكرة
كأنك ذوب الخصال الحسان
               تلألأن في باقة ساحرة
وفي أصغريك غوالي النقاء
               محاسن باطنة ظاهرة
تمحَّضْت للخير أنـَّى مضيت
               وأسكنته القلب والباصرة
كأنك مريم في طهرها
               حُلاها فضائلها الباهرة
محببة للورى كالربيع
               وكالروض والبسمة الآسرة
وأنضر منك وأنت الجمال
               شمائلك البرة الناضرة
يلذ لك الخير تهدينه
               وأنت لآخذه شاكرة
وأنت لمن أحسنوا ذاكرة
               وأنت لمن أسرفوا عاذرة
وكنت الحَصان وكنت الرزان
               وكنت المرزأة الصابرة
       *****
مللت الحياة ووعثاءها
               ويممت وجهك للآخرة
وقلت هناك يطيب المقيل
               وقلت الدنى رحلة عابرة
وما أنا ممن يخاف الممات
               وأكوابه بيننـــــــا دائرة
سأحسوه شهداً شهي المذاق
               وأرنو إلى لائمي ساخرة
رضيت بما شاء ربي الذي
               براني وإني له صائرة
يقيني به صفقة ظافرة
               وحبي له ديمة هامرة
وقبري بأفضاله روضة
               بما شاء من جوده عامرة
*****
أأخت الفضيلة والطيبات
               سلام على روحك الطاهرة
كأني أراك مع البشريات
               يجئن إليك منى زاهرة
وهن وصائفك الطيعات
               وأنت المليكة والآمرة
وأغلى الرضا إذ تنادي الجنان
               عليك وأنت لها ناظرة

زلفى

زلفى

الرياض - الأربعاء
15/ 5/ 1426هـ - 22/ 6/ 2005م


ذوى جسمي وغصن العمر جفا
               ولاح الموت لي سِنَةً وطيفا
وللسبعين أدنو من ذراها
               مواجعها تبدّى أو تخفّى
ودنيا المرء فاتنة هلوك
               تريك حقيقة وتريك زيفا
تظل وإن حبتك منى حساناً
               غدوراً لا تني عنتاً وعسفا
إذا أهدتك باليمنى نعيماً
               شجتك بأختها ومضت تشفّى
كأن بها تراتٍ ضارياتٍ
               هي النكبات إذ يقصفن قصفا
وبين تراتها تلقى أمانـــــاً
               وتلقى بعد محض الأمن خوفا
لقد عاينتها وشربت منها
               مراراً كأسها الملآن صِرفا
ظمئت بما شربت ورُبَّ ورد
               يُحيلك سَرْحَةً في القفر تسفى
وأبصرت المشيب فقال همساً
               وجهراً: إن في برديَّ حتفا
أنا ظل يلازمك اغتصاباً
               ولست بطارق قد مر ضيفا
وأنت أنا رضينا أم كرهنا
               فكن بي راضياً لأكون أحفى
أنا بُشراك إن أحسنت صنعاً
               وإلا فالنذير يمور عصفا
       *****
فقلت: أريد نصحك يا صديقي
               فمحِّضْنيه مثل النور شفا
فقال: توخَّ نهج الحق أنَّى
               مضيت وكن به شهماً وعفا
ونـوّره بزيت من يقيـــــن
               وقلب من هتون الغيث أصفى
وأسرج عزمك الميمون مُهْراً
               تجئك بشائر التوفيق لهفى
وقل: يا رب كن عوني فإني
               جعلت العمر للإسلام وقفا
وأدري أن ذلك فوق طوقي
               ولكنْ إن أعنتً غدوتُ سيفا
يجاهد جاعلاً مسعاه قربى
               لوجهك أيها المولى وزلفى
       *****
حشدت خواطري وهتفت فيه
               رضيت فطاب بي قلباً وطرفا
وقال: إذن تفوز، فقلت: بهراً
               ستلقاني الفتى إن قال أوفى
وأقسم أنني سأصون عهدي
               ولو خطفتنيَ الأهوال خطفا
ورحنــــا والبشائر ماطرات
               تميس وضاءة وتضوع عرفا

الأكثر مشاهدة