الأربعاء، 6 يناير 2021

أيها الراضي

أيها الراضي

الرياض ـ الإثنين
6/ 11/ 1424هـ ـ 29/ 12/ 2003م

ألقيت في الأمسية الجميلة التي أقامها في داره العامرة في الرياض سعادة السفير الأديب الدكتور محمد سعيد القشاط لوداع الأستاذ راضي صدوق المهاجر إلى أمريكا.

يطيب لي في هذا المساء العابق بالود، العامر بالوفاء، أن ألتقي هذه الكوكبة من أهل الفضل والنبل، والعلم والأدب، والإيمان والبيان، ممن شبوا على فضائل الإسلام، وأخلاق العروبة، وسجايا المروءة، فكانوا بين الناس شامة تحلو، وهامة تعلو، وقامة تسمو، إذا رأتهم المكرمات قالت: إنهم دون الناس أهلي، وأنا بهم أعتز وأفرح.

هرعوا إلى هذا الحفل البهيج، استجابة لدعوة كريمة من عالم أديب مثقف؛ ليودعوا عالماً أديباً مثقفاً، ولا غرابة، فإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذووه، ونحن ــ المسلمين ــ أمة مأمورة أن تنزل الناس منازلهم التي يستحقونها، كما قالت الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها.

عرفت الأستاذ راضياً أول مرة منذ ثلث قرن حين رأيت صورته في الصحف، وكان يومها شاباً وسيماً، ثم غادره الشباب ولم تغادره الوسامة، ولا روح الشباب. ومع صورته قرأت له قصيدة ألقاها في منى في احتفال كبير، حضره قادة الدولة ونخبة من المثقفين والأعلام، وصفوة من أعيان الحجاج ووجهائهم.

راعني مطلع القصيدة يومها، ولم يزل يروعني حتى اليوم حتى تمنيته لي:

أطلق جنــاحك لا كبراً ولا تيها 
               وانشر ملاحــم لا تفنى معانيها 
يا عاصب الجرح بالإيمان إن لنا 
               في غيـــهب الدهر آمالاً نوافيها 

ثم اتصلت أسبابي بأسبابه في الرياض العامرة المحروسة بإذن الله، حين اعتدت لقاءه في الأمسيات الثقافية، الدافئة المحببة، التي تقيمها ثلة من أهل الفضل والعلم، والأدب والكرم، والمنزلة والجاه، تفتح قلوبها قبل بيوتها لروادها، فيتلاقى الجميع على بساط من الأخوة والصفاء، والحوار العلمي، والشعر والنثر، فيسمعون ويستمعون، ويتفقون ويختلفون، ثم ينصرفون وفيهم تشوق إلى الأمسية التالية.

أول من بدأ هذا التقليد الجميل، تقليد الأمسيات الثقافية في البيوت، هو الأستاذ الراحل عبد العزيز الرفاعي رحمه الله وأعلى مكانته.

ثم سرت العدوى المحمودة، فتكاثرت الأمسيات، ومنها - على سبيل التمثيل لا الحصر - أمسية الدكتور راشد المبارك، وأمسية الشيخ عثمان الصالح، وأمسية الشيخ أحمد باجنيد، حفظهم الله، وجزاهم خيراً.

إن هذه الأمسيات وسام عقل، وفضل، ونبل، وذكاء، وأدب، وأريحية، وحكمة، على كاهل البدوية الحضرية الحسناء، مدينة الرياض.

في هذه الأمسيات صارت معرفتي بالأستاذ راضي أكبر.

لقد اقتربت منه، فوجدت فيه العلم الجم، والشعر المتألق، والثقافة الموسوعية، كما وجدت فيه روح المسلم، وطبع العربي، وطموح العصامي.

في بعض الأحيان يكون للإنسان من اسمه نصيب، فيبدو الأمر كما لو كان مصادفة، وهي ليست مصادفة، إنما هي قدر مكتوب، والأمثلة كثيرة، والمحتفى به اليوم واحد منها، فهو راضٍ وصدوق.

أيها الراحل الكريم: إن أمريكا التي تهاجر إليها بحاجة إلى أمثالك من أهل الدين، والعلم، والبيان، والإعلام، والمعرفة بالعقل الغربي ومنافذ التأثير فيه، والنفوذ الصهيوني، وأماكن قوته وضعفه، وأحوال الجالية المسلمة في أمريكا بما لها وما عليها.

