معروف قتيبة ووفاء الأسير
(1)
الحَجّاج – قتيبة – رجل
الحجاج: ما رأيت شيئاً كالسيف يطفئ نار الفتن، ويقمع العُصاة.
قتيبة: لقد كنتَ دواء العراق.. لقد أصاب أميرُ المؤمنين حين اختارك لأرض الفتن والعصيان.
رجل: لقد ذاع صيتك بين الناس.. حتى إن ذُكِر بينهم اسم الحجاج دخلتهم الرهبة والخوف.
الحجاج "في قوة واعتزاز": أنا أمضى سهم في كنانة أمير المؤمنين.. لقد وطّأتُ له العراق فهو هادئ آمن..
الرجل: وضعتَ لقومك بني ثقيف مجداً مؤثلاً حتى إن الواحد منهم ليشمخ بأنفه، ويدّعي أنه قريب لك وإن بَعُد.
الحجاج "يضحك ويتحدث في غرور وقوة": إنني الحجاج بن يوسف الثقفي، أعظم ولاة بني أمية، ليس فوقي سوى أمير المؤمنين.
"بعد صمت قصير وفي صوت آمِر"
الحجاج: ما فعلتم بالعصاة الذين أسرناهم؟
الرجل: أنفذنا فيهم أمرك أيها الأمير.. قتلناهم.
الحجاج "آمراً": جميعاً؟
الرجل: بقي منهم واحد حين أقيمت صلاة المغرب.
الحجاج: يا قتيبة..
قتيبة: خيراً أيها الأمير؟
الحجاج: انصرف بهذا الرجل حتى تغدو به عليَّ في الصباح.. ليلحق إذ ذاك بغيره من العصاة والمتمردين.
قتيبة: كما تحب أيها الأمير.
(2)
قتيبة – الأسير
قتيبة: ويحك أيها الرجل!.. كيف خرجت على الحجاج وأنت تعرف صرامته وقوته!؟
الأسير "في صوت مستعطف": يا أيها الأمير!.. يا قتيبة بن مسلم!.. والله لأصدقنك، إني والله ما خرجت على المسلمين، ولا استحللت قتالكم، ولكن ابتُليتُ بما ترى.
قتيبة: أين تفرُّ من سيف الحجاج وقد وقعت بين يديه؟
الأسير: أطال الله بقاءك.. والله ما كذبتك قط.
قتيبة: غداً ألقِ بعذرك بين يدي الحجاج.
الأسير "حزيناً": سيكون السيف أسبق إليَّ. "صمت" هل لك في معروف؟
قتيبة: قل ما تشاء.
الأسير "مستعطفاً": عندي ودائع وأموال.. فهل لك أن تخلي سبيلي، وتأذن لي حتى آتي أهلي وأرد على كل ذي حق حقه وأوصي، ولك عليَّ أن أرجع حتى أضع يدي في يدك.
قتيبة "ضاحكاً": أتريد مخادعتي أيها الرجل!؟.. امضِ معي، وغداً أذهب بك إلى الحجاج، وإني من أمرك لبريء.
الأسير: "يبقى صامتاً".
"وقع خطى على الطريق"
الأسير "في لهجة استعطاف": أيها الأمير، إنني أعاهدك باللّه القوي العظيم أن أعود إليك قبل الفجر.
قتيبة "في صوت هادئ": تعاهدني باللّه القوي العظيم، تعاهدني باللّه القوي العظيم.. ماذا أنت فاعل إن ذهبت؟
الأسير: أذهب إلى أهلي فأوصي وأردُّ الودائع.
قتيبة "في صوت هادئ": فاذهب أيها الرجل، ولا تنسَ أنك عاهدتني باللّه.
الأسير "فرِحاً": بارك الله فيك وجزاك خيراً.. والله لأعودنَّ إليك ولن أخون.
(3)
قتيبة – زوجته – الأسير
"الحديث بين قتيبة وزوجته، يظهر عليه الحزن والندم"
الزوجة: ويحك يا قتيبة! أمِثلُك يفعل هذه الفِعلة!؟
قتيبة: دعيني من لومك يا امرأة!.. والله ما ملكتُ نفسي إذ قلتُ له: اذهب، وإنه قد عاهدني باللّه القوي العظيم.
الزوجة: وهل له عهدٌ إن كان خائناً؟ "تتحسر" آه.. إن زَلَّة الأريبِ كبيرةٌ حقاً.
قتيبة: سبق السيفُ العذل.. "في صوتٍ ضارع": اللَّهمَّ رد لي هذا الأسير فإنما تركته لأنه عاهدني بك يا رب.
الزوجة: ها قد كاد الفجرُ ينبلِج وصاحبك لم يأتِ بعدُ يا قتيبة.
قتيبة: فوّضتُ أمري لله..
الزوجة: أنت تعلم كم أحسن الحجاج إليك.. كيف تفعل معه هذه الفِعلة!؟ كم حاسدٍ لك وشانئٍ ومُبغضٍ سوف ينتهِزُها ليُغيِّر قلب الحجاج عليك!..
قتيبة: اللَّهمَّ لا تخيِّب فراستي في هذا الأسير.
الزوجة "في ضجر وحزن": يا لها من ليلة طويلة!.. ويا له من هَمٍّ ثقيل! تُرى كيف ستغدو إلى الحجاج وحدك في الصباح وقد تركتَ الأسيرَ يُفلِت من بين يديك!؟
"الباب يُطرَق بشدة"
قتيبة "بسرعة": ترى أيكون هو؟ "وقع خطاه على الأرض"
الزوجة "ضارعة": اللَّهمَّ اجعله أسير قتيبة.. "الطَّرْق يتوالى"
قتيبة: "وقع خطاه على الأرض، ثم صوت الباب يفتح"..
الأسير: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قتيبة "فرِحاً": وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. والله إنك لرجل شريف، وإن فيك لموضعاً للصنيعة والإحسان، وإنني غير تاركٍ إياك، يقتلك الحجاج دون أن أكلمه فيك.
الأسير: جزاك الله خير الجزاء.. ودَّعتُ أهلي، وأدَّيتُ الودائع، وأوصيتُ وصلَّيتُ واستغفرت، وها أنذا الآن معك.
قتيبة: إنك رجل حُر، وإن فيك موضعاً للصنيعة، الحمد لله الذي لم يخيِّب فراستي فيك.
(3)
الحجاج – قتيبة
قتيبة: وهكذا أيها الأمير -أطال الله بقاءك- عاد الرجل إليَّ، وكان بوسعه أن يهرب.
الحجاج: إن أسيرك يا قتيبة رجلٌ حُرٌّ والله!..
قتيبة: إي والله أيها الأمير، لقد قال لي حين عاد: لقد جعلت لك عهد الله عليَّ، أفأخونك ولا أرجع؟
الحجاج: ما كان الحرُّ ليغدر أو يخون.. أتريد أن أهبه لك يا قتيبة؟
قتيبة: إي والله أيها الأمير، إنك أهل للعفو، وإنه أهل للصنيعة والإحسان..
الحجاج: هو لك فانصرف به معك.
قتيبة: بارك الله فيك، وأطال بقاءك.. كانت ليلةً ما أطولها!.. أعقبت صباحاً ما أحسنه!.. الحمد لله الذي وفَّقنا نحن الثلاثة إلى هذا الخير العظيم.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق