السبت، 25 ديسمبر 2021

رسالة إلى نجيب محفوظ

رسالة إلى نجيب محفوظ

     نجيب محفوظ أديب متفرد تجاوز الدائرة المصرية إلى الدائرة العربية ثم إلى الدائرة العالمية، وأصبح بين أبناء جيله "ظاهرة" يتوقف عندها كل دارس لا مجرد أديب عادي، مثله في ذلك مثل شوقي الذي فرض نفسه بين شعراء عصره "ظاهرة" كبرى، وهما معاً يذكران المرء - من بعض الجوانب - بالمتنبي الذي لم يتوقف عنه الحديث حتى يومنا الحاضر لأنه فعلاً "مالئ الدنيا وشاغل الناس".

     وفي نجيب محفوظ أدباً وحياة وفكراً الكثير مما ينتزع الإعجاب.

     فهو في فنه صاحب موهبة صقلها بالدرس والصبر والمران، فارتقى بها حتى بلغ بها ما بلغ فكان القصاص العربي الأول.

     وهو في حياته رجل منضبط جداً بطريقة تدعو إلى الاحترام والإكبار، عرف موهبته فانكب عليها ونماها ومارسها وصقلها، ثم إنه انصرف عما لم يخلق له فنجا من شتات الأمر الذي أضاع ولا يزال يضيع مواهب الكثيرين، وعرف قيمة الوقت وهي من أجل النعم للناس عامة وللنابهين خاصة فسيطر على وقته سيطرة رائعة ووزعه توزيعاً دقيقاً بين واجباته المختلفة، وعرف قيمة المال فأحسن التعامل معه بقصد وحكمة، وعرف قيمة الصحة فعني بجسده فلم يسرف عليه وظل حريصاً على قسط من الرياضة يؤديه باستمرار، ولم يتوقف عن المشي إلا بعد أن كَلَّ جسمه وضعف سمعه وبصره وهو ما جعله عاجزاً عن ممارسة مشيته المحببة على شاطئ النيل. لذلك يمكن أن يوصف بأنه راهب من رهبان الأدب والحياة والفكر يعشق التأمل ويحب الخلوة ويجنح إلى الزهد، وهذا يفسر لنا لماذا لم يغادر مصر طيلة عمره ولماذا لم يذهب إلى السويد لاستلام جائزته في مهرجان عالمي رائع تتحلب أفواه الكثيرين إلى ما هو أقل منه؟

     وفي فكر نجيب محفوظ ما يروعك، فإذا كانت شهرته العظمى هي في المجال القصصي فإن ثمة مجالاً آخر قد يكون أعمق وإن قلت شهرته فيه وهو تلك الأفكار التي ينشرها في الصحف بأسلوب يتسم بالإيجاز شكلاً وبالعمق موضوعاً. 

     وهنا أضع بين يدي القارئ الكريم نصين له نشرهما في صحيفة الأهرام يناقش فيهما قضية العنف أنقلها من مقالة ممتازة للأستاذ فهمي هويدي عنوانها >إنصافاً لنجيب محفوظ< نشرها في صحيفة الشرق الأوسط في 19/ 5/ 1415هـ - 24/ 10/ 1994م.

     يقول النص الأول الذي يحمل اسم "فتح الطريق المسدود":

     "يحدثونك عن الإرهاب فيربطون بينه وبين أشياء كثيرة، مثل الفتاوى الخاطئة والأزمة الاقتصادية، والفراغ السياسي، والحكم الشمولي، والاستهانة بحقوق الإنسان. والإرهاب يمكنه أن يكون ثمرة مرة لجميع تلك الظاهرات مجتمعة أو لإحداها تبعاً للظروف والأحوال، غير أنهم ينسون ظاهرة أخرى، لا تقل عن أي من تلك الظاهرات عاقبة إن لم تزد، "إحباط وضيق لجيل صاعد يتطلع إلى حقوقه في الحياة" ومن بينها، وربما في مقدمتها، حق تبوّؤ السلطة.

     الحق أن كل جيل جديد يتطلع إلى السلطة أو الحكم باعتبار ذلك سبيله إلى تحقيق ذاته الفردية وحلمه الجماعي لتغيير المجتمع، ومن حق كل جيل جديد أن يتطلع إلى ذلك، بل إن واجبه وانتماءه وطموحه يملي عليه أن يتطلع إلى ذلك، ويعمل على تحقيقه بكل وسيلة مشروعة، فإذا بدا الطريق أطول مما يجب، أو طال بطريقة مفتعلة، أو سد تماماً فلا أمل في منفذ، أصبح اللجوء إلى العنف مما قد يرد على بعض الخواطر.

     لقد عاصرت الحياة قبل ثورة يوليو، وأشهد أنه لو كان الدستور قد احترم، وعرفت كل هيئة حدودها، لربما قدر لتاريخنا أن يكون غير ما كان، كان من المحتوم أن تفقد الأحزاب القديمة شعبيتها، وتحل محلها أحزاب شابة مبشرة بالتغيير الاجتماعي، وفي تقديري أن أجيال الشباب يميناً ويساراً كانت سترث الأغلبية في انتخابات 1950م، وتمضي في تطبيق ما طبقته ثورة يوليو في جو من الحرية والديمقراطية، كان خليقاً أن يجنبنا كثيراً من الأخطاء القاتلة.

     فلننظر إلى واقعنا على ضوء ماضينا من ناحية، والتسليم بالحقائق البشرية من ناحية أخرى، فنجعل لنا طريقاً ممهداً خالياً من العقبات المفتعلة والرواسب الشمولية، من أجل ذلك أقول: إن الحل الأمثل هو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".

     ويقول النص الثاني الذي يحمل اسم "أسرة الإرهاب":

     "لعل أبسط تعريف للإرهاب هو استعمال القوة غير المشروعة في سبيل الوصول إلى غاية ما. إن صح هذا التعريف فليس الإرهاب المعروف هو الإرهاب الوحيد الذي يمارس في المجتمع، فكل ما يتحقق بالقوة لا بالقانون أو الشرعية هو نوع من الإرهاب، والقوة لا تعني الرصاص والقنابل فحسب، فهناك أيضاً قوة النفوذ والقرابة والحزب والطائفة والدين، فيمكن القول إن أية قوة تستعمل لخرق الشرعية أو تخطي القانون فهي إرهاب. ويجب أن نعتبرها كذلك وأن نضعها في كفة واحدة مع الإرهاب الذي نطارده صباح مساء. فالوصول إلى السلطة قد يكون نتيجة جهاد مشروع أو ثمرة لعنف إرهابي، وشغل الوظائف العامة قد يكون برأي المجموع أو من خلال امتحان نزيه، وقد يعتمد على قوة النفوذ والواسطة، أي على الإرهاب، والصفقات التجارية قد تعتمد على قوانين السوق، وقد يتحكم فيها النفوذ والرشوة وغير ذلك من وسائل الإرهاب الاقتصادي.

     على هذا النحو تجري الخدمات، فانظر إلى ما يقع في الطريق والمستشفى والمواصلات والمصالح الحكومية، هل تتم المعاملة وفقاً لنظام ثابت شامل لا يفرق بين شخص وآخر، أم أنه يفتح ذراعيه بحرارة الترحاب لأناس، ويصب على الآخرين عذاب المعاناة بغير حساب؟

     بعد هذا التمهيد، فإنني أدعو كل قارئ لتأمل ما يحدث في مجتمعنا، وليحكم بنفسه، أهو مجتمع قانوني شرعي أم مجتمع إرهابي، وأظنك تتفق معي على أن أولى درجات الحضارة أن يتحول المجتمع من مجتمع يقوم على الغريزة والقوة إلى مجتمع يحيا في ظل القانون والشرعية، ليحقق الحرية والعدل".

     والقارئ لهذين النصين لا يسعه إلا أن يتوقف عندهما معجباً بسبب ما فيهما من تركيز مؤد، ونظرة شمولية، وصراحة مشكورة، وحسن تعليل. إن حديثه حديث المثقف المتزن المسؤول الذي يحسب لكل كلمة حسابها، والذي يدرك أبعاد الخلل في البناء الثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني الذي أفرز ظاهرة العنف، والذي ينأى بنفسه عن تلك المجموعة من الناس التي اكتفت بإدانة العنف والتسابق في سب المتهمين به والتركيز على المحسوبين منهم - بحق أو باطل - على التيار الإسلامي.