وهذا الذي تملكه سوف يجعلك - بإذن الله - محامياً ناجحاً يدافع عن قضايا الدين والأمة،وداعياً حكيماً يدعو أمريكا ــ ومعه الآخرون من أمثاله ــ إلى الإسلام، فهي إذا اهتدت إليه ستحافظ على جميع مزاياها وإنجازاتها؛ بل ستزيد منها، كما أنها ستنجو به من مشكلاتها المستحكمة المتزايدة، ولا عجب، فهو خير كله، وعدل كله، وصواب كله، كيف لا وهو كلمة الله U الأخيرة إلى الناس؟ فامض إليها أيها الأخ الكريم مصطحباً صبر الدعاة، وعزم الرواد، وروح الفسيلة، وأمانة الهدهد، وأداء العصامي. حفظك الله ورعاك، ونفعك ونفع بك، ورفعك في الدارين مكاناً علياً.
-----------------------

أيها الراضي

إلى الصديق الكريم الأستاذ راضي صدوق - حفظه الله - الذي يستعد للسفر إلى أمريكا، ليواصل فيها جهاده المشكور من أجل دينه وأمته.

أيها الراضي الصدوقُ المصطفى 
               أنــت ذوقٌ وبـيــــــان ووفــــا
عِشتَ للعـــــلم الذي أشربته
               ســـــادناً بين يديـــه كلــــفا
مســـلمَ الروح نقياً مشــرقاً
               عربيّ الطبــــع حـراً أنفــا
وعلى يســــراك نلقى قلماً
               وعلى يمناك نلقى مصحفا
أصغراك الود في ريعــانه
               يصدقُ الإخوانَ جهراً وخفا
واهباً في فرحة غــــامرة
               شَهْده صِرْفاً وقلباً قد صفا
والقوافي حيةً نــــــاضرةً
               كالهزار النضر إِمّا عزفا
إنما المجد لحـــــر مؤمن
               عانق الصبر وصان الشرفا
ومضى أفراسُـــــه إقدامُه
               وهو حصن ما وهى وانكشفا
فكنِ السابقَ يرتـــاد العلا
               وكن الماضي إليـه شغفا
واصنع الخير ونضّر دربه
               واجعل العزم حساماً مرهفا
واجعل الإيمان درعاً سابغاً
               ورضا الرحمن دوماً هدفا
صانك الله وأعطاك المنى
               حالياتٍ كالدراري وكفى
***** 

أيها الراحل للغـرب الذي
               شفّ عن أحقــاده واقترفا
بيننـــا في خسّةٍ آثــــــامَه
               وعلينا كالبلايـــــا زحفــا
جاءنا تعدو به أطمــاعه
               وصليب وضلال عصفا
وحميَّـــا لوثةٍ مجنـــونةٍ
               صاغها التلمود فيما سلفا
جمّع الغازين من كل الدنا
               مرجلاً يغلي وعقلاً أجوفا
وشروراً مُشْرِعاتٍ نابها
               ورؤىً تهذي وقلباً أغلفا
خادعوا أنفسهم فانخدعوا
               يوم ظنّونا غدونا كسفا
يوم ظنونا حصيداً خامداً
               باكرته نسمة فانقصفا
وبقــــايا أمة مســلوبة
               لم تجد فيهم وفيها منصفا
تجرع الذل وترضى بطشهم 
               في صغار وتراه ترفـــا
قل لهم إنا وإن طال المدى
               غالِبوهم في صباح أزفا
قل لهم: من نحن ما أخلاقنا؟
               إنهـــا كانت وتبقى متحفا
للمروءات التي نحن بها
               روضةٌ طابت وربعٌ ما عفا
قل لهم إنا الحضارات زكا
               طلعها مؤتلفاً مختـــلفا
إننا الدين سيبقى غالبـاً
               حين يدعو قومه والأسيفا
إننا الباقون في عين العلا
               أمةً تحبو ونوراً ما انطفا
قل لهم ما أنت تدريه فقد
               يصل الحقَّ أمينٌ عرفا
وكنِ الهدهـــدَ فيه نبــأٌ
               للهدى يزجيه أنـّى طوفا
يحمل الخيرَ إلى طلاّبه
               مقبلاً مثلَ السنا منصرفا
هكذا علّمه إســــــلامُه
               مذْ رأى آلاءه فاغترفا
***** 

أنت راض وصــدوق إنها
               نعمت البشرى لشهم ما غفا
عن طلاب المجد يلقى باسماً 
               درةً حيــناً وحينـــاً صدفا
وهو ماض مثلما تهوى العلا
               وعلى الذروة منها عكــفا
صادقاً طلق المحيا راضياً
               جاز في عزم الأباة الأسفا
أسرجَ الصبرَ وأورى زَنْده
               في الأماسي قد توالت زلفا
لا تقل كيف؟ ففي آثــاره
               شـــاهد لما رآنــــا هتفا
إنه في كل نــــاد شمعة
               وشذا ضاع وقلب ما جفا
ولقد يغدو الفتى مثل اسمه
               صادق القول رضياً ثقفا
لا تقل بالغت واسأل أهله
               عنه واسأل صحبه والأحرفا
إنهم أشهــــاده غَــالَوا به
               وَدَعوْا للمحتفي والمحتفى
       *****
-------------------------
[1] هي إحدى الشهيدات الفلسطينيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة