الأحد، 30 يناير 2022

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (1)

مرثد الفدائي خاطف أسرى المسلمين من مكة (1)

(1)
مرثد بن أبي مرثد – رجل

مرثد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرجل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

مرثد "في صوت هامس يسأل": كيف حال إخوتنا المُستَضعَفين في مكة؟

الرجل: كان الله في عونهم يا مرثد. إنهم يعانون من بطشِ قريشٍ وعنادها.. "صمت.. ثم الرجل يتحدث في صوت حزين": أنتم تعيشون في المدينة المنورة مع الرسول صلى الله عليه وسلم "مرثد يكرر الصلاة" منذ هاجرتم، ونحن الذين عجزنا عن الهجرة نعيش ونُقاسي من ظلم قريش.

مرثد: كان الله في عونكم يا أخي!.. سيجعل الله لكم فرَجاً ومَخلَصاً.

الرجل: نحن –المسلمين- الذين نعيش في مكة يا مرثد، ولا نستطيع الهجرة.. إنما نعيش على هذا الأمل، أمل الفرج والنجاة. قريش تحبس أكثرنا أن يهاجر، ونحن إزاءها ضعفاء مغلوبون.

مرثد: لا عليك يا أخي.. إن دين الله غالب. كأني والله أنظر إلى مكة وقد دخَلَتْ في الإسلام في يومٍ قريب إن شاء الله.

الرجل: إن شاء الله.

مرثد: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرجل يكرر الصلاة" غير ناسٍ لكم أبداً.

الرجل: معاذ الله أن ينسانا.

مرثد: وهأنذا قد أُوكِلَتْ إليَّ مهمة نقل من أستطيع من أسرى المسلمين المستضعفين من مكة إلى المدينة.

الرجل: إن عملك هذا خطير، "صمت" لقد تَرامى إلى مسامع قريش ما تقومُ به، فهي تحاولُ أسرَكَ أو قَتلَك.

مرثد: لن يثنيني عن القيام بعملي هذا تهديد قريش. ولئن قُتِلتُ فإنها الشهادة يا أخي "صمت" وأنت يا أخي نِعمَ العون لي فيما أقومُ به. فأنت مسلمٌ مِن أهل مكة تستخفي بدِينك، وتعينني فيما أفعل.

الرجل: نسأل الله عز وجل رضاه.

مرثد: فاحذر يا أخي أن يسمع أحد من قريش بأنك تعينني في عملي، أو أنك تُقابِلني، فذلك يسبب لك الأذى، كما أنه يعطل عملنا في إنقاذ إخواننا.

الرجل: صدقت.

مرثد: والآن.. أين أخونا الأسير الذي سنحاول إنقاذه هذه المرة؟

الرجل: في الفناء الواسع أسفل جبل أبي قبيس مقيدٌ بالسلاسل.

مرثد: قل له: إني سآتيه آخر هذه الليلة لأفك قيوده، ثم نذهب معاً خفيةً إلى أحد الشعاب القريبة من مكة، حيث ربطتُ ناقتين نجيبتين، فنهرب عليهما إلى المدينة المنورة إن شاء الله.

الرجل: سأفعل يا أخي.

مرثد: قم فانطلق الآن حذار أن يراك أحد معي.

الرجل: السلام عليكم.

مرثد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(2)
مرثد – امرأة اسمها عناق

عناق "في صوت كأنها تحدث نفسها": مَنْ هذا الرجل المستخفي بالظلام كأنه يتوارى عن الأنظار؟ "يسمع صوت خطى هادئة"

"عناق تواصل حديثها": كأنها خطوات رجل أعرفه من قبل..

"يسمع صوت الخطى بشكل أوضح"

"عناق تكمل حديثها": كأنه مرثد.. "صمت" إي والله إنه مرثد بن أبي مرثد. "بصوتٍ عال": يا مرثد، تعال يا مرثد، لا تخَفْ فإني عناق.

مرثد "بصوت هادئ": عناق، ما الذي تفعلينه هاهنا؟

عناق: ما الذي أفعله أنا؟ "تضحك" أهذا سؤالٌ يُلقى إليَّ؟ بل أنت ماذا تفعل هنا يا مرثد؟

مرثد "في هدوء": لا شيء.. جئتُ لبعض شأني في مكة.

عناق: أتحاول خداعي؟ أهل مكة يعلمون أنك تعمل على اختطاف أسرى المسلمين من مكة والهرب بهم إلى المدينة "تتحدث في صوت هادئ كأنها تُسِرُّ له بأمر خاص" اسمع يا مرثد، حاذر أن يراك أحدٌ من أهل مكة، تعال معي أخفيك عندي.

مرثد: هيه.. إلى أين؟

عناق "في صوتها نفسه": إلى منزلي، فلا يراك أحد، وتقضي ليلة ممتعة.

مرثد: لا يا عناق!.. أوَلا تعلمين أن الإسلام يحرم ما تدعوني إليه؟

عناق: لا عليك يا رجل، ليلة واحدة وتمضي لشأنك "هامسة" في اختطاف أسرى المسلمين.

مرثد: لا والله، لن أجيبكِ إلى ما تريدين.

عناق "في صوت حازم عالٍ": لئن لم تفعل ذلك لأجمعن عليك رجال قريش.

مرثد: ويحكِ يا عناق!.. لا تفعلي ذلك.

عناق: سأصرخ بأعلى صوتي إنْ لم تفعل.

مرثد: اسمعي يا امرأة، والله لو اجتمع عليَّ الناس كلهم فقطَّعوني مزقاً مزقاً ما فعلتُ ما تريدين مني من حرام.

عناق "بصوت حازم": أنت تبحث بذلك عن الهلاك.

مرثد: لا تكوني حمقاء يا امرأة!.. اذهبي لشأنِك، ودعيني وشأني.

عناق "بصوت حازم": لن أفعل يا خاطف الأسرى المكبلين.. صرخة واحدة تجمع عليك رجال قريش.

مرثد: أفوِّض أمري إلى الله.. اللَّهمَّ أعِنِّي واسترني. "صوت خطاه وهو يركض هارباً"

عناق "بأعلى صوتها": يا معشر قريش هذا مرثد بن أبي مرثد الذي عنه تبحثون، الحقوا به، لا يفوتنَّكم، لا يفوتنَّكم خاطف الأسرى إلى يثرب.

"أصوات تتلاحق تدل على الجدية والاهتمام"

- لا يفوتنَّكم مرثد يا قوم.

- لنقتله شر قتلة.

- سارعوا إلى اللحاق به.

- عناق تقول: إنه هرب في ذلك الدرب المواجه لنا.

- هيا الحقوا به.

- وقع مرثد بين أيدينا هذه المرة.

صوت خطى كثيرة على الأرض، وصوت مَنْ يقول: الحقوا به، أمسكوه.

مرثد "يحدِّث نفسه بصوت مبهور منقطع الأنفاس من التعب":

ويلٌ لهذه المرأة البغي الفاجرة!.. ويل لها!.. الحمد لله أن وصلتُ إلى هذه المغارة دون أن يراني القوم.

"في صوتٍ أهدأ يدل على الحزم":

سأظل في مغارتي هذه حتى ينقطع عليَّ الطلب، ولأعودنَّ إلى الأسير المُقيَّد، لأفكن عنه الأغلال، ولنهربنَّ معاً إلى المدينة، ولتبوأنَّ قريش وعناق بالخزي والهزيمة.
*****

عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

(1)
فيروز الديلمي – رجل

فيروز: إن الرحلة من اليمن إلى المدينة المنورة طويلة متعِبة.

الرجل: صدقت يا فيروز.. لكنها في سبيل الله تهون.

فيروز: في سبيل الله تهون.. ويهون ما هو أشد منها وأعظم.

الرجل: الحمد لله الذي هدانا لسبيله القويم، وجعلنا ممن يبتغون رضاه.

فيروز: الحمد لله. "صمت" لقد كان مقامنا باليمن طيباً، لكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب يطلب قدومنا إليه.

الرجل: عجيبٌ والله هذا الرجل، كأنه لا تفوته شاردة ولا واردة من شؤون المسلمين.

فيروز: إي والله عجيبٌ جدُّ عجيب. وإلّا فما أدراه بحالي في اليمن!؟ أتدري ماذا كتب لي!؟

الرجل: ماذا كتب؟

فيروز: كتب يقول لي: أما بعد، فقد بلغني أنه شَغَلَكَ أكل اللباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله فاغزُ في سبيل الله.

فيروز والرجل: يضحكان معاً.

الرجل: خليفةٌ عظيمٌ والله.

فيروز: ندَرَ في الرجال مثلك يا عمر.

الرجل: أن يكتب إليك يا فيروز يدعوك للغزو في سبيل الله فهو أمر طيب، وفي غاية النباهة!.

فيروز "يضحك": لكنه ليس في الحساب أن يكتب لي عن أكلي العسل كأني فعلتُ ما يسوء.

الرجل: وحسابه هذا مصداق على يقظته وحرصه ومعرفته بأمور الرعية، وإنه لطيبٌ هو الآخر.

فيروز: إي والله طيبٌ جدُّ طيب، أكرم بعمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين لا تفوته من أحوالهم فائتة.

الرجل: وهو على شِدَّته أحنى عليهم من الأم والأب.

فيروز: لا بد أن أمير المؤمنين فكَّر في أمري كثيراً، وهو يعرف أني ديلمي في الأصل، فقال لنفسه: هذا رجل ديلمي، عاش في النعيم والجاه، وهو برغم إسلامه يحبُّ حياة الدعة والترف.. وبلغه أكلي اللباب بالعسل "يضحك" فكتب إليَّ يدعوني للغزو في سبيل الله.

الرجل: إنما أراد لك الخير يا فيروز.

فيروز: صدقت والله.. أراد لي من ناحية أن أنجو من حياة القعود والترف، وأراد لي من ناحية ثانية ثواب المجاهدين. بورك فيك يا ابن الخطاب وجزاك عنا خير الجزاء.

الرجل: إنه لَيعرِفُ أقدار الرجال، ولا يغيب عنه أنك قتلت الأسود العنسي الكذاب.

فيروز: إنما كان قتلي للأسود العنسي ابتغاء ثواب الله عز وجل.

الرجل: بارك الله فيك وتقبل منك. إن خبراً كهذا لا ينساه عمر.

فيروز "في لهجة متسائلة منكِرة": ينساه عمر!؟ الأقل من هذا بكثير لا ينساه.. رجلٌ عظيمٌ حقاً، وأميرٌ للمؤمنين دؤوبٌ على مصالحهم.

الرجل: كالنحلة التي لا تعرف الكسل.

فيروز "ضاحكاً": ويحك يا رجل، أتريد أن تعود إلى حديث النحل والعسل الذي كنت آكله باللباب في اليمن؟ "يضحكان" ترى متى نصل إلى المدينة؟

الرجل: غداً نكون في المدينة إن شاء الله ونقابل عمر.

فيروز: إن شاء الله.

(2)
فيروز – فتى من قريش – خادم لعمر

فيروز: هل أذِنَ لي أمير المؤمنين؟

الخادم: أجل يا فيروز.. هيا ادخل. "صوت حركة"

الفتى: "غاضباً" ألا أدخل أنا؟

الخادم: بل انتظر قليلاً.

الفتى: لأدخلن، وقبل فيروز أيضاً. "حركة وجلبة، ثم الفتى يتحدث غاضباً".. ابتعد يا فيروز فإني داخل قبلك.

فيروز "غاضباً": بل أنا أولاً.

الفتى: بل أنا.. "حركة وهياج ومدافعة"

فيروز: أتزاحِمني أيها الفتى وقد أذِنَ لي الخليفة قبلك؟

الفتى "غاضباً": أزاحمك!.. أجل.. أزاحمك فافعل ما تريد.

فيروز: إذن فخُذْ. "صوت لطمة شديدة"

"جلبة وضوضاء وحديث متداخل": لطمة شديدة.. لِمَ فعلتَ ذلك يا فيروز؟.. ما كان لهذا الفتى أن يزاحمه.. لقد أدمتِ الضربة أنف الفتى.

الفتى "بصوتٍ عال": يا أمير المؤمنين.. فيروز الديلمي اعتدى عليَّ وأنا ببابك.

الخادم: تعال فادخلْ.. فاعرض على أمير المؤمنين شكواك. وأنت يا فيروز انتظر ولا تنصرف، وأنتم انصرفوا يرحمكم الله.

(3)
رجلان يتحدثان

الأول: أسمعت بخبر فيروز؟

الثاني: أجل سمعت، فما الذي فعله الخليفة عمر؟

الأول: سأل فيروز قائلاً له: ما هذا يا فيروز؟

الثاني: وبِمَ أجاب فيروز؟

الأول: كانت إجابته لبِقةً ذكية، لكنها لم تُخلِّصهُ من العقاب. لقد قال لعمر: إنك كتبت إليَّ ولم تكتب إليه، وأذنتَ لي بالدخول ولَمْ تأذن له، وأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك.

الثاني: وبِمَ أجاب عمر؟

الأول: قال له: القصاص. قال فيروز: لا بد!؟ قال عمر: لا بد.

الثاني: وبعد ماذا حدث؟

الأول: جثا فيروز على ركبتيه، وقام الفتى ليقتصَّ منه، فقال له عمر: على رِسْلك أيها الفتى حتى أخبِرَك بشيء سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة"، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة" ذاتَ غداةٍ وهو يقول: (قُتِلَ الأسودُ العنسيُّ الكذاب، قتلهُ العبد الصالح فيروز الدَّيلَمِي) أفَتَراكَ مُقتَصّاً منه بعدَ أن سمعتَ هذا؟

الثاني: فما فعل الفتى بعد ذاك؟

الأول: لقد قال لعمر: يا أمير المؤمنين قد عفوتُ عنه بعد أن أخبرتَني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا. "الثاني يكرر الصلاة"

الثاني "متحمساً": بارك الله في هذا الفتى. "في لهجة سائلة" وفيروز ماذا كان منه؟

الأول: قال فيروز لعمر: إنْ كان عفوُه عفوَ امرئٍ غيرِ مُستكرَه أهو مُخرِجي من الإثم يا أمير المؤمنين؟ قال له عمر: نعم يا فيروز.

الثاني "في لهجة سائلة": وبعد؟

الأول: قال فيروز: فأشهِدُكَ يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفاً من مالي هبة لهذا الفتى الكريم.
*****

بطولة عكرمة بن أبي جهل في اليرموك

بطولة عكرمة بن أبي جهل في اليرموك

(1)
عكرمة بن أبي جهل – الحارث بن هشام – عمرو بن عكرمة

عكرمة "يقرأ في صوت خاشع: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:169-171] صدق الله العظيم. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عمرو: أبي عكرمة، أراك محزوناً ساهماً شارد النظرات.

عكرمة: صدقت يا بني، إن أباك عكرمة محزون ساهم شارد النظرات.

عمرو: وما الأمر يا أبي؟

عكرمة: يا ولدي عمرو!.. إنَّ أباك قاتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرو والحارث يكرران الصلاة" في مواطن كثيرة، وصدَّ عن سبيل الله كثيراً.. وقد تذكَّرَ اليومَ ذلك كله فحزن وندِم.

عمرو: لكننا نعرف أن الإسلام يجبُّ ما قبله.

عكرمة: صدقت يا بُني، وذلك عزاؤنا وسلوانا.

عمرو: وعمي الحارث بن هشام محزون ساهم هو الآخر، ما له يا أبي؟

عكرمة: سَلْهُ يا بني، إنه إلى جوارك.

عمرو: مالك يا عمّاه؟

الحارث: يا ابن أخي، إنَّ بي مثل الذي بوالدك. هنيئاً لك يا عمرو أَنْ لم تصد عن سبيل الله كما صدَّ أبوك عكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام.

عكرمة: الإسلام يجبُّ ما قبله. هذا صحيحٌ يا بُني. لكنني لا أرى دواءً لي كالشهادة في سبيل الله. والله إن فزتُ بها إني إذن لَسعيد. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

الحارث: وأنا كذلك.. اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عمرو: وأنا أيضاً أريد مثل الذي تُريدان، اللَّهمَّ ارزقني الشهادة في سبيلك.

عكرمة: لقد خرجتُ من مكة المكرمة إلى الشام وليس في نيتي العودة قط. "صمت قصير".

الحارث: ترى ماذا فعل خالد بن الوليد؟

عكرمة: يرتِّبُ الجيش، ويُعِدُّ لكل أمرٍ عدته.

الحارث: لكن جيش الروم كثيرٌ يا عكرمة.

عكرمة: نحن بالإسلام أقوى وأعز.

الحارث: صدقت!.. "صمت" إن يوم اليرموك له ما بعده. اللَّهمَّ أنزل على المسلمين نصرك.

عمرو وعكرمة: اللَّهمَّ آمين.

عكرمة: واجعلنا في هذا اليوم من الشهداء يا رب العالمين.

عمرو والحارث: اللَّهمَّ آمين.

عكرمة "في صوت هادئ كأنه يناجي نفسه": من يدري!؟.. فقد تكون هذه آخر ليلة في العمر، غداً تبدأ معركة اليرموك، وعسى أن أفوز فيها بالشهادة.

(2)
رجلان من المسلمين يتحدثان بحماسة هما أسامة ومعاذ – صوت مسلم ينادي

"صوت المعركة عالياً"

المنادي: يا معشر المسلمين!.. لا يهولنَّكم كثرة الروم، فإن الله ناصرنا عليهم ما صبَرنا وأطعنا.

"يشتد صوت المعركة"

أسامة: لقد هجم الروم هجوماً شديداً يا معاذ.

معاذ: ليس هذا أول هجوم شديد لهم يا أسامة ينتهي إلى إخفاق.

أسامة: صفوفنا بحمد الله ثابتة ثبات الجبال.

معاذ: إنه فضل الله علينا.

أسامة: لكننا لم نجد ثغرة في صفوف الروم ننفذ إليهم منها.

معاذ: الثغرة لا توجد يا أسامة هكذا، إنما نصنعها نحن بإقدامنا وحسن تصرف قائدنا.

أسامة: صدقت، أما الإقدام فإنَّ لنا فيه الحظ الأوفى.

معاذ: وتصرف قائدنا؟

أسامة: حكيم عظيم، حسبك أن جيشنا يقوده خالد بن الوليد.

معاذ: سيف الله حقاً كما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسامة يكرر الصلاة"

أسامة: فأين الثغرة إذن؟

معاذ: لا أدري أين مكانها وزمانها من تدبير خالد، لكني واثق أننا سوف نصنعها بإذن الله.

أسامة: بإذن الله.

(3)
عكرمة بن أبي جهل – عمرو بن عكرمة – الحارث بن هشام

عكرمة "في صوت هادئ كأنه يفكر وحده": طالت معركة اليرموك، حقاً لم يكسب الروم من هجومهم شيئاً. لكننا نحن المسلمين لم نستطع حتى الآن النفاذ إلى أعماق صفوفهم.

عمرو: تُرى كيف لنا بمثل هذا النفاذ يا أبي!؟

الحارث: إنما يسهل اقتحام الحصن إنْ أُحْدِثت فيه ثغرة.

عكرمة "فرحاً متحمساً": صدقت يا عماه. لقد أتيت بها، إنما نحن بحاجة إلى ثغرة في صفوف الروم.

الحارث: ومن لنا بها يا عكرمة؟

عكرمة: غيرك يقول هذا يا عماه.

الحارث: ولِمَ يا ابن أخي؟

عكرمة: أنت تراني مشغولاً بالأمر، وأنت كذلك، وابني عمرو مشغولٌ هو الآخر.

الحارث: صدقت.

عكرمة: فلا بد إذن أن هناك كثيرين من المسلمين في جيشنا هذا مشغولين بالأمر شُغْلَنا نحن.

عمرو: صدقت يا أبتاه.

عكرمة: غداً حين يحمي الوطيس سأهتف: من يبايع على الموت؟ فإذا اجتمع عدد طيبٌ هان أمر الثغرة بإذن الله.

الحارث: فأنا يا ابن أخي أول من يبايعك على الموت منذ الآن.

عمرو: وأنا كذلك يا أبتاه.

عكرمة: بورك فيك يا عماه!.. بورك فيك يا ولدي!.. "في صوت هادئ كأنه يناجي نفسه" اللَّهمَّ إنا نسألك أن تنصرنا غداً على الروم نصراً مؤزراً، وأن تميتنا شهداء صادقين.

عمرو والحارث: اللَّهمَّ آمين، اللَّهمَّ آمين.

(4)
عكرمة – عمرو – الحارث – جماعة المسلمين

"يسمع صوت المعركة عالياً" "يدور الحديث في حماسة"

عكرمة "ينادي": من يبايع على الموت!؟

رجل مسلم: أنا أبايعك على الموت يا عكرمة.

رجل ثانٍ: وأنا كذلك.

رجل ثالث: وأنا كذلك.

الحارث: بارك الله في إخواننا هؤلاء. ما كدتَ يا عكرمة تنادي من يبايع على الموت حتى انهالوا عليك من كل مكان. أما نهجم الآن يا ابن أخي لنفتح الثغرة.

عكرمة: بلى يا عم.. ولكن دعني الآن أكرر النداء قبل أن نهاجم قلب الجيش الرومي.

"صوته عالياً متحمساً مؤثراً": يا معشر المسلمين من يبايع على الموت!؟ يا معشر المسلمين من يبايع على الموت!؟

أصوات "مختلفة متداخلة": لبيك يا عكرمة.. مرحباً بالموت في سبيل الله.. نحن نبايعك فاهجم بنا حيث تريد.

عكرمة "يبكي": بارك الله فيكم يا قوم. "في لهجة تساؤلٍ وإنكار" قاتلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة وأفِرُّ اليوم!؟ لا.. والله لن يكون ذلك.

"صوته عالياً": يا معشر من بايع على الموت!.. أترون قلب الجيش الرومي ذاك.. فنحن هاجمون عليه هجمة واحدة.

"صوته عالياً": الله أكبر، إني لَأجدُ ريح الجنة والله، الحقوا بي فإني منطلق. "صوت جوادٍ يعدو"

الحارث: وأنا معك يا ابن أخي.. "صوت جوادٍ يعدو"

عمرو: وأنا معك يا أبتاه.. "صوت جوادٍ يعدو"

أصوات "متداخلة في حماسة": وراءَهم يا قوم.. الله أكبر.. يمِّموا وجوهكم حيث ذهب عكرمة.

"يعلو صوت المعركة"

(5)
عكرمة – رجل من المسلمين

"يدور الحديث في هدوء من قبل الرجل، وفي ضعفٍ وتقطُّع من قبل عكرمة"

الرجل: بارك الله فيك يا عكرمة.

عكرمة "بصوت ضعيف متقطع": وفيك يا أخي.

الرجل: لقد كان لِما فعلتَ أنت ومَن بايعَ على الموت أقوى الأثر في انتصارنا.

عكرمة: إذن فقد.. انتصر.. المسلمون.. الحمد.. لله.. الحمد.. لله.

ما فعل عمي.. الحارث.. وابني.. عمرو؟

الرجل: هنيئاً لهما الشهادة، وهنيئاً لك.

عكرمة: الحمد لله.. نصرٌ للمسلمين مؤزَّر.. وشهادة.. لنا.. نحن.. الثلاثة.. "يضعف صوت" أشهد.. أن.. لا إله.. إلا الله.. وأشهد.. أن.. محمداً.. رسول الله.
*****

السبت، 29 يناير 2022

أمانة المجاهدين في الحروب

أمانة المجاهدين في الحروب

(1)
أسامة – زيد – صوت منادي

أسامة: اللَّهمَّ لك الحمد على ما أعطيتَ وأوْلَيت.. إنه لَنصرٌ عظيمٌ هذا الذي أحرزناه على الفُرس يا زيد.

زيد: أي والله يا أسامة، نصرٌ عظيمٌ، جِدُّ عظيمٍ.. يا سبحان الله! من كان يحسب أن بوسعنا هزيمة الفرس لولا هذا الإسلام الذي أكرمنا الله به؟

أسامة: لا أحد قط.. لقد كان لهؤلاء الفرس في نفوسنا هيبةٌ عظيمة يا زيد أيام جاهليتنا.

زيد: هيبةٌ وأيُّ هيبة!..

أسامة: والله إنَّ هيبتَهم لنا اليوم أضعاف هيبتنا لهم بالأمس.

زيد: وهو فضل الله علينا ورحمته.

أسامة: يا سبحان الله!.. ما كان الواحد منا يحلم أن يدخل المدائن زائراً من قبل.

زيد: وها نحن اليوم ندخلها بفضل الله فاتحين. ها هي ذي المدائن بين يدَيِ المسلمين، ليس فيها كسرى، ولا حاشية كسرى.

أسامة: إن الأرض لله يورِثها من يشاء من عباده.

زيد: والعاقبة للمتقين.

أسامة: اللَّهمَّ اجعلنا من المتقين.

زيد: اللَّهمَّ آمين. "صمت قصير"

صوت "ينادي": يا معشر المسلمين!.. إن أميركم سعد بن أبي وقاص يدعوكم أن تذهبوا إلى صاحب الأقباض لتدفعوا إليه ما وقع بين أيديكم من المغانم.

زيد: "متسائلاً" سمعتَ يا أسامة؟

أسامة: أجل يا زيد.

زيد: فإني ذاهبٌ إلى صاحب الأقباض أدفع إليه دروعاً وأسيافاً غنمتها.. إني ذاهبٌ الآن إلى خيمتي من أجل ذلك.

أسامة: وإنَّ في خيمتي كذلك ما عليَّ أن أدفعه إلى صاحب الأقباض..

زيد: وما هو؟

أسامة: شيء من الذهب أصبته أول دخولنا المدائن.

زيد: على بركة الله.

أسامة: فلنسرع الآن، استجابةً لطلب الأمير سعد بن أبي وقاص. هيا بنا.

زيد: هيا بنا. "حركة وجَلَبة"

(2)
مجموعة من المسلمين
منهم صاحب الأقباض – أسامة – زيد – عامر بن عبد القيس

صاحب الأقباض: يا معشر المسلمين!.. ادفعوا إليَّ ما غنمتم، فقد سمعتم نداء أميرنا سعد بن أبي وقاص.

الأول: خذ، هذه سجادة وقعت بيدي. "صوت شيء يوضع"

صاحب الأقباض: بارك الله فيك وجزاك خيراً.

الثاني: يا صاحب الأقباض، إليك هذا الدرع الثمين. "صوت شيء يوضع"

صاحب الأقباض: بارك الله فيك يا أخا الإسلام وأجزلَ لك الثواب.

الثالث: وإليك هذه المجموعة من الثياب الثمينة. "شيء يوضع"

صاحب الأقباض: إنها لثيابٌ ثمينة.. جزاك الله خيراً أن أدَّيتَها يا أخا الإسلام.

الثالث: وجزاك أيضاً.. كأنك عجبتَ أن أدَّيتُ هذه الثياب الغالية.. والله الذي لا إله إلا هو لو كانت أضعاف ذلك لأديتُها بعد أن سمعتُ منادي الأمير.

صاحب الأقباض: بارك الله فيك.. "صمت قصير" يا معشر المسلمين!.. هلموا إليَّ بما غنمتم، وأسرعوا.. إن سعد بن أبي وقاص سيضع هذه المغانم حيث أمره الله.. وإن كثيراً منها مردود إليكم.. فباللّه إلّا ما أسرعتم.

الثالث: يا صاحب الأقباض، إنا مؤدُّون إليك كل ما وقع بين أيدينا من مغانم بالغةً ما بَلَغَتْ، حتى ولو كنا مستيقنين أن الأمير سعد بن أبي وقاص لن يعطينا منها شيئاً.

صاحب الأقباض: بارك الله فيك يا أخا الإسلام. "خطى قادمة" وسّعوا أيها القوم فثَمَّة من يريد أن يدفع إليَّ شيئاً.

أسامة وزيد "خطاهما تتضح": السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المجموعة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أسامة: تقدم يا زيد فادفع لصاحب الأقباض ما عندك.

زيد: هذه دروع وأسياف وقعت بيدي.. خذها إليك. "أشياء توضع"

أسامة: وهذا شيء من الذهب وقع بيدي أول دخولنا المدائن. "يوضَع"

صاحب الأقباض: إنكما رجُلان أمينان.

أسامة: نسأل الله تعالى القبول.

زيد: اللَّهمَّ آمين.

"خطى قادمة"

عامر: أوسعوا لي يا معشر المسلمين!.. يرحمكم الله.

أصوات "مختلفة متداخلة": مرحباً بك يا أخا الإسلام –إنه صاحب غنيمة يريد دفعها إلى صاحب أقباضنا، وسِّعوا له يا قوم– أمَا والله إن المسلمين لَأُمناء.. لك الحمد يا رب على ما أوليت.

عامر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أصوات "متداخلة": وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عامر: يا صاحب الأقباض..

صاحب الأقباض: نعم يا أخي..

عامر: إليك هذا الحق، واحرص عليه فإنه نفيس.

"صوت شيء بينهما"

صاحب الأقباض: دعني أفتحه وأنظُر.. "حركة" يا للعجب إنه جواهر نفيسة. "صمت" هل أخذتَ منه شيئاً؟

عامر "في صوتٍ عاتب": أخذتُ شيئاً!؟ يغفر الله لك قولتك هذه. أمَا والله الذي لا إله إلا هو.. لولا الله ما جئتكم به.

زيد: والله إن لهذا الرجلِ لَشأناً يا أسامة.

أسامة: صدقت يا زيد.. "في صوت عالٍ" بورك فيك أيها الرجل. إنَّ امرأً أدى مثل هذا الحق لَأمين. ترى من أنت؟

عامر: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا أخبر غيركم ليثنوا عليَّ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه. أستودعكم الله.

السلام عليكم. "صوت خطاه وهو ينصرف"

زيد: ترى أيعرفه أحدٌ منكم يا قوم؟

أصوات متداخلة: لا، لا نعرفه، لا يعرفه منا أحد.

الرجل الأول: فأنا أعرفه يا قوم.

زيد "في عجلة ولهفة": ترى من هو يا أخا الإسلام؟

الرجل الأول: إنه عامر بن عبد قيس.

زيد "في صوتٍ ذي رنين": عامر بن عبد قيس!.. عامر بن عبد قيس!.. سنفضي جميعاً إلى الموت. وسيفنى الحق وما فيه، لكن ثوابك يا عامر عند الله عز وجل عظيم جزيل.. لقد أدَّيتَ الأمانة، وحرصت ما استطعت أن تستخفي بما فعلت طلباً لمرضاة الله جل جلاله، لقد آثرت ما يبقى على ما يفنى، وإنك أنت الرابح يا عامر.
*****

الأمانة في التجارة

الأمانة في التجارة

(1)
يونس بن عبيد – غلامٌ شاب هو ابن أخيه

يونس: يا ابن أخي.. إنَّ لي بعض ما يشغلني، وإني سأدع الدكان بين يديك حتى أعود.

الغلام: سوف أقوم بشأنه خير قيامٍ يا عمّاه.

يونس: بورك فيك يا ابن أخي.. وجزيت خيراً.. ترى هل أستطيع الاطمئنان إلى حُسنِ تصرُّفِك؟

الغلام: فلتطمئن يا عمّاه، اذهب واقضِ شغلك وعُد وأنت مطمئن.

يونس: على كلّ حال.. لن أغيب طويلاً يا ابن أخي.. إنما هي ساعةٌ من الزمان.

الغلام: كما يطيبُ لك يا عمّاه.

يونس: أوَ تعرف أثمان ما في الدكان من سِلع؟

الغلام: أعرفُ ذلك جيداً.

يونس: فحذارِ أن يستغفلك أحد.

الغلام "ضاحكاً": لن يستغفلني أحد يا عَمِّي إن شاء الله.

يونس: وحذارِ أن تستغفلَ أحداً.

الغلام "ضاحكاً": لا هذه.. ولا تلك.

يونس: هذه العباءات البيضاء التي إلى يمينك؛ كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: أربعمئة درهم.

يونس: أصبت.. والعباءات السود التي إلى يسارك كم ثمن الواحدة منها؟

الغلام: مئتا درهم.

يونس: أصبت يا فتى.. "يضحك" يبدو أنك تاجرٌ بالفطرة يا ابن أخي..

الغلام: سأكون تاجراً كبيراً حين أصير في عمرك يا عمي!.. "يضحكان".

يونس: يا ابن أخي.. لا ترضَ للمشتري إلا ما ترضاه لنفسك، احفظ هذه الوصية جيداً.. إني الآن منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(2)
الغلام – أعرابي

الغلام: أيها الأعرابي.. ادخل في دكاننا هذا، فإنك تجد بضاعة طيبة. تفضل.. تفضل!..

الأعرابي "يسمع صوت خطاه يدخل المكان": إني داخل أيها الغلام، فاصدقني في البيع.. "ضاحكاً" وتَساهَل معي في الثمن.

الغلام: مرحباً بك.. مرحباً، سوف تجد ما يسرُّك.

الأعرابي: أرِني هذه العباءة السوداء.

الغلام: خذ.. إنها ستروق لك. "يناوله شيئاً"

الأعرابي: دعني ألبسها "صوت حركة كأنه يلبس العباءة".. إنها عباءة جميلة.

الغلام: انظر إلى نفسك في المرآة.. إنك تبدو فيها شيخ قبيلة له خطرٌ وهيبة.

الأعرابي: عباءة طيبة أيها الفتى..

الغلام: طيبة جداً.. الطول مناسب، واللون جميل، والصَّنعةُ مُتقَنة.

الأعرابي "ضاحكاً": إنك تُحسِن تزيين الكلام أيها الفتى.. كم تريد ثمناً لهذه العباءة؟

الغلام: أأعجبتكَ.. أعزمت على شرائها؟

الأعرابي: إن شاء الله.

الغلام: خذها بـ"أربعمئة درهم".

الأعرابي: قبلتُ أيها الفتى.. إنها عباءة تستحق، إليك الثمن!.. "يسمع صوت عد الدراهم".

الغلام: شكراً لك.. عباءة مبروكة إن شاء الله.

الأعرابي: إن شاء الله. السلام عليكم.. "يسمع وقع خطاه"

الغلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "بصوتٍ هادئ كأنه يحدث نفسه" صفقة طيبة.

(3)
يونس بن عبيد – الأعرابي

يونس: إن العباءة السوداء التي يلبسها هذا الأعرابي من البضاعة التي في دكاني.. فلا بد أنه اشتراها من ابن أخي في غيابي. لَأسْألَنَّه. "صوته يعلو" أنت.. أنت!.. يا أخا العرب اسمعني قليلاً.

الأعرابي "متسائلاً": خيراً يا أخي.. أي شيءٍ تريد؟

يونس: قبل كل شيء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعرابي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يونس: عباءتك جديدة يا أخا العرب.

الأعرابي: إي والله.. لقد اشتريتها قبل قليل.

يونس: كم دفعتَ ثمناً لها؟

الأعرابي: أربعمئة درهم.

يونس "في دهشة واستغراب": أربعمئة درهم؟

الأعرابي: لا تندهش.. عباءة جيدة اشتريتُها وأنا راضٍ بثمنها.

يونس: ولكني أنا غيرُ راضٍ.

الأعرابي "في دهشة وتساؤل": ما أنتَ وذاك!؟ أنا اشتريتُ وأنا رضيت.

يونس: يا أخا العرب!.. إن الدكان الذي اشتريتَ منه هذه العباءة هو دكاني.. وإن الفتى الذي باعك هو ابن أخي، وإن هذه العباءة ثمنها مئتا درهم فقط.

الأعرابي: إن ابن أخيك ما غشني، عرض عليَّ هذه العباءة فسُرِرتُ بها، ودفعت ثمنها أربعمئة درهم وأنا راضٍ ومقتنع.

يونس "في صوتٍ حادٍّ سريع": لكني والله غير راضٍ وغير مقتنع.

الأعرابي: إن هذه العباءة تساوي في بلادنا خمسمئة درهم.

يونس: لكن ثمنها في دكاني مئتا درهم فقط.. "في صوت حازم" والله لَتَذهبَنَّ معي إلى الدكان.. ولَأرُدَّنَّ لك مئتي درهم.. يا أخا العرب!.. إن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها. هيا بنا إلى الدكان.. هيا.

(4)
يونس – الغلام – الأعرابي

يونس: يا أخا العرب إليك مئتا درهم.. وبارك الله لك في العباءة.

الأعرابي: جزيت خيراً.. إنك والله تاجرٌ صَدوق. إني منصرف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "صوت وقع خطاه"

يونس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "صمت قصير، ثم يتحدث يونس في صوت غاضب إلى الغلام"

يونس: يا لُكَع!.. كيف تبيعه عباءة ثمنها مئتا درهم بأربعمئة درهم؟

الغلام: والله ما أخذها إلّا وهو راضٍ بها.

يونس: فأين النُّصحُ للمسلمين؟ أما تخاف الله!؟ أما تستحي!؟

الغلام: ما غششته يا عم، لقد ارتضاها بأربعمئة.

يونس: وإن يكن.. هلّا رضيتَ له بما ترضاهُ لنفسك؟ "ثم في لهجة هادئة ناصحة":

يا ابن أخي إني والله أريد الخير لك ولنفسي.. لا تعد إلى مثل هذه الفعلة قط.. فإن النصح في الدين خيرٌ من الدنيا وما فيها.. اللَّهمَّ لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا.. واجعلنا من الراشدين.
*****

صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة

صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة

(1)
ياسر – أبو جهل

أبو جهل: كيف أنت اليوم يا ياسر؟.. أما تزالُ على عنادك!؟

ياسر "في صوت ضعيف": الدهرُ هكذا، الدهرُ هكذا..

أبو جهل: اكفر بدِين محمد، وآمِن باللاتِ والعزى؛ نفُكَّ عنك هذه القيود، ونبذل لك ما تحب.

ياسر "في لهجة متسائلة": تبذلون لي ما أحب!؟

أبو جهل "مسرِعاً": أجل، نبذل لك ما تحب.

ياسر: فإني أحب أن تدَعوني وما آمنتُ به.

أبو جهل "غاضباً بصوتٍ عال": أمَا إنك لمأفون، واللات والعزى لأفعلنَّ بك الأفاعيل!..

ياسر "في صوت هادئ": وما عساكَ تفعلُ بي؟

أبو جهل "بصوتٍ غاضبٍ عالٍ والكلام يتدفق بسرعة": أضربُك، أسلِّطُ عليك أشدَّ العذاب، أقتلُك.

ياسر "في صوته الهادئ": تقتلني!؟.. تقتلني!؟

أبو جهل "غاضباً": أجل أقتلك.. مَن تظن نفسك!؟ إنما أنت غريبٌ شريدٌ جئتنا من اليمن، ونزلتَ في جوارِنا، نحن سادة قريش بني مخزوم.

ياسر: حقاً لقد نزلتُ في جواركم يا بني مخزوم.

أبو جهل: ثم فعلتَ ما فعلتَ، ولم تعرف فضلنا عليك.