     وإني أتوج ما حاولت أن أعدد به مآثر نجيب محفوظ بتلك الكلمة الموجزة الرائعة التي وجهها وهو لا يزال يعالج في المستشفى بسبب إصابته من محاولة اغتياله إلى الندوة التي انعقدت في القاهرة تحت عنوان "نحو مشروع حضاري عربي" في شهر جمادى الثانية 1415هـ - نوفمبر 1994م والتي ألقاها عنه الأستاذ محمد سلماوي وهذا نصها: "أرحب شخصياً بجميع الإخوان المشاركين في المؤتمر من مصر والوطن العربي، وقد كنت أتمنى أن أشارك في استقبالهم جميعاً والعمل معهم في سبيل وضع مشروع حضاري عربي، ولكن نظراً للظروف التي أمر بها الآن فإني أكتفي بالمشاركة من بعيد بالإعلان عن رأيي دون الاستفادة من الاستماع لآرائكم التي كنت أتطلع إليها. ورأيي في اختصار هو أن المستقبل الحضاري يجب أن يقوم في أساسه على الإسلام، وفي تطوره على الحوار مع سائر حضارات العالم، والاستفادة من كل نقطة نور لا تتناقض مع مبادئنا الأساسية وأن يكون اعتماده في ذلك على دعامتين: القيم الموروثة من ناحية والعلم من ناحية أخرى بالإضافة لكل ما أثبت أنه مفيد في تطوير البشرية، تمنياتي القلبية بأن يوفقكم ربنا إلى وضع الأسس الصالحة لمشروعنا الحضاري وإلى العمل على تنفيذها".

     وميزة هذه الكلمة المضيئة أنها حددت لنا بإيجاز مؤد بليغ ما ينبغي أن يقوم عليه المشروع الحضاري المرجو بحيث يشيد على الإسلام فيكون روحه وقاعدته وأساسه، ويفتح بعد ذلك باب الانتفاع من الآخرين علماً وحواراً واقتباساً على ألا يتناقض شيء من ذلك مع مبادئنا الأساسية وهو استدراك ذكي وحصيف يشكر عليه الأستاذ محفوظ، وأجدني مع هذه القاعدة الراسخة، والدعوة إلى الانفتاح، والاستدراك المشكور المحمود، مؤيداً للأستاذ محفوظ في كلمته هذه تمام التأييد.

     ومما يشكر للأستاذ نجيب محفوظ إشارة طيبة جاءت في ثنايا حديث أجري معه مؤخراً عن روايته الشهيرة "أولاد حارتنا" التي صدرت عام 1959م، وأثارت لغطاً كبيراً وكانت من أكبر المآخذ الدينية عليه، ومؤدى الإشارة أن الأمور اختلفت منذ ثلاثين سنة وهو كلام طيب يوحي بالاعتذار وإن كان لا يكفي، وأهم من هذه الإشارة قوله لمحاوره: "لعلي تبت يا أخي<، وهي كلمة وجيزة فيها عبق ديني يضوع من التوبة وفيها لمسة إنسانية حانية تضوع من الأخوة، وأهم من هذين رؤيته للمشروع الحضاري العربي المأمول التي أوردناها آنفاً بنصها.

     تبقى بعد ذلك مجموعة من الملاحظات المهمة تفرض نفسها في هذا المجال:

* تعرض هذا الرجل ذو المكانة المتميزة إلى محاولة اغتيال في يوم 14/ 10/ 1994م وهو يركب سيارة أحد أصدقائه شاء الله أن يكرمه بالنجاة منها، وقد أثارت المحاولة - وهذا هو المتوقع - جدلاً واسعاً واستنكاراً كبيراً، وقد زاد من هذه الإثارة أن المحاولة استهدفت شيخاً كبيراً في الثالثة والثمانين من عمره المديد وهن جسمه وضعف بصره وكل سمعه وصار يعيش الحياة من خلال الآخرين أكثر مما يعيشها من خلال نفسه. الأمر الظالم في حملة الإثارة أنها انصبت على التيار الإسلامي بعامة وقبل أن يقول القضاء كلمة واحدة باعتبار أن هذا التيار هو المحرض على القتل بطريقة أو بأخرى. والذي يمكن أن يحدد هوية القاتل ودوافعه هو قضاء حر نزيه فقط، هذه واحدة وأما الثانية فإذا ثبت أن القاتل ينتمي إلى مجموعة إسلامية فلا ينبغي أن ينسحب هذا الحكم على كل المجموعات الأخرى. وفي مثل الظروف التي تمر بها مصر العزيزة الآن وفي مثل طبيعة محاولة الاغتيال ترد كل الاحتمالات، فلربما كان صاحب المحاولة مخلصاً مندفعاً من نفسه، وربما كان مخلصاً محرّضاً من غيره، وربما كان مأجوراً، وربما كان يمثل نوعاً من الاختراق لصالح جهة من الجهات التي تريد بمصر وبالإسلام وبدعاته شراً مستطيراً، ومرة أخرى إن الذي يمكن أن يأتي بالقول الفصل في هذا الأمر هو قضاء حر نزيه، وفي مصر قانونيون عظام مشهود لهم بالنزاهة يمكن أن ينهضوا بمثل هذا الأمر وزيادة كالمستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا.

* ينبغي ألا يغيب عن بال الأديب الكبير أن في حياته الفكرية والأدبية ما يؤاخذ عليه، ففكره خليط من الليبرالية والعلمانية، أما الليبرالية ففيها جوانب مشكورة لكنها لا تؤخذ على إطلاقها، وأما العلمانية فقد كانت إحدى الكوارث التي أوردت الأمة موارد الدمار. ثم إن الأديب الكبير كان أحد الذين دافعوا عن سلمان رشدي علماً أن كتاب سلمان تافه من الناحية الفنية وأما الناحية الموضوعية فليس له فيها أي نصيب مهما قلّ، إذ إن كتابه مليء بافتراءات وأكاذيب لو قيل بعضها في حق أي واحد منا لحكم القضاء على سلمان بجريمة القذف في حقه فكيف بها وقد قيلت في سيد البشر؟ وإذن فلنا أن نقول: إن دفاع الأديب الكبير عن الكاتب الضال، التافه فنياً، الساقط موضوعياً، غلطة كبرى منه لا تقبل منه وهو الرجل المتزن المتعمق ذو الأناة والدقة. أما رواية "أولاد حارتنا" فربما كانت أكبر أخطاء محفوظ الدينية لأنها أساءت كثيراً في حق الله تعالى والأنبياء الكرام. ربما يقول محفوظ: إن الرواية فسرت خطأ وإنه لم يقصد منها ما فهمه المعترضون وهو دفاع غير مقبول لأن بوسعه - وهو الفنان المقتدر - أن يكتبها بالطريقة التي لا تسمح بفهم خاطئ، ولأن بوسعه أيضاً أن يتحلى بشجاعة الاعتذار وهي شجاعة في الفكر لا تقل عن الشجاعة في القتال إن لم تزد عليها. ثم إن للأديب الكبير آراء في التطبيع مع اليهود تؤذي الشعور الديني والشعور الوطني على السواء، وهي آراء يجهر بها كثيراً وهي إحدى مواد الحديث في ندوته المعتادة كل يوم جمعة حتى كادت هذه الندوة تغدو منبراً من منابر الدعوة إلى التطبيع.

* ينبغي ألا يغيب عن ذكاء الأديب الكبير أن من يسمون أنفسهم دعاة "التنوير" هم طبعة جديدة من العلمانيين جرى فيها من التعديل ما تدعو إليه الظروف لكن الروح واحدة، وأن هؤلاء إنما يريدون استثمار محاولة اغتياله للإساءة إلى كل ما هو إسلامي، فهو مدعو إذن إلى أن يعي الأمر وأن يضع الأمور في نصابها والمحاولة في إطارها وحجمها.

