الأحد، 30 يناير 2022

سالم مولى أبي حذيفة شهيد اليمامة

سالم مولى أبي حذيفة شهيد اليمامة

(1)
خالد – أُسَيد

"خالد وأسيد يتحدثان في حماسة"

"صوت المعركة يعلو"

خالد: هؤلاء المرتدون من جيش مسيلمة أحدثوا فينا مقتلة كبيرة يا أسيد.

أسيد: والله لو قتلونا حتى آخر رجل منا لما شككت قط أننا على الحق، وأنهم على الباطل يا خالد.

خالد: بارك الله فيك.. النصر لنا بإذن الله. كأني أرى مسيلمة قتيلاً، وجيشه مبدداً ضائعاً بين قتل وأسر وهزيمة إن شاء الله.

أسيد: إن شاء الله.

خالد: رحم الله زيد بن الخطاب!.. لقد حمل اللواء ومضى يتقدم به في نحور العدو حتى استشهد. "صمت" ترى من حمل رايتنا من بعده يا أسيد؟

أسيد: حملها سالم مولى أبي حذيفة، وهو الآن يرفعها ثابتاً كالطود في وجه المرتدين.

خالد: أرجو أن يكون سالم جديراً بحمل الراية في هذا اليوم المشهود.

أسيد: إنه لجديرٌ بذلك يا خالد.. أتدري ماذا جرى بينه وبين بعض المسلمين من الحديث في حمل الراية؟

خالد: يبدو أن عندك خبراً عن ذلك.

أسيد: صدق ظنك!.. حين حمل الراية قال له بعض المسلمين: يا سالم!.. إنا نخاف أن نُؤتى من قِبَلك.

خالد "متسائلاً غاضباً": أتلك قولة يُرمى بها سالم؟

أسيد: ما أحسن ما قال لهم سالم!.. إنه حقاً رجلٌ صادق الإيمان.

خالد: ماذا قال لهم؟

أسيد: قال لهم سالم: بئس حاملُ القرآن أنا إن أوتيتم من قِبَلي.

خالد "فرِحاً متحمساً": قولة عظيمة.. هو والله بها جدير.

أسيد "في صوت هادئ عميق": إي والله هو بها جدير!.. هو بها جدير!..

(2)
خالد – أُسَيد.. "صوت المعركة يعلو"

خالد: لقد كشفونا للمرة الثالثة يا أسيد.. إنهم مقاتلون أشداء.

أسيد: هي آخر قوتهم يا خالد.. ليكون لنا النصر بعد ذلك إن شاء الله.

خالد: أمَا إن قائدنا خالد بن الوليد لَقائدٌ بارع موفَّق، حقاً إنه سيف من سيوف الله.

أسيد: صدقت.. فعل من جديد فعله في المرتدين.

خالد: أجل، لمّا رأى المسلمين قد انكشفوا أعاد تنسيق جيشه وصرخ بالناس: امتازوا لنرى اليوم بلاء كل حي.

أسيد: إنه يريد أن تشبَّ الحماسة، إذ تجتمع كل طائفة وحدها فينكشف ممن البلاء وممن الضعف.

خالد "يدعو بصوت صارخ": اللَّهمَّ إنك تعلم أن المسلمين يجاهدون في سبيلك، اللَّهمَّ فأنزِل عليهم نصرك الكريم، واهزم مسيلمة وجنوده هزيمة نكراء.

أسيد: اللَّهمَّ آمين. "يعود صوت المعركة للاشتداد"

(3)
خالد - أسيد

خالد: ترى.. ماذا فعل سالم حامل الراية يا أسيد!؟

أسيد: ثبت ثبات الجبال الراسيات. ما أجدر أن يقال عنه: نِعمَ حامل القرآن سالم!!.

خالد "متحمساً متسائلاً": ما الأمر يا أسيد؟

أسيد: حين انكشف المسلمون للمرة الثالثة قال: ما هكذا كنا نقاتل مع الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم حفر لنفسه حفرة دخل فيها.

خالد "متحمساً": وبعد، ماذا جرى له؟

أسيد: ظلَّ في حفرته ومعه ثابت بن قيس يحمل الراية، ويجاهد في ضراوة حتى استشهد رحمه الله برمحٍ أوسطه.

(4)
صوت الراوي

الراوي: أيها المؤمن العظيم..

لَنِعمَ ما جاهدتَ في سبيل الله، ولَنِعمَ ما ثبتَّ وصمدتَ حتى اكتسبتَ الشهادة التي أنت بها جدير. كيف لا!؟ وأنت القائل: "بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلي".. بل نِعمَ حامل القرآن أنت يا سالم. لقد مضى سيفك صوّالاً في كتائب الردّة ليشهد الناس أن حامل القرآن الكريم هو قمة في الشجاعة والبطولة والفداء. أما إنك لملتقى للفضائل والمكرمات، يبثها الإسلام في ذويه فيصنع منهم العجائب. إيمانك عميق صادق ورجاؤك في الله مكين واثق، ويقينك نقي خالص. كنتَ مولى رقيقاً لأبي حذيفة جمعكما الإسلام على الإخاء الصادق والمودة العميقة حتى صرت تُدعى سالم بن أبي حذيفة، ذلك أن أخاك في الإسلام قد تبناك، وحين أبطل الإسلام عادة التبني بقيتَ معه أخوين في الله صادقين جاهدتما معاً، وضربتما في الأرض ترجوان ثواب الله حتى توفيتما في اليمامة شهيدين كريمين. لقد انتصر المسلمون في اليمامة، وقُتِلَ الدعيُّ الكذاب مسيلمة، وفيما المسلمون يتفقدون شهداءهم وجدوا سالماً في النزع الأخير فسألهم ما فعل أبو حذيفة؟ قالوا له: لقد استشهد! قال سالم: فأضجعوني إلى جواره. قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم. وهكذا وصل الصحابيان العظيمان إلى ما يرجوان. أسلما معاً، وجاهدا معاً، وأخيراً اسْتُشْهِدا معاً وهما يدافعان عن الإسلام أن تعصف به طائفة من الكذبة المغرورين.
*****

زيد بن الخطاب حافظ القرآن وحامل اللواء وشهيد اليمامة

زيد بن الخطاب حافظ القرآن وحامل اللواء وشهيد اليمامة

(1)
خالد – أسيد..

"يتحدثان بصوت يدل على الجدية والاهتمام"

خالد: إن وقفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وجه هؤلاء المرتدين، حفظت حوزة الإسلام يا أسيد.

أسيد: صدقت يا خالد، لولا أنه بادأهم بالهجوم لركبهم الغرور، وتجاوزوا الحد في الطغيان.

خالد: بل ربما سوّلت لهم أنفسهم أن يسارعوا إلى غزو المدينة ذاتها.

أسيد: في بادئ الأمر انفرد أبو بكر وحده بالعزم على قتال المرتدين، حتى إن عمر كان يخالفه في ذلك.

خالد: وبلغ الأمر درجة خطيرة حتى قال أبو بكر لعمر لائماً: أجبّارٌ في الجاهلية خوّارٌ في الإسلام!؟

أسيد: لكن المسلمين ما لبثوا أن وجدوا صحّة رأي أبي بكر فسارعوا إلى قتال المرتدين.

خالد: والحمد لله على ما أنعم، ها هي جيوش الخليفة أبي بكر قد قضت على معظمهم، وجيشنا الآن يقترب من ديار الكذاب مسيلمة لتقضي عليه بإذن الله.

أسيد: بإذن الله. "صمت"

خالد: من ذاك الرجل الواقف على التلِّ المواجه لنا؟

أسيد: دعني أمعن النظر.. "صمت".. أحسب أنه زيد بن الخطاب.

خالد "في لهجة متسائلة": زيد أخو عمر بن الخطاب؟

أسيد: أجل يا خالد.. إنه لمؤمنٌ عظيمٌ مجاهد. أتذكرُ ماذا فعل يوم أحُد؟

خالد "متسائلاً": ماذا فعل؟

أسيد: قال له عمر: خذ درعي يا أخي، لكنه أبى.

خالد "متسائلاً": عجباً.. ولِمَ يا أسيد؟

أسيد: كان فيه من الحرص على الشهادة مثل الذي في عمر.

خالد: وكيف؟

أسيد: ذلك أنه قال لأخيه عمر: أريد الشهادة مثل الذي تريد.

خالد: وماذا فعلا بالدرع؟

أسيد: تركاها معاً، وجاهدا بدونها.

خالد: مؤمنان عظيمان!.. "في صوت هادئ عميق".. مؤمنان عظيمان!.. "صمت"

أسيد: هل جهَّزتَ متاعك لاستئناف الرحيل يا خالد؟

خالد: أجل يا أسيد.

أسيد: أما أنا فبَقِيَ عليَّ شيء يسير، سأكمله الآن حتى لا أكون سبباً في التأخير حين يتحرك الجيش.

(2)
خالد – أسيد..

"صوت المعركة"

خالد: "في لهجة جادة" اللَّهمَّ نصرك المؤزر!.. اللَّهمَّ نصرك المؤزر!..

أسيد "في لهجة جادة": اللَّهمَّ آمين. "صمت" لقد اشتد القتال وما تراجع جيش مسيلمة بعد.

خالد: إنه لجيش كبير، لكن النصر لنا بإذن الله.

أسيد: بإذن الله. "صمت" مَن حامل رايتنا في هذه المعركة يا خالد؟

خالد: إنه زيد يا أسيد.

أسيد "متسائلاً": زيد بن الخطاب؟

خالد: أجل، زيد بن الخطاب نفسه الذي ترك الدرع يوم أحد طلباً للشهادة.

أسيد: بورك فيه.. إنه لجديرٌ حقاً بحمل راية المسلمين اليوم. "صوت المعركة يعلو"

خالد: يا أخي أسيد.. ها هي المعركة تشتد من جديد، هيا بنا نقتحم شدتها، ونقاتل بالقرب من زيد حامل اللواء عسى ألا نخطئ النصر أو الشهادة.. هيا بنا يا أسيد.

أسيد: هيا يا خالد.

(3)
صوتان: صوت مشرك، وآخر مسلم – خالد – أسيد

"صوت المعركة يعلو"

الصوت المسلم "بأعلى صوته": الثباتَ الثباتَ.. يا معشر المسلمين.. لا يهولنكم ما ترون من مسيلمة وجنوده، فوالله ليكونن لنا النصر المبين.

"يعود صوت المعركة إلى الارتفاع"

الصوت المشرك: يا جنود مسيلمة.. لقد انكشف جيش هؤلاء المسلمين فشددوا عليهم الهجوم حتى يرجع مغلوباً إلى يثرب.

"يعود صوت المعركة إلى الاشتداد"

"خالد وأسيد يتحدثان بحماسة"

خالد: لقد صبر المسلمون اليوم صبراً جميلاً يا أسيد.

أسيد: صدقت والله!.. يا خالد.. لكن جيش مسيلمة كالبحر.. لذا فقد اقتحم على المسلمين موقعهم حتى كشفهم. اللَّهمَّ عفوك، اللَّهمَّ عفوك. "يعلو صوت المعركة"

خالد: انظر إلى زيد بن الخطاب يا أسيد كيف يقاتل بضراوة وهو يحمل اللواء.

أسيد: لله أنت يا زيد من فارس!.. لله أنت!..

الصوت المسلم "يعلو من جديد": يا معشر المسلمين!.. لقد كشفتنا جنود مسيلمة، فباللّه عليكم إلا ما ثبتُّم وعاودتم الهجوم!.. يا معشر المسلمين!.. إن حامل رايتكم زيد يهتف: "أما الرحال فلا رحال، وأما الرجال فلا رجال". وهو يشتد بالراية يتقدم بها في نحور العدو فالحقوا به.

خالد "متحمساً": فلنلحق به يا أسيد.

أسيد: يدي في يدك حتى نكون إلى جواره "حركة انطلاق".

الصوت المسلم "يعلو مجدداً": يا معشر المسلمين إن زيداً حامل رايتكم يقول: "اللَّهمَّ إن أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأُ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل"، ويشد بالراية في نحور العدو، فالحقوا به. "صوت المعركة يعلو من جديد"

خالد: لله أنت يا ابن الخطاب!.. مثلك في الرجال قليل، انظر إليه يا أسيد يهدُّ المرتدين بسيفه هدّاً.

أسيد: على الرغم من جراحاته الكثيرة يا خالد، ها هي كوكبة من فرسان العدو تتجه إلى زيد. "صوت هجوم شديد يعلو ضجيجه بشكل مفاجئ، ثم يتوقف"

"ويعود أسيد وخالد للحديث في هدوء"

أسيد: لقد وقع زيد شهيداً يا خالد.

خالد: رحمك الله يا ابن الخطاب!.. تركت الدرع يوم أحُد طلباً للشهادة فادَّخرها الله لك في هذا اليوم المشهود.

أسيد: اللَّهمَّ تقبله عندك في الشهداء المبرورين، وألحِقنا به يا رب العالمين.
*****

أبو حازم الفقيه والخليفة سليمان بن عبد الملك

أبو حازم الفقيه والخليفة سليمان بن عبد الملك

(1)
سليمان بن عبد الملك – رجل

الرجل: كيف أصبحتَ اليومَ يا أميرَ المؤمنين؟

سليمان: بخير من الله وفضل، نسأله تعالى أن يقبل حَجَّنا، فهو وحده يعلم كم احتملنا في سفرنا هذا من مشاق.

الرجل: ما كان الله لِيُضيع عمل أحدٍ قط، إنه أرحم بنا من الأب والأم.

سليمان: صدقتَ والله!.. اللَّهمَّ تقبل منا ما كان صالحاً، وأصلح منا ما كان فاسداً، واجعلنا من الصالحين.

الرجل: اللَّهمَّ آمين.. اللَّهمَّ آمين.. "صمت قصير"

سليمان: ترى كيف الرعية؟ أهي بخير؟ أثَمَّةَ شكوى؟ هل هناك ظلامة؟

الرجل: الناس بخير يا مولاي، الأحوال هانئة، والرزق وفير، والعدل أخذ مجراه، وذلك هو فضل الله وكرمه.

سليمان: حمداً لله على ما أنعَم.

الرجل: والناس يا مولاي يدعون لك، ويذكرونك بخير.. كثيراً ما سمعتُ من يدعو قائلاً: اللَّهمَّ احفظ أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وأيِّدهُ وانصره.

سليمان: ذلك فضل الله عليَّ. "في صوت ضارع" ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعملَ صالحاً ترضاه. "صمت قصير، ثم سليمان يتحدث".

سليمان: ارفقوا بالحجاج وأحسِنوا إليهم.

الرجل: أمرُ مولاي.

سليمان: وابذلوا لأهل مكة المكرمة كل عون هم بحاجة إليه، فهم جيران بيت الله عز وجل.

الرجل: بارك الله فيك يا مولاي، سنفعل ذلك إن شاء الله.

سليمان "بعد صمت قصير": ترى من هو اليوم عالمُ مكة الكبير؟

الرجل: إنه أبو حازم يا أمير المؤمنين.

سليمان: أجد نفسي بحاجةٍ إليه.. فقد حاك في نفسي شيء، وأجدني ثقيل الفؤاد، فلعله يمحو ذلك عني.

الرجل: أنرسِلُ في طلبه يا أميرَ المؤمنين؟

سليمان: أجل..! أرسلوا في طلبه، وترفقوا به ولا تُرَوِّعوه.

الرجل: في الحال يا أمير المؤمنين.

(2)
سليمان بن عبد الملك - أبو حازم - الرجل

سليمان وهو يتحدث بصوت هادئ يدل على احترامه لأبي حازم. وأبو حازم يتحدث بصوت رجل واثق من نفسه رزين هادئ.

أبو حازم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سليمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحباً بك يا أبا حازم.. مرحباً بك.

أبو حازم: مرحباً بك يا أمير المؤمنين، قبِلَ الله منك حجَّك هذا ووفقك لطاعته، وساق على يديك الخير.

سليمان: بورك فيك يا أبا حازم، وجزيت خيراً.

أبو حازم: وفيك يا أمير المؤمنين.

سليمان: يا أبا حازم، لقد حاك في نفسي شيء، ووجدتُني ثقيل الفؤاد فأرسلتُ أسألك.

أبو حازم: سَلْ عمَّا بدا لك.

سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟

أبو حازم "بعد صمتٍ قصير": لأنكم خربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.

سليمان "يردد في صوت حالم": من العمران إلى الخراب.. من العمران إلى الخراب.. "ثم يسأل أبا حازم"

يا أبا حازم.. كيف القدومُ على الله؟

أبو حازم: يا أمير المؤمنين، أما المحسن فكالغائب يقدُمُ على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.

سليمان "يبكي": ليت شعري ما لي عند الله؟

أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله تعالى حيث قال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار:13-14].

سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟

أبو حازم: قريبٌ من المحسنين.

سليمان: فأي عباد الله أكرمُ يا أبا حازم؟

أبو حازم: أهل البر والتقوى يا أمير المؤمنين.

سليمان: فأي الأعمال أفضل؟

أبو حازم: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.

سليمان: فأي الكلام أسمع؟

أبو حازم: قولُ الحق عند من تخاف وترجو.

سليمان: فأي الناس أخسر؟

أبو حازم: رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره.

"صمت قصير"

سليمان: والله!.. لقد صدقت يا أبا حازم، ومثلك يَصْدُق، النقلة من العمران إلى الخراب ثقيلة شاقة.. "يغلبه البكاء فيبكي" وقد عمرنا دنيانا وخربنا آخرتنا.. "يبكي"

الرجل "في صوت فيه عتب ولوم": ما هذا يا أبا حازم؟ لقد أبكيت أمير المؤمنين.

أبو حازم: بكاؤه مع من يريد له الخير، أفضل من ضحكه مع من يريد أن يتخذه سُلَّماً لمطامعه.

الرجل: كأنك تُعرِّضُ بنا يا أبا حازم.

أبو حازم: إنما هي قولة حق، وإنما تصيب من يقع تحت طائلتها.

الرجل "غاضباً": أكثرتَ أكثرتَ.. يا أبا حازم، أبكيتَ أمير المؤمنين واتَّهمتَ جُلساءه.

أبو حازم "غاضباً": إنها كلمة حق لا بد لي من قولها، فإن الله عز وجل قد أخذ الميثاق على العلماء ليبينُنَّه للناس ولا يكتمونه "صمت"

"في هدوء": اللَّهمَّ ارزقنا الحق، وثبتنا عليه، ووفقنا لإبلاغه والجهر به حيث نكون.
*****

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (2)

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (2)

(1)
مرثد بن أبي مرثد – جماعة من المشركين

مرثد "بصوت هادئ هامس": اللَّهمَّ إنك تعلم أني خرجت إلى مكة لفك هذا الأسير المسلم طلباً لرضاك.. اللَّهمَّ لا تجعل لهؤلاء المشركين سبيلاً علي.

"يأخذ المشركون في الحديث بصوتٍ عالٍ يدل على الجدية"

الأول: عارٌ علينا أن يفوتنا مرثد بن أبي مرثد.

الثاني: لقد أحسنت عناق إذ أنذرتنا به.

الثالث: لكنه كان سريعاً في العدْوِ ففاتنا.

الأول: أين يهرب منا مرثد هذه المرة؟ جاءت ساعة الانتقام منه، فطالما عبث بنا وسخر إذ يدخل متسللاً إلى مكة، فيخطف من يخطف من أسرى هؤلاء الصابئين أتباع محمد.

الثاني: إن سيفي ظمآن إلى دمه.

الثالث: ترى.. ألا يمكن أن يكون في ذلك الكهف الذي يواجهنا!؟

الأول: ربما لجأ إليه.

الثاني: هيا إليه إذن.

الثالث: هيا.. "حركة أقدام على الأرض"

مرثد "يحدث نفسه بهدوء": اللَّهمَّ ها هم قد اقتربوا من الكهف حيث أختبئ الآن. اللَّهمَّ أَعْمِ أبصارهم عني، اللَّهمَّ لا تجعل لهم سبيلاً عليَّ.

"يعود المشركون الثلاثة للحديث"

الأول: ترى.. أيبصرُ أحدكم شيئاً يا قوم!؟

الثاني: أما أنا فلا أرى شيئاً.

الثالث: وكذلك أنا لا أرى شيئاً.

الأول: ربما دخل هذا الكهف أول مطاردتنا له، ثم خرج منه إلى مكان آخر.

الثاني: ويل لك يا مرثد إن وقعت بين أيدينا!..

الثالث: ستكون آخر مرة يبعث بها محمد رجلاً من أتباعه ليعبث بنا في مكة.

الأول: إلّا إذا أحب المبعوث الجديد أن يرى جثة مرثد.

الثاني: وسيكون هذا حسناً.

الثالث: وكيف؟

الثاني: لأنه سيحدِّث أصحابه بالأمر فلا يجرؤ أحد على القدوم.

الأول: اسمعوا، فليذهب كل منا في جهة، وليبحث عن مرثد عسى أن نظفر به.. هيَّا يا قوم.

الآخران: هيَّا.. هيَّا..

مرثد "يحدث نفسه بهدوء": اللَّهمَّ لك الحمد.. أعميتَ أبصارهم عني فما وصلوا إليَّ، شكراً لك يا رب.. شكراً. "صمت" والله لأذهبن الليلة إلى حيث أسيرنا المقيد عند جبل أبي قبيس فلأخطفنه ولأذهبن به سريعاً، وليقتل الغضب قريشاً عند ذاك.

(2)
مرثد – الأسير المقيد

الأسير "يدعو بصوت ضارع": اللَّهمَّ فكَّ عني هذه الأغلال "صوت السلاسل" وأحسن خلاصي من هذه المحنة.. وهيئ لي أن ألْحَقَ برسولك الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. "يسمع صوت زحف على الأرض"

مرثد "بصوت هامس": لقد استجاب الله دعاءك يا أخي.

الأسير "مندهشاً": ها.. مَنْ؟

مرثد "هامساً": أخوك في الإسلام مرثد بن أبي مرثد.

الأسير "هامساً": مرحباً بك يا أخي.. مرحباً.. لقد جاءني من أرسلت إليَّ يخبرني أنك ستأتيني آخر الليل لتفك عني هذه القيود ونذهب معاً إلى المدينة المنورة.

مرثد "هامساً": الحمد لله.. ها قد جئتك يا أخي.

الأسير "هامساً": لكن أرى أن تهرب الليلة وتأتي في يوم آخر.

مرثد "هامساً": ولِمَ يا أخي؟

الأسير "هامساً": لقد نذرتْ بك قريش، فهي تترصد خطاك يا مرثد.

مرثد "هامساً": أعلم ذلك يا أخي، فلقد طاردتني جماعة منهم ولجأتُ إلى كهف وهُم ورائي.

الأسير "هامساً": وبعد، كيف نجوتَ منهم؟

مرثد "هامساً": الله أنجاني يا أخي برحمته، فقد وصلوا الكهف الذي كنتُ فيه وسمعتُهم يتحدثون، وسمعتُ وقع أقدامهم على الأرض عند مدخله، لكنَّ الله أعماهم فما رأوني.

الأسير "هامساً": الحمد لله على نعمته.

مرثد: لقد انتظرتُ حتى هدأت مكة تماماً وجئتك. سأحملك إلى مكان آمن حيث أكسر قيودك، ثم نمضي معاً.

الأسير: لكن لا بد أن قريشاً قد بثت العيون والحرس.

مرثد: نحن في حماية الله عز وجل، ولئن كان قتال.. لنقتلنَّ منهم الكثير قبل أن يصلوا إلينا. سأحملك الآن، فادع الله معي أن يُذهِب عنا العيون والحراس.

الأسير: اللَّهمَّ إنا في حمايتك فأذهِب عنا العيون والحراس.

مرثد: اللَّهمَّ آمين. سأحملك الآن "صوت السلاسل، ثم صوت وقع الأقدام" اللَّهمَّ عونك.

(3)

مرثد – الأسير

مرثد "بصوت يدل على التعب": الحمد لله يا أخي، نحن الآن في مكان آمن.

الأسير: الحمد لله.

مرثد: ضع قيد يديك على هذه الصخرة.

"صوت حركة وقعقعة"

الأسير: ها قد وضعتُه.

مرثد: ضربة واحدة وينكسر. "صوت ضربة شديدة" الحمد لله فقد انكسر قيد اليدين. ضع الآن قيد رجليك.

"صوت حركة وقعقعة"

الأسير: ها قد وضعتُه.

مرثد: وهذه ضربة قوية. "صوت ضربة شديدة" تكَسَّرَ هذا القيد.

الأسير: الحمد لله.. إني الآن طليق.

مرثد: اسمع يا أخي!.. إنَّ ناقتين نجيبتين أخفيتهما في ذلك الشعب سنذهب إليهما الآن سراعاً، ونرحل في الحال قبل طلوع النهار.

الأسير: بارك الله فيك، وجزاك خيراً.

مرثد: وسيفرح بك رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الأسير يكرر الصلاة"

الأسير: صدقت.

مرثد: وسوف تنشقُّ أكباد قريشٍ من الغيظ. "يضحكان".. اللَّهمَّ لك الحمد، اللَّهمَّ لك الحمد.

الأسير: فلنذهب سراعاً.

مرثد: في الحال. وندع لقريشٍ هذا القيد المحطم هزءاً وسخرية.

الأسير: ودرساً لها لِتَعلَمَ أيّ رجالٍ همُ المسلمين.
*****

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (1)

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (1)

(1)
مرثد بن أبي مرثد – رجل

مرثد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرجل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

مرثد "في صوت هامس يسأل": كيف حال إخوتنا المُستَضعَفين في مكة؟

الرجل: كان الله في عونهم يا مرثد. إنهم يعانون من بطشِ قريشٍ وعنادها.. "صمت.. ثم الرجل يتحدث في صوت حزين": أنتم تعيشون في المدينة المنورة مع الرسول صلى الله عليه وسلم "مرثد يكرر الصلاة" منذ هاجرتم، ونحن الذين عجزنا عن الهجرة نعيش ونُقاسي من ظلم قريش.

مرثد: كان الله في عونكم يا أخي!.. سيجعل الله لكم فرَجاً ومَخلَصاً.

الرجل: نحن –المسلمين- الذين نعيش في مكة يا مرثد، ولا نستطيع الهجرة.. إنما نعيش على هذا الأمل، أمل الفرج والنجاة. قريش تحبس أكثرنا أن يهاجر، ونحن إزاءها ضعفاء مغلوبون.

مرثد: لا عليك يا أخي.. إن دين الله غالب. كأني والله أنظر إلى مكة وقد دخَلَتْ في الإسلام في يومٍ قريب إن شاء الله.

الرجل: إن شاء الله.

مرثد: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرجل يكرر الصلاة" غير ناسٍ لكم أبداً.

الرجل: معاذ الله أن ينسانا.

مرثد: وهأنذا قد أُوكِلَتْ إليَّ مهمة نقل من أستطيع من أسرى المسلمين المستضعفين من مكة إلى المدينة.

الرجل: إن عملك هذا خطير، "صمت" لقد تَرامى إلى مسامع قريش ما تقومُ به، فهي تحاولُ أسرَكَ أو قَتلَك.

مرثد: لن يثنيني عن القيام بعملي هذا تهديد قريش. ولئن قُتِلتُ فإنها الشهادة يا أخي "صمت" وأنت يا أخي نِعمَ العون لي فيما أقومُ به. فأنت مسلمٌ مِن أهل مكة تستخفي بدِينك، وتعينني فيما أفعل.

الرجل: نسأل الله عز وجل رضاه.

مرثد: فاحذر يا أخي أن يسمع أحد من قريش بأنك تعينني في عملي، أو أنك تُقابِلني، فذلك يسبب لك الأذى، كما أنه يعطل عملنا في إنقاذ إخواننا.

الرجل: صدقت.

مرثد: والآن.. أين أخونا الأسير الذي سنحاول إنقاذه هذه المرة؟

الرجل: في الفناء الواسع أسفل جبل أبي قبيس مقيدٌ بالسلاسل.

مرثد: قل له: إني سآتيه آخر هذه الليلة لأفك قيوده، ثم نذهب معاً خفيةً إلى أحد الشعاب القريبة من مكة، حيث ربطتُ ناقتين نجيبتين، فنهرب عليهما إلى المدينة المنورة إن شاء الله.

الرجل: سأفعل يا أخي.

مرثد: قم فانطلق الآن حذار أن يراك أحد معي.

الرجل: السلام عليكم.

مرثد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(2)
مرثد – امرأة اسمها عناق

عناق "في صوت كأنها تحدث نفسها": مَنْ هذا الرجل المستخفي بالظلام كأنه يتوارى عن الأنظار؟ "يسمع صوت خطى هادئة"

"عناق تواصل حديثها": كأنها خطوات رجل أعرفه من قبل..

"يسمع صوت الخطى بشكل أوضح"

"عناق تكمل حديثها": كأنه مرثد.. "صمت" إي والله إنه مرثد بن أبي مرثد. "بصوتٍ عال": يا مرثد، تعال يا مرثد، لا تخَفْ فإني عناق.

مرثد "بصوت هادئ": عناق، ما الذي تفعلينه هاهنا؟

عناق: ما الذي أفعله أنا؟ "تضحك" أهذا سؤالٌ يُلقى إليَّ؟ بل أنت ماذا تفعل هنا يا مرثد؟

مرثد "في هدوء": لا شيء.. جئتُ لبعض شأني في مكة.

عناق: أتحاول خداعي؟ أهل مكة يعلمون أنك تعمل على اختطاف أسرى المسلمين من مكة والهرب بهم إلى المدينة "تتحدث في صوت هادئ كأنها تُسِرُّ له بأمر خاص" اسمع يا مرثد، حاذر أن يراك أحدٌ من أهل مكة، تعال معي أخفيك عندي.

مرثد: هيه.. إلى أين؟

عناق "في صوتها نفسه": إلى منزلي، فلا يراك أحد، وتقضي ليلة ممتعة.

مرثد: لا يا عناق!.. أوَلا تعلمين أن الإسلام يحرم ما تدعوني إليه؟

عناق: لا عليك يا رجل، ليلة واحدة وتمضي لشأنك "هامسة" في اختطاف أسرى المسلمين.

مرثد: لا والله، لن أجيبكِ إلى ما تريدين.

عناق "في صوت حازم عالٍ": لئن لم تفعل ذلك لأجمعن عليك رجال قريش.

مرثد: ويحكِ يا عناق!.. لا تفعلي ذلك.

عناق: سأصرخ بأعلى صوتي إنْ لم تفعل.

مرثد: اسمعي يا امرأة، والله لو اجتمع عليَّ الناس كلهم فقطَّعوني مزقاً مزقاً ما فعلتُ ما تريدين مني من حرام.

عناق "بصوت حازم": أنت تبحث بذلك عن الهلاك.

مرثد: لا تكوني حمقاء يا امرأة!.. اذهبي لشأنِك، ودعيني وشأني.

عناق "بصوت حازم": لن أفعل يا خاطف الأسرى المكبلين.. صرخة واحدة تجمع عليك رجال قريش.

مرثد: أفوِّض أمري إلى الله.. اللَّهمَّ أعِنِّي واسترني. "صوت خطاه وهو يركض هارباً"

عناق "بأعلى صوتها": يا معشر قريش هذا مرثد بن أبي مرثد الذي عنه تبحثون، الحقوا به، لا يفوتنَّكم، لا يفوتنَّكم خاطف الأسرى إلى يثرب.

"أصوات تتلاحق تدل على الجدية والاهتمام"

- لا يفوتنَّكم مرثد يا قوم.

- لنقتله شر قتلة.

- سارعوا إلى اللحاق به.

- عناق تقول: إنه هرب في ذلك الدرب المواجه لنا.

- هيا الحقوا به.

- وقع مرثد بين أيدينا هذه المرة.

صوت خطى كثيرة على الأرض، وصوت مَنْ يقول: الحقوا به، أمسكوه.

مرثد "يحدِّث نفسه بصوت مبهور منقطع الأنفاس من التعب":

ويلٌ لهذه المرأة البغي الفاجرة!.. ويل لها!.. الحمد لله أن وصلتُ إلى هذه المغارة دون أن يراني القوم.

"في صوتٍ أهدأ يدل على الحزم":

سأظل في مغارتي هذه حتى ينقطع عليَّ الطلب، ولأعودنَّ إلى الأسير المُقيَّد، لأفكن عنه الأغلال، ولنهربنَّ معاً إلى المدينة، ولتبوأنَّ قريش وعناق بالخزي والهزيمة.
*****

عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

(1)
فيروز الديلمي – رجل

فيروز: إن الرحلة من اليمن إلى المدينة المنورة طويلة متعِبة.

الرجل: صدقت يا فيروز.. لكنها في سبيل الله تهون.

فيروز: في سبيل الله تهون.. ويهون ما هو أشد منها وأعظم.

الرجل: الحمد لله الذي هدانا لسبيله القويم، وجعلنا ممن يبتغون رضاه.

فيروز: الحمد لله. "صمت" لقد كان مقامنا باليمن طيباً، لكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب يطلب قدومنا إليه.

الرجل: عجيبٌ والله هذا الرجل، كأنه لا تفوته شاردة ولا واردة من شؤون المسلمين.

فيروز: إي والله عجيبٌ جدُّ عجيب. وإلّا فما أدراه بحالي في اليمن!؟ أتدري ماذا كتب لي!؟

الرجل: ماذا كتب؟

فيروز: كتب يقول لي: أما بعد، فقد بلغني أنه شَغَلَكَ أكل اللباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله فاغزُ في سبيل الله.

فيروز والرجل: يضحكان معاً.

الرجل: خليفةٌ عظيمٌ والله.

فيروز: ندَرَ في الرجال مثلك يا عمر.

الرجل: أن يكتب إليك يا فيروز يدعوك للغزو في سبيل الله فهو أمر طيب، وفي غاية النباهة!.

فيروز "يضحك": لكنه ليس في الحساب أن يكتب لي عن أكلي العسل كأني فعلتُ ما يسوء.

الرجل: وحسابه هذا مصداق على يقظته وحرصه ومعرفته بأمور الرعية، وإنه لطيبٌ هو الآخر.

فيروز: إي والله طيبٌ جدُّ طيب، أكرم بعمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين لا تفوته من أحوالهم فائتة.

الرجل: وهو على شِدَّته أحنى عليهم من الأم والأب.

فيروز: لا بد أن أمير المؤمنين فكَّر في أمري كثيراً، وهو يعرف أني ديلمي في الأصل، فقال لنفسه: هذا رجل ديلمي، عاش في النعيم والجاه، وهو برغم إسلامه يحبُّ حياة الدعة والترف.. وبلغه أكلي اللباب بالعسل "يضحك" فكتب إليَّ يدعوني للغزو في سبيل الله.

الرجل: إنما أراد لك الخير يا فيروز.

فيروز: صدقت والله.. أراد لي من ناحية أن أنجو من حياة القعود والترف، وأراد لي من ناحية ثانية ثواب المجاهدين. بورك فيك يا ابن الخطاب وجزاك عنا خير الجزاء.

الرجل: إنه لَيعرِفُ أقدار الرجال، ولا يغيب عنه أنك قتلت الأسود العنسي الكذاب.

فيروز: إنما كان قتلي للأسود العنسي ابتغاء ثواب الله عز وجل.

الرجل: بارك الله فيك وتقبل منك. إن خبراً كهذا لا ينساه عمر.

فيروز "في لهجة متسائلة منكِرة": ينساه عمر!؟ الأقل من هذا بكثير لا ينساه.. رجلٌ عظيمٌ حقاً، وأميرٌ للمؤمنين دؤوبٌ على مصالحهم.

الرجل: كالنحلة التي لا تعرف الكسل.

فيروز "ضاحكاً": ويحك يا رجل، أتريد أن تعود إلى حديث النحل والعسل الذي كنت آكله باللباب في اليمن؟ "يضحكان" ترى متى نصل إلى المدينة؟

الرجل: غداً نكون في المدينة إن شاء الله ونقابل عمر.

فيروز: إن شاء الله.

(2)
فيروز – فتى من قريش – خادم لعمر

فيروز: هل أذِنَ لي أمير المؤمنين؟

الخادم: أجل يا فيروز.. هيا ادخل. "صوت حركة"

الفتى: "غاضباً" ألا أدخل أنا؟

الخادم: بل انتظر قليلاً.

الفتى: لأدخلن، وقبل فيروز أيضاً. "حركة وجلبة، ثم الفتى يتحدث غاضباً".. ابتعد يا فيروز فإني داخل قبلك.

فيروز "غاضباً": بل أنا أولاً.

الفتى: بل أنا.. "حركة وهياج ومدافعة"

فيروز: أتزاحِمني أيها الفتى وقد أذِنَ لي الخليفة قبلك؟

الفتى "غاضباً": أزاحمك!.. أجل.. أزاحمك فافعل ما تريد.

فيروز: إذن فخُذْ. "صوت لطمة شديدة"

"جلبة وضوضاء وحديث متداخل": لطمة شديدة.. لِمَ فعلتَ ذلك يا فيروز؟.. ما كان لهذا الفتى أن يزاحمه.. لقد أدمتِ الضربة أنف الفتى.

الفتى "بصوتٍ عال": يا أمير المؤمنين.. فيروز الديلمي اعتدى عليَّ وأنا ببابك.

الخادم: تعال فادخلْ.. فاعرض على أمير المؤمنين شكواك. وأنت يا فيروز انتظر ولا تنصرف، وأنتم انصرفوا يرحمكم الله.

(3)
رجلان يتحدثان

الأول: أسمعت بخبر فيروز؟

الثاني: أجل سمعت، فما الذي فعله الخليفة عمر؟

الأول: سأل فيروز قائلاً له: ما هذا يا فيروز؟

الثاني: وبِمَ أجاب فيروز؟

الأول: كانت إجابته لبِقةً ذكية، لكنها لم تُخلِّصهُ من العقاب. لقد قال لعمر: إنك كتبت إليَّ ولم تكتب إليه، وأذنتَ لي بالدخول ولَمْ تأذن له، وأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك.

الثاني: وبِمَ أجاب عمر؟

الأول: قال له: القصاص. قال فيروز: لا بد!؟ قال عمر: لا بد.

الثاني: وبعد ماذا حدث؟

الأول: جثا فيروز على ركبتيه، وقام الفتى ليقتصَّ منه، فقال له عمر: على رِسْلك أيها الفتى حتى أخبِرَك بشيء سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة"، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة" ذاتَ غداةٍ وهو يقول: (قُتِلَ الأسودُ العنسيُّ الكذاب، قتلهُ العبد الصالح فيروز الدَّيلَمِي) أفَتَراكَ مُقتَصّاً منه بعدَ أن سمعتَ هذا؟

الثاني: فما فعل الفتى بعد ذاك؟

الأول: لقد قال لعمر: يا أمير المؤمنين قد عفوتُ عنه بعد أن أخبرتَني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا. "الثاني يكرر الصلاة"

الثاني "متحمساً": بارك الله في هذا الفتى. "في لهجة سائلة" وفيروز ماذا كان منه؟

الأول: قال فيروز لعمر: إنْ كان عفوُه عفوَ امرئٍ غيرِ مُستكرَه أهو مُخرِجي من الإثم يا أمير المؤمنين؟ قال له عمر: نعم يا فيروز.

الثاني "في لهجة سائلة": وبعد؟

الأول: قال فيروز: فأشهِدُكَ يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفاً من مالي هبة لهذا الفتى الكريم.
*****

بطولة عكرمة بن أبي جهل في اليرموك

بطولة عكرمة بن أبي جهل في اليرموك

(1)
عكرمة بن أبي جهل – الحارث بن هشام – عمرو بن عكرمة

عكرمة "يقرأ في صوت خاشع: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:169-171] صدق الله العظيم. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عمرو: أبي عكرمة، أراك محزوناً ساهماً شارد النظرات.

عكرمة: صدقت يا بني، إن أباك عكرمة محزون ساهم شارد النظرات.

عمرو: وما الأمر يا أبي؟

عكرمة: يا ولدي عمرو!.. إنَّ أباك قاتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرو والحارث يكرران الصلاة" في مواطن كثيرة، وصدَّ عن سبيل الله كثيراً.. وقد تذكَّرَ اليومَ ذلك كله فحزن وندِم.

عمرو: لكننا نعرف أن الإسلام يجبُّ ما قبله.

عكرمة: صدقت يا بُني، وذلك عزاؤنا وسلوانا.

عمرو: وعمي الحارث بن هشام محزون ساهم هو الآخر، ما له يا أبي؟

عكرمة: سَلْهُ يا بني، إنه إلى جوارك.

عمرو: مالك يا عمّاه؟

الحارث: يا ابن أخي، إنَّ بي مثل الذي بوالدك. هنيئاً لك يا عمرو أَنْ لم تصد عن سبيل الله كما صدَّ أبوك عكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام.

عكرمة: الإسلام يجبُّ ما قبله. هذا صحيحٌ يا بُني. لكنني لا أرى دواءً لي كالشهادة في سبيل الله. والله إن فزتُ بها إني إذن لَسعيد. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

الحارث: وأنا كذلك.. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عمرو: وأنا أيضاً أريد مثل الذي تُريدان، اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عكرمة: لقد خرجتُ من مكة المكرمة إلى الشام وليس في نيتي العودة قط. "صمت قصير".

الحارث: ترى ماذا فعل خالد بن الوليد؟

عكرمة: يرتِّبُ الجيش، ويُعِدُّ لكل أمرٍ عدته.

الحارث: لكن جيش الروم كثيرٌ يا عكرمة.

عكرمة: نحن بالإسلام أقوى وأعز.

الحارث: صدقت!.. "صمت" إن يوم اليرموك له ما بعده. اللَّهمَّ أنزل على المسلمين نصرك.

عمرو وعكرمة: اللَّهمَّ آمين.

عكرمة: واجعلنا في هذا اليوم من الشهداء يا رب العالمين.

عمرو والحارث: اللَّهمَّ آمين.

عكرمة "في صوت هادئ كأنه يناجي نفسه": من يدري!؟.. فقد تكون هذه آخر ليلة في العمر، غداً تبدأ معركة اليرموك، وعسى أن أفوز فيها بالشهادة.

(2)
رجلان من المسلمين يتحدثان بحماسة هما أسامة ومعاذ – صوت مسلم ينادي

"صوت المعركة عالياً"

المنادي: يا معشر المسلمين!.. لا يهولنَّكم كثرة الروم، فإن الله ناصرنا عليهم ما صبَرنا وأطعنا.

"يشتد صوت المعركة"

أسامة: لقد هجم الروم هجوماً شديداً يا معاذ.

معاذ: ليس هذا أول هجوم شديد لهم يا أسامة ينتهي إلى إخفاق.

أسامة: صفوفنا بحمد الله ثابتة ثبات الجبال.

معاذ: إنه فضل الله علينا.

أسامة: لكننا لم نجد ثغرة في صفوف الروم ننفذ إليهم منها.

معاذ: الثغرة لا توجد يا أسامة هكذا، إنما نصنعها نحن بإقدامنا وحسن تصرف قائدنا.

أسامة: صدقت، أما الإقدام فإنَّ لنا فيه الحظ الأوفى.

معاذ: وتصرف قائدنا؟

أسامة: حكيم عظيم، حسبك أن جيشنا يقوده خالد بن الوليد.

معاذ: سيف الله حقاً كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسامة يكرر الصلاة"

أسامة: فأين الثغرة إذن؟

معاذ: لا أدري أين مكانها وزمانها من تدبير خالد، لكني واثق أننا سوف نصنعها بإذن الله.

أسامة: بإذن الله.

(3)
عكرمة بن أبي جهل – عمرو بن عكرمة – الحارث بن هشام

عكرمة "في صوت هادئ كأنه يفكر وحده": طالت معركة اليرموك، حقاً لم يكسب الروم من هجومهم شيئاً. لكننا نحن المسلمين لم نستطع حتى الآن النفاذ إلى أعماق صفوفهم.

عمرو: تُرى كيف لنا بمثل هذا النفاذ يا أبي!؟

الحارث: إنما يسهل اقتحام الحصن إنْ أُحْدِثت فيه ثغرة.

عكرمة "فرحاً متحمساً": صدقت يا عماه. لقد أتيت بها، إنما نحن بحاجة إلى ثغرة في صفوف الروم.

الحارث: ومن لنا بها يا عكرمة؟

عكرمة: غيرك يقول هذا يا عماه.

الحارث: ولِمَ يا ابن أخي؟

عكرمة: أنت تراني مشغولاً بالأمر، وأنت كذلك، وابني عمرو مشغولٌ هو الآخر.

الحارث: صدقت.

عكرمة: فلا بد إذن أن هناك كثيرين من المسلمين في جيشنا هذا مشغولين بالأمر شُغْلَنا نحن.

عمرو: صدقت يا أبتاه.

عكرمة: غداً حين يحمي الوطيس سأهتف: من يبايع على الموت؟ فإذا اجتمع عدد طيبٌ هان أمر الثغرة بإذن الله.

الحارث: فأنا يا ابن أخي أول من يبايعك على الموت منذ الآن.

عمرو: وأنا كذلك يا أبتاه.

عكرمة: بورك فيك يا عماه!.. بورك فيك يا ولدي!.. "في صوت هادئ كأنه يناجي نفسه" اللَّهمَّ إنا نسألك أن تنصرنا غداً على الروم نصراً مؤزراً، وأن تميتنا شهداء صادقين.

عمرو والحارث: اللَّهمَّ آمين، اللَّهمَّ آمين.

(4)
عكرمة – عمرو – الحارث – جماعة المسلمين

"يسمع صوت المعركة عالياً" "يدور الحديث في حماسة"

عكرمة "ينادي": من يبايع على الموت!؟

رجل مسلم: أنا أبايعك على الموت يا عكرمة.

رجل ثانٍ: وأنا كذلك.

رجل ثالث: وأنا كذلك.

الحارث: بارك الله في إخواننا هؤلاء. ما كدتَ يا عكرمة تنادي من يبايع على الموت حتى انهالوا عليك من كل مكان. أما نهجم الآن يا ابن أخي لنفتح الثغرة.

عكرمة: بلى يا عم.. ولكن دعني الآن أكرر النداء قبل أن نهاجم قلب الجيش الرومي.

"صوته عالياً متحمساً مؤثراً": يا معشر المسلمين من يبايع على الموت!؟ يا معشر المسلمين من يبايع على الموت!؟

أصوات "مختلفة متداخلة": لبيك يا عكرمة.. مرحباً بالموت في سبيل الله.. نحن نبايعك فاهجم بنا حيث تريد.

عكرمة "يبكي": بارك الله فيكم يا قوم. "في لهجة تساؤلٍ وإنكار" قاتلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة وأفِرُّ اليوم!؟ لا.. والله لن يكون ذلك.

"صوته عالياً": يا معشر من بايع على الموت!.. أترون قلب الجيش الرومي ذاك.. فنحن هاجمون عليه هجمة واحدة.

"صوته عالياً": الله أكبر، إني لَأجدُ ريح الجنة والله، الحقوا بي فإني منطلق. "صوت جوادٍ يعدو"

الحارث: وأنا معك يا ابن أخي.. "صوت جوادٍ يعدو"

عمرو: وأنا معك يا أبتاه.. "صوت جوادٍ يعدو"

أصوات "متداخلة في حماسة": وراءَهم يا قوم.. الله أكبر.. يمِّموا وجوهكم حيث ذهب عكرمة.

"يعلو صوت المعركة"

(5)
عكرمة – رجل من المسلمين

"يدور الحديث في هدوء من قبل الرجل، وفي ضعفٍ وتقطُّع من قبل عكرمة"

الرجل: بارك الله فيك يا عكرمة.

عكرمة "بصوت ضعيف متقطع": وفيك يا أخي.

الرجل: لقد كان لِما فعلتَ أنت ومَن بايعَ على الموت أقوى الأثر في انتصارنا.

عكرمة: إذن فقد.. انتصر.. المسلمون.. الحمد.. لله.. الحمد.. لله.

ما فعل عمي.. الحارث.. وابني.. عمرو؟

الرجل: هنيئاً لهما الشهادة، وهنيئاً لك.

عكرمة: الحمد لله.. نصرٌ للمسلمين مؤزَّر.. وشهادة.. لنا.. نحن.. الثلاثة.. "يضعف صوت" أشهد.. أن.. لا إله.. إلا الله.. وأشهد.. أن.. محمداً.. رسول الله.
*****

السبت، 29 يناير 2022

أمانة المجاهدين في الحروب

أمانة المجاهدين في الحروب

(1)
أسامة – زيد – صوت منادي

أسامة: اللَّهمَّ لك الحمد على ما أعطيتَ وأوْلَيت.. إنه لَنصرٌ عظيمٌ هذا الذي أحرزناه على الفُرس يا زيد.

زيد: أي والله يا أسامة، نصرٌ عظيمٌ، جِدُّ عظيمٍ.. يا سبحان الله! من كان يحسب أن بوسعنا هزيمة الفرس لولا هذا الإسلام الذي أكرمنا الله به؟

أسامة: لا أحد قط.. لقد كان لهؤلاء الفرس في نفوسنا هيبةٌ عظيمة يا زيد أيام جاهليتنا.

زيد: هيبةٌ وأيُّ هيبة!..

أسامة: والله إنَّ هيبتَهم لنا اليوم أضعاف هيبتنا لهم بالأمس.

زيد: وهو فضل الله علينا ورحمته.

أسامة: يا سبحان الله!.. ما كان الواحد منا يحلم أن يدخل المدائن زائراً من قبل.

زيد: وها نحن اليوم ندخلها بفضل الله فاتحين. ها هي ذي المدائن بين يدَيِ المسلمين، ليس فيها كسرى، ولا حاشية كسرى.

أسامة: إن الأرض لله يورِثها من يشاء من عباده.

زيد: والعاقبة للمتقين.

أسامة: اللَّهمَّ اجعلنا من المتقين.

زيد: اللَّهمَّ آمين. "صمت قصير"

صوت "ينادي": يا معشر المسلمين!.. إن أميركم سعد بن أبي وقاص يدعوكم أن تذهبوا إلى صاحب الأقباض لتدفعوا إليه ما وقع بين أيديكم من المغانم.

زيد: "متسائلاً" سمعتَ يا أسامة؟

أسامة: أجل يا زيد.

زيد: فإني ذاهبٌ إلى صاحب الأقباض أدفع إليه دروعاً وأسيافاً غنمتها.. إني ذاهبٌ الآن إلى خيمتي من أجل ذلك.

أسامة: وإنَّ في خيمتي كذلك ما عليَّ أن أدفعه إلى صاحب الأقباض..

زيد: وما هو؟

أسامة: شيء من الذهب أصبته أول دخولنا المدائن.

زيد: على بركة الله.

أسامة: فلنسرع الآن، استجابةً لطلب الأمير سعد بن أبي وقاص. هيا بنا.

زيد: هيا بنا. "حركة وجَلَبة"

(2)
مجموعة من المسلمين
منهم صاحب الأقباض – أسامة – زيد – عامر بن عبد القيس

صاحب الأقباض: يا معشر المسلمين!.. ادفعوا إليَّ ما غنمتم، فقد سمعتم نداء أميرنا سعد بن أبي وقاص.

الأول: خذ، هذه سجادة وقعت بيدي. "صوت شيء يوضع"

صاحب الأقباض: بارك الله فيك وجزاك خيراً.

الثاني: يا صاحب الأقباض، إليك هذا الدرع الثمين. "صوت شيء يوضع"

صاحب الأقباض: بارك الله فيك يا أخا الإسلام وأجزلَ لك الثواب.

الثالث: وإليك هذه المجموعة من الثياب الثمينة. "شيء يوضع"

صاحب الأقباض: إنها لثيابٌ ثمينة.. جزاك الله خيراً أن أدَّيتَها يا أخا الإسلام.

الثالث: وجزاك أيضاً.. كأنك عجبتَ أن أدَّيتُ هذه الثياب الغالية.. والله الذي لا إله إلا هو لو كانت أضعاف ذلك لأديتُها بعد أن سمعتُ منادي الأمير.

صاحب الأقباض: بارك الله فيك.. "صمت قصير" يا معشر المسلمين!.. هلموا إليَّ بما غنمتم، وأسرعوا.. إن سعد بن أبي وقاص سيضع هذه المغانم حيث أمره الله.. وإن كثيراً منها مردود إليكم.. فباللّه إلّا ما أسرعتم.

الثالث: يا صاحب الأقباض، إنا مؤدُّون إليك كل ما وقع بين أيدينا من مغانم بالغةً ما بَلَغَتْ، حتى ولو كنا مستيقنين أن الأمير سعد بن أبي وقاص لن يعطينا منها شيئاً.

صاحب الأقباض: بارك الله فيك يا أخا الإسلام. "خطى قادمة" وسّعوا أيها القوم فثَمَّة من يريد أن يدفع إليَّ شيئاً.

أسامة وزيد "خطاهما تتضح": السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المجموعة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أسامة: تقدم يا زيد فادفع لصاحب الأقباض ما عندك.

زيد: هذه دروع وأسياف وقعت بيدي.. خذها إليك. "أشياء توضع"

أسامة: وهذا شيء من الذهب وقع بيدي أول دخولنا المدائن. "يوضَع"

صاحب الأقباض: إنكما رجُلان أمينان.

أسامة: نسأل الله تعالى القبول.

زيد: اللَّهمَّ آمين.

"خطى قادمة"

عامر: أوسعوا لي يا معشر المسلمين!.. يرحمكم الله.

أصوات "مختلفة متداخلة": مرحباً بك يا أخا الإسلام –إنه صاحب غنيمة يريد دفعها إلى صاحب أقباضنا، وسِّعوا له يا قوم– أمَا والله إن المسلمين لَأُمناء.. لك الحمد يا رب على ما أوليت.

عامر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أصوات "متداخلة": وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عامر: يا صاحب الأقباض..

صاحب الأقباض: نعم يا أخي..

عامر: إليك هذا الحق، واحرص عليه فإنه نفيس.

"صوت شيء بينهما"

صاحب الأقباض: دعني أفتحه وأنظُر.. "حركة" يا للعجب إنه جواهر نفيسة. "صمت" هل أخذتَ منه شيئاً؟

عامر "في صوتٍ عاتب": أخذتُ شيئاً!؟ يغفر الله لك قولتك هذه. أمَا والله الذي لا إله إلا هو.. لولا الله ما جئتكم به.

زيد: والله إن لهذا الرجلِ لَشأناً يا أسامة.

أسامة: صدقت يا زيد.. "في صوت عالٍ" بورك فيك أيها الرجل. إنَّ امرأً أدى مثل هذا الحق لَأمين. ترى من أنت؟

عامر: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا أخبر غيركم ليثنوا عليَّ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه. أستودعكم الله.

السلام عليكم. "صوت خطاه وهو ينصرف"

زيد: ترى أيعرفه أحدٌ منكم يا قوم؟

أصوات متداخلة: لا، لا نعرفه، لا يعرفه منا أحد.

الرجل الأول: فأنا أعرفه يا قوم.

زيد "في عجلة ولهفة": ترى من هو يا أخا الإسلام؟

الرجل الأول: إنه عامر بن عبد قيس.

زيد "في صوتٍ ذي رنين": عامر بن عبد قيس!.. عامر بن عبد قيس!.. سنفضي جميعاً إلى الموت. وسيفنى الحق وما فيه، لكن ثوابك يا عامر عند الله عز وجل عظيم جزيل.. لقد أدَّيتَ الأمانة، وحرصت ما استطعت أن تستخفي بما فعلت طلباً لمرضاة الله جل جلاله، لقد آثرت ما يبقى على ما يفنى، وإنك أنت الرابح يا عامر.
*****

الأمانة في التجارة

الأمانة في التجارة

(1)
يونس بن عبيد – غلامٌ شاب هو ابن أخيه

يونس: يا ابن أخي.. إنَّ لي بعض ما يشغلني، وإني سأدع الدكان بين يديك حتى أعود.

الغلام: سوف أقوم بشأنه خير قيامٍ يا عمّاه.

يونس: بورك فيك يا ابن أخي.. وجزيت خيراً.. ترى هل أستطيع الاطمئنان إلى حُسنِ تصرُّفِك؟

الغلام: فلتطمئن يا عمّاه، اذهب واقضِ شغلك وعُد وأنت مطمئن.

يونس: على كلّ حال.. لن أغيب طويلاً يا ابن أخي.. إنما هي ساعةٌ من الزمان.

الغلام: كما يطيبُ لك يا عمّاه.

يونس: أوَ تعرف أثمان ما في الدكان من سِلع؟

الغلام: أعرفُ ذلك جيداً.

يونس: فحذارِ أن يستغفلك أحد.

الغلام "ضاحكاً": لن يستغفلني أحد يا عَمِّي إن شاء الله.

يونس: وحذارِ أن تستغفلَ أحداً.

الغلام "ضاحكاً": لا هذه.. ولا تلك.

يونس: هذه العباءات البيضاء التي إلى يمينك؛ كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: أربعمئة درهم.

يونس: أصبت.. والعباءات السود التي إلى يسارك كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: مئتا درهم.

يونس: أصبت يا فتى.. "يضحك" يبدو أنك تاجرٌ بالفطرة يا ابن أخي..

الغلام: سأكون تاجراً كبيراً حين أصير في عمرك يا عمي!.. "يضحكان".

يونس: يا ابن أخي.. لا ترضَ للمشتري إلا ما ترضاه لنفسك، احفظ هذه الوصية جيداً.. إني الآن منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(2)
الغلام – أعرابي

الغلام: أيها الأعرابي.. ادخل في دكاننا هذا، فإنك تجد بضاعة طيبة. تفضل.. تفضل!..

الأعرابي "يسمع صوت خطاه يدخل المكان": إني داخل أيها الغلام، فاصدقني في البيع.. "ضاحكاً" وتَساهَل معي في الثمن.

الغلام: مرحباً بك.. مرحباً، سوف تجد ما يسرُّك.

الأعرابي: أرِني هذه العباءة السوداء.

الغلام: خذ.. إنها ستروق لك. "يناوله شيئاً"

الأعرابي: دعني ألبسها "صوت حركة كأنه يلبس العباءة".. إنها عباءة جميلة.

الغلام: انظر إلى نفسك في المرآة.. إنك تبدو فيها شيخ قبيلة له خطرٌ وهيبة.

الأعرابي: عباءة طيبة أيها الفتى..

الغلام: طيبة جداً.. الطول مناسب، واللون جميل، والصَّنعةُ مُتقَنة.

الأعرابي "ضاحكاً": إنك تُحسِن تزيين الكلام أيها الفتى.. كم تريد ثمناً لهذه العباءة؟

الغلام: أأعجبتكَ.. أعزمت على شرائها؟

الأعرابي: إن شاء الله.

الغلام: خذها بـ"أربعمئة درهم".

الأعرابي: قبلتُ أيها الفتى.. إنها عباءة تستحق، إليك الثمن!.. "يسمع صوت عد الدراهم".

الغلام: شكراً لك.. عباءة مبروكة إن شاء الله.

الأعرابي: إن شاء الله. السلام عليكم.. "يسمع وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "بصوتٍ هادئ كأنه يحدث نفسه" صفقة طيبة.

(3)
يونس بن عبيد – الأعرابي

يونس: إن العباءة السوداء التي يلبسها هذا الأعرابي من البضاعة التي في دكاني.. فلا بد أنه اشتراها من ابن أخي في غيابي. لَأسْألَنَّه. "صوته يعلو" أنت.. أنت!.. يا أخا العرب اسمعني قليلاً.

الأعرابي "متسائلاً": خيراً يا أخي.. أي شيءٍ تريد؟

يونس: قبل كل شيء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعرابي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يونس: عباءتك جديدة يا أخا العرب.

الأعرابي: إي والله.. لقد اشتريتها قبل قليل.

يونس: كم دفعتَ ثمناً لها؟

الأعرابي: أربعمئة درهم.

يونس "في دهشة واستغراب": أربعمئة درهم؟

الأعرابي: لا تندهش.. عباءة جيدة اشتريتُها وأنا راضٍ بثمنها.

يونس: ولكني أنا غيرُ راضٍ.

الأعرابي "في دهشة وتساؤل": ما أنتَ وذاك!؟ أنا اشتريتُ وأنا رضيت.

يونس: يا أخا العرب!.. إن الدكان الذي اشتريتَ منه هذه العباءة هو دكاني.. وإن الفتى الذي باعك هو ابن أخي، وإن هذه العباءة ثمنها مئتا درهم فقط.

الأعرابي: إن ابن أخيك ما غشني، عرض عليَّ هذه العباءة فسُرِرتُ بها، ودفعت ثمنها أربعمئة درهم وأنا راضٍ ومقتنع.

يونس "في صوتٍ حادٍّ سريع": لكني والله غير راضٍ وغير مقتنع.

الأعرابي: إن هذه العباءة تساوي في بلادنا خمسمئة درهم.

يونس: لكن ثمنها في دكاني مئتا درهم فقط.. "في صوت حازم" والله لَتَذهبَنَّ معي إلى الدكان.. ولَأرُدَّنَّ لك مئتي درهم.. يا أخا العرب!.. إن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها. هيا بنا إلى الدكان.. هيا.

(4)
يونس – الغلام – الأعرابي

يونس: يا أخا العرب إليك مئتا درهم.. وبارك الله لك في العباءة.

الأعرابي: جزيت خيراً.. إنك والله تاجرٌ صَدوق. إني منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "صوت وقع خطاه"

يونس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "صمت قصير، ثم يتحدث يونس في صوت غاضب إلى الغلام"

يونس: يا لُكَع!.. كيف تبيعه عباءة ثمنها مئتا درهم بأربعمئة درهم؟

الغلام: والله ما أخذها إلّا وهو راضٍ بها.

يونس: فأين النُّصحُ للمسلمين؟ أما تخاف الله!؟ أما تستحي!؟

الغلام: ما غششته يا عم، لقد ارتضاها بأربعمئة.

يونس: وإن يكن.. هلّا رضيتَ له بما ترضاهُ لنفسك؟ "ثم في لهجة هادئة ناصحة":

يا ابن أخي إني والله أريد الخير لك ولنفسي.. لا تعد إلى مثل هذه الفعلة قط.. فإن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها.. اللَّهمَّ لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.. واجعلنا من الراشدين.
*****

صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة

صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة

(1)
ياسر – أبو جهل

أبو جهل: كيف أنت اليوم يا ياسر؟.. أما تزالُ على عنادك!؟

ياسر "في صوت ضعيف": الدهرُ هكذا، الدهرُ هكذا..

أبو جهل: اكفر بدِين محمد، وآمِن باللاتِ والعزى؛ نفُكَّ عنك هذه القيود، ونبذل لك ما تحب.

ياسر "في لهجة متسائلة": تبذلون لي ما أحب!؟

أبو جهل "مسرِعاً": أجل، نبذل لك ما تحب.

ياسر: فإني أحب أن تدَعوني وما آمنتُ به.

أبو جهل "غاضباً بصوتٍ عال": أمَا إنك لمأفون، واللات والعزى لأفعلنَّ بك الأفاعيل!..

ياسر "في صوت هادئ": وما عساكَ تفعلُ بي؟

أبو جهل "بصوتٍ غاضبٍ عالٍ والكلام يتدفق بسرعة": أضربُك، أسلِّطُ عليك أشدَّ العذاب، أقتلُك.

ياسر "في صوته الهادئ": تقتلني!؟.. تقتلني!؟

أبو جهل "غاضباً": أجل أقتلك.. مَن تظن نفسك!؟ إنما أنت غريبٌ شريدٌ جئتنا من اليمن، ونزلتَ في جوارِنا، نحن سادة قريش بني مخزوم.

ياسر: حقاً لقد نزلتُ في جواركم يا بني مخزوم.

أبو جهل: ثم فعلتَ ما فعلتَ، ولم تعرف فضلنا عليك.

ياسر: أمِنَ الفضلِ أن تمنعوني من الإيمانِ باللّه ربّاً لا شريكَ له!؟ أمِنَ الفضلِ أن تُكرِهوني على ما لا أرى!؟

أبو جهل: ومتى كان لك ولأمثالك رأيٌ سوى رأيِ أسيادهم!؟

ياسر: ولِمَ!؟ أليسَ لي عقلٌ أميِّزُ به!؟ أليس الناسُ سواسية!؟

أبو جهل "غاضباً": هكذا يعلِّمكم محمد؟ تبّاً له.. أيريدُ أن يجعلَ الناس سواسية!؟

ياسر: الله عز وجل خلقهم سواسية.

أبو جهل: ويحكَ!.. أمَا يتفاضلون!؟

ياسر: بلى، بالتقوى والعمل الصالح، بذلك وحده يتفاضلون، لا بنسبٍ أو حسَبٍ أو مال.

أبو جهل "في حقد": أنت وبلالٌ وصهيبٌ تريدون أن تكونوا خيراً منا نحن سادةَ قريش!؟

ياسر: ومَن يمنعكم من الإيمان والتقوى والعمل الصالح!؟

أبو جهل: تريدون مِنا أن نتبع محمداً!؟

ياسر: ذلك خيرٌ لكم في دِينكم ودنياكم.

أبو جهل "في حقد": لقد أفسدَ علينا محمدٌ هؤلاء الناس، فهم يرَون أنفسهم أحسنَ منا وأكرم.

ياسر: هل كذب محمد صلى الله عليه وسلم مرةً واحدة؟

أبو جهل: لا.. لَمْ نجرِّب عليه كذبةً قط.

ياسر: إذن لِمَ لا تُؤمِنُ به؟

أبو جهل "في حقد": أنا أبو الحكَم، عمرو بن هشام المخزومي أؤمن به وأتبعه؟ لن يكون ذلك قط.

ياسر "في صوت خافت": الحسد يأكل قلبك.. والبغيُ يُعمِي بصيرتك، لست والله أبا الحكَم، بل أنت أبو جهل.. كما سمّاك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

أبو جهل "غاضباً وفي صوتٍ آمر": بماذا كنتَ تحدِّثُ نفسك!؟

ياسر "في صوت هادئ وقور فيه سخرية": عجباً لكم يا بني مخزوم!.. أتمنعون المرء حتى من الحديثِ مع نفسه؟

أبو جهل: اسمع يا ياسر، لقد احتملناكَ طويلاً، ولَئِنْ لم ترجع عن الإيمان بمحمدٍ فإنك ستندم.

ياسر "متسائلاً": أندم!؟ بل أنا سعيدٌ أنْ عرفتُ الحقَّ قبل أن أموت.

أبو جهل: ألا ترحمُ نفسك!؟ أمجنونٌ أنت!؟

ياسر: الدهرُ هكذا، الدهرُ هكذا.

أبو جهل "في صوتٍ حادٍّ سريع": وزوجتكَ أمَا ترحمها!؟ وابنكَ عمّار أمَا ترحمُه!؟

ياسر: ليسا بأعزَّ من أخٍ لي ضاع، فخرجتُ من بلدي في اليمن مع أخوَيَّ مالكٍ والحارث نبحثُ عنه في مكة مُلتَقى الناس، فلما لم نَجِدْهُ بقيتُ في مكة وعادَ أخواي، فكأنني أضعتُ الثلاثة.

أبو جهل: إذن فأنت تريد الموت، ونحن نبذلُ لك الحياة.

ياسر "في صوت مطمئن سعيد كأنه يناجي نفسه": إنّي شيخٌ فانٍ.. لقد بلغ الركبُ غايته. أتصدُّني عن الظلِّ والماء!؟ أتصدُّني عن جنةٍ عرضها السماواتُ والأرض!؟

أبو جهل "غاضباً": أيها السفيهُ!.. إنك تقودُ نفسكَ إلى الهلاك.

ياسر "في صوته الهادئ": بل السفيهُ أنت!.. يمنعك الحسدُ من اتِّباع الحق.

أبو جهل "غاضباً": أتنعتُني بذلك وأنا أبو الحكَم!؟

ياسر "في صوته الهادئ": بل أبو جهلٍ كما سمّاك رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم.

أبو جهل "في حقد": يا ويحَ قريش مِمّا جاء به محمد!..

ياسر: هو الخيرُ كلُّ الخيرِ لو عقلتم. "في صوت حالم كأنه يناجي نفسه" لقد مرَّ بنا صلوات الله عليه ورآنا في تعذيبكم هذا، فقال: "صبراً آلَ ياسر، إنَّ موعِدَكم الجنة". وقد تاقت نفسي والله إلى الجنة.

أبو جهل "غاضباً مزمجراً": اسكت أيها العبد!..

ياسر "في صوت هادئ": لستُ عبداً لأحد سوى الله، بل العبيدُ أنتم، أنتم عبيدٌ لشهواتِكم وأهوائِكم، وأنفسِكم الأمَّارةِ بالسوء.

أبو جهل "غاضباً مزمجراً": اسكت أيها المجنون.

ياسر: بل المجنونُ أنت، أنتَ يا أبا جهل.

أبو جهل "في حقد وبصوتٍ مرتفع": أبو جهل.. أبو جهل، أتنعتونني أبا جهل!؟ فَلْيَكُن ذلك. "يعلو صوته" شُدُّوا على ياسر يا رجال.. أذيقوه أشدَّ العذاب، لا يَخرُجَنَّ اليومَ من عذابكم وهو حي.

(2)
صوت يروي في هدوء

الراوي: وقضى ياسرٌ شهيداً بأيدي الحاقدين على النور أن يمتدَّ موكبُه ويتقدم، على الفجر أن يَطْلُع، على الربيع أن يوافي، على الماءِ أن يسقيَ العِطاش. لكنّه لا يزالُ حتى اليومِ وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها عطراً يضوع، ونَشْراً يَعبُق، وبطولةً تُهِيبُ بالقاعدين ألّا يخافوا سياطَ الكافرين.

أما أبو جهل فقد سقط صريع أحقاده في يوم بدرٍ بسيوفِ العُصبةِ المؤمنة، وبقِيَتْ ذكراه حتى اليوم وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها عِبرَةً حيّة، وعِظَةً ناطقة، ودرساً بليغاً لِمَصارعِ الطغاة ولَوْ بعد حِين.
*****

الأكثر مشاهدة