ياسر: أمِنَ الفضلِ أن تمنعوني من الإيمانِ باللّه ربّاً لا شريكَ له!؟ أمِنَ الفضلِ أن تُكرِهوني على ما لا أرى!؟

أبو جهل: ومتى كان لك ولأمثالك رأيٌ سوى رأيِ أسيادهم!؟

ياسر: ولِمَ!؟ أليسَ لي عقلٌ أميِّزُ به!؟ أليس الناسُ سواسية!؟

أبو جهل "غاضباً": هكذا يعلِّمكم محمد؟ تبّاً له.. أيريدُ أن يجعلَ الناس سواسية!؟

ياسر: الله عز وجل خلقهم سواسية.

أبو جهل: ويحكَ!.. أمَا يتفاضلون!؟

ياسر: بلى، بالتقوى والعمل الصالح، بذلك وحده يتفاضلون، لا بنسبٍ أو حسَبٍ أو مال.

أبو جهل "في حقد": أنت وبلالٌ وصهيبٌ تريدون أن تكونوا خيراً منا نحن سادةَ قريش!؟

ياسر: ومَن يمنعكم من الإيمان والتقوى والعمل الصالح!؟

أبو جهل: تريدون مِنا أن نتبع محمداً!؟

ياسر: ذلك خيرٌ لكم في دِينكم ودنياكم.

أبو جهل "في حقد": لقد أفسدَ علينا محمدٌ هؤلاء الناس، فهم يرَون أنفسهم أحسنَ منا وأكرم.

ياسر: هل كذب محمد صلى الله عليه وسلم مرةً واحدة؟

أبو جهل: لا.. لَمْ نجرِّب عليه كذبةً قط.

ياسر: إذن لِمَ لا تُؤمِنُ به؟

أبو جهل "في حقد": أنا أبو الحكَم، عمرو بن هشام المخزومي أؤمن به وأتبعه؟ لن يكون ذلك قط.

ياسر "في صوت خافت": الحسد يأكل قلبك.. والبغيُ يُعمِي بصيرتك، لست والله أبا الحكَم، بل أنت أبو جهل.. كما سمّاك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

أبو جهل "غاضباً وفي صوتٍ آمر": بماذا كنتَ تحدِّثُ نفسك!؟

ياسر "في صوت هادئ وقور فيه سخرية": عجباً لكم يا بني مخزوم!.. أتمنعون المرء حتى من الحديثِ مع نفسه؟

أبو جهل: اسمع يا ياسر، لقد احتملناكَ طويلاً، ولَئِنْ لم ترجع عن الإيمان بمحمدٍ فإنك ستندم.

ياسر "متسائلاً": أندم!؟ بل أنا سعيدٌ أنْ عرفتُ الحقَّ قبل أن أموت.

أبو جهل: ألا ترحمُ نفسك!؟ أمجنونٌ أنت!؟

ياسر: الدهرُ هكذا، الدهرُ هكذا.

أبو جهل "في صوتٍ حادٍّ سريع": وزوجتكَ أمَا ترحمها!؟ وابنكَ عمّار أمَا ترحمُه!؟

ياسر: ليسا بأعزَّ من أخٍ لي ضاع، فخرجتُ من بلدي في اليمن مع أخوَيَّ مالكٍ والحارث نبحثُ عنه في مكة مُلتَقى الناس، فلما لم نَجِدْهُ بقيتُ في مكة وعادَ أخواي، فكأنني أضعتُ الثلاثة.

أبو جهل: إذن فأنت تريد الموت، ونحن نبذلُ لك الحياة.

ياسر "في صوت مطمئن سعيد كأنه يناجي نفسه": إنّي شيخٌ فانٍ.. لقد بلغ الركبُ غايته. أتصدُّني عن الظلِّ والماء!؟ أتصدُّني عن جنةٍ عرضها السماواتُ والأرض!؟

أبو جهل "غاضباً": أيها السفيهُ!.. إنك تقودُ نفسكَ إلى الهلاك.

ياسر "في صوته الهادئ": بل السفيهُ أنت!.. يمنعك الحسدُ من اتِّباع الحق.

أبو جهل "غاضباً": أتنعتُني بذلك وأنا أبو الحكَم!؟

ياسر "في صوته الهادئ": بل أبو جهلٍ كما سمّاك رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم.

أبو جهل "في حقد": يا ويحَ قريش مِمّا جاء به محمد!..

ياسر: هو الخيرُ كلُّ الخيرِ لو عقلتم. "في صوت حالم كأنه يناجي نفسه" لقد مرَّ بنا صلوات الله عليه ورآنا في تعذيبكم هذا، فقال: "صبراً آلَ ياسر، إنَّ موعِدَكم الجنة". وقد تاقت نفسي والله إلى الجنة.

أبو جهل "غاضباً مزمجراً": اسكت أيها العبد!..

ياسر "في صوت هادئ": لستُ عبداً لأحد سوى الله، بل العبيدُ أنتم، أنتم عبيدٌ لشهواتِكم وأهوائِكم، وأنفسِكم الأمَّارةِ بالسوء.

أبو جهل "غاضباً مزمجراً": اسكت أيها المجنون.

ياسر: بل المجنونُ أنت، أنتَ يا أبا جهل.

أبو جهل "في حقد وبصوتٍ مرتفع": أبو جهل.. أبو جهل، أتنعتونني أبا جهل!؟ فَلْيَكُن ذلك. "يعلو صوته" شُدُّوا على ياسر يا رجال.. أذيقوه أشدَّ العذاب، لا يَخرُجَنَّ اليومَ من عذابكم وهو حي.

(2)
صوت يروي في هدوء

الراوي: وقضى ياسرٌ شهيداً بأيدي الحاقدين على النور أن يمتدَّ موكبُه ويتقدم، على الفجر أن يَطْلُع، على الربيع أن يوافي، على الماءِ أن يسقيَ العِطاش. لكنّه لا يزالُ حتى اليومِ وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها عطراً يضوع، ونَشْراً يَعبُق، وبطولةً تُهِيبُ بالقاعدين ألّا يخافوا سياطَ الكافرين.

أما أبو جهل فقد سقط صريع أحقاده في يوم بدرٍ بسيوفِ العُصبةِ المؤمنة، وبقِيَتْ ذكراه حتى اليوم وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها عِبرَةً حيّة، وعِظَةً ناطقة، ودرساً بليغاً لِمَصارعِ الطغاة ولَوْ بعد حِين.
*****

عُمَيْر بن أبي وقاص الغلام الشهيد

عُمَيْر بن أبي وقاص الغلام الشهيد

(1)
سعد – عُمَيْر

"صوت عُمَيْر أدق من صوت أخيه سعد لأنه أصغر منه"

سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر يكرر الصلاة" قد دعانا إلى الخروج معه سريعاً يا عُمَيْر.

عُمَيْر: وما الأمر يا سعد؟

سعد: بَلَغَهُ أنَّ عِيراً قادمةً لقريش من الشام إلى مكة المكرمة، فهو يريد السرعة في الخروج عسى أن تكونَ غنيمةً للمسلمين.

عُمَيْر: إنَّ قريشاً تستحق ذلك يا سعد، وتستحقُّ أكثر من ذلك، لقد عَدَت على أموالنا ودُورِنا، وظلمت القريب، وبطشت بالبعيد.. فإنْ نَغنَمْ هذه القافلة فهو بعض ما تستحقه قريش.

سعد: صدقتَ يا أخي.. بارك الله فيك.

عُمَيْر: تُرى من قائد قافلة قريشٍ يا سعد؟

سعد: إنه أبو سفيان.

عُمَيْر: أبو سفيان!.. إنه لَقائدٌ فَطِنٌ داهية، أحسبُهُ سيفعلُ كل شيء حتى لا يقع هو وقافلتُه بأيدينا.

سعد: إنه داهيةٌ حقاً.. لكنَّ قضاءَ الله ما منهُ مهرب، إنَّهُ إن وقع بين أيدينا فأنَّى له النجاة من سيوف المسلمين.

عُمَيْر: يا أخي سعد.. متى يكون الخروجُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "سعد يكرر الصلاة"

سعد: ما أحسبُ الوقتَ إلّا قد أَزِف، هَلُمَّ بنا يا أخي نحمل سلاحَنا وزادَنا، هَلُمَّ يا عُمَيْر.

عُمَيْر: هَلُمَّ يا سعد.

(2)
سعد – عُمَيْر – رجل من المسلمين

الرجل المسلم "بصوتٍ عال": يا معشر المسلمين، ابرزوا جميعاً ينظر إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد وعُمَيْر يكرران الصلاة" قبل خروجنا في طلبِ قافلةِ قريش.

عُمَيْر "في صوت خائف بعض الشيء": يا أخي سعد..

سعد: نعم يا عُمَيْر.

عُمَيْر: دَعْني وراءك في الصف يا سعد.. وسِّعْ لي مكاناً لأقفَ فيه خلفك.

سعد: ولِمَ يا أخي؟ قِفْ في الصف مثل الآخرين.

عُمَيْر "في صوت هامس خائف": أخاف إن رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" يمنعني من الخروج.

سعد: وما عليكَ من ذلك يا عُمَيْر!؟

عُمَيْر: كيف لا أخاف يا سعد!؟ أحسبُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" سيستصغِرُني ويأمرُ بِرَدِّي.

سعد: وهل تطيقُ القتال إنْ جرى بيننا وبين المشركين؟

عُمَيْر: إني ابنُ ست عشرة سنة يا أخي.. "في صوت هامس فيه رقة ودعاء" وأنا أحِبُّ الخروجَ، لعل الله أنْ يرزقني الشهادة. باللّه عليك إلا ما تركتني أتوارى خلفك يا سعد.

سعد: فأنتَ وما تريد يا أخي. "صوت جلبة وحركة".

الرجل: أنت يا عُمَيْر بن أبي وقاص!..

عُمَيْر "في صوتٍ مضطرب": أيَّ شيءٍ تريد؟

الرجل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر وسعد يكرران الصلاة" يأمرُكَ بالعودة إلى المدينة المنورة، فأنت صغيرٌ لا تقوى على القتالِ إنْ نشَبَ بيننا وبين القوم.

عُمَيْر "يبكي": أرأيتَ يا سعد!؟ ها قد مُنِعتُ من الخروج.

سعد: هوِّن عليك يا أخي، فأنت صغيرٌ بعد، وقد لا تطيقُ القتال.

عُمَيْر "في صوتٍ يخالطه البكاء": بل إني لَأُطِيقُه.. وإني لَأرجو أن أُرْزَقَ الشهادة يا سعد.

سعد: إنك حريصٌ على الخروج، صادقُ الرغبة في الجهاد.. وأنتَ بذلك مأجورٌ يا أخي عُمَيْر، فلا يغلِبْكَ الحزن.

عُمَيْر "في صوت يخالطه البكاء": باللّه عليك يا سعد أخبِرْ رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" أني أوَدُّ الخروج، وأني أطِيقُ القتال.. افعل ذلك يا أخي.. فمَن يدري قد أفوز بالجنة يا سعد!؟.. ولا تنسَ يا أخي، أنتَ لستَ أكبرَ مني بكثير، وإنَّ الشعرَ لم ينبُت في وجهكَ بعد.

سعد "ضاحكاً": لكنَّ في وجهي شعرةً واحدة هي هذه التي تراها.. "يضحك" وها أنذا أمسحُها.. أما أنت "يضحك" فما في وجهك شعرةٌ قط.

عُمَيْر "في صوته الباكي": باللّه عليك يا سعد.. اعملْ على خروجي معك.. باللّه عليك!..

سعد "في صوتٍ يدل على العطف والمواساة": هوِّنْ عليك يا عُمَيْر.. سأعمل على خروجك معنا.. وما يُدرِيكَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُمَيْر يكرر الصلاة" سوف يجيزك للخروج حين يعلمُ صِدقَ نيَّتِكَ في الجهاد وقدرتك على القتال.. وإنْ كنتَ صغيراً "يضحك" لم تنبُت في وجهك شعرةٌ واحدةٌ بعد.

(3)
سعد – عُمَيْر – رجل من المسلمين

الرجل "بأعلى صوته": يا معشر المسلمين!.. إنكم اليوم بإزاءِ عدوكم فاصدقوا الله في الجهاد ينصركم ويكتب لكم الفوز المبين.

يا معشر المسلمين إنها أول معركةٍ بين الكفر والإسلام، فليكنْ منكم في يومِ بدرٍ هذا الصبر والثبات.

"صهيل خيل – جلَبَة وضوضاء – خطى على الأرض"

عُمَيْر: الحمد لله يا سعد، لقد أجازني رسول الله صلى الله عليه وسلم "سعد يكرر الصلاة" فخرجت. الحمدُ لله، الحمدُ لله.. إنَّي والله لَسعيد!..

سعد: إن المعركة تكاد تبدأ يا عُمَيْر فكُنْ قويَّ النفسِ، ثبْتَ الجَنان.

عُمَيْر "متحمساً": لَأكونَنَّ والله كذلك.. لأرمينَّ بنفسي في قلبِ المعركة.. عسى.. عسى "في صوت متقطع منه بكاء ودعاء" أن أُرزَقَ الشهادةَ فأفوزَ بالجنة. "في صوتٍ ضارع".. اللَّهمَّ إني أسألكَ ألّا أعودَ من معركةِ بدر.. اللَّهمَّ انصرِ الإسلامَ في هذا اليومِ المشهود.. واجعلني شهيداً فيهِ على إظهارِ دينك وإعزازِ رسالتك. "يبكي" في صوت كأنه حالم يناجي فيه نفسه" مَن يدري فقد أفوز.. مَن يدري فقد أفوز.. مَن يدري فقد أفوز!..

الرجل "بأعلى صوته": يا معشر المسلمين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ألّا تُقاتلوا العدو حتى يُؤذِنَكم، وإن اكتنفوكم فارموهم، ولا تَسُلُّوا السيوف حتى يغشَوْكم.

يا معشر المسلمين الثباتَ الثباتَ!.. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكم: والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لا يقاتلهمُ اليومَ رجلٌ فيُقتَلُ صابراً مُحتسِباً مُقبِلاً غيرَ مدبِر إلّا أدخله الله الجنة.

عُمَيْر "فرِحاً متحمساً": الجنة يا أخي سعد، الجنة يا أخي سعد.. إني والله لَأشم ريحها اليوم..

سعد: دعني أعْقِدُ لك حمائِل سيفكَ يا أخي عُمَيْر.

عُمَيْر: دونَكَ فافعلْ "صوت حركة خفيفة".

سعد: ها هي الحمائلُ وقد عُقِدَتْ..

عُمَيْر: إني ابنُ ستَّ عشرةَ سنة.. وأرجو أن يكونَ خِتامُ حياتي في هذا اليوم، فقد كفاني ما عِشْتُ يا سعد!..

الرجل "بأعلى صوته": يا معشر المسلمين.. إنَّ المعركة قد بدأت الآن فقاتلوا عن دينكم يرحمكم الله.. "صوت المعركة يشتد"

(4)
راوٍ يتحدث في صوت هادئ عميق

الراوي: واحتدمت معركةُ بدر.. وانطلقَ الفتى المؤمنُ عُمَيْر بن أبي وقاص يجاهد في الله بصدقٍ وثبات.. وهو الفتى الذي لم تنبت في وجهه شعرةٌ واحدةٌ قط.. مضى سيفه يجوب أرض المعركة غير خائفٍ ولا وجِل.. لقد كان يرجو أن يُرزَقَ الشهادة.. ولقد كان يكره القعود مع الصغار.. بكى حين رَدَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بادئَ ذي بَدْء، وحين أجازهُ استبدَّ به الفرحُ والشوقُ والحنان.. والرغبة العارمة في ميتةٍ كريمةٍ نبيلة.. عقد له أخوه سعد بن أبي وقاص حمائلَ سيفِه لأنه صغيرٌ لا يُحسِنُ فِعلَ ذلك.. لكنَّ إيمانه كان كالجبال الراسيات امتداداً وثباتاً وعظَمَة.. مضى في معركة بدرٍ يقاتلُ عن دينِ الله حتى استشهد ففاز بما كان يرجو، وأصاب ما كان يؤمِّل.
*****

إسلام كبير أساقفة الروم "ضغاطر"

إسلام كبير أساقفة الروم "ضغاطر"

(1)
دِحْيَة الكلبي – هِرَقْل ملك الروم – الحاجب

الحاجب: مولايَ هِرَقْل، بالباب رجلٌ من العربِ يحملُ كتاباً لك.

هِرَقْل: أعرفتَ ماذا في كتاب الرجل؟

الحاجب: لا.. يا مولاي، غيرَ أني علمتُ أنه مبعوثٌ من قِبَل الرجل الذي ظهر بدينٍ جديدٍ في أرض العرب.

هِرَقْل: فليدخل الرجل.

الحاجب "وقع خطاه على الأرض": أمرُ مولاي. "باب يُفتح" ادخلْ أيها الرجل لمقابلة هِرَقْل ملك الروم.

دِحْيَة: شكراً لك. "وقع خطاهما على الأرض".

دِحْيَة: أيها الملك، هذا كتابٌ بعث به نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.. إليك، يدعوك فيه لاتباع دين الإسلام.

هِرَقْل: هات الكتاب!.. "صوت شيء تتناوله الأيدي" اقرأهُ أيها الحاجب.

الحاجب: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدٍ عبدالله ورسوله إلى هِرَقْل عظيم الروم، سلامٌ على من اتَّبعَ الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلِمْ تَسلَمْ يُؤتِكَ الله أجركَ مرتين، فإن تَوَليتَ فإنَّ عليك إثمَ الأرِيسيينَ، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، [آل عمران: 64]. "صمت قصير"

هِرَقْل: ما اسمُكَ أيها الرجل؟

دِحْيَة: اسمي دِحْيَة الكلبي.

هِرَقْل: اسمع يا دِحْيَة، إني سوف أستشيرُ الأُسْقُفَ في أمرِ كتابِكَ هذا قبلَ أن أعزمَ على رأي.

دِحْيَة: كما تحب أيها الملك. إني مُنتظِر.

(2)
هِرَقْل – الأسقُف – دِحْيَة

هِرَقْل: أيها الأسقف الجليل، نحن الآن في انتظار الذي تقول بعد أن سمعت الكتاب الذي جاء به هذا الرجل.

الأسقف "في صوت رزين": أيها الملك العظيم!.. إن الكتاب الذي جاء يحمله هذا الرجل كتابُ حقٍّ وصدق.

دِحْيَة "فرِحاً": شكراً لك أيها الأسقف!.. والله الذي لا إله إلا هو إن نبينا صادقٌ أمين، وإنه مبعوثٌ إلى الناس جميعاً بآخر الرسالات.

هِرَقْل: أيها الأسقف، أهذا حقاً هو النبيُّ الذي كُنّا ننتظر؟

الأسقف "في صوته الرزين": إي واللهِ أيها الملك.. إنه الوقت الذي أخبرَنا عيسى عليه السلام أنه زمانُه.. وإن المكانَ هو مكانه فقد بُعِثَ في فاران[1].. وإن الشخصَ واللهِ هو الشخص.

هِرَقْل: إذن فهو النبي الذي كنا ننتظر، والذي بشَّرنا به عيسى عليه السلام.

الأسقف: هو ذاك تماماً كما جاء في كُتُبِنا.

هِرَقْل: فكيف تأمرُني أيها الأسقف؟

الأسقف: أما أنا فمُتَّبِعُه ومُصدِّقُه.

هِرَقْل "بعد صمت قصير": أما أنا فإن فعلتُ ذهبَ مُلكي.

الأسقف: أيها الملك العظيم، إنك على معرفةٍ بالدين المسيحي، وإنك لَتعلمُ كما نعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم آخِرُ الأنبياء.. وأنه مبعوثٌ بآخِر الرسالات، وأنه الذي بشَّرنا به عيسى عليه السلام، فاتّبِعْهُ تغنمْ، اتّبِعْهُ تغنمْ!..

هِرَقْل: صدقتَ والله أيها الأسقف الجليل، لكنني أخشى إن اتبعتُه أنْ يذهبَ مُلكي، فإن الرومَ لن تقبلني على رأس الحُكْم إن خرجْتُ من النصرانية.

الأسقف "في صوتٍ هادئ": أمّا أنا فإني مُصدِّقٌ هذا النبي الكريم، وإني مُتَّبِعٌ له شاءت الروم أم كَرِهَت.

هِرَقْل: أخشى عليك الروم إن علِمَت بإسلامِك.

الأسقف: إني عالِمُ النصرانية فيها.. أأرضى لنفسي أن تُحْمَلَ على الباطل وقد استبان الحق؟ "في صوت هادئ كأنه يناجي نفسه" إنه والله النبيُّ الذي كنا ننتظر، إنه والله النبيُّ الذي بشرنا به عيسى عليه السلام. "صمت" يا دِحْيَة..

دِحْيَة: نعم أيها الأسقف.

الأسقف: تعالَ معي فحدِّثني كثيراً عن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وعمّا جاء به، فإني لستُ أدري ماذا ستفعلُ الرومُ بي إنْ علِمَتْ بإسلامي.

(3)
الأسقُف – دِحْيَة – عدد من رجال الروم

رجال الروم "يتحدثون بصوتٍ يدل على الغضب والشر":

- إن الأسقف قد تغير أمرُه منذ جاء هذا الرجل العربي.

- كأنه قد كره ديننا ومالَ إلى دين ذلك الذي يدّعي أنه مبعوثٌ بآخر الرسالات.

- ويحك أيها الأسقف! أتُسارِع إلى الخروج من النصرانية وأنتَ عالِمُنا الكبير!؟

- هذا ثالثُ أَحَدٍ على التوالي لا يخرجُ إلينا مُتعلِّلاً بالمرض.

- "أحدهم بصوتٍ عالٍ غاضب" أيها الأسقف!.. لتَخرُجَنَّ إلينا أو لَنَدخُلَنَّ عليك فنقتلك!.. فإنا قد أنكرناك منذ قَدِمَ هذا العربي. "يخفت اللغط شيئاً فشيئاً"

الأسقف: اسمع يا أخي دِحْيَة.. إنك ترى وتسمعُ الرومَ يأتَمِرون بي.. وربَّما قتلوني. "صمت" لقد استمعتُ إليك كثيراً في هذه الفترة.. فازددتُ يقيناً بصدقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.. إنه واللهِ النبي الذي كنا ننتظر، نعرفه باسمِه وصِفتِه. خذ هذا الكتاب مني إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

دِحْيَة: هاته يا أخي "صوت شيءٍ بينهما".

الأسقف "في صوت رقيق حزين": إني قد ألقيتُ ثيابي الكهنوتية، ولبستُ هذه الثياب البيض التي تراها عليَّ، وإني خارجٌ إلى هؤلاء الروم فَشاهِدٌ شهادة الحق، فانظر ما الذي يجري فبَلِّغهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، "دِحْيَة يكرر الصلاة"، وبَلِّغهُ أني أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإني قد آمنتُ به وصَدَّقتُه واتَّبعتُه. "في صوت هادئ حزين هامس" هيّا بِنا نَخرُج يا دِحْيَة، فما أراها إلا الشهادةَ أفوزُ بها الساعة. أستودعكَ الله يا دِحْيَة.

دِحْيَة: أستودعكَ الله.

صوت روميٍّ "غاضب عال": أيها الأسقف اخرج إلينا، وإلّا دخلنا عليك فقتلناك.

الأسقف "بأعلى صوته": بل إني خارجٌ إليكم. "صوتُ بابٍ يُفتَح، وحركة، ووقع أقدام على الأرض"

روميٌّ لآخر "متعجِّباً": انظر إلى الأسقف، لقد ألقى ثيابَه الأسقفية، ولبسَ هذه الثياب البيضاء.

الأسقف "بأعلى صوته": يا معشر الروم!.. والله إن محمداً صلى الله عليه وسلم لصادقٌ فاتَّبِعوه تفوزوا في الدنيا والآخرة، وإنه النبي الذي كنا ننتظر بعثه.

أصوات رومية غاضبة:

- خسئت أيها الأسقف!..

- اقتلوا هذا الذي ترَكَ دينه..

- ارجموه بالحجارة..

- اضربوه حتى يموت..

"ضجيج وجَلَبَة وضوضاء"

الأسقف "في صوت حزين ضعيف": يا ويحَ قومي!.. لقد قتلوني وأنا أدعوهم إلى النجاة.. أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
*****
---------------
[1] فاران: اسم جبل بمكة، أو جبال مكة، ورد في التوراة في البشارة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عبّاد بن بِشر شهيد اليمامة

عبّاد بن بِشر شهيد اليمامة

(1)
عبّاد بن بِشر – أبو سعيد الخدري

أبو سعيد: والله إن أمر هؤلاء المرتدين لعجيبٌ حقاً يا عبّاد.

عبّاد: ولِمَ يا أبا سعيد؟

أبو سعيد: ما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم "عبّاد يكرر الصلاة مع أبي سعيد" يتوفاه الله حتى سارعوا إلى الردة..

عبّاد: صدقتَ والله يا أبا سعيد "صمت قصير" تبّاً لهم.. لكأنما توهّموا أن الإسلام سيزول بموت محمد صلى الله عليه وسلم. "أبو سعيد يكرر الصلاة".

أبو سعيد: ما أكذبَ ما توهَّموا!..

عبّاد: هم اختاروا الردة، لكنَّ عليهم أن يدفعوا ثمن هذا الاختيار.

أبو سعيد: إي والله يا عبّاد!.. ما كان دين الله عز وجل لعبة يتلهّون بها، يسلمون يوماً، ويكفرون يوماً آخر.

عبّاد: معاذ الله يا أبا سعيد!.. دين الله أعظم وأجلُّ من ذلك.

أبو سعيد "في صوتٍ خافت كأنه يناجي نفسه": إني لأرجو يا عبّاد أن يكرمنا الله عز وجل، فنرى جزيرة العرب جميعاً وقد خلصت للإسلام.

عبّاد: إن ذلك لكائنٌ بإذن الله.

أبو سعيد "في صوت خافت": وبعد ذلك تنطلق جيوش المسلمين شرقاً وغرباً تحمل دين الله للناس لتُخرِجهم من الظلمات إلى النور.

عبّاد: وإن ذلك لكائنٌ بإذن الله أيضاً.

أبو سعيد: تبّاً لهؤلاء المرتدين، يريدون أن يعودوا إلى ظلام الجاهلية وأوهامها وقد أكرمهم الله بالإسلام.

عبّاد: هوِّن عليك يا أبا سعيد، أما ترى جيوش الصِّدِّيق وقد هزمت المرتدين في كل مكان؟ ولم يبقَ أمامها سوى عدو الله مسيلمة.. وإنه سيُهْزَم هزيمة مُنكَرة إن شاء الله.

أبو سعيد: إن شاء الله.

عبّاد: يا أبا سعيد..

أبو سعيد: نعم يا عبّاد.

عبّاد: لقد رأيتُ والله رؤيا أنا بها سعيد.

أبو سعيد: خيراً يا عبّاد؟

عبّاد: رأيتُ الليلة كأن السماء قد فُرِجت لي، ثم أطبقَت عليَّ.

أبو سعيد: وما تأويلك لما رأيتَ يا عبّاد؟

عبّاد "في صوت هادئٍ رقيق": هي الشهادة إن شاء الله، هي الشهادة إن شاء الله.. "يبكي".

أبو سعيد: خيراً والله رأيتَ يا عبّاد.. هنيئاً لمن يُرزَق الشهادة.. "في صوت هادئ رقيق" هنيئاً والله له.. هنيئاً والله له.

(2)
أبو سعيد وحده

أمَا إن رؤيا عبّاد بن بِشر رؤيا حق.. وما أحسبه إلا سيفوز غداً بالشهادة، وإنه بها لجدير.. إي والله إنه بها لجدير!.. لأنظرنَّ إليه غداً ماذا سيفعل.. وما أراه إلا سيكون من فرسان المعركة الأبطال.. هنيئاً لك والله.. ترى أتكون هذه آخر ليلة لك في دنيانا هذه؟ غداً نرى ذلك إن شاء الله أكائنٌ هو أم لا؟

(3)
عبّاد بن بِشر – مُنادٍ من المسلمين – رجل من المسلمين - صوت

الصوت: يا معشر المسلمين الثباتَ الثباتَ!.. لا يهولنَّكم ما ترون من جيش مسيلمة!.. فوالله ليكونَنَّ لنا النصر المبين.

"يعود صوت المعركة فيعلو"

الصوت: يا معشر المسلمين لقد كشَفَنا جنودُ مسيلمةَ عن مواقفنا ثلاث مرات فاثبتوا يرحمكم الله!.. فإن النصر اليوم لِأثبَتِ الفريقين.

"يعود صوت المعركة فيعلو"

عبّاد "في صوت متحمس": كشَفَنا جنودُ مسيلمةَ ثلاث مرات، والله ما يليق بنا هذا.

الرجل: إنه آخِرُ ما لديهم يا عبّاد، ولتكونَنَّ لنا الكَرَّةُ الآن بإذن الله.

عبّاد "متحمساً": لا والله يا أخي.. ما ينبغي لنا إلا أن نقتحم على مسيلمة حديقته.

الرجل: لكنَّ في ذلك خطراً بالغاً ومشقةً كبيرةً يا عبّاد.

عبّاد "متحمساً": وهل جئنا نجاهد في سبيل الله إلا لنركب متون الخطر؟ اسمع يا أخي..

الرجل: قُل يا عبّاد.

عبّاد: إني امرؤ أنصاري.. ولطالما كان الأنصار حُماةَ هذا الدين. سأصرخ الآن بالأنصار لنتميز عن جميع الناس ما يخالطنا أحد.

الرجل: ولِمَ ذلك يرحمك الله؟

عبّاد: عسى أن يظهر منا بلاءٌ بَيِّنٌ، فيقتدي بنا بقية المسلمين فيكون النصر..

الرجل: بارك الله فيك.. إنه لَنِعمَ الرأي.

"يعلو صوت المعركة"

عبّاد "بصوتٍ عالٍ متحمسٍ مؤثر": يا للأنصار!.. يا للأنصار!.. احطموا جفون السيوف حتى لا ترجع إليها وتمَيَّزوا من الناس.. يا معشر المسلمين أخلصونا.. أخلصونا!..

"يعلو صوت المعركة مجدداً"

الرجل "متحمساً": بارك الله فيك يا عبّاد.. ها هم الأنصار يتميزون عن الناس ما يخالطهم أحد.

عبّاد "في صوت هادئ حنون": بارك الله فيهم يا أخي.. إنهم حقاً جند الإسلام.

"صوت المعركة يعلو"

الرجل "متحمساً": أربعمئة من الأنصار ما يخالطهم أحد استجابوا لندائك يا عبّاد على رأسهم أبو دجانة، والبراء بن مالك.

عبّاد: "متحمساً" وأنا مع أبي دجانة والبراء بن مالك.

الرجل "متحمساً": لنقاتلنَّ أشد القتال، ولنقتحمنَّ على مسيلمة حديقته عسى أن نفوز بالنصر "ثم في صوتٍ هادئٍ رقيق" وأفوز أنا بالشهادة في سبيل الله مصداقاً لِما كنت رأيتُ في النوم.

(4)
راوٍ يتحدث

الراوي: وانطلقت كتيبة الأنصار، فجاهدت في الله حق الجهاد، وبذلت نفوسها صادقة في سبيل الله، يحدوها حنين نبيل إلى نصر للمسلمين كريمٍ عزيز.. ويحث خطاها رجاءٌ كبيرٌ في الشهادة في سبيل الله طاهرةً وضيئة.

ومضى عبّاد بن بشر وأبو دجانة والبراء بن مالك على رأس الكتيبة المؤمنة الوفيّة يقاتلون أشد القتال.. حتى اقتحموا على مسيلمة الكذاب حديقته.. وانتهت المعركة عن نصرٍ كريم للمؤمنين.

أما عبّاد فقد تحققت الرؤيا التي فسّرها بالشهادة.. سقط شهيداً بعد أن أبلى أشد البلاء، وكثُرَت عليه الجراح، حتى إن وجهه النبيل غابت ملامحه لكثرة ما أصيب.. وحين مضى أبو سعيد الخدري يلتمس صاحبه عبّاد بن بشر لم يستطع أن يتعرف إلى جثمانه الطاهر إلا من علامةٍ كانت في جسده. اللَّهمَّ ارحم عبّاد بن بشر، وأجزل له المثوبة والرضوان.
*****

الفقير وخالد بن عبد الله القسري

الفقير وخالد بن عبد الله القسري

(1)
رجل – زوجته

الزوجة "في صوت حزين": إن الصغار قد فتك بهم الجوع.. والله إنه ليتقطع قلبي حزناً كلما نظرتُ إليهم.

الرجل "في صوت يبدو عليه الضجر": أفٍّ أفٍّ.. ويحك يا امرأة!.. أقادرٌ على شيء أنا ثم أبخل به؟

المرأة: لا.. ما قلتُ ذلك.. لكن أَمَا تجد لك حيلة؟

الرجل: لو وجدت لي حيلة لسارعت إلى إنفاذها فوراً..

المرأة: وهل ستسعى الحيلة إليك يا رجل؟.. "في صوتٍ حادٍّ سريع" اخرج، فكِّر، امضِ إلى الأسواق، اطرق أبواب الموسرين.

الرجل: لا تُكثِري عليَّ اللوم يا امرأة!.. "غاضباً" هل آثرتُ نفسي بشيء دونك أو دون الصغار؟

المرأة: اللَّهمَّ لا..

الرجل: هل عندي مالٌ مُدَّخر؟

المرأة: اللَّهمَّ لا..

الرجل: هل وجدتُ من أستدينُ منه فأبَيتُ؟

المرأة: اللَّهمَّ لا..

الرجل: إذن فَلِمَ اللوم!؟

المرأة "المرأة في صوت عتابٍ وحنان": إني لا ألومك يا رجل.. وما أنت بمُقصِّرٍ أو مُتَّهم..

الرجل: بورك فيكِ، وجُزِيتِ خيراً.

المرأة: لكن هذا القعود لا ينفع، إن مع العسر يسراً، فاخرج عسى أن تُوَفَّقَ إلى رزق طيب حلال.

الرجل "في صوتٍ هادئ": لقد مللتُ والله من الخروج.. ولكن هو أحسن من القعود. لأخرُجَنَّ وعسى أن أعود غير خائب.

المرأة: وفقك الله ورعاك.. وأكثرَ بين يديك الخير.

الرجل: تدبري أمر الصِّبية الصغار حتى أعود.. السلام عليكم. "يسمع صوت خطاه مُنصرفاً"

الزوجة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. اللَّهمَّ فرِّج عنا هذا الضيق يا أرحم الراحمين.

(2)
الرجل – صديق له

الصديق: لقد أحزنني والله أمرك.. لكنَّ الذي بين يدي قليل، وأنت أدرى بحالتي..

الرجل: صدقت والله.

الصديق: ومع هذا فلأبعثنَّ إلى دارك الساعة بشيء من الطعام للصغار وأمهم.

الرجل: جزيت خيراً.

الصديق: عزيزٌ عليَّ والله ما تَلقَى يا أخي.. وددت لو أني أقدر على مدِّك بمالٍ يطيب به حالك.

الرجل "في حزن وبصوت فيه شيء من التأفف": بارك الله فيك.. أخشى أن تكون أنت الآخر بحاجة إلى غوث.

الصديق "بعد صمت": أما فكرتَ بالشخوصِ إلى الأمير؟

الرجل: أي أمير تريد؟

الصديق: خالد بن عبد الله القسري.

الرجل: أوَ تنصحني بالذهاب إليه؟

الصديق: والله ما أدري حقيقة حاله.. لكنني سمعت الناس يمتدحونه ويصفونه بالجود.

الرجل: لأذهبنَّ إليه، ولأعرضنَّ له شكاتي بما يفجؤه ويدهشه.

الصديق: وكيف ذلك؟

الرجل: خاطِرٌ ألقِيَ في خَلَدي أنه لي نافع.

الصديق: على بركة الله!.. لكن لا تنسَ أن تعود إليَّ لتحدِّثني بشأنك مع خالد.

الرجل: سآتيك إن شاء الله.

الصديق: إن شاء الله.

(3)
الرجل – خالد بن عبد الله القسري – خادم – غلام

الخادم "في حِدَّة": لماذا لم تنصرف أيها الرجل.. أما قلتُ لك: انصرف؟

الرجل "في عناد": وأنا ألم أقل لك: لن أنصرف؟

الخادم: يا لك من لجوجٍ مُعانِد.. أما تخشى أن يرتاب بك الحرس إذ يرونك تطيل اللبث إزاء دار الأمير خالد بن عبد الله القسري؟

الرجل "في عناد": لا.. ما أخشى ذلك.. لقد طلبتُ أن تأذنوا لي بالدخول على الأمير فأبيتم.. وسأبقى هنا حتى إذا خرج عدَوْتُ إليه، عندها افعلوا ما تريدون.

الخادم "في ضجر": لا حول ولا قوة إلا باللّه.. اللَّهمَّ أمضِ هذا اليوم في سلامةٍ وعافية.

لغط وضجة – باب يُفتح – وقع أقدام..

الخادم "في صوت متعجل مضطرب": انصرف أيها الرجل، لا تعرضن نفسك لمكروه، فقد خرج الأمير من داره. "صوت خطى"

الرجل: أوَقَدْ خرج حقاً؟

الخادم: أي والله.. أما تراه؟ إنه ذلك الذي يهمُّ بوضع رجله في ركاب دابته.

الرجل "صوت ركض سريع": أيها الأمير!.. أيها الأمير!.. أطال الله بقاءك.. إنَّ لي عندك حاجة.

خالد "في صوتٍ رزين": قل ولا تخف.

الرجل "في صوت مضطرب": أيها الأمير ناشدتكَ الله إلّا ضربتَ عنقي.

خالد: ولِمَ ويحك!؟ أكُفرٌ بعد إيمان؟

الرجل: لا..

خالد: أفترغبُ عن طاعة الرحمن!؟

الرجل: لا..

خالد: أفقتلتَ نفساً!؟

الرجل: لا..

خالد: فما سبب ذلك إذن!؟

الرجل: لي خصم لجوج قد علق بي ولزمني وقهرني.

خالد: من هو خصمك يا ترى!؟

الرجل: الفقر أيها الأمير!..

خالد: فكم يكفيك لدفعه!؟

الرجل: أربعة آلاف درهم.

خالد: إني مُمِدُّكَ بأربعة آلاف درهم. "صوته عالياً" يا غلام.. يا غلام!..

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد: ادفع له أربعة آلاف درهم في الحال.

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد "بعد صمت": أيها الرجل هل رأيتَ أحداً من التجار ربح مثل ربحي هذا اليوم؟

الرجل: وكيف ذاك!؟ أطال الله عمرك..

خالد: لقد عزمتُ على أن أدفع لك ثلاثين ألف درهم، فلمّا طلبت أربعة آلاف وفَّرتَ عليَّ ستة وعشرين ألف درهم.

الرجل: حاشاك وأعيذك أن تربح على مُؤمِّلِكَ أيها الأمير، فإنك بالجود معروف مشهور.

خالد: أما إنك لذو بيانٍ ولسان!.. "في صوتٍ عالٍ" يا غلام!..

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد: أعطِ هذا الرجل ثلاثين ألف درهم.
*****

الأكثر مشاهدة