* وينبغي ألا يغيب عن ذكائه أيضاً أن كلمته الرائعة في رؤيته للمشروع الحضاري العربي المأمول لا تكفي، بل ينبغي أن يؤكدها بطرق شتى لأنها تمثل خلاصة عمره الفكري، ولأن في هذا التأكيد ما يجعلها حكماً على فنه وفكره، وختاماً حميداً لهما، ولعل الأديب الكبير يعي جيداً أن من أرادوا استثمار محاولة اغتياله استثماراً سيئاً قد وقعت كلمته عليهم وقوع الصاعقة لأن مؤداها في النهاية ضد ما يدعون وضد اتجاههم الفكري. ولن تزداد أيها الأديب العظيم إلا مكانة وعلواً حين تقرر أنك أصبت هنا وأخطأت هناك ونحن بشر، وليس لأحد منا عصمة، لقد أصدر الأستاذ خالد محمد خالد كتابه الشهير "من هنا نبدأ" وفيه قرر أن الإسلام دين لا دولة ثم عاد بعد ذلك ليصحح نفسه بنفسه في كتابه "الدولة في الإسلام"، وهي شجاعة فكر وقلب يشكر عليها، ولي ولك فيه أسوة حسنة.

* لا يصح لنا أن ننظر إلى أهل الفكر أن لهم قناعات ثابتة لا تتغير، فالإنسان حصيلة بيئته وظروفه وتفاعله، والأغبياء هم الذين لا يتغيرون على ضوء ما يمر بهم، المهم أن يحتفظ المفكر بالثوابت التي لابد منها من عقيدة صحيحة، وولاء واضح، وغيرة على البلاد والعباد، وموضوعية وأمانة، واحترام للرأي الآخر، وقدرة على الاعتراف بالخطأ وتجاوزه، وحب صادق للناس. فإذا تم له ذلك فإن التغيير واقع لا محالة. من هنا علينا أن نرحب بكل بادرة خير ونرعاها ونوسع مداها لنفوز من أهل الفكر بخير كثير، ولعلنا جميعاً نتذكر هنا أن الدكتور محمد حسين هيكل بدأ في خندق العلمانية لينتهي كاتباً إسلامياً، وأن الأستاذ خالد محمد خالد بدأ في خندق الماركسية واليسار لينتهي مع الرعيل الذي يدافع عن الإسلام بحرارة وجرأة، ومثل هذا الكلام يصح أن يقال عن الدكتور مصطفى محمود والدكتور محمد عمارة والأستاذ محمد جلال كشك والمستشار طارق البشري والأستاذ عادل حسين.

* إذا كان اعتذار الأستاذ نجيب محفوظ عن حضوره حفل جائزة نوبل مع كل مغرياته الكثيرة أمراً يمكن أن يقبل بل يمكن أن يشكر لأن فيه دليلاً على عفة وزهد وترفع فإن اعتذاره عن أداء العمرة ممن دعاه إليها أمر لا يمكن أن يقبل. ربما يعتذر الأستاذ نجيب بظروفه الصحية وهي ظروف صعبة حقاً، لكن الرحلة إلى مكة المكرمة حرسها الله لأداء العمرة يحفها ويحوطها كل ما يجعلها سهلة ميسرة من قرب ويسر وأمن ورفقة تعين على أداء النسك بما يجعله ممتعاً سهلاً جميلاً تراعى فيه كل ظروفه الصحية وغير الصحية، ومما يدعونني إلى الإلـحاح على الأستاذ نجيب محفوظ - وهو النجيب المحفوظ إن شاء الله - أمران، الأول: أن العمرة ستكون تصديقاً عملياً لتوجهاته الدينية الأخيرة تؤكدها وتبارك فيها وتجهر بها، والثاني: أن العمرة ستحقق له الكثير مما يريد ويحب وهو في ضيافة الله تعالى من أشواقه الروحية، وستمده العمرة بدفعة قوية من المشاعر النبيلة التي تلتقي مع فطرته من حب للخلوة وحدب على الناس وتأمل في الحياة ومراجعة للنفس، وتجدد واستشراف.

* أيها الأديب الكبير: لو كنت بالقرب منك يوم 14/ 10/ 1994م أثناء محاولة الاغتيال لحاولت مساعدتك، لكني مع ذلك لا أملك إلا أن أقول لك: أخطأت هنا وأصبت هناك.

* